كاتب من اليمن، مقيم في ألمانيا. مهتمّ بشؤون الثقافة والسياسة والاجتماع. نشر مقالات في العديد من الجرائد والمواقع.
علاقة الديمقراطيّة بالاستبداد مبحث ضخم ومعقّد لأنّه يتضمّن مستوياتٍ مختلفة: ففيه بعدٌ نظريّ، يتناول الفلسفةَ والفكرَ السياسيّ ونُظُمَ الحكم؛ ولدينا بعد ذلك فحصُ العلاقة في سياقٍ تاريخيّ، مكانيّ وزمانيّ.
***
المحور الأول: العلاقة بين الديمقراطيّة والاستبداد في تاريخ الفكر السياسيّ
في محاورات الجمهورية يَبْسط أفلاطون، وهو أوّلُ مفكّر محافظ في التقليد الفلسفيّ الغربيّ، رأيَه في أنظمة عصره، ومنها الديمقراطيّة؛(١) فيرى أنّ تأكيد الديمقراطيّة على الحرية تطرّفٌ يزلزلُ التراتبيّةَ الاجتماعيّةَ التي تقوم عليها دولةُ المدينة (Polis) (أحرار/عبيد، رجال/نساء، مواطنون/غرباء، أساتذة/تلاميذ،...)، وسيؤدّي إلى الفوضى، وسيقود "حتمًا" إلى تطرّفٍ مضادّ، وهو ظهورُ نظام الإذلال والاستبداد.
من الأفضل أن نحتفظ بهذا "السيناريو" الأفلاطونيّ في عقولنا لأنّ جذورَه ضاربةٌ في عقليّة الديكتاتوريّات الشعبويّة وقادةِ الثورات المضادّة للديمقراطيّة(٢) حتى يومنا هذا؛ وخلاصتُه أنّ الديمقراطيّة فوضى تشكِّلُ قابليّةً للاستبداد.
أرسطو، تلميذُ أفلاطون، كان يمتاز من أستاذه بتناوله النقديّ للديمقراطية؛ فهو يشرح أنواعًا منها، ويبحث بهدوءٍ عن المجتمع الأصلح للنظام الديمقراطيّ.(٣) ولكنه لا يرى في الديمقراطيّة شكلًا من أشكال الاستبداد إلّا في حالةٍ واحدةٍ فقط، وهي حين يغيب القانون؛(٤) ففي هذه الحالة لا تمايزَ بين السلطات على الإطلاق، ويصبح "الشعبُ" هو القانون، وتغدو عقابيلُ الديمقراطيّة مطابقةً في جوهرها لعقابيل النظُم الطغيانيّة.
فإذا تقدّمنا في التاريخ وجدنا فلاسفةً مثلَ الفيلسوف الألمانيّ إيمانويل كانط يمتح من التقليد الأرسطيّ في نقده للديمقراطيّة؛ فهو أيضًا يراها تناقض الحريّةَ بسبب عدم تمايز السلطات فيها.(٥) لكنْ من المهمّ الإشارة إلى أنّه لا يتحدث عن الديمقراطيّة التي نعرفها الآن، بل عن الديمقراطيّة اليونانيّة، أي الديمقراطيّة المباشرة التي دعا إليها روسّو بلاواقعيّةٍ مفرطة، رافضًا مبدأَ "التمثيل" لأنّ الإرادة العامّة "ممّا لا يُمثَّلُ مطلقًا."(٦) وقد عبّر كانط، بتفضيله المبدأَ الجمهوريَّ، عن معضلةٍ حقيقيّةٍ كانت تعتور الفكرةَ الديمقراطيّةَ كما طرحها روسّو. وكان الحلُّ التاريخيّ الذي طبقه "الفيدراليّون،" وبخاصّةٍ في الديمقراطيّة الأمريكيّة الوليدة، متمثِّلًا في الجمع بين الفكرتين الديمقراطيّة والجمهوريّة عبر فكرة "التمثيل."(٧)
في موضوع علاقة الاستبداد بالديمقراطيّة الحديثة لا بدّ من الإشارة إلى أخطر نقديْن وُجّها إلى الديمقراطيّة: نقد الفلسفة الفوضويّة، والنقد الماركسيّ ــــ اللينينيّ. ومكمنُ القوة هنا هو أنّ هذا النقد لا ينحصر في الديمقراطيّة في ذاتها، بل يأتي نتيجةً لنقدٍ جذريٍّ لوعائها التاريخيّ: فكرة الدولة.
أ ـــ نستطيع تلخيصَ نقد الفوضويين في الموجز التالي: الديمقراطيّة تتحرّك في الدولة، والدولةُ تحتكر العنفَ وتمارس الإكراهَ والقسرَ، وهذان الأخيران شرٌّ بالضرورة؛(٨) ومن ثمّ فإنّ الديمقراطيّة في ظلّ الدولة لن تكون إلّا استبدادًا وشرًّا، مهما ادّعت العكسَ.
أهميّة النقد الفوضويّ في رأينا تكمن في ما يشير إليه من إشكال تاريخيّ لفكرة "الدولة،" وما يثيره من حججٍ مضادّة. وهنا نشير إلى إمكانيّة توظيف أفكار أمارتيا صن(٩) في مقارعة النقد الفوضويّ وضربِ أساسِه الأخلاقيّ القائمِ على قيمة الاستقلال الذاتيّ والحريّة؛ فأطروحة صن تقوم على إظهار العلاقة بين قيمة الحريّات السياسيّة والمدنيّة من جهة، والتنميةِ من جهةٍ أخرى، لأنّهأ جميعَها تحْدث في ظلّ الدولة القوميّة.
ب ــــ أمّا في النقد الماركسيّ للديمقراطية (١٠) فتهمّنا الإشارةُ إلى أنّ ماركس يرى أنّ "سلطة الدولة الحديثة ليست إلّا هيئةً تدير الشؤونَ المشتركة للبرجوزاية."(١١) ويتلقّف لينين هذا التوصيفَ ليستخلصَ أنّ الديمقراطيّة ليست إلّا ديكتاتوريّةَ البرجوازيّة.(١٢) هكذا يعود بنا النقدُ اللينينيّ إلى توصيف الديمقراطيّة بالاستبداد، ولكنْ من جهةٍ طبقيّة. وهذا النقد، رغم نزوعِه المفرِط نحو التعميم وفشلِ النموذج التاريخيّ الذي بُني على أساسه، ما يزال قويًّا، وبخاصةٍ عند مقاربة الحالة الأميركيّة الراهنة، حيث تدير "المؤسَّسة" (الإستابليشمنت) شؤونَ المجتمع؛ بالإضافة إلى أنّ الديمقراطيّة الأميركيّة وتغوُّلَ رأسِ المال وماكينتِه الإعلاميّة يعيدان البريقَ إلى نقد المفكّر النمساويّ جوزيف شومبيتر للديمقراطيّة الكلاسيكيّة (كما يسمّيها) عبر تأكيده أنّ الإرادة العامّة تتشكّل سياسيًّا وليست معطًى ثابتًا.(١٣)
وكانت المثقفة والمناضلة اليساريّة المهمّة، والمؤيّدة للثورة الروسية، روزا لوكسمبورغ،(١٤) قد لاحظتْ أنّ النموذجَ العمليّ القائم على هذا النقد، وهو الديمقراطيّة المباشرة عبر "المجالس" (كما يراها لينين وتروتسكي)، لن يقودَ إلّا إلى الديكتاتورية، ولن يبقى في المجال العامّ إلا البيروقراطيّة.(١٥) وقد أثبتتْ تجربةُ الاتحاد السوفياتيّ بعد ذلك سلامةَ تحليل لوكسمبورغ.
أهمّ ما يخرج به الديمقراطيُّ من مناقشة النقدين الفوضويّ والماركسيّ ــــ اللينينيّ هو أنّ الديمقراطيّة ليست الأفضل، ولكنها قطعًا الأقلُّ سوءًا. وهناك بالتأكيد انتقاداتٌ ثريّةٌ للديمقراطيّة في تاريخ الفلسفة لم نتناولْها في هذا المحور لاهتمامنا هنا بالنقد الذي يربط بين الديمقراطيّة والاستبداد حصرًا. لكنْ نشير سريعًا إلى ما أسماه الصحفيّ والكاتبُ الأميركيّ والتر ليبمان، في مطلع القرن الفائت، "الديمقراطيّة الموجّهة." ويتمّ عادةً استخدامُ هذا المصطلح لتوصيف روسيا البوتينيّة، ولكننا لا نرى في هذا المصطلح إلّا تلطيفًا وتبريرًا للنظام الاستبداديّ بديكورٍ ديمقراطيّ.
***
المحور الثاني: في السياق التاريخيّ
قبل الدخول في نقاش بعض الحالات التاريخيّة، علينا أن نحدِّد بعضَ التمييزات النظريّة. أ ـــــ فهناك نقدٌ معاصرٌ لتجارب الديمقراطيّات القديمة العمليّة باعتبارها شكلًا طغيانيًّا، وهذا يختلف عن النقد النظريّ الذي قدّمه المفكّرون القدامى للديمقراطيّات نفسها، لأنّ المعايير وأحكام القيمة اختلفت بين القدامى والمعاصرين. ب ـــــ إنّ رفض الديمقراطيّ المعاصر للاستبداد يجب ألّا يدفعَه إلى طمس تمييزات أساسيّة، مثل أنواع الاستبداد. فليس صحيحًا أنّ كلّ الأنظمة الاستبداديّة في التاريخ كانت سواء: فهناك استبدادٌ تبنّى التحديث، وهناك استبدادٌ متخلّفٌ دمّر المجتمعات. ومن هذا التمييز الأخير نقسم علاقةَ الاستبداد بالديمقراطيّة في التجربة التاريخيّة إلى ثلاثة أشكال: 1) توفير الاستبداد للشروط الاجتماعيّة اللازمة للديمقراطيّة من خلال قيادته لعمليّة التحديث. 2) توفير الاستبداد للشروط الديمقراطيّة قسريًّا، بفعل حركة الدولة، من دون توجّهٍ إلى الديمقراطيّة أو التحديث. 3) قيادة النظام المستبدّ للتحوّل الديمقراطيّ.
والآن إلى دراسة بعض الحالات التاريخيّة.
* في التاريخ القديم. هل كانت الديمقراطيّة الأثينيّة ديمقراطيّةً حقًّا؟ هذا سؤال مهمّ لأنّه سيلقي بظلاله على تاريخ أممٍ أخرى. وتعتمد الإجابة عليه على نوع فكرتنا التي سنتّخذها عن الديمقراطيّة.
في أثينا لم يكن فاعلًا في ديمقراطيّتها إلّا المواطنون الذكورُ الأحرار، وقد قُدِّر عددُ المواطنين في أثينا في القرن الرابع ق.م بـ ١٠٠ ألف، في مقابل ٤٠٠ ألف عبد.(١٦) ينبغي التذكير بأنّ جزءًا كبيرًا من اقتصاد الدولة كان قائمًا على العبيد، وبأنّ الاجتماع العمليّ لممارسة الديمقراطيّة في دولة المدينة كان ممكنًا فقط لطبقاتٍ معيّنةٍ من الأحرار، أيْ لأولئك الذين يملكون متَّسعًا من الوقت لحضور الاجتماعات.(١٧) وهذا ينطبق على الحالة الجمهوريّة الرومانيّة أيضًا.
وتمْكن ملاحظةُ التشابه مع التجربة الإثينيّة في بدايات التجربة الديمقراطيّة الإنجليزيّة. فقد كان يحقّ لواحد فقط من كلّ عشرين مواطنًا بالغًا الاقتراعُ، ثم توسّعتْ قاعدتُه بفعل الكفاح الاجتماعيّ والتغيّرات البنيويّة في الاقتصاد.(١٨)
بالمفهوم الديمقراطيّ المعاصر يمكن اعتبارُ هذه الديمقراطيّات، وبخاصة الأثينيّة، دكتاتوريّة أقليّة. وإذا اعتبرناها شكلًا من الديمقراطيّة، فبإمكاننا كذلك أن نرى في تجربة "دار الندوة" في مكّة قبل الفتح ملمحًا ديمقراطيًّا.
** نشوء الديمقراطيّات الحديثة. لكي نفهم العلاقة التاريخيّة بين الديمقراطيّة والاستبداد، يُستحسن أن ننظر إلى الديمقراطيّة الحديثة بمنظارٍ هيجليّ، أيْ باعتبارها تسويةً تاريخيّةً ناتجةً من جدلٍ بين الأنظمة المستبدّة ومراكزِ القوى في الدولة القوميّة. ووثيقة "ماجنا كارتا"(١٩) نفسُها، وهي وثيقةٌ صدرتْ في القرون الوسطى ويعدّها كثيرون "بذرةَ الديمقراطيّة" الحديثة، كانت فعليًّا تسويةً بين الملك جون والنبلاء.
أثناء التغيّرات الكبرى في المملكة المتحدة وبعدها توسّعتْ مراكزُ القوى، ودخل لاعبون جدد، وتوسّعتْ قاعدةُ الانتخاب شيئًا فشيئًا.(٢٠) وبعد ظهور برجوازيّة المدن والزراعة التجاريّة حدثتْ تحالفاتٌ طبقيّةٌ بين ملّاك الأراضي وبرجوازيّةِ المدينة، دفعتْ نحو دمقرطةٍ أكبر للنظام السياسيّ.(٢١) ونقول أمرًا مشابهًا عن التطوّر الديمقراطيّ في هولندا؛ فلمّا كانت هولندا تعتمد على التجارة، لا على الزراعة، لتحصيل الضرائب، فقد كانت التفاهماتُ المتتاليةُ بين الدولة والتجّار في الموانئ هي محورَ التفاعل الأساس بين الدولة والقوى الاجتماعيّة. هذا وقد درس بارينجتون مور تطوّراتِ الدول نحو الديمقراطيّة والشيوعيّة والفاشيّة في كتابه التأسيسيّ، الأصول الاجتماعيّة للديكتاتوريّة والديمقراطيّة، بالاعتماد على فحصٍ مضنٍ لهذا التوازن في العلاقات بين الإقطاع والدولة والفلّاحين وبورجوازيّة المدن، واستطاع تفسيرَ الثورة الفرنسيّة بالاعتماد على دراسة شبكة العلاقات هذه ونوعيّةِ النشاطات الاقتصاديّة وشكلها. ومن هنا يأتي توصيفُنا بأنّ الديمقراطيّة الحديثة كانت تسويةً في جوهرها، وأنّ الثورات الحديثة هي (في جزءٍ كبيرٍ منها) نتاجٌ لعدم إنجاز الدولة الاستبداديّة تسويةً مع قوى المجتمع ومع طبقاته المطالبةِ بحريّاتٍ أوسع.
من ناحية أخرى، كانت خطواتُ بعض الأنظمة الاستبداديّة التحديثيّة خالقةً للشروط الأساسيّة لكلٍّ من الديمقراطيّة... والثورةِ الشعبيّة عليها! فلا يمكننا أن نفهم التاريخَ الفرنسيَّ أو الثورة الفرنسية جيّدًا إنْ لم ندرس سياساتِ الملك لويس الرابع عشر التي زادت من قوة الدولة المركزيّة. وفي النموذج السويسريّ دَفَع الغزوُ الفرنسيُّ للأراضي السويسريّة سنة 1798 إلى تكوين كيانٍ سويسريٍّ أكثر مركزيّة، وحدثتْ توسيعاتٌ في الحقوق المواطنيّة (٢٢) ــــ وهذه كلُّها عواملُ أدّت دورًا في ترسيخ الديمقراطيّة في سويسرا لاحقًا بعد حرب أهليّة سويسريّة دامت سنوات.
في حالةٍ أخرى ربما تكون فريدةً من نوعها، مورستْ أشنعُ أعمال القمع والقتل لتحقيق شكلٍ من الديمقراطيّة! إنّها حالةُ اليعاقبة في الثورة الفرنسية. فروبسبيير ورفاقُه كانوا "مؤمنين" بالديمقراطيّة المباشرة كما شرحها روسّو، رافضين مبدأَ التمثيل، ولهذا رأوْا أنّ عليهم خلقَ مجتمعٍ "متجانس"(٢٣) ملائمٍ للديمقراطيّة الروسويّة. وهكذا ذهب الآلافُ إلى المقاصل.
***القرن العشرون: هناك تجاربُ تاريخيّةٌ عديدة في هذا القرن تستحقّ الإشارةَ في معرض الحديث عن الديكتاتوريّة والديمقراطيّة. لكنْ قبل الشروع في تناولها نطرح سؤالًا مهمًّا: ما هي الشروط الاجتماعيّة اللازمة للديمقراطيّة؟
هذا السؤال ينطوي على إشكالٍ يحتاج إلى وقفة. أولًا، تتلوّن التجاربُ الديمقراطيّةُ بخصوصيّات السياق الاجتماعيّ؛ وعليه، تستلزم عمليّةُ استخلاص العوامل الكثيرَ من التواضع.(٢٤) ثانيًا، تُثبت التجاربُ التاريخيّةُ المختلفة أنّ توافر كامل الشروط التي يمكن استخلاصُها ليس ضروريًّا للتحوّل الديمقراطيّ؛ بل يمكن ان يحدث هذا التحوّلُ من دون بعض الشروط. ثالثًا، نذكّر بأنّ الديمقراطية، لكونها تسويةً تاريخيّةً، تجربةٌ تُخاض، ولا يُخطَّط لها مركزيًّا كما يعتقد بعضُ المثقفين من ذوي الوعي الاستشراقيّ. وعليه، فإنّ إيرادَ بعض الشروط والبحثَ عن حلولٍ في غيابها أمرٌ، والتقريرَ بأنّ مجتمعًا ما "غيرُ مؤهَّل للديمقراطيّة" بناءً على "تحليلٍ اجتماعيٍّ" أمرٌ مختلفٌ تمامًا. ولهذا فمن الأفضل استخدامُ تعبير "الشروط المساعدة لترسيخ الديمقراطيّة."
بعد التطور الرأسماليّ وتعدّد تجارب التحوّل الديمقراطيّ في العصر الحديث، نخلص إلى أنّ هذا التحوّل يصبح أكثرَ سهولةً بالشروط التالية: أ) البرجوازيّة، وهذا مستخلصٌ من الطرح الماركسيّ.(٢٥) ونضيف إليه تحالُفَ هذه الطبقة، في اللحظات الحرجة، مع طبقاتٍ وقطاعاتٍ اجتماعيّةٍ أخرى في مواجهة الأنظمة الديكتاتوريّة. ب) مدن وثقافة مدينيّة. ج) قدرة الفرد على تخيل نفسِه "مواطنًا" في الأمّة.(٢٦) د) وجود حدّ أدنى من المؤسّساتيّة في جهاز الدولة. ه) وجود كيانات سياسيّة(٢٧) تمثّل مصالحَ وتوجّهاتٍ مختلفةً تستبطن الديمقراطيّةَ وترى فيها الإطارَ الأفضلَ للصراع فيما بينها.
بناءً على ما سبق، نستطيع أن نقول إنّ كلّ شرطٍ يعزّز من الاندماج الاجتماعيّ، ومن تخيّلِ الفردِ نفسَه مواطنًا له حقوقٌ في كامل الجغرافيا الوطنيّة، يعزّز الديموقراطيّةَ في الوقت عينه.
بعد إيراد هذه الشروط نستطيع التقدّمَ في نقاش بعض الأمثلة التاريخيّة:
1 ـــــ بولندا والشيوعيّة. ساهم النظامُ الشيوعيّ القمعيّ في خلق مشاكل للمجتمع البولنديّ لا تزال آثارُها موجودةً إلى يومنا، ولكنّه شكّل أيضًا كثيرًا من المقوِّمات التي سهّلتْ على بولندا بناءَ ديمقراطيّتها لاحقًا. فإنشاءُ البنى التحتيّة، ونشرُ التعليم، وبناءُ اقتصادٍ إنتاجيّ، ساعدتْ في تكوين الهويّة القوميّة البولنديّة، وفي الاندماج الاجتماعيّ. لقد كان التحديثُ متعثّرًا في أوروبا الشرقيّة على كلّ حال، والشيوعيّةُ هي التي أنجزتْه، ولكنْ بسرعةٍ وعنفٍ سبّبا الكثيرَ من الكوارث. وهذا الاقتصادُ الذي بناه الشيوعيون هو الذي أدخل المرأةَ إلى حيّز الإنتاج،(٢٨) وجعل من محاولات الكنيسة الكاثوليكيّة إعادةَ السيطرة على المجتمع وتقليصَ الحريّات المدنيّة بعد انهيار الشيوعيّة أمرًا صعبًا للغاية.(29) ثمّ إنّ حركة "تضامن،" التي قادت الانتفاضةَ ضدّ النظام الشيوعيّ هي، فعليًّا، التكوينُ المضادُّ المتشكّل في رحم الممارسات الإيديولوجيّة الشيوعيّة لكون الأدبيّات الشيوعيّة احتفت دومًا بالنقابات وشجّعتْ على تكوينها (ولكنْ مع سيطرة الحزب الشيوعيّ عليها طبعًا).
2 ـــــ إسبانيا وفرانكو. قبل الحرب الأهليّة الإسبانيّة، أدار البلادَ الجنرال بريمو دي ريفيرا. ورغم وصف هذا الديكتاتور بـ"غرابة الأطوار،" فإنّه كان مهتمًّا بمشاريع شقّ الطرق.(٣٠) والحال أنّ مشاريعَ الربط الجغرافيّ، عبر شقّ الطرق وشبكةِ القطارات، تُعَدّ أحدَ أهمِّ مسرِّعات الاندماج الاجتماعيّ، وتسهم في تعزيز قدرة المجتمع على إعادة إنتاج هويّته الوطنيّة.
بعد الحرب الأهليّة، صعد الديكتاتورُ الفاشيّ فرانكو إلى الحكم، وظلّت البلادُ في أوضاعٍ متدهورةٍ اقتصاديًّا، إلى أن بدأ فرانكو في الستينيّات بفتح اسبانيا اقتصاديًّا وقيادةِ مشاريع تنمويّة مهمّة.(٣١) ومع مطلع السبعينيّات كانت الطبقةُ الوسطى قد اتّسعت، وآتى الاستقرارُ النسبيُّ (الذي دام قرابةَ الأربعين عامًا) ثمارَه(٣٢) مع وجود قوًى سياسيّةٍ مختلفةِ التوجّهات ومضطَهدة من قِبل السلطة. هكذا مهّد رجلُ "المقابر الجماعيّة،" بسياساته الاقتصاديّة في آخر عقديْن من حكمه، الطريقَ للملك خوان كارلوس ـــــ الذي اختاره فرانكو وريثًا للعرش وهيّأه للحكْم بالمعنى الحرْفيّ(٣٣) ـــــ كي يقود إسبانيا نحو الديمقراطيّة.
3 ـــــ كوريا الجنوبيّة وتشونغ ــــ هي. في جنوب شرق آسيا مكنزٌ لكلّ دارسي الوشائج التاريخيّة بين الديكتاتوريّة والديمقراطيّة، ولكنّ المثالَ الأكثرَ نموذجيّةً هو كوريا الجنوبيّة. فقد صعد بارك تشونغ ــــ هي إلى الحكم عبر انقلابٍ عسكريّ عامّ ، وبدأ واحدةً من أهمّ تجارب التحديث في القرن العشرين. ولئن لم يكن هذا مقامَ تفصيل سياساته الاقتصاديّة،(٣٤) بنجاحاتها وكوارثها، فإنّ ما يهمّنا هنا هو كيف تَرجمتْ هذه السياساتً ذاتَها سياسيًّا واجتماعيًّا.
فعشيّة مقتله كانت الطبقةُ الوسطى قد اتّسعت بصورة ملحوظة،(٣٥) وتطوّرتْ مؤسّساتُ التعليم الأكاديميّ والمهنيّ، وبرز جيلٌ من الكوريين مؤهَّلٌ تأهيلًا عاليًا، وظهرتْ شركاتٌ كبرى، ونشأتْ قاعدةٌ قويّةٌ لاقتصاد صناعيّ واعد. ومن المفارقات أنّ احتجاجات طلّابيّة عارمة اندلعتْ قبيْل مقتله على يد رئيس جهاز مخابراته؛(٣٦) وكأنّ ذلك كان إشارةً إلى حصاد سياسات الديكتاتور، وهو الذي قَمع العمّالَ والمجتمعَ وعدّل الدستورَ وأعلن نفسَه حاكمًا مدى الحياة، مؤدّاها: أنّ التحديث الحثيث ترجم ذاتَه من الاقتصاديّ إلى السياسيّ خلال 18 عامًا فقط.
خلفاء تشونغ ــــ هي في الحكم كانوا ضبّاطًا في الجيش، ولكنّهم اضطُرّوا ـــــ تحت ضغط المجتمع ومراكزِ القوّةِ فيه ـــــ إلى إعلان التعدديّة الحزبيّة، ثم الذهابِ نحو تسويةٍ تاريخيّةٍ بصياغة دستورٍ جديد، والتوجّه نحو الديمقراطيّة سنة 1987. وهكذا فإنّ النظام القمعيّ في كوريا الجنوبيّة كان فعلًا "ضحيّةَ نجاحاته بالذات."(٣٧)
***
المحور الثالث: الحالة العربيّة
الحالة العربيّة إشكاليّة حقًّا. ذلك أنّ صمودَ ديكتاتوريّاتها (مقارنةً بكثيرٍ من نظرائها في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينيّة)، وعدمَ ذهابها إلى إصلاح ديمقراطيّ حقيقيّ، والثوراتِ الشعبيّةَ عليها؛ كلّ ذلك يحتاج إلى أن نُنْعمَ النظر فيه.
سنوظّف مصطلحًا موسيقيًّا استخدمه إدوارد سعيد في سياقٍ آخر، لكي نوصّف الاشتباكَ التاريخيَّ المعقّد بين الديمقراطيّة والديكتاتوريّة في الدول العربيّة، فنقول إنّ تاريخَ الدولة العربيّة منذ دولة الاستقلال وحتى ثوراتِ العام 2011 تاريخٌ "طِباقيٌّ" إلى حدٍّ بعيد.* ولكي نسهّل النقاشَ، سنقسم تاريخَ الدولة العربيّة على أساس سياساتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة إلى مرحلتيْن: مرحلة رأسماليّة الدولة، ومرحلة اللبرلة الاقتصاديّة.
أ ـــــ مرحلة رأسماليّة الدولة. في هذه المرحلة حدثتْ تغيّراتٌ كبيرةٌ بفعل قلب موازين القوى الاجتماعيّة من خلال: محاربة الإقطاع، وتوسيع مؤسّسات التعليم وتقرير مجّانيّته، ومحاولة بناء اقتصادٍ صناعيّ، والتأكيد على البعد القوميّ. هذه التغيّرات ساهمتْ في تحقيق قدرٍ مهمٍّ من الاندماج الاجتماعيّ في الأقطار العربيّة:(٣٨) فهي وسّعت الطبقةَ الوسطى، وأدخلتْ كتلًا من البشر كانوا على هامش الوجود (مثل الفلّاحين) إلى حيّز المستقبل،(٣٩) وسمحتْ بتشكّل كتلٍ طلّابيةٍ كبيرةٍ وقابلةٍ للتسييس بفعل ظروف تلك المرحلة التاريخيّة وبفعل شكْل الجامعات العربيّة من ناحية علاقتها بمجتمع المدينة.(٤٠) ورغم أنّ هذه الأنظمة الشعبويّة(٤١) كانت معاديةً للديمقراطيّة السياسيّة علنًا، فإنّ خطواتها هذه لم تكن إلّا تمهيدًا (غيرَ مقصود قطعًا) للديمقراطيّة.
ولكنْ، في الوقت ذاته، كان إطارُ هذه السياسات نفسِها يَهْدم كثيرًا من المقوّمات الاجتماعيّة للديمقراطيّة التي خلقتْها. مثلًا، لم يكن تحريرُ طبقات اجتماعيّة من الإذلال الممأسس قائمًا على بناء اقتصادٍ حرّ، بل تمّ ابتلاعُ المجتمع عبر القطاع العامّ، فأضحى المجتمعُ "موظَّفًا" عند الدولة، ما ألبس هذه الأخيرةَ لباسَ "الأب."(٤٢) وهذا التطوّر النفسيّ/الاجتماعيّ يهدم، في حدّ ذاته، أساسَ النِّدّيّة في المخيال الجمعيّ الذي تقوم عليه الديمقراطيّة.
هذا عدا كوارثَ أخرى، مثل ترييف المدن وعدم التخطيط لتمدين الريف. كما أنّ تحويلَ القوميّة العربيّة إلى إيديولوجيا قهريّة عوضًا من أن تكون إطارًا ثقافيًّا حرًّا كان إحدى بذور خلق الفاشيّة في بعض تلك الأنظمة.(٤٣) يقول الأيّوبي في كتابه التأسيسيّ عن الدولة العربيّة إنّ الطبقة الوسطى في فترة المدّ القوميّ كانت تهتم بالاشتراكيّة والقوميّة أكثرَ من اهتمامها بالديمقراطيّة،(٤٤) ولكنه لا يستفيض في تفسير هذه النقطة. وفي رأينا أنّه لم يكن في يد تلك الطبقة الكثيرُ لتفعلَه في مرحلة سيطرة القطاع العامّ واحتكارِ الدولة شبهِ المطلق للقوّة وابتلاعِها للمجتمع، وكذلك لمعرفة تلك الطبقة أنّ جزءًا كبيرًا من تمدّدها يرجع الفضلُ فيه إلى السياسات الاشتراكيّة الدولتيّة نفسها. بالإضافة إلى أنّ تجارب الديمقراطيّة في مرحلة الاستعمار فشلتْ على المستويين السياسيّ والاجتماعيّ، ولم تكن مثيرةً للإعجاب على كلّ حال، بعكس ما يحاول البعضُ في هذه الأيّام تصويرَه عبر الحنين إلى أشياءَ لم تكن بذلك البهاء.** ومع كلّ هذا، فإنّ مؤسّسةً محافظةً بطبيعتها، وتتركّز فيها فكرةُ التراتبيّة، مثل مؤسّسة الجيش، أخرجتْ أفرادًا كانوا يطالبون بالديمقراطيّة السياسيّة منذ بداية الاستقلال.(٤٥)
وبناءً على هذا التحليل، ورغم طباقيّة مرحلة الدولة العربيّة هذه، بالإمكان القولُ إنّ علاقة الديكتاتوريّة بالديمقراطيّة كانت من النوع الذي تذهب فيه الدولةُ نحو التحديث، فتشكّل مقوّماتٍ للديمقراطيّة... عن غير قصد.
ب ـــــ مرحلة اللبرلة الاقتصاديّة. رغم أنّ الدول العربيّة لم تبدأ اللبرلة في وقتٍ واحد، فسنتّخذ من ثمانينيّات القرن العشرين تاريخًا لبدء هذه العمليّة.
في هذه المرحلة، بدأت الأنظمةُ العربيّة بـ "التنازل" للمجتمع، فوسّعت الهامشَ الديمقراطيَّ للصحافة وسمحتْ بتعدّد الأحزاب. ولم يكن هذا إصلاحًا بالمعنى الفعليّ، بل كان ناتجًا من الأزمة الماليّة(٤٦) التي ظهرتْ على القطاع العامّ، وذهاب الأنظمة نحو اللبرلة الاقتصادية التي ستقضي على جزءٍ كبير من شروط حياة المجتمع التي كرّستها السياساتُ الاشتراكيّة.
هنا يتضح التناقض المريع: توسيعُ الديكتاتوريّة للهامش الديمقراطيّ، مع هدمها المنظّم للمقوِّمات الاجتماعيّة والطبقيّة التي ترسّخ الديمقراطيّة. ذلك لأنّ عمليّات اللبرلة التي تمّت لم تكن على نمطٍ منظّمٍ يهدف إلى تنمية اجتماعيّة حقيقيّة، بل كانت لبرلةً فاسدةً خَلقتْ نوعًا من "الزبائنيّة" (٤٧) بين رأس المال والقطاع العامّ الذي لم يتم تطويرُه فعليًّا، بل ظلّ يتمدّد حتى ترهّل. وبهذه العمليّة الخطيرة تشكّلتْ أربعةُ ملامح رئيسة للدولة والمجتمع العربييْن: 1) توسيع التفاوت الطبقيّ وتكديح المجتمع. 2) تحالف رأس المال مع النظام. 3) انهيار الوظيفة الاجتماعيّة للقطاع العامّ وتدهور كفاءته العمليّة (التي كانت متواضعةً في الأصل). 4) تصفية قاعدة الاقتصاد الصناعيّ الهشّة والتحوّل نحو قطاع الخدمات.
ومع دخولنا القرنَ الحادي والعشرين، تطوّرتْ علاقةُ رأس المال بالنظام السياسيّ مع حدوث التوريث/ تجهيز الأبناء الشباب لوراثة الحكم في الجمهوريّات العربيّة، ودخل رأسُ المال في البيروقراطيّة العليا ذاتِها (مثال ذلك حكومة أحمد نظيف في مصر، التي كان لجمال مبارك نفوذٌ واضحٌ في تشكيلها). هذه الصورة الموجزة تجعلنا ندرك صفةً خاصةً للديكتاتوريّات العربيّة تختلف عن كثير من الديكتاتوريّات الأخرى، وهي أنّ إصلاحَها الديمقراطيّ لم يكن إلا "تغطيةً لاحتكار السلطة."(٤٨) فقد وضعتْ حدودًا قاطعةً للإصلاح الاجتماعيّ والسياسيّ، وتحالفتْ سريعًا مع رأس المال، وظلّت هي المحدِّدةَ لاتجاه الأمور في البلد، فمنعتْ بذلك تشكُّلَ أيّ مراكزِ قوةٍ مستقلّةٍ نسبيًّا بإمكانها التحالفُ مع الطبقتين الوسطى والفقيرة للضغط باتجاه تحوّل ديمقراطيّ حقيقيّ.
هكذا تمّت محاصرةُ المجتمعات العربيّة واحكامُ الخناق عليها، ولم يعد أمام المجتمعات العربيّة لتحقيق الحريّات السياسيّة الحقيقيّة والعدالة الاجتماعيّة إلّا أن تقومَ بالمبادرة وأن تضغط من دون وكلاء: أيْ أن تذهب نحو الثورة.(٤٩)
من المفارقات التي تستحقّ الذكر أنّ الأنظمة العربيّة بلغتْ الذروةَ في تضييق الإصلاحات الديمقراطيّة عشيّة الثورات عليها تحديدًا:
ـــــ ففي الثمانينيّات شهدت الانتخاباتُ البرلمانيّةُ المصريّة حصولَ المعارضة على بعض المقاعد (٥٠) وسَمَحَ النظامُ لها بتحقيق خطوات بسيطة. ولكن في انتخابات البرلمان نهاية العام 2010، اكتسح الحزبُ الوطنيُّ الحاكم البرلمانَ بحصوله على 420 مقعدًا من أصل 508 مقاعد، وحتى المستقلون الذي حازوا 66 مقعدًا كانوا غالبًا من أتباع النظام!(٥١)
ـــــ وفي اليمن نهايةَ العام 2010، ورغم المظاهرات المندِّدة بالسياسات الاقتصاديّة قبل بضعة أعوام، ورغم ظهور الحَراك الجنوبيّ المطالب بالانفصال واندلاع ستّ حروب في محافظة صعدة، تقدّمتْ كتلةُ الحزب الحاكم في البرلمان (وهي الكتلةُ الكبرى طبعًا) بمشروع تعديل للدستور ينصّ على عدم تحديد عدد فترات الولاية الرئاسية؛(٥٢) وهذا يعني عمليًّا إعلانَ علي عبدالله صالح رئيسًا مدى الحياة!
ـــــ وفي سورية سنة 2007، وفي عزّ أزمات الاقتصاد وبلوغ أزمة الزراعة ذروتَها بفعل الجفاف،(٥٣) صمّم النظامُ على عدم تقديم أيّ تنازلاتٍ سياسيّة ولو شكليّة. فأُجري استفتاءٌ على ولاية دستوريّة جديدة لبشّار الأسد، وحصل على ما يناهز 97% من الأصوات!(٥٤)
يصف الأيّوبي الدولة العربيّة بالضراوة، لا بالقوّة، وذلك بسبب ضعف بنائها الإيديولوجيّ. وقد أوضحت الثوراتُ العربيّة وردودُ فعل الأنظمة عليها بأنّ الأخيرة فعلًا شديدةُ الضعف، ولهذا فهي شرسةٌ في عدائها للمجتمع، ولا وجودَ لأيّة حدودٍ وطنيّةٍ تحْكمها، ولم توفِّرْ طريقةً للبقاء إلّا واتّبعتْها، بما في ذلك تشجيعُ العصبويّة والطائفيّة السياسيّة والنزعاتِ الجهويّة التي تقسم المجتمعَ رأسيًّا، ولم تقدِّم أيّةَ تنازلاتٍ ديمقراطيّةٍ حقيقيّةٍ إلّا عبر قهرها قهرًا كما حدث في تونس ومصر واليمن.
نعم، الأنظمة العربيّة غيرُ مستعدّةٍ للإصلاح مهما كانت الظروف. فحتى في الدول التي شهدت احتجاجاتٍ وانتفاضاتٍ في العام 2011، وتمّ قمعُها أو الالتفافُ عليها ومنعُها من التحوّل إلى ثورةٍ شعبيّة، لم تستنتجْ أنظمتُها شيئًا ذا علاقةٍ بالتوجّه نحو الإصلاح الديمقراطيّ ونحو تنميةٍ اجتماعيّةٍ حقيقيّة. على العكس من ذلك: راهنتْ تلك الأنظمةُ على تعثّر انتقال الثورة إلى بلدانها بعد المآلات المروِّعة في سورية واليمن ومصر، على ما ظهر في البحرين والأردن والمغرب.
***
خاتمة: المستقبل العربيّ والديمقراطيّة
في نهاية هذه المداخلة التمهيديّة عن العلاقة بين الديمقراطيّة والديكتاتوريّة، يبقى السؤالُ الأهمُّ بالنسبة إلى كاتبٍ يقدّم نفسَه على أنّه "ديمقراطيّ قوميّ" هو سؤال مستقبل العرب والديمقراطيّة.
في التجارب الانتقاليّة العربيّة بعد ثورات العام 2011 درسٌ مهمٌّ يتلخّص في جملتين: المجتمعات العربيّة تستحقّ الديمقراطيّة، ولكنّ قواها السياسيّة ليست مؤهَّلةً لها.
ـــــ فالقوميون واليساريون ظلوا يراهنون على "الدولة" في نوستالجيا مَرَضيّةٍ تعود إلى زمن الخمسينيّات والستينيّات بكلّ تفاصيلها تقريبًا، بما فيها الديكتاتوريّةُ والمعتقَلات. ولم يكلّفوا أنفسَهم عناءَ الكفاح الاجتماعيّ الحقيقيّ، وهو بناءُ قواعدَ اجتماعيّةٍ لهم.
ـــــ والإسلاميون بنوا قواعدَهم وتغلغلوا في الأرياف وفي بعض شرائح الطبقة الوسطى، وتعاملوا ببراغماتيّةٍ عاليةٍ مع الديكتاتوريّات العربيّة، ولكنّهم أثبتوا أنّ الديمقراطيّة ـــــ كمبدإٍ وأساسٍ للصراع السياسيّ والاجتماعيّ ـــــ لا تعني لهم شيئًا.(٥٥)
ـــــ والقوى السياسيّة عامّةً أثبتتْ أنها تفهم مزاولةَ السياسة باعتبارها مزاولةً للانتهازيّة، وتبرِّر كلَّ صغائرها ومازوشيَّتها تجاه الديكتاتوريّات بالمجاهرة بهذا الفهم المَرَضيّ للسياسة. ولهذا فهي عاجزةٌ عن أمرين: الاضطلاع بدور تاريخيّ في لحظات مفصليّة؛ وإنتاج تنوير إنسانيّ حديث هو جزءٌ أساسٌ من العمل السياسيّ في العالم الثالث تحديدًا.
إنّ الديمقراطيّة تجربة تاريخيّة، وإنّ مآلات الثورات العربيّة وانتكاساتِ الديمقراطيّة في اليمن ومصر يُفترض أن تدفعَنا إلى البحث عن الأخطاء والشروط الغائبة، لا إلى تبرير الديكتاتوريّة على شكل تلك الطنطنة الفارغة عن "عدم أهليّة العرب للديمقراطيّة."(٥٦)
في المجتمعات العربيّة تفاوتٌ طبقيّ، ونِسَبُ أمّيّةٍ مقلقة، وجهازُ دولةٍ لا يستسلم بمجرد صعود رئيسٍ بطريقةٍ ديمقراطيّة إلى سدّة الحكم، وتحالفاتٌ سياسيّة ـــــ اقتصاديّة لن تتنازلَ بسهولة عن وضعها المثاليّ في زمن الديكتاتوريّة الفاسدة، وتركيبٌ إثنيّ ودينيّ متنوّع، وقوًى دوليّةٌ كبرى تدعم الديكتاتوريّاتِ العربيّةَ حتى النهاية. فلكي تصمدَ الديمقراطيّةُ أمام كلّ هذه المعوِّقات، فإنّ عليها أن تُنتج قوًى سياسيّةً تستطيع دفعَ المجتمع نحو تخليق تجربته الديمقراطيّة التي ستكون ذاتَ خصائصَ مميّزةٍ تتجاوب مع مشكلاته، وتستطيع إنجازَ تنمية اقتصاديّة تُضاعِف مع الوقت من قوة المقوّمات الاجتماعيّة والدولتيّة للديمقراطيّة. وهذا الحديث معنيّة به على الخصوص القوى السياسيّةُ التونسيّة؛ فالديمقراطيّة من دون فهم علاقةِ الحريّات بالتنمية(٥٧) لن تقودَ إلّا إلى الديكتاتوريّة، أو إلى دولة ديمقراطيّة ولكنّها مهترئة ومضطربة. وقطاعاتٌ كبيرةٌ من المجتمعات العربيّة لا تفهم الديمقراطيّةَ باعتبارها "حريّاتٍ سياسيّةً" فقط، بل ترى فيها كذلك منفذًا للبدء في عملية تنميةٍ واقعيّة.
وعليه، فإنّ الجزءَ الناقصَ من شروط تيسير المضيّ نحو ديمقراطيّة راسخة هو قوًى سياسيّة تتمثّل الديمقراطيّةَ مبدأً، والمواطنةَ أساسًا لفهمها لمجتمعاتها، بحيث تكون حاسمةً في موقفها من كلّ النزعات ما قبل الوطنيّة. وليس عملُ المثقفين والمسيّسين الآن الاستجرارَ اليائسَ لبعض الأفكار التي عفى عليها الزمن، ولو كانت أفكارَ منظّرين وفلاسفة مهمّين.
على كلّ ديمقراطيّ عربيّ أن يفكّر مليًّا في هذه المعضلة، وفي حلّها. والكفاح في سبيل هذا الحلّ هو كفاحٌ ذو أفقٍ أخلاقيّ وإنسانيّ لأنه يروم الحريّةَ والعدالةَ والحفاظَ على كرامة الإنسان من الإذلال والفقر والجهل.
ألمانيا
١ ــــ جمهوريّة أفلاطون، ترجمة ودراسة د. فؤاد زكريا (دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، 2004) ص 462-466.
٢ ــــ اعتمدت القوى الدولتيّة المناهضة للتحوّل الديمقراطيّ في مصر واليمن على سبيل المثال في المرحلة الانتقاليّة على توجيه أجهزة الأمن بعدم القيام بالكثير من وظائفها، ونجح هذا في خلق فوضى شكّلتْ مقدِّماتٍ لعودة الديكتاتوريّة.
٣ ــــ يرى أرسطو أنّ مجتمع المزارعين هو الأكثر مناسبةً للديمقراطيّة.
٤ ــــ أرسطوطاليس، السياسة، ترجمه من الإغريقيّة إلى الفرنسيّة: جول بارتلمي-سانتهيلير، نقله إلى العربيّة: أحمد لطفي السيد، ط1 للمركز (بيروت: المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، كانون الثاني/يناير 2016)، ص 384.
٥ ــــ كانت، مشروع للسلام الدائم، ترجمه للعربيّة وقدّم له: عثمان أمين، ط1 (مكتبة الانجلو المصريّة، 1952) ص 46 و47.
٦ ــــ جان جاك روسّو، العقد الاجتماعيّ أو مبادئ الحقوق السياسيّة، نقله إلى العربيّة: عادل زعيتر، ط2 (بيروت: مؤسّسة الأبحاث العربيّة، 1995) ص 152.
٧ ــــ Hans Vorländer, Wege zur modernen Demokratie
http://m.bpb.de/izpb/175902/wege-zur-modernen-demokratie
٨ ــــ روبرت دال، الديمقراطيّة ونقّادها، ترجمة: نمير عباس مظفر، ط2 (عمّان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 2005) ص 67 ــــ 92.
٩ ــــ يطرح أمارتيا صن وجهة نظر مهمّة بخصوص العلاقة التنافذيّة بين الحريّات والتنمية؛ أنظر:
أمارتيا صن، التنمية حريّة، ترجمة شوقي جلال (سلسلة عالم المعرفة، العدد 303، مايو 2004).
١٠ ــــ أنظر عرضًا سريعًا للديمقراطيّة عند ماركس: http://aljumhuriya.net/34005
١١ ــــ Karl Marx / Friedrich Engels, Manifest der kommunistischen Partei:
http://gutenberg.spiegel.de/buch/manifest-der-kommunistischen-partei-4975/3
١٢ ــــ نيكولاس بولانتزاس، نظريّة الدولة، ترجمة: ميشيل كيلو، ط2 (بيروت: التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، 2010) ص 252.
١٣ ــــ جوزيف أ. شومبيتر، الرأسماليّة والاشتراكيّة والديمقراطيّة، ترجمة: حيدر حاج اسماعيل، ط1 (بيروت: المنظّمة العربيّة للترجمة، آذار 2011) ص 483- 492.
١٤ ــــ كانت لوكسمبورغ ترى في الثورة الروسيّة ردَّ اعتبارٍ للاشتراكيّة العالميّة. أنظر كتيِّبها عن الثورة الروسيّة:
Rosa Luxemburg, Zur russischen Revolution, II https://www.marxists.org/deutsch/archiv/luxemburg/1918/russrev/teil2.htm
١٥ ــــ بولانتزاس، ص 253.
١٦ ــــ أفلاطون، ص 92.
١٧ ــــ دال، ص 42 و 43.
١٨ ــــ دال، ص 208.
١٩ ــــ هناك باحثون يروْن أنّ برلمان "آلتنج" الذي أقامه المستوطنون الفايكنج النرويجيون في آيسلندا في القرن العاشر الميلاديّ هو أقدم برلمان عرفته أوروبا.
٢٠ ــــ تشارلز تيللي، الديمقراطيّة، ترجمة محمد فاضل طباخ، ط1 (بيروت: المنظّمة العربيّة للترجمة، تموز 2010)، ص 117.
٢١ ــــ انظر عرضًا سريعًا لتوسّع قاعدة الانتخاب في بعض الدول في: تيللي: ص 95 ــــ 140.
٢٢ ــــ تيللي، ص 121 و 122.
٢٣ ــــ Vorländer
٢٤ ــــ على سبيل المثال، في أغلب الأبحاث التي اطّلعنا عليها تشكِّل الديمقراطيّةُ الهنديّةُ تحدّيًا لأغلب النظريّات التي تحاول استخلاصَ شروطٍ لنجاح الديمقراطيّة.
٢٥ ــــ بارينجتون مور، الأصول الاجتماعيّة للديكتاتوريّة والديمقراطيّة: اللورد والفلّاح في صنع العالم الحديث، ترجمة: أحمد محمود، ط1 (بيروت: المنظّمة العربيّة للترجمة، تموز 2008)، ص 478.
٢٦ ــــ يرى شومبيتر أنّ عدم التوافق على مبادئ عامّة تضمن عدمَ انقسام الأمة رأسيًّا يجعل من الديمقراطيّة مشكلةً بحدّ ذاتها ويصبح دورُها "مؤذيًا." أنظر: شومبيتر، ص 557.
٢٧ ــــ للاطلاع على دور القوى السياسيّة في النقاشات العامّة وتخليق المفاهيم والتوجّهات الاجتماعيّة، انظر: صن، الفصل السادس. وكذلك انظر: شومبيتر، ص 548 و 549.
٢٨ ــــ عزمي بشارة، الدين والعلمانيّة في سياق تاريخيّ، ج 2/ مج 2، ط1 (بيروت: المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، كانون الثاني 2015)، ص 175.
٢٩ ــــ بشارة، ص 172.
٣٠ ــــ محمد حسنين هيكل، زيارة جديدة للتاريخ (عمر من الكتب) (القاهرة: دار الشروق)، ص 43.
٣١ ــــ أنظر عرضًا جيّدًا لتغيّر سياسات فرانكو الاقتصاديّة عبر مراحل حكمه المختلفة في:
٣٢ ــــ هيكل، ص 50.
٣٣ ــــ حدّد فرانكو لخوان كارلوس، بعد أن اختاره لوراثة العرش، مجالَ دراسته ونوعيّة نشاطاته وحتى ضرورة تزويجه! انظر: هيكل، ص 55.
٣٤ ــــ أنظر عرضًا جيّدًا لسياسات تشونغ ــــ هي في: عبدالرحمن المنصوري، "تجربة كوريا الجنوبيّة: عوامل النجاح وتحدّيات المستقبل،" مركز الجزيرة للدراسات، يونيو 2013:
http://studies.aljazeera.net/ar/issues/2013/06/201362411828829138.html
٣٥- Patrick Köllner \ Rüdiger Frank, Politik und Wirtschaft in Südkorea (Hamburg: Mitteilung des Instituts für Asienkunde\ Nummer 304, 1999) p 19
٣٦ ــــ https://en.m.wikipedia.org/wiki/Park_Chung-hee
٣٧ ــــ Köllner\Frank, p 21
*الطباق في الموسيقى هو تقنيّةُ استخدام لحنيْن متضادّيْن أو متوازييْن بشكلٍ متزامن، ويبدوان مستقلّين ولكنّهما مرتبطان ويشكّلان كتلةً إيقاعيّة. وقد استخدم إدوارد سعيد مفهومَ الطباق الموسيقيّ في كتابه الثقافة والإمبرياليّة في قراءته للأعمال الروائيّة الغربيّة في فترة الإمبرياليّة.
٣٨ ــــ برهان غليون، المحنة العربيّة: الدولة ضدّ الأمّة، ط4 (بيروت: المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، أيلول 2015)، ص 300. جدير بالذكر أنّ الطبعة الأولى كانت في مطلع التسعينيّات.
٣٩ ــــ على سبيل المثال، الرئيس المصريّ المنقلَب عليه محمد مرسي كان من عائلة فلاحيّة استفادت من الإصلاح الزراعيّ في تعليم أبنائها.
٤٠ ــــ للمزيد حول هذه النقطة، أنظر:
http://www.ultrasawt.com/الجامعات-العربية-الحصاد-المر/أيمن-نبيل/قضايا/طلبة
٤١ ــــ يقدم هذا التوصيف في: نزيه الأيّوبي، تضخيم الدولة العربيّة: السياسة والمجتمع في الشرق الأوسط، ترجمة: أمجد حسين، ط1 (بيروت: المنظّمة العربيّة للترجمة، كانون الأول 2010).
٤٢ ــــ في السينما والمسرح المصرييْن في السبعينيّات والثمانينيّات نسمع جُملًا مثل "أنا واقف في أرض الحكومة." ويمثّل سرحان عبد البصير، بطلُ مسرحيّة "شاهد ما شفش حاجة،" أعمقَ نموذج لمواطن دولة القطاع العام في لحظة بداية تلبرلها. ويعبَّر عن ذلك في السينما الألمانيّة كذلك؛ ففي فيلم "حياة الآخرين" يقول ضابطُ المخابرات في ألمانيا الشرقيّة خلال استجوابه لممثّلة مسرحيّة: "تذكّري ما فعلته الدولةُ لأجلك طوال حياتك."
٤٣ ــــ يصف ياسين الحاج صالح القوميّةَ العربيّةَ في الإيديولوجيا البعثيّة التي لا تستبطن فهمًا تاريخيًّا للعروبة بـ "العروبة المطلقة"؛ أنظر: الربيع العربيّ ثورات الخلاص من الاستبداد: دراسة حالات، ط1 (تموز 2013)، ص 213- 219.
٤٤ ــــ الأيّوبي، ص 788.
** فتجربة الديمقراطيّة المصريّة بعد الحرب العالميّة الأولى، على سبيل المثال، لم تحقّقْ تقدّمًا جوهريًّا في ثلاثة إشكالاتٍ أساسيّة: المشكلة الطبقيّة، والتراتبيّة الاجتماعّية، والاستعمار وتحييد القصر الملكيّ. وبالإمكان أيضًا القولُ إنّ القوى السياسيّة آنذاك قامت واستمرّت على أساس هذه الإشكالات الثلاثة: فقيادة حزب الوفد مثلًا كانت من البشوات؛ كما أنّ النحّاس باشا تحالف مع الإنجليز ضدّ الملك فاروق في الأربعينيّات (واختلف معهم في مراحل مختلفة كذلك)؛ بالإضافة إلى أنّ الحكومات المصريّة المتعاقبة لم تذهب نحو أيّ حلّ فعليّ للإقطاع والاهتمام بحقوق الفلّاحين. وهذا لا يعني أنّ تلك الحكومات لم تقم بخطواتٍ وطنيّةٍ جيّدة، ولكنّنا نتحدّث عن تقويمٍ عامٍّ لحصاد تجربةٍ دامت قرابة ثلث قرن.
٤٥ ــــ على سبيل المثال، كان خالد محيي الدين، وهو أحدُ الضبّاط الأحرار الذين شاركوا في انقلاب يوليو 52 في مصر، مع ترسيخ نظام ديمقراطيّ.
٤٦ ــــ الأيّوبي، ص 792.
٤٧ ــــ الأيّوبي، ص 792- 796.
٤٨ ــــ غليون، ص 298.
٤٩ ــــ أحد أهمّ الاختلافات بين التجربتين الإنجليزيّة والفرنسيّة أنّ الدولة المطلقة في فرنسا لم تسمح بتشكّل مساحة لإصلاح تدريجيّ، فاضطرّت البرجوازيّة إلى أن تتحالف مع الفلّاحين ضدّ الملكيّة والإقطاع.
كما يصف غليون الثورات التاريخيّة بأنّها عملية ردّ فعل على الاحتكار الحصريّ الدائم للسلطة والثروة.
٥٠ ــــ الأيوبّي، ص 815.
٥١ ــــ http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2010/12/101207_finalresults_egypt.shtml
٥٢ ــــ http://www.26sep.net/mobile/news_details.php?sid=70281
٥٣ ــــ محمد جمال باروت، العقد الأخير في تاريخ سورية: جدليّة الجمود والإصلاح، ط1 (بيروت: المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، آذار 2012)، ص 126.
٥٤ ــــ http://news.sptechs.com/article_181.html
٥٥ ــــ على سبيل المثال، بعد قرابة 25 عامًا من الدخول في انتخابات وممارسة السياسة، وقّع التجمعُ اليمنيّ للإصلاح (الإخوان المسلمون في اليمن) في أغسطس الماضي وثيقةً بالاشتراك مع علماء دين وقوى سلفيّة، تؤكّد بعضُ بنودها على سياسات طائفيّة وعلى محاربة الفكرة الديمقراطيّة الحديثة برمّتها.
٥٦ ــــ نورد هنا مثالًا للقارئ، والجميلُ فيه أنّ صاحب هذا المقال، الذي يقول إنّ العرب لا يستحقّون الديمقراطيّة، كان مديرًا لحملة انتخابيّة لديكتاتور عربيّ.
http://archive.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=724783&issueno=12558#.V9TuX59CTqA
٥٧ ــــ أنظر: صن، الفصل الأول.
كاتب من اليمن، مقيم في ألمانيا. مهتمّ بشؤون الثقافة والسياسة والاجتماع. نشر مقالات في العديد من الجرائد والمواقع.