ما كان مستوحِدًا أو قلِقا
ما كان مكتئبًا أو مُغترِبا
ما كان يرفعُ الراياتِ مستسلمًا أو معلِنا
ما كان يَنْسخُ من صُحفِ الشعر شيئا
وما ينبغي له؛
بل قارئًا كان...
كأنّهُ الضلّيلُ مزمّلٌ في بجادِ
وكأنّهُ الضلّيلُ باعَ بزّتَه العسكريّة
واشترى من امرئِ القيس
كتابًا وكأسْ.
وكنتُ، وقد مسّني اللغوبُ،
أستمعُ إليه:
كانت القصيدةُ خربةً وخالية،
وعلى شكل الوزن ثرثرةٌ واعتراضات.
ملاحدةٌ، ومؤمنون يشربون على إيقاع التوهّم خمرا،
ويستمعون مثلي لما يُوحى إليه.
قال الملحدُ مثرثرًا:
"ليس للشعْر حدٌّ،
إنّما الحدُّ على قارئِ النصوص،
أن يكتبها سردًا، وممزوجةً بالشعر أحيانًا وبالنثر."
وقال المؤمنُ معترضًا:
"ليس لله حدٌّ،
إنّما الحدُّ على كاتبِ النصوص،
أن يقرأها نبرًا، وهمسًا، وصبرا."
وقال الشاعرُ واصفًا:
"ليس للنصِّ حدّ،
إنّهُ شكلُ المدينةِ إذ تجوعُ الصحراء،
صوتُ الجنودِ الفاتحين وهم يأخذون النساءَ إلى ملابسِهم،
قهقهةُ الجزيرة عندما تبتكرُ المجازَ مخلّصًا..."
وفي البدءِ كتبَ الشاعرُ المجاز؛
كان المجازُ كنايةً عن فتيةٍ يتسوّرونَ حديقة الرحمن...
حيثُ الزيتُ حاضرةٌ من الملكوتِ.
كان مزاجُها حربًا، وسلما
كانت الحربُ قصيدةً لا بحرَ فيها،
وكان السلامُ قصيدةً منثورةً في كلّ البحور
وكان النصُّ كثبانًا من النساءِ تغنّي ما تيسّر من ألحانهِ،
وكان النصُّ عنوانًا لشعرٍ جديدْ.
وكنتُ ــــ وقد مسّني المجازُ ــــ
أراودُ السيّدةَ عن نفسها
وأغلّقُ الأبوابَ كي أصفَ القصائدَ والطلول...
وكنتُ ألمسُ ما ظهرَ من كفّها،
ــــ عَنَمٌ أصابعُها وفجرٌ نهدُها ــــ
أقبّلُ ما بدا من وجهها
ــــ حين الصلاةُ تصيرُ فاكهةً ملابسُها ــــ
فأبصرُ ما خبّأتْه في جلبابِها وجيوبِها
ويخبرني المجازُ أن أقدَّ قميصَها،
أنْ ألثمَ الكلماتِ، أنْ أتلمّسَ المعنى الخفيّ لها،
وأنْ أكتب على إيقاعها،
فكتبتُ عن جسدِ القصيدةِ خلسةً،
عن فتنة الأثداءِ تنضجُ في الحروب وفي المعارك...
حيثُ لا كفٌّ تكوِّرُها.
كتبتُ عن النــساء قصيدةً...
وقددتُ في خلسِ الصباح قميصَها،
ولثمتُها...
فتنفّستْ كتنفّس البلد البهير
ودفعتُها...
فتدافعتْ جريَ السوادِ إلى الغدير
فلقد شربتُ من الندامةِ بالصغيرِ وبالكبير
فإذا شربتُ فإنّني ملكُ السوادِ، نبيهُ
أهبُ البلادَ حيامني ومواعظي؛
وإذا صحوتُ فإنّني ملكُ القصيدة،
بعلُها المنبوذُ من قبلِ الطوائفِ...
والبلاغةِ...
والحكومةِ...
والولايات الجديدة.
لا مجازَ يظلّني،
لا نهرَ أنشده... وينشدني...
ولا امرأة أغازلها فأعرفها... وتعرفني...
فقد ماتَ البعيرُ،
وماتت الشاةُ الشويهةُ...
والمنخلُ حائرًا ما بين أحداثِ الخورنقِ والسدير.
ففي البدء كتب المجاز
كان المجازُ حديقةً،
ومجازرَا،
ومتاجرَا: للشعر، والإيقاع، والأديان، واللهو البريء...
وكنتُ أنتظرُ النساءَ...
وهنّ يجلبنَ المياه إلى السواد...
فليس فيه الآن ماء.
العراق