إنّ عدمَ مواكبة الجديد في عالم العلوم التربويّة، وعدمَ الاستفادة من التقدّم التكنولوجيّ في العالم، زادا الفارقَ بين الدول التي واكبتْ ذلك التقدّمَ من جهة، وتلك التي لم تواكبْه من جهةٍ أخرى.
ولم يكن الأردن في منأًى عن التردّي الذي أصاب منظومةَ التربية والتعليم في بلادٍ كثيرة، ومنها الوطنُ العربيّ. فمع أنّ التعليم في الأردن كان من أهمّ القطاعات وأكثرِها تقدّمًا بالنسبة إلى المنطقة العربيّة وما حولها، فقد بات على الأردن اليوم تكييفُ التعليم وتجويدُه بما يناسب التطوّراتِ العلميّةَ على جميع الصعد. ومن هنا بدأتْ وزارةُ التربية والتعليم إدخالَ إصلاحاتٍ على النظام التربويّ، وما يتبعه من مؤسّسات، باعتبار الاستثمار في هذا المجال الحيويّ هو الاستثمارَ الأمثلَ في رأس المال البشريّ، في بلدٍ يكاد يخلو من أيّ موردٍ طبيعيٍّ يمكن أن يُسندَالاقتصادَ الوطنيّ.
إنّ تاريخ المنظومة التربويّة الأردنيّة هو تاريخُ الإصلاحات بامتياز، ولكنّه في الوقت نفسه تاريخُ صعوبات تطبيقها. معظمُ جهود الإصلاح المتعاقبة على تلك المنظومة بدأتْ أوائلَ التسعينيّات، وحدّدت الرسالةَ الوطنيّةَ للتعليم، ووضعت استراتيجيّةً شاملةً أُدرجتْ في خطّة التحوّل الاقتصاديّ والاجتماعيّ وخطّةِ التعليم العامّ للفترة 2003–2008. كما أطلقتْ برنامجًا طموحًا للمنطقة كلّها، هو برنامجُ إصلاح التعليم من أجل الاقتصاد القائم على المعرفة، مُدّتُه عشرُ سنوات. وقد سعى هذا البرنامجُ إلى إعادة توجيه السياسات التعليميّة بما يتماشى مع حاجات الاقتصاد القائم على المعرفة، وتحسينِ بيئة التعليم المادّيّة في المدارس، وتعزيز الإصلاحات السابقة.
في مجال تحسين بيئة التعليم المدرسيّة تحديدًا، وُضع مشروعٌ تعليميٌّ رائد في المدارس للاستفادة من قوّة المعلومات والتكنولوجيا من خلال طُرُق تدريسٍ مجرَّبة. وقد حصلتْ هذه المبادرةُ على جائزة اليونسكو لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم. هذا وقد قام الأردن بتطوير مناهجه وبناء استراتيجيّاته التدريسيّة بناءً على أفضل النظريّات التربويّة في مجال البيداغوجيا، وما رافقها من استراتيجيّات التعلّم النشط، التي جعلت الطالبَ محورَ العمليّة التعليميّة، والمعلِّمَ ميسِّرًا وموجِّهًا لها. ومن هذه الاستراتيجيّات: التعلّم بالاكتشاف، والتعلّم التعاونيّ، والعصف الذهنيّ، وحلّ المشكلات. وبذالك جرى النأيُ قدر الإمكان عن استراتيجيّات التعليم التقليديّة مثل التلقين؛ ما أدّى إلى الوصول بالطالب إلى محكّات التفكير العليا، مثل التحليل والتركيب والتقويم، بعيدًا عن الحفظ والاسترجاع.
أمّا على صعيد المعلّم، فقد أجْرت وزارةُ التربية والتعليم نظامًا لرُتَب المعلِّمين يهدف إلى تحقيقِ ما يأتي بموجب المادّة 3:
أ - تحسين أداء المعلّم وتشجيعه علـى اكتساب معارف ومهارات وخبرات جديدة تؤهِّله للقيام بواجبه وفقًا لأحكام هذا النظام.
ب - تأكيد مكانة التعليم والمعلّم في المجتمع.
ج - تشجيع الإقبال على التعليم وضمان عدم تسرّب ذوي الكفاءات منها.
د - مَنْح المعلّم حوافزَ مادّيّةً تُبنى على أساس الكفاءة والإنتاجيّة.
تُعتمد المعاييرُ المبيَّنة أدناه في تصنيف المعلّمين في الرتب المحدَّدة بموجب المادّة 4 من هذا النظام:
أ - المؤهِّلات الأكاديميّة والتربويّة.
ب - سنوات الخبرة في التعليم أو في أيّ خدمةٍ تربويّة في الوزارة.
ج - البرامج التدريبيّة التربويّة.
د - الكفاءة في الأداء وفي الإنتاج المتميّز.
هـ - اجتياز المتطلّبات المقرَّرة لهذه الغاية.
وتصنَّف رتبُ المعلّمين، بموجب المادّة 5، في مساريْن على النحو الآتي:
أ - المسار الأول، ويشمل الرتبَ التي يتولّى شاغلوها التعليمَ، وهي: رتبة معلّم مساعد، رتبة معلّم، رتبة معلّم أوّل، رتبة معلّم خبير، رتبة معلّم قائد.
ب - المسار الثاني، ويشمل الرتبَ التي يقوم شاغلوها بالخدمات التربويّة المتخصِّصة، وهي: رتبة إداريّ تربويّ مساعد، رتبة مساند تربويّ، رتبة إداريّ تربويّ أوّل، رتبة إداريّ تربويّ خبير، رتبة إداريّ تربويّ قائد.
لكنْ، على الرغم من التحسّن المدهش الذي تحقّق في نظام التعليم، فثمّة مشكلاتٌ باقيةٌ تتحدّى الإصلاح، ويمكن تلخيصُها بعددٍ من النقاط:
1 - الضعف في قدرة التعليم على التكيّف مع المستجدّات المعرفيّة والتكنولوجيّة والتربويّة، والاستجابة لتحدّيات العصر ومتطلّبات التنمية في الأردن.
2 - تراجع ظروف المعلّم المادّيّة والمعيشيّة، ما أدّى إلى بحثه عن عملٍ آخر لتوفير العيش الكريم له ولأسرته. كما تراجعتْ مكانتُه الاجتماعيّة، وفقد هيبتَه كمعلّمٍ ومربٍّ؛ ما أدّى ويؤدّي أحيانًا إلى اعتداءات الطلبة وأولياء أمورهم عليه، وإلى هدر حقوقه.
3 - ضعف البنية التحتيّة في أغلب المؤسّسات التعليميّة، والمعاناة جرّاء أعمال الصيانة والاختلالات المزمنة فيها.
4 - عدم انتهاج الوزارة استراتيجيّةً تربويّةً تكرِّس العملَ المؤسّسيّ للنهوض بالعمليّة التربويّة والتعليميّة. وأسهم تغييرُ الوزراء في إفشال الخطط والبرامج ، ولا سيّما أنّها مبنيّةٌ على قاعدةٍ أساسُها مرتبطٌ بشخص الوزير الذي يُطوى ملفُّه بعد مغادرته الوزارة.
5 - تعدُّد الفروع الأكاديميّة في المرحلة الثانويّة، وبخاصّةٍ خلال السنوات الاخيرة. وقد أدّى ذلك إلى اختلالٍ في توزيع المهن وسوق العمل، وإلى تكدّس الخرّيجين في طابورٍ بانتظار الحصول على وظيفة. فأصبحتْ بعضُ التخصّصات نادرةً، كتخصّصات العلوم الإنسانيّة مثل الشريعة والتاريخ والجغرافيا.
6 - تدنّي مستوى التعليم لدى المرحلة الأساسيّة، كتدنّي القراءة والكتابة. وهذا من أخطر المشكلات التي تواجه النظامَ التعليميّ، بسبب آثارها السلبيّة على تحصيل الطلبة. وذلك يعود إلى إلغاء الرسوب في الصفوف الأولى، و"الترفيع التلقائيّ" الذي يهدف إلى إيجاد مقاعدَ دراسيّةٍ للطلبة الجدد من دون النظر إلى مستوى التعليم.
7 - تخلّي كثير من الأُسَر عن دورها الاستراتيجيّ في العملية التعليميّة والتربويّة.
8 - عدم تقديم البيئة التعليميّة-التعلّميّة الأساسيّة الصحيحة. فثمّة اكتظاظٌ في بعض المدارس، وندرةٌ في المكتبات واستخدامها. وثمّة طرقُ تدريسٍ عفا عليها الزمن، ونقصٌ في تدريب المعلّمين، واستخدامٌ محدودٌ لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
9 - عدم تحقيق المنافسة الفاعلة على المستوييْن الوطنيّ والدوليّ؛ وذلك لا يكون إلّا بضمان جودة التعليم ومستوى المهارات.
10 - عدم التطابق بين المهارات المدرَّسة، والمهارات المطلوبة لسوق العمل؛ ما يؤدّي إلى ارتفاع نسبة البطالة.
***
ختامًا، فإنّ إصلاح النظام التربويّ، وما يتبعه من مؤسّسات، هو التحدّي الأكبر لبلوغ التنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة المنشودة. ذلك لأنّ إصلاح هذا القطاع هو أساسُ الاستثمار الأمثل في رأس المال البشريّ، والإستراتيجية المستدامة لمواجهة تحدّيات عصر العولمة وقيم السوق التنافسيّة والعلوم والتقنيّات، باعتبارها القاعدةَ الأساسَ لتأسيس مجتمع المعرفة، والمدخلَ الأساسَ للرقيّ الاقتصاديّ والاجتماعيّ وبلوغ أقصى غايات التميّز ودرجات الجودة.
الأردن