* أستاذة تعليم ثانويّ رسمي، طالبة دكتوراه في قسم الفلسفة، الجامعة اللبنانيّة. تنهي أطروحتَها عن أثر مدرسة فرانكفورت في الفكر النقديّ الغربيّ والعربيّ الحديث والمعاصر.
أن تَعرف المجتمعاتُ المعاصرة تعدّدًا ثقافيًّا وتنوّعًا حضاريًّا، فهذه سمةٌ طبيعيّة التصقتْ تاريخيًّا بالتجمّعات البشريّة التي تتفاوت نتاجاتُها الحضاريّة وتختلف أنماطُ عيشها وتصوّراتُها القيميّةُ والأخلاقيّة، وما تستتبعه من عاداتٍ وتقاليدَ وممارسات. ولقد شكّلتْ هذه التعدديّةُ الثقافيّة، على مرّ التاريخ، مثارًا للنزاع والاقتتال بين الشعوب، أو داخل المجتمعات المحلّيّة نفسها. لكنّ استمرارَها في عالمنا المعاصر عاملًا للتحريض ولشنّ الحروب ضدّ "الآخرين" أمرٌ يَدفع إلى اعتبارها إشكاليّةً مثيرةً للمناظرات الفكريّة، وبخاصّةٍ في المجتمعات الغربيّة التي اختزنتْ قيمَ "الليبراليّة" و"الديمقراطيّة."
من هنا استقطبتْ إشكاليّةُ التعدديّة الثقافيّة اهتمامَ المشتغلين في الحقول الثقافيّة والعلوم الإنسانيّة في الفكر الغربيّ الحديث والمعاصر. وقد عرفتْ هذه الإشكاليّةُ محطّاتٍ تنظيريّةً متراوحة، تبعًا لخصوصيّة المرحلة التي انتمت إليها.[1] يظهِّر أنصارُ التعدديّة الثقافيّة في مرحلتها المعاصرة[2] هذه الإشكاليّة انطلاقًا من خصوصيّة ارتباطها بلحظة زمننا العولميّ الراهن، وما يعرفه من "ارتحالٍ" للثقافات العابرة للحدود، في فضاءات مفتوحة على احتمالات التصادم والتفاعل والهيمنة والذوبان.
تبسط المركزيّةُ الغربيّةُ سطوتَها على هذه المشهديّة، لتنتصر دعواتُ "القدَريّة الثقافيّة،"[3] ولتروِّج لاستشراف هنتنغتون نهايةَ "صراع الثقافات" بانتصار أحاديّة النموذج الغربيّ. إنه عوْدٌ متكرّرٌ لثيمة "العقلانيّة الغربيّة" المتمحورة حول ذاتها، والتي لا تني تُجدِّد ــــ مع مطلع كلّ مرحلةٍ عالميّة ــــ سرديّةَ النهايات المختزِلة للتفوّق الحضاريّ في نموذجٍ إرشاديّ، يصنِّف و"يعيِّر" الثقافات والحضارات وفق رؤيته.
هذا الاستئثارُ في التصنيف يرسِّم حدودًا بين هويّاتـِ"ـنا"وهويّاتـِ"ـهم،" وبين الثقافات "الأرقى" والثقافات "الأدنى." غير أنّ تذريرَ الهويّات والثقافات، بمعنى إبرازِها وحداتٍ منفصلةً ومحدّدةً في سياجاتٍ مسوَّرةٍ مغلقة، يستبطن وظيفةً إيديولوجيّة، ويُعبَّأ بمدلولاتٍ تحريضيّة، ليشرِّعَ الحروبَ المفرّخة والمتنقّلة التي توقدها دولُ "النموذج" الغربيّ في العالم.
***
يرفض أنصارُ التعدديّة الثقافية اصطناعَ منظورٍ جامد، ومنافٍ لطبيعة الثقافة، لأنه يختلق جُدرًا عازلةً بين الشعوب. وينبِّهون إلى أنّ طبيعة الثقافة الديناميّة اخترقت الحدودَ الجغرافيّةَ لدول "المركز" نفسها، وذلك من خلال عامل الهجرة،[4] المتنامي في لحظتنا المعاصرة؛ ما ولّد أزمةَ الأقلّيّات المهجَّرة أو المهاجرة، الحاملةِ لهويّاتها، بكلِّ ما تختزنُه من موروثٍ ثقافيّ مختلفٍ عن ثقافة دول النزوح، وبكلِّ ما تحمله من وصمة الدونيّة التي دمغها بها خطابُ "المركز الحضاريّ."
هذا الواقع التعدّديّ الثقافيّ الجديد يتحوّل إلى حقل إحراجاتٍ إشكاليّة، تتطلّب استحضارًا نقديًّا لالتزامات الفكر الغربيّ حيال موروثاته الحداثيّة، وتحديدًا في المجالات السياسيّة والتشريعيّة، حيث تتمأسس قيمتا "الليبراليّة" و"الديموقراطيّة." ويتصدّى منظّرو التعدديّة الثقافيّة لهذه الإحراجات، فيخوضون اشتباكًا نقديًّا نظريًّا مع تناقضات "الليبراليّة،" واستنسابيّة "الديمقراطيّة،" وانتقائية "المواطَنة" التي ما زالت مشبعةً ــــ بحسب سيلا بن حبيب ــــ[5] بنصوصيّة ويستفاليا[6] التي أسّستْ لسيادة الدولة المطلقة فوق أراضيها تحت مسمَّيات "الوحدة الوطنيّة" و"القوميّة المقدّسة."
سيلا بن حبيب: تعرقل الأنظمة الشوفينيّة عمليّةَ التجنيس.
تتضافر إذًا عناوينُ الهجرة، وحقوقِ الأقلّيّات الثقافيّة والسياسيّة، ومعضلةُ الاندماج، ونقد الليبراليّة، ومفهوم المواطَنة، لتكوِّن جميعُها مرتكزاتِ اجتهادِ المهتمّين بظاهرة التعدديّة الثقافيّة في وصفها إشكاليّةً تنتمي إلى فكر ما بعد الحداثة.
***
ولكنْ ما علاقةُ هجرة الأقليّات، تحديدًا، بموضوعة الليبراليّة؟
يحمل أعضاءُ الأقلّيّات في دول اللجوء ثقلَ الاختلاف. فهم يعون أنفسَهم أفرادًا لامتجانسين، ويهجسون بقلق الانتماء إلى محيطٍ يُنْكر عليهم تجاربَهم الثقافيّةَ الخاصّة، محاولًا دمجَهم قسريًّا في ثقافة الأكثريّة التي تنتمي إلى "دولتها" الوطنيّة. كما يتعمّق لديهم شعورُ الإلحاق عندما يُفرض عليهم الانسلاخُ عن ذواتهم التي تشكّلتْ في سياق ثقافيّ واعتقاديّ خاصّ، فيعيشون اغترابًا ناتجًا من إقصاء تكوينهم الذاتيّ، بأبعاده النفسيّة أو الدينيّة أو اللغويّة أو القيميّة، لينطقوا بلسان ثقافةٍ أخرى، وليسلكوا دربَ قيمها، وليفكّروا من خلال مقولاتها.
ويَكْبر سؤالُ الاختلاف لدى أعضاء هذه الأقلّيّات عندما تؤوَّل انتماءاتُهم الهويّاتيّة والثقافيّة تبعًا لمعايير ثقافة الأغلبيّة، التي تتحدّر من أفق الحداثة المميِّزة لخطاب المركزيّة الغربيّة. ويصير الاختلافُ فادحًا عندما تتحوّل النظرةُ إلى هؤلاء "الأغيار" إلى رُهابٍ يُخشى منه تفكيكُ "التجانس" القوميّ والوطنيّ في حال مساواتهم بالمواطنين "الأصائل،" الذين يحوزون كافّة حقوقهم، بينما يُغمَط الآخرون حقوقَهم السياسيّةَ أو المدنيّة.
المفارقة أنّ آليّة استبعاد الأقليّة تأخذ طابعًا "ديموقراطيًّا" ولو في الظاهر؛ ذلك لأنّها تسلك قنواتِ المؤسّسات التشريعيّة والدستوريّة من "دون مراعاة... مسألة الأقلّيّات وحقوقها... مع توجّه الأغلبيّة لتحقيق رأي الشعب، الذي سيكون بدوره رأيَ الأغلبيّة!"[7]
من هنا يحيل المهتمّون بظاهرة الأقليّات، باعتبارها أحدَ أوجه إشكاليّة التعدّديّة الثقافيّة، على نقطة التمفصل بين الثقافة والسياسة، في ظل أنظمة سياسيّة "تتعامل مع جميع البشر على أنّهم مجموعة أفراد/ ذوات، لهم نفسُ الواجبات والحقوق، وبالتالي فإنّ آراء الأغلبيّة وقراراتها السياسيّة ستسري على الجميع، بما فيهم الجماعاتُ الثقافيّة الصغيرة."[8] وتُمعن هذه الأنظمة الشوفينيّة، بحسب سيلا بن حبيب، في غطرستها التفوّقيّة، عندما تعرقل عمليّةَ التجنيس، وتستغلُّ اللغة شرطًا تعجيزيًّا لنيل الجنسيّة، وتمنع المقيمين الأجانب من المشاركة في الانتخابات البلديّة. وقد تؤدّي هذه السلوكيّاتُ المُقْصِيةُ إلى ما هو أبعد من الاغتراب أحيانًا، وتحديدًا إلى أعمال تخريب "قد تمتدّ إلى حروب وهجماتٍ إرهابية."[9]
***
يستند أنصارُ التعدديّة الثقافيّة، والمدافعون عن حقّ الجماعات في الاختلاف،على نموذج الإقصاء الذي يقدّمه النظامان الليبراليّ والجمهوريّ، وهو نموذجٌ يقوم على تفوّق الثقافات الوطنيّة على ثقافات الأقلّيّات. والهدف من هذا الإسناد هو تحريكُ المقاربات النقديّة بحثًا عن الثُغَر التي ألمّت بالليبرالية، ولتقويض مفاهيم "الثقافة الخالصة" و"الشعب الخاصّ" و"النقاء الخالص."
يصف تشارلز تايلور الليبراليّة بأنّها "غيرُ مضيافةٍ للاختلاف،"[10] وبأنّها "صلبةٌ وغيرُ مرنة."[11] وهذا ما يَظهر في فرض التجانس والمماثلة على المواطنين تحت مسمَّيات "المواطَنة" و"المساواة في الحقوق والواجبات،" لكنْ... شرط أن يتخلّوْا عن كلِّ ما يمكنه أن يعكّر "تجانسَ" المجتمع. يدّعي الفضاءُ الليبراليّ الحيادَ، أو ينأى بنفسه عن ثقافات الجماعات والهويّات الخاصّة والمتعدّدة، لأنه يغلّب قيمةَ الفرد "الحرّ" المجرّد الذرّيّ الذي "يشكّل كيانًا منفصلًا ومستقلًّا بنفسه، له حاجيّاتُه وآراؤه، ويسعى إلى تكوين ذاته ووجوده عبر أعماله ومجهوداته،"[12] من دون الالتفات إلى حيثيّاته الثقافيّة والاجتماعيّة.
وفي المقابل، يعرّي منظّرو التعدّديّة الثقافيّة ادّعاءَ الليبراليّة ذلك الحيادَ تجاه الهويّات الجماعيّة؛ فقولبةُ الأفراد في "مواطَنةٍ متجانسة" تتبنّى ثقافةَ الأكثريّة هي في حقيقتها إدماجٌ للأقليّات ضمن ثقافةٍ تندرج في ميراثٍ ليبراليّ غربيّ يخصّ حضارةً معيّنة. وهذا الإدماج غير صحّيّ، بل هو سلوكٌ قهريّ خفيّ، وإنْ طُبّق باسم "المواطَنة." وتذهب بن حبيب إلى أنّ الليبراليّة "تسلّط غلبةَ الجماعة، وفي كثيرٍ من الأحيان [غلبةَ] أفرادٍ معيّنين، على الجماعات الضعيفة سياسيًّا واقتصاديًّا،"[13] وتكرِّس "هيمنةَ الفرد على الجماعة بشكل معيّن من أشكال السلطة."[14]
ويلفت تايلور إلى ضرورة المواءمة بين "الحقوق الأساسيّة للأفراد باعتبارهم كائناتٍ إنسانيّة،" وبين الاعتراف بحاجاتهم الخاصّة في وصفهم "أعضاءً في جماعات ثقافيّة خاصّة"؛[15] ذلك لأنّ "الفرد لا يحافظ على هويّته إلّا في مجتمع أو ثقافة معيّنة، وهذا الفرد معنيّ بالضرورة بشكل هذا المجتمع وبالثقافة في مجملها."[16]
***
ولكنْ ما هي الصيغة التي تتكيّف عبرها الديموقراطيّةُ مع واقع التعدديّة الثقافيّة في المجتمع؟ وكيف يمكن التأسيسُ لمواطَنةٍ رحبةٍ قابلةٍ لاستضافة الثقافات والهويّات على تنوّعها؟
عند البحث عن حلولٍ تتوسّم تحسينَ واقع الأقليّات، وتحرص في الوقت ذاته على صون قيم الديمقراطيّة والليبراليّة من أيّ تصدّعاتٍ محتملةٍ تُفْرغها من معانيها "الإنسانيّة الكونيّة الأصليّة،" يقدِّم المهتمّون بمآلات الليبراليّة، بناءً على ما أفضى إليه اشتغالُهم بمسألة التعدديّة الثقافيّة، باقةً منوَّعةً من الاقتراحات. وفي هذا الصدد يرى تايلور أنّ الحداثة مطالبة بتجديد خطابها تبعًا للتحوّلات التي يشهدها العالم. وهو يدعو إلى إيجاد "لغةٍ قادرةٍ على أن تقبل بأنّ الحداثة قابلةٌ لتأويلات متعدّدة بكيفيّات مختلفة،" أو إلى إيجاد "فهمٍ مرنٍ للحداثة يسمح بالتعبير عن تصوّراتٍ أخرى غير التصوّر الغربيّ."[17] والمرونة التي يبشِّر بها تايلور تجد ترجمةً لها في مقولة "الاعتراف،" الذي يتيح للمشروع الحداثيّ استيعابَ اللحظة الراهنة والانفتاحَ على واقع التعدديّة الثقافيّة. ورفدًا للطرح النظريّ، يشيد تايلور "بسياسة الحكومة الكنديّة تجاه الأقلّيّات،" لكونها سياسةً تتجه نحو الاعتراف بتعدد الثقافات وباختلافها.
أمّا سيلا بن حبيب فترتئي تحريرَ الديموقراطيّة من "سلطة الأصل،" وضخَّها بمعنًى مواكبٍ، متوالدٍ باستمرار، متمرّدٍ على تلك السلطة، لكنْ ليس بمعنى الانقلاب عليها وإزاحتها والتنكّر لها، وإنّما بمعنى إخصابِها وإعادةِ إنتاجها بما ينسجم مع مستجدّات العصر.[18] وتُلبس بن حبيب الديموقراطيّةً حلّةً من تصميمها، هي حصيلةٌ لاجتهاداتها الخاصّة، أسمتها "الديموقراطيّة التعدّديّة التشاوريّة."[19] هذه الديموقراطيّة المنشودة تتقوّم بأخلاقيّات التواصل والتوافق الجماعيّ، وبالتفاهم الأخلاقيّ، وبالحجاج الذي يفضي إلى إجماعٍ عقلانيّ، في فضاءٍ عموميّ مفتوح، تتلاقى فيه خطاباتُ الثقافات المتعدّدة، بحيث يمتلك الجميعُ الحقَّ في طرح أفكاره وسردِ حكايته، ليصغي إليها آخرون مختلفون. فمَن لا يمتلك حكايةً خاصّةً، مشبعةً بعناصر ثقافته، ليست له هويّة. وتطمح بن حبيب إلى كونيّة أخلاقيّة تحطّم كلَّ الحدود، وتشجّع على حريّة تنقّل المهاجرين والنازحين وتجنيسهم واندماجهم في بلدان اللجوء من دون معوّقات. كما تدعو إلى تفكيك الدول الراسخة على أسس إيديولوجيّتها القوميّة والوطنيّة. وهنا يتصادى مطمحُها مع طرح ويل كيميلكا، الذي ينظّر لـ"مواطَنةٍ متعدّدةِ الثقافات،"[20] مفكِّكةٍ لأنموذج الأمّة المركزيّ والأحاديّ، نظيرِ النموذج الفرنسيّ الجمهوريّ الذي يصفه بـ"التصلّب والنفاق غير المحدود."[21]
وللتدليل على تواريخَ مشرقةٍ للاسترشاد بها مدادًا لرؤيةٍ إنسانيّة كونيّة مستقبليّة، حاضنةٍ لمختلف الهويّات الثقافيّة، تقول سيلا بن حبيب "إنّ محطّة 1948 [إطلاق شرعة حقوق الإنسان] ليست مجرّدَ تغيير سيميائيّ، بل هي تقييدٌ ذاتيّ وممارسةُ إلزامٍ ذاتيّ بشأن التعهّد بالالتزامات والمعايير كما هو متعارَفٌ عليه دوليًّا... و[هي] تشكّل منحًى جديدًا في مجال حقوق الإنسان."[22]
شرعة حقوق الإنسان، بمباركةٍ من دول التبجّح الحضاريّ، تزامنت مع النكبة
غير أنّ رؤية بن حبيب هذه، المشبعةَ بهمّ إنسانيّ، تعيدنا في واقع الأمر إلى مربّع المركزيّة الغربيّة، التي تحتفي بإنجازاتٍ لم تلتزمْ بها يومًا، بل كانت أوّلَ مَن انتهكت المواثيق التي وضعتْها بنفسها وشرّعتْها. ونتساءل: لماذا لا يتنبّه العالمُ، المنتشي بإقرار شرعةَ حقوق الإنسان في العام 1948، إلى أنّ ذلك العامَ نفسَه، وبمباركةٍ من دول التبجّح الحضاريّ، قد تزامن مع اقتلاع شعبٍ كاملٍ من أرضه وتراثه؟ ولماذا اكتفى الفكرُ الغربيّ، في لحظات "يقظته" الأخلاقيّة، بالهولوكوست النازيّة، وكأنّها الإبادةُ الوحيدةُ في التاريخ؟ ألا ترتكب "إسرائيل" حربَ إبادةٍ متواصلة منذ العام 1948 في حقّ الشعب العربيّ الفلسطينيّ بشكلٍ خاصّ؟ ألم تكرِّسْ في 19 تمّوز من العام الحاليّ (2018) قانونًا يَحصر "المواطَنة" بأتباع دينٍ واحد، من دون أن يرفّ لـ"المجتمع الدوليّ" جفن؟
إنّها تساؤلاتٌ مشروعة، إنْ كان لنا أن نصدّقَ أنّ شرعةَ حقوق الإنسان تَشمل كلَّ إنسان، ولا تقتصر على أناسٍ أراد الغربُ "الحضاريُّ" غسلَ يديْه من الجرائم التي ارتكبها بنفسه ضدّهم فحمّل أوزارَها شعبًا آخرَ لا علاقةَ له بها على الإطلاق. وإنّها تساؤلاتٌ مشروعة إنْ كان لشرعة حقوق الإنسان أن تُنزَّهَ من تهمة النفاق وازدواجيّة المعايير!
بيروت
[1]- للتعرّف إلى مراحل التعدديّة الثقافيّة، أنظرْ: حسام الدين علي مجيد، إشكاليّة التعدديّة الثقافيّة في الفكر السياسيّ المعاصر: جدليّة الاندماج والتنوّع (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، 2010).
[2]- من منظّري التعدديّة الثقافيّة المعاصرة: تشارلز تايلور، وويل كيميلكا، ومايكل ولزر.
[3]- المؤسِّس الحقيقيّ لـ"القدريّة الثقافيّة" هو برنارد لويس، المستشرقُ الأنغلو- أميركيّ. أنظر: إسماعيل مهنانة، "من البيولوجيا إلى الثقافة، ملاحظات بخصوص برنارد لويس،" مجلة أفق (تصدر عن مؤسّسة الفكر العربيّ)، العدد الرابع والثمانون، 1 أيلول، 2018.
[4]- الهجرة إمّا "لأسباب ضغطيّة" كالمجاعة والأزمات السياسيّة، وإمّا بسبب "السترة،" أي الهجرة إلى البلاد التي تؤمّن خدماتٍ اجتماعيّةً جيّدة أو تكون الأجورُ فيها مرتفعةً. أنظر: إيفريت س. ليي، نظريّات الهجرة (جامعة بنسلفانيا، 1966). ويرى البعض أنّ الألفيّة الثالثة تمثّل "عصرَ الهجرة،" التي تطول الجماعاتِ كما الأفرادَ.
[5]- وُلدتْ في تركيا، وتابعتْ تحصيلَها الدراسيّ في الولايات المتحدة الأميركيّة. كانت من أهمّ طلبة يورغن هابرماس، وممثّلةً للجيل الثالث من مدرسة فرنكفورت، وهي اليوم أستاذة الفلسفة السياسيّة في جامعةYale . من أهمّ كتبها:
The Claims of Culture: Equality and Diversity in the Global Era; Democracy and Difference: Contesting the Boundaries of the Political; The Rights of Others: Aliens, Residents and Citizens
[6]- وثيقة السلام ويستفاليا 1648، وتُعرف بمعاهدة مونستر وأوسنابروك، أُعلن فيها انتهاءُ حربٍ دينيّة دامت 30 سنةً بين البروتستانت والكاثوليك. ومع هذه الاتفاقيّة ستتحوّل أوروبا إلى أممٍ ودولٍ بحدود ترابيّة ذات صبغة سياديّة مطلقة، حيث يمارس الأميرُ أو الملك الذي يحكم هذا الكيانَ مطلقَ سيادته فوق أرضه.
[7]- كارل شميت، أزمة البرلمانات، ترجمة فاضل جتكر (بيروت: معهد الدراسات الاستراتيجيّة، 2008)، ص 18.
[8]- Seyla Benhabib, Democracy and Difference, Contesting the Boundaries of the Political (Princeton University press, 1996), p.90-91
[9]- Ibid, p.34 - 35
[10]- Charles Taylor, Multiculturalisme: Différence et démocratie (Paris : Flammarion,1994), p. 83
[11]-Ibid, p. 84
[12]- SeylaBenhabib, The Rights of Others: Aliens, Residents and Citizens (Cambridge University press,2004),p.68
[13]- Ibid,p.68
[14]- Seyla Ben habib,Democracy and Difference,op.cit.,p.85-86
[15]- Charles Taylor,Multiculturalisme, op.cit., p.19
[16]- Charles Taylor, Les Sources du moi-La formation de l’identité moderne (Quebec: Sainte-Foy, PUL, 1996), p. 250
[17]- Charles Taylor, Philosophical Arguments (Massachusetts: Harvard University press, 1995), p.XII
[18]- Seyla Benhabib, Another Cosmopolitanism (Oxford University press, 2006), p .45; The Rights of Others, op.cit., p.176
[19]- تأثّرتْ سيلا في طرحها عن "الديموقراطيّة التشاوريّة" بالفيلسوف الألمانيّ يورغن هابرماس.
[20]-Will Kymlicka, La citoyenneté multiculturelle : une théorie libérale du droit des minorités, traduit de l'anglais par Patrick Savidan (Paris :Éditions La Découverte, 2001
[21]- Ibid., p. XIV
[22]- Seyla Benhabib, “Twilight of Sovereignty or the Emergence of Cosmopolitan Norms, Rethinking Citizenship in Volatile Times,” Citizenship Studies, February 2007, p. 31
* أستاذة تعليم ثانويّ رسمي، طالبة دكتوراه في قسم الفلسفة، الجامعة اللبنانيّة. تنهي أطروحتَها عن أثر مدرسة فرانكفورت في الفكر النقديّ الغربيّ والعربيّ الحديث والمعاصر.