رحيل
28-02-2016

 

عندما ترحل الشمسُ وينوبُ عنها القمر
لينيرَ هذه الدروبَ القديمةَ الخالية،
أستيقظُ لأجدَ نفسي وحيدًا في هذا الليل،
في أوّلِ الطريق الذي ينتهي ببيتِ جدّتي،
وأبدأ رحلتي إلى هناك،
حيث نامت طفولتي وحيدة.
أشجارٌ تتمايلُ عن يميني،
جداولُ تترقرق عن شمالي،
وأنا في هذه الطريق الطويلة الموحلة.

 

قريتي بعيدةٌ بعيدة
أنوارُها تتلألأ من بعيد
كالجمرِ نُثر على سفحِ الجبل
وأنا لم أفقدِ الأمل.

        ***

في كلّ مرّةٍ أستيقظُ لأجد نفسي في بداية الطريق
أعاودُ السيرَ من جديد
ربّما نفتني قريتي... ربّما رفضتني
ربّما سأكرهُها
ربّما سأكرهُ ناسَها
لكنْ، لي هناكَ طفولةٌ أعشقُها
وبيتٌ عتيق... وسجّادةٌ مغبرّة .. وأصيصُ ورد! 
طفولتي نائمةٌ هناك
ولا أريدُ لها أن تموت
سأمشي إليها
حتّى لو استيقظتُ لأجدَ نفسي في البدايةِ من جديد.

        ***

حين أتوْا ليأخذوني وقفتِ في وجهِهم صارخةً: إنّه ابني!
وصحتُ وأنا أمسك بيدكِ: وأنا ابنُ أبي!
فشتموني وشتموكِ ولعنوا أبي وأباكِ... وأخذوني .

        ***

جدّتي
حلمتُ بكِ الليلة
تتّكئين على شجرةِ التوتِ المورقة
والهواءُ يعصفُ بها وبكِ وكأنّه يريد اقتلاعَكما.
فتحتُ عيني لأنهي هذا الحلم.
كانت شجرةُ التوت عارية،
والبردُ قارسا،
فأدركتُ أنّكِ رحلتِ.

كانت رائحةُ الكستناء تفوحُ في الطابق العلويّ
حيث كان سريرُكِ وبعضُ أشيائك.
وأوراق العنب التي سقطتْ عن السطح 
مبعثرة في كلّ مكان؛
صورة جدّي الذي قُتل في الجبهة
مغبرّة في ركن الغرفة؛
ومنديلك مطويًّا فوق المنضدة .

وصورةُ غيفارا التي علّقتُها ذات يوم
تغفو في ضوء القمر ببطء
كما يغفو هذا العمر؛
وأنا
خرجتُ ولم أكن أعلم إنْ كنت سأعود.

        ***

وها أنا اليوم
أستيقظُ لأجد نفسي وحيدًا من جديد
في هذا الليل،
في هذه الطريق الطويلة الموحلة،
أخطو أولى خطواتي
رغم كلّ هذه القذارة على طول الطريق.

ألمانيا

مجد ابراهيم

شاعر وقاصّ سوريّ مقيم في ألمانيا. من مواليد 1991. حاصل على الإجازة الجامعيّة في التربية الموسيقيّة.