لا تنظرْ إلى تلك الصور!
تخيّلْ ما نحن عليه الآن:
تخيّلْ كيف تتوارى أجسادُنا في ملابسَ فضفاضة مثلِ ثيابِ الكهنة؛
كيف نُخفي وجوهَنا في لحًى اصطناعيّة،
ونتعكّزُ على أرجلٍ من خشب.
لم نأتِ من الحانات، ولا من التكايا؛
لم نثملْ، ولم تصرعْنا نوباتُ تأمّل؛
لم نرقصْ كالدروايش، ولم ننم مع البغايا؛
لا خدمٌ لنا، ولا أتباع.
نحن صعاليكُ الأرض ومشرّدوها.
هكذا وُلدنا، وهكذا سنموت.
***
غامضون وشاحبون وهادئون كالملائكة
نعدو دائمًا بين القرون.
قادمون من الملاحم،
وماضون إلى عصر الروايات.
نحمل سيوفَنا الخشبيّة،
وكؤوسَنا وراياتِنا السود.
في جُعبنا رممٌ ورقًى ورسائل؛
قد تجد فيها أيضًا تذكاراتٍ حجريّةً،
ومرايا من نحاس.
لا تستغربْ ولا تتعجّل الحكْمَ علينا.
لم نرثْ تلك الأشياء، ولم نسرقْها، ولم نعثرْ عليها في الأسواق.
لم نجمعْها من براميل النفايات،
ولم نجدهاعلى حافات القبور.
خذها وأعطِنا ما تيسّر من رؤًى؛
أعطنا ما يزيد عن حاجتك من المعاني؛
أرّخْ لمرورنا على حائط أيّامك
كما يؤرّخ الفلكيّون لمرور شهابٍ عابر.
نحن أشباهُ الفرسان
نحن المسرنمون
نحن أحفادُ الفعلة وشهود الزور
نحن العبيدُ السعداء
نحن أجنّةُ الزواج المقدّس
نحن مخلوقاتُ الفراغ
تأمّلْ وجودَنا
أصغِ إلينا
أدركْنا ولو مرّةً
أيّها اللانهائيّ!
فنلندا
سعد هادي
صحفيّ وروائيّ عراقيّ مقيم في فنلندا. من كتبه: الأسلاف في مكانٍ ما (قصص، 2004)، عصافير المومس العرجاء (رواية، 2013)، سلاطين الرماد (رواية، 2014).