ما من عبد الناصر في الجوار ليوقفَ السعوديّة عند حدِّها. ولا من غورباتشوف يَدفع اليمنيْن إلى التوحّد. وما من "إسرائيل" على الحدود ليستخدمَها مَن يشاءُ بوصلةً أو ذريعةً لخطابه. ما من كاريزما "لائقة" أو "شرعيّةٍ لتصبح صورُ الحوثيِّ ملصقًا على السيّارات، أو ليصبح منصور هادي موضوعًا للأغاني. إنّه اليمن وقد أنفق كلَّ شيءٍ، قبل أن يتفرّغَ لهذه الحرب.
مع الموجة الأولى من الربيع العربيّ، فاجأنا اليمنُ: فلم ينزلقْ إلى العنف الذي كان يتوقّعُه الجميع، وظلّت المظاهراتُ تخرج بالهتافات واللافتات فقط، وببعض الرصاص الذي يكادُ لا يُذكر. وتتوّج المشهدُ باتّفاقٍ سياسيٍّ أفضى إلى تخلّي الرئيس عن الحكم لصالح نائبه، ويسير باتجاه مرحلةٍ انتقاليّةٍ تصل باليمن إلى شاطئ الأمان.
بدا المشهدُ غريبًا فعلًا لأنّ ما نعرفه عن اليمن أنّه بلدٌ يحتوي كلَّ عوامل التفجّر: من احتكارٍ للسلطة، وخطّةٍ مكشوفةٍ للتوريث الجمهوريّ، وفسادٍ وقح، ومركزيّةٍ سياسيّةٍ هشّة، ومجتمعٍ قبليٍّ متفكّك، ومعدّلاتِ بطالةٍ مرتفعة، واقتصادٍ منهار، وتأخّرٍ تنمويّ، وتخلّفٍ في التعليم، ونقصٍ في الخدمات العامّة، وأعلى معدّلٍ في العالم لامتلاك السلاح خارج إطارِ الدولة... باختصار، كان البلد يمثّل وصفةً "مثاليّةً" لاشتعال حربٍ تشبه حروبَ ما قبل التاريخ. لكنّ ذلك لم يحصل، وبدا أنّ البلد قد نجا، وأنّه سيشكّل (مع تونس) نموذجًا للتغيّر الذي تنتظره شعوبُ المنطقة.
ولكنّ ما كان يحصل في الواقع هو أنّ البلد كان يتحضّر لحربٍ أوسعَ منه في الزمان والمكان، وأنّه لن "يقبل" بأقلّ من عدّة حروبٍ في وقتٍ واحد، خارجيّةٍ وداخليّات، وأنّه يريدها من تلك التي لن يعيش أحدٌ ممّن بدأوها كي يشهدَ نهايتها.
أيُّ مصيرٍ ينتظر اليمن؟
في الملفّ الآتي محاولاتٌ من كتّابٍ يمنيّين للإجابة عن السؤال، وعن الأسئلة المتفرّعة عنه، أو للتعبير عن واقع الحال تحت القصف والموت. هو ملفٌّ سيبقى مفتوحًا ما دام الجرحُ اليمنيُّ مفتوحًا.