ماهر الصامد رغم ظلم ذوي القربى!
إنّ القلبَ يخفق، والعينَ تدمع، واليدَ ترجف، وأنا أكتب عن ماردٍ لم يأبهْ يومًا لعدوّ، ولا لحاقد، أو متربّص.
كيف أكتب عن رجل لا يوفّيه حقَّه أيُّ كلام؟
قبل نحو أربعين عامًا، في الرابعة عشرة من عمري، كنتُ على ما أعتقد أصغرَ مقاتل في الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، وتحديدًا في مخيّم عين الحلوة. فجأةً، علا صراخُ مجموعةٍ من الشباب يخرجون من اجتماع. كان شكلُهم يوحي لي يومها أنّهم مجموعة غير منضبطة. استغربتُ، وقلت في نفسي: "من هؤلاء؟"
ثمّ علمت أنّهم من أشدّ مقاتلي الجبهة كفاءةً وصلابةً، وأنّهم كانوا يتصدّوْن لمن يحاول النيلَ منهم. وفيما بعد عرفتُ أسماءهم: ماهر، وفؤاد، وأبو الرائد.
***
بعدها، لم أرَ ماهرًا إلّا في العام 1981، عندما عملتُ في بيروت. ومع الأيام صرت أراه دائمًا كما رأيته آخر مرّة قبل خمس سنوات من وفاته: شابًّا نشيطًا مليئًا بالحيويّة والعنفوان، لا يأبه إلّا لضميره وشعبِه ومحبّةِ الفقراء والمستضعفين.
***
لقد حاولوا قتلك يا ماهر عدّة مرات. حاول الأعداءُ ذلك، ونجوتَ. وحاول الخصومُ النيلَ منك معنويًّا، لكنّ الشرفاء نصروك ولم يستطع أحدٌ مسّك بسوء.
ماهر كان من القلّة الذين إنْ جلسوا مع الرفيق الحكيم جورج حبش، صارحوه ولم يجاملوه ولم يهابوه. حبُّه للحكيم والجبهة لا حدود له. وكان تارة يقسو بكلامه، لكنّ كلامه دائمًا نابع من ذلك الحبّ. ثم يضيف نكتةً، فتسمع ضحكةَ "الحكيم" تجلجل في كلّ أرجاء المكتب.
ماهر كان يرفض أن يحمِّل الجبهة أيّ عبء. لذلك كان يبحث من الأصدقاء على شذرات ليموِّل العمل وليقدِّم إلى المحتاج.
لروحك المجد والخلود يا أغلى الغوالي.
مالمو (السويد)
سيف الدين العائدي
مقاتل في الثورة الفلسطينية منذ عقود. رفيق مقرب للقائد الراحل ماهر اليماني.