هاربًا من ملثّمينَ بالموت
ذَبَحوا للتوّ حارسَه المجنّحَ القديم،
سار خفيةً بين أحراشٍ من أرجلٍ ورؤوسٍ،
يتحسّسُ خَتمًا برقبتِه من حجرِ اللازَوْرد
ظنّه كابوسًا آخر حين تخفّى ذاتَ موجةِ فؤوسٍ
في بيتٍ للألواح،
أو لمّا غيّبَ في موجةٍ أخرى مدينةَ أكَدَ لأحفادٍ في عالم الذرّ
أو عشيّةَ نامَ بدارٍ للمخطوطات ببغدادَ
حفظتْها أيدٍ حانيةٌ من عبثِ الدود التتريّ ونيرانِ المارينز
ومن أيدي أبناءٍ جلدوهُ مع جندِ الرومانِ مرارًا.
***
على أبواب مدينته الآلافيّةِ،
طالبَه العسسُ بكفيلٍ يُدخلُه الأسوارَ.
لكنّ عيونًا دامعةً في خيام،
كَسَت لحمَ مخاوفِه أمنًا،
قاسمتهُ الماءَ وكِسرَ الخبزِ،
مَسّدَتْ تجاعيدَ أحلامِه أناملُ أطفالٍ عرفوه.
***
في الخنادقِ لم يعرفهُ أحدٌ
حاملو راياتِه
حاملو توابيتِه
لم يسمعْ بحروفِ اسمهِ إلّا قُبالةَ عدسات التصوير
كانوا يلهجون بأسماءٍ غريبةٍ، مموَهةٍ بالزغب.
***
تحت القبّةِ،
خلف أبوابٍ أوصدتْها أيدي سبأ،
كانوا يتفاوضون على غلالِ حقولِه.
على ضوء البرقِ، تبيّنَ ملامحَهم.
ولدُه الأكبر ذو الخاتمِ مشمولٌ بعباءاتٍ سودٍ لأخوالٍ يتراطنون؛
الأوسطُ منشغلٌ بعِقاله عن أعمامٍ يتنازعونَ الإمارةَ؛
ويدُ الأصغر على الخنجرِ
ينتظرُ ــــ وأشقّاءَ من أمٍّ أخرى ــــ
الأسلابَ ليرحلَ.
***
فيما أيتامُهُ الوادعون خارج قُبّتهِ
تحت المطر،
كانوا يحضنونَ ألبوماتِ صوره.ِ
***
في أوجِ العاصفةِ
ركض في الأرض الحرام ليلًا
تحت مطرٍ أسودَ
بين الألغام والخنادقِ
متعثّرًا بأحراشٍ من أرجلٍ ورؤوس.
***
أنامل وادعةٌ مَسحَت وجعَ روحهِ
طيّبَتْ رأسَه بالعطر
ومن ثقوب خيمةٍ في البرّيّة
ضوّعَ شعاعٌ من لازوَردٍ البيوتَ والأسِرّة المهجورةَ
أضاءَ الساحاتِ
والأزقّةَ
وقتامةَ القلوب.
بغداد