جاد ملكي، افلين حتي، ميرنا أبوزيد، علي الطقش
مقدّمة
استنفدتْ جائحةُ فايروس كورونا المستجدّ (كوفيد-19) أنشطتَنا اليوميّة، وتسبّبتْ بخسائرَ كبيرةٍ في الأرواح والثروات في جميع أنحاء العالم. كما أدّت إلى اضطراباتٍ واسعةِ النطاق لم نشهدْه منذ عقود، على الأقلّ منذ "الإنفلونزا الإسبانيّة" عام 1918.
يُعَدّ التواصلُ الدقيقُ والفعّالُ أثناء تفشّي هذا الوباء من أهمّ عوامل احتوائه. ففي هذا العصر، تؤدّي الأخبارُ و"المعلوماتُ" الزائفةُ والمغلوطةُ والمتناقضة (أو ما يسمّى "الوباءَ المعلوماتيّ") إلى إحباط الجهود الوطنيّة والعالميّة الرامية إلى إنقاذ الأرواح والحدِّ من انتشار الأمراض والأوبئة، لا سيّما في حالة فايروس كورونا المستجدّ.
تستكشف الدراسةُ استخداماتِ وسائل الإعلام والاتصال، ومستوياتِ الثقة بها، أثناء الجائحة. وهنا نتحدّث عن التلفزيون، ووسائلِ التواصل الاجتماعيّ، والتواصلِ الشفهيّ المباشر بين الناس. الهدف من الدراسة هو تحديدُ مصادر المعلومات الأساسيّة المعتمدة في أوقات الأزمات؛ بالإضافة إلى تحديد مستويات إدراك الناس، ومعارفِهم، ومدى تصديقهم للخرافات، ومخاوفِهم، وعاداتِهم الوقائيّة، أثناء الجائحة. ويقوم التحليلُ المعتمَدُ في هذه الدراسة بتسليط الضوء على دور التعليم، والتربيةِ الإعلاميّة، والحالةِ الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وعوامل أخرى، في التأثير في مستوى الالتزام بتدابير الوقاية، ودورها جميعها في معرفة الوباء، وتصديق (أو عدم تصديق) الخُرافات والمعلومات الزائفة المتعلّقة بجائحة كوفيد-19.
أجريْنا في الدراسة مسحًا لعيّنةٍ عشوائيّةٍ للأفراد الذين يعيشون على الأراضي اللبنانيّة خلال ذروة انتشار الجائحة، أملًا في أن تساعد نتائجُ هذه الدراسة في توجيه حملات التوعية الإعلاميّة الوطنيّة والسياسات الصحّيّة التي تهدف إلى مواجهة "الوباء المعلوماتيّ" وتعزيز السلوك الفعّال، لا سيّما لدى الأفراد الذين تتّسم حياتُهم اليوميّةُ بالشكّ، والخوفِ، وفائضِ المعلومات والأخبار الكاذبة.
من الثورة والانهيار الاقتصاديّ، إلى حكومةٍ تكنوقراطيّةٍ واستجابةٍ علميّةٍ للوباء
لفهم نتائج هذه الدراسة، لا بدَّ من عرض السياقات السياسيّة والاقتصاديّة التي وَجد لبنانُ نفسَه فيها عند بداية الجائحة، والعوامل التي أثّرتْ في تجاوب الحكومة ووسائلِ الإعلام. المفارقة أنّ توقيتَ الجائحة أتى بعد أن شهد لبنانُ حَراكًا شعبيًّا واسعًا، وسط أزمةٍ اقتصاديّةٍ وسياسيّةٍ حادّة كان لها أثرٌ في الاستجابة الحكوميّة لناحية تخفيف حدّة الوباء.
أدّت انتفاضةُ تشرين الأول/أكتوبر 2019 إلى إسقاط الحكومة اللبنانيّة (التي اتّسمتْ كسابقاتها بمراعاة التوازن بين مختلف المكوِّنات الطائفيّة المتشاحنة). كما أدّت إلى إيصال حكومةٍ بأغلبيّة "تكنوقراطيّة،" يرأسها أستاذٌ جامعيٌّ (د. حسّان دياب)، وتضمّ العديدَ من الأكاديميين والمتخصِّصين من خارج نادي السياسيّين الذين مثّلوا تاريخيًّا مصالحَ أحزابهم السياسيّة. إنّ الحكومات التكنوقراطيّة التي تُقدَّم على أنّها "محايدةٌ سياسيًّا" نادرةٌ في لبنان، وعادةً لا تستمرّ طويلًا في السلطة.
تجدر الإشارة إلى أنّ كثيرين يرفضون توصيفَ هذه الحكومة بـ"التكنوقراطيّة،" ويتّهمونها بتمثيل تحالفٍ سياسيٍّ واحد. ومع ذلك، فقد أسهم الطابعُ التكنوقراطيُّ للحكومة، ولو لفترةٍ وجيزة، في تحييد الجائحة عن التجاذبات السياسيّة التقليديّة، وفي استقطاب عددٍ من الأكاديميين والمتخصّصين.
نالت الحكومةُ الجديدةُ ثقةَ البرلمان في 11 شباط/فبراير 2020، أيْ قبل 10 أيّام من تسجيل أوّل حالةٍ رسميّةٍ بفايروس كورونا في لبنان (في 21 شباط/فبراير). بالإضافة إلى وجود عددٍ من الوزراء المتخصِّصين في حكومة الرئيس حسّان دياب، فقد تشكّلت مجالسُ الوزراء الاستشاريّة من الأكاديميين والعلماء (بعضُهم شارك في الانتفاضة)، وكُلِّف عددٌ منهم بالتعامل مع الوباء. الأهمّ من ذلك هو تشكيلُ اللجنة الوطنيّة لمتابعة التدابير والإجراءات الوقائيّة لفايروس كورونا، بإدارة وعضويّة متخصِّصين في الرعاية الصحّيّة وعلماء وأكاديميين، ومن ضمنهم مثلًا د. ميشال معوّض (الجامعة اللبنانيّة-الأميركيّة) والدكتورة بترا خوري (الجامعة الأميركيّة في بيروت).
بالطبع، كان التوقيت سيّئًا من وجهة نظرٍ اقتصاديّة: فالدولة على شفير الإفلاس، والمصارفُ تتأرجح على حافّة الانهيار، والبطالةُ ترتفع بشكلٍ سريع. كلُّ هذا ولبنانُ يستضيف مئاتِ الآلاف من اللاجئين، ويتعامل مع حربٍ وانهيارٍ اقتصاديّ في سوريّة، ومع اعتداءاتٍ منتظمةٍ من العدوّ الصهيونيّ؛ كما يواجه أزمةَ ثقةٍ شديدةً بالحكومة والطبقة السياسيّة. الفقراء ازدادوا فقرًا، ومواقعُ التواصل الاجتماعيّ أُغرقتْ بمنشوراتٍ تنْبئ بانتشار حالةٍ من الفقر الواسعِ النطاق، وتقدِّم إلى المواطنين تدابيرَ توجيهيّةً عن كيفيّة مواجهة العوَز المدقع.
الحكومة اللبنانيّة وكوفيد-19: استجابة حكوميّة شاملة
كانت الحكومةُ الجديدة في 31 كانون الثاني/يناير 2020، أيْ حتى قبل نيْلها ثقةَ البرلمان، قد أنشأت اللجنةَ الوطنيّةَ لمتابعة التدابير والإجراءات الوقائيّة لفيروس كورونا. وكانت مهمّةُ هذه اللجنة توفيرَ الاستراتيجيّة الوطنيّة، وتأمينَ الشراكة بين مختلف الوزارات، وتنسيقَ التعاون بين القطاعيْن العامّ والخاصّ، بالإضافة إلى التعاون مع المنظّمات غير الحكوميّة ومنظّمة الصحّة العالميّة والصليبِ الأحمر والجامعاتِ والأجهزة الأمنيّة. هكذا تشكّلت "اللجنة" قبل ثلاثة أسابيع من اكتشاف أوّل حالةٍ في لبنان، وأُنشِئتْ لجانٌ فرعيّةٌ عدّة:
- لجنة الإعلام: أشرفتْ هذه اللجنةُ على الاستراتيجيّة الإعلاميّة للحملة الوطنيّة التي انطلقتْ في 25 شباط/فبراير. وقد أقرّتْ كلُّ وزارةٍ حملتَها الخاصّة، المتناسقةَ مع الاستراتيجيّة الوطنيّة، مع التركيز على جانبٍ معيّنٍ يرتبط بمهامّ الوزارة.
فعلى سبيل المثال، ركّزتْ وزارةُ الصحّة العامّة على التوعية بالأعراض والمجموعاتِ المعرَّضةِ لخطر الإصابة. وتولّت وزارةُ التربية والتعليم العالي مسؤوليّةَ وقاية الطلّاب. وأشرفتْ وزارةُ الداخلية والبلديّات على تطبيق سياسة "التباعد الاجتماعيّ." كما تعاونتْ وزاراتٌ مختلفة في الحملات: فعلى سبيل المثال، قامت قيادةُ الجيش ووزارتا الصحّة العامّة والإعلام بتنسيق حملة توعيةٍ وطنيّةٍ تضمّ مقاطعَ فيديو قصيرةً للأطبّاء، ونُشرتْ مقاطعُ الفيديو، التي أنتجها الجيشُ، على موقع مركزيّ أنشأتْه وزارةُ الإعلام، يضمّ إحصاءاتٍ رسميّةً من موقع وزارة الصحّة العامّة.
- لجنة إعادة فتح القطاعات: تُركّز هذه اللجنةُ على التخطيط لمرحلة إعادة الافتتاح وفكِّ التعبئة العامّة. وقد وَضعتْ خطّةَ إعادة افتتاح تدريجيّة من أربع مراحل، يجري تحديثُها باستمرار، بحيث تتعامل الوزاراتُ مع تطبيق سياسات إعادة الفتح لناحية صلتها بمجالات تخصّصها. فعلى سبيل المثال، تعمل وزارةُ الداخليّة والبلديّات على تنظيم حركة المرور على أساس نظام أرقام تسجيل المَرْكبات (الفرديّة والمزدوجة). وتتعامل وزارةُ العمل مع قضايا الصحّة المهنيّة والسلامة العامّة. وتتولّى وزارةُ التربية والتعليم العالي إغلاقَ المدارس والجامعات وإعادة فتحها.
- أمّا اللجان الفرعيّة الأخرى، فتناولتْ قضايا ترتبط بأخلاقيّات ممارسة المهنة: كأنْ تحدِّد معاييرَ اختيار مَن يحصل على الرعاية الطبّيّة إذا ما جرى تجاوزُ قدرة الرعاية الصحّيّة في لبنان (على غرار ما حصل في نيويورك وإيطاليا)، ومهامَّ التعامل مع اللاجئين والنازحين الذين يعيشون في لبنان، وإعادة العديد من اللبنانيين الذين يعيشون في الخارج. وكانت لجنةٌ لمواجهة الوباء مسؤولة عن التحضير للتصدّي لمستوًى قياسيّ من الإصابات، كأن تقومَ بإنشاء مستشفياتٍ إضافيّة. لكنْ، حتى تاريخ نشر هذه الدراسة، لا يزال لبنانُ في "مرحلة الاحتواء،" ولم يتقدّمْ إلى "مرحلة مواجهة الوباء."
القاعدة الأساس للرؤية العامّة لـ "اللجنة الوطنيّة" تنسجم مع مبدأ "الاستجابة الحكوميّة الشاملة" بالشراكة بين القطاعيْن العامّ والخاصّ. وقد عزا المسؤولون الحكوميّون الذين قابلناهم في سياق هذه الدراسة سببَ النجاح النسبيّ في التخفيف من انتشار الوباء إلى استراتيجيّة "اللجنة،" المتمثلّة في: التواصل الشفّاف مع الشعب والمسؤولين، والمرونةِ والاستجابةِ المبكّرة، لا سيّما في تنفيذ "التباعد الاجتماعيّ" وإغلاقِ المدارس والشركات وتهيئةِ المستشفيات.
اتُّخِذ القرارُ المبكر بإغلاق المدارس والجامعات ودُور الحضانة في 29 شباط/فبراير 2020 (بعد حوالى أسبوع على الإصابة الأولى) بالاشتراك بين وزارتَي الصحّة العامّة والتربية والتعليم العالي، وبموافقة رئيس مجلس الوزراء. في ذلك الوقت، لم تكن في لبنان سوى سبعِ حالاتٍ مؤكّدة فقط، لكنّ إحداها كانت لأستاذٍ زار عددًا من المدارس. انتُقِد قرارُ إغلاق المدارس في البداية: فهناك مَن اعتبره سابقًا لأوانه، وهناك مَن اعتبر الإغلاقَ الجزئيَّ خطوةً غيرَ فعّالة لأنّ الأهلَ يرسلون أبناءهم إلى مراكز التسوّق والحدائق العامّة ومنتجعاتِ التزلّج بدلًا من إبقائهم في المنزل. بعد أسبوع (أيْ في 6 آذار/مارس 2020)، أُغلقت النوادي الليليّة والحاناتُ والصالاتُ الرياضيّة والمسارح. وبعد فترة وجيزة (11 آذار/مارس 2020)، أُغلق جميعُ مراكز التسوّق والمطاعم والمواقع السياحيّة والحدائق العامّة. بحلول منتصف آذار/مارس، عندما وصل العدد إلى 108 إصابات، أعلنت الحكومةُ "التعبئةَ العامّةَ" وأغلقت الحدودَ، على الرغم من فرض حظرٍ جزئيّ مسبّقًا على السفر من البلدان المصابة بالجائحة. وفي 26 آذار/مارس، فُرِض أوّلُ حظر تجوّلٍ من السابعة مساءً حتى الخامسة صباحًا.
واجهت "اللجنةُ" بعضَ التحدّيات المتعلّقة باستعداد القطاع الاستشفائيّ. في البداية، خُصِّص مستشفى بيروت الحكوميّ (مستشفى رفيق الحريري الجامعيّ) وحده للتعامل مع الحالات المصابة. وبعد فترةٍ وجيزة، تعاونت المستشفياتُ الجامعيّةُ الخاصّة ونقابةُ أطبّاء لبنان مع الحكومة، وبدأتْ بالتحضير. في البداية، لم يتجاوب العديدُ من المستشفيات الخاصّة، وتوقّفتْ بعضُ العيادات الخاصّة عن العمل لتجنّب التعامل مع المرضى والقيام بالتحاليل. ولكنّ الجميعَ امتثلوا في وقتٍ لاحق.
بالإضافة إلى ذلك، وَضعت "اللجنة،" بتمويلٍ من الحكومة والأمم المتحدة، وبدعمٍ من البلديّات، مخطَّطًا لمواقع الحَجْر الصحّيّ في العديد من المدن اللبنانيّة. في بعض المناطق، انضمّت الأحزابُ السياسيّةُ إلى هذا الجهد، من خلال اللجان المحلّيّة، وطلّاب الجامعات المتطوّعين كـ"مراقبين صحّيّين،" خصوصًا في محافظتَي الجنوب والبقاع والشمال. وقد ساهمت البلديّاتُ واللجانُ في السيطرة على انتشار الفايروس عبر فرض الحَجْر الصحّيّ وإدارة الاحتواء في مناطقها.
من الإعلام المتحيّز المنقسم الساخر، إلى الإعلام التعبويّ المفرط في الحماس
بحلول الأسبوع الثالث من شباط/فبراير، ومع تأكيد أوّل إصابةٍ في لبنان، تَركّز اهتمامُ الجمهور على أخبار الوباء. في ذلك الوقت، تصدّر الوباءُ وسائلَ الإعلام الأساسيّة، وخصوصًا قنوات التلفزة. وبلغ القلقُ العامّ والذعرُ من الوباء ذروتَهما بسرعة، وغطّت أخبارُه باقي العناوين على وسائل التواصل الاجتماعيّ. وهذا ما أسهم في انتشار الشائعات، ونظريّاتِ المؤامرة، والأضاليلِ، وأعدادِ المصابين المبالَغ فيها، و"المعلوماتِ" الزائفة عن الأعراض وأساليبِ الوقاية والأدوية والتطعيم. واستخدم اللبنانيّون، بشكلٍ أساسٍ، تطبيقَيْ فيسبوك وواتسآب لنشر مقاطع فيديو مزيّفة، ومن دون تدقيق، لمرضى (يُفترض أنّهم مصابون بالفايروس) ينهارون، ولتوزيع تقاريرَ غيرِ دقيقةٍ عن طرق انتقال الفايروس وسُبل الوقاية، بالإضافة إلى تسجيلاتٍ صوتيّةٍ تبالغ في أعداد المصابين في لبنان.
في البداية، قَدّمتْ وسائلُ الإعلام التقليديّة، ولا سيّما محطّاتُ التلفزيون الأكثرُ مشاهدةً، خطابًا مشكِّكًا وساخرًا، خصوصًا تجاه الحكومة، وغالبًا في إطار الحسابات الحزبيّة والطائفيّة. فأن يكون أوّلُ مصاب بالفايروس سيّدةً شيعيّةً عائدةً من زيارة المراقد المقدَّسة في إيران، فذلك ما أثار على الفور خطابًا طائفيًّا تَزامَن مع دعواتٍ إلى وقف الرحلات الجوية من إيران وإليها. ولم تساعدْ في التهدئة تأكيداتُ وزير الصحّة العامة عدمَ وجود داعٍ إلى الهلع، بل تحوّلتْ هذه التأكيداتُ إلى مادّةٍ للسخرية والتشويش السياسيّ. محطّات تلفزيونيّة، مثل الجديد وMTV وLBCI، شكّكتْ في الإجراءات الحكوميّة، واتَّهم بعضُها وزيرَ الصحّة العامّة (وهو شيعيٌّ ويُعتبر مؤيِّدًا لحزب الله) باستيراد الفايروس. وانتشرتْ على مواقع التواصل الاجتماعيّ رسائلُ تتّهم اللبنانيين الشيعةَ بنشر هذا الفايروس في البلاد. بعد فترة وجيزة، ظهرتْ أنباء عن إصاباتٍ سابقةٍ مرتبطةٍ بكاهنيْن يسوعيّيْن، ما عزّز التغطيةَ ذاتَ الطابع الطائفيّ، وأدّى إلى نشر محتوًى على وسائل التواصل الاجتماعيّ يَستهدف الطوائفَ المسيحيّة. وسرعان ما تحوّلت التغطيةُ الإعلاميّة ذاتُ الطابع الحزبيّ إلى تعزيز الفرز الطائفيّ، مع اتّهاماتٍ طاولت الحكومةَ اللبنانيّة والتيّاراتِ السياسيّةَ الفاعلة، خصوصًا حزب الله، بتعريض الصحّة العامّة للخطر. كما لجأتْ وسائلُ إعلامٍ مختلفة على الإنترنت إلى المبالغة وتسييسِ الأزمة، مع التشكيك في قدرة الحكومة على التعامل معها. في هذا المُناخ، أدى النشرُ الواسعُ النطاق للأرقام غير الدقيقة عن الإصابات وأعدادِ المتوفّين إلى مزيجٍ من الذعر والارتباك والبلبلة عند الرأي العامّ اللبنانيّ.
لاحقًا، ما إنْ صنّفتْ منظّمةُ الصحّة العالميّة فايروس كورونا المستجدّ "جائحةً عالميّةً" في 11 آذار/مارس 2020، حتّى انضمّت وسائلُ الإعلام الأساسيّة بفعّاليّةٍ إلى مكافحة انتشار الوباء. فأصبح هتافُ "خلّيكْ بالبيت" (أو Stay Home) موجودًا في كلّ مكان: على الهواتف المحمولة، وشاشاتِ التلفزيون، ووسائلِ التواصل الاجتماعيّ. وقد أطلقتْ محطّتا الجديد وLBCI حملاتِ الحَجْر المنزليّ والتباعد الاجتماعيّ باستخدام الهتاف نفسه ("خلّيك بالبيت")، في حين تخطّت MTV القرارَ الحكوميّ وأعلنتْ حالةَ الطوارئ. واستخدم العديدُ من الصحفيين لغةً حادّةً، وأحيانًا مبتذلةً، في الهجوم على مَن لم يلتزم الحجْرَ المنزليّ والتباعدَ الاجتماعيّ. لفترة معيّنة، قادت وسائلُ الإعلام اللبنانيّة جهودَ التعبئة العامّة، واستفاضت في نقل أنباء الوباء، لكنّها لم تقضِ على المُشاحنات الحزبيّة.
نشرتْ وسائلُ الإعلام الأساسيّة تقاريرَ إخباريّةً عن طُرق العلاج، ومراحلِ المرض، واللقاحاتِ المحتملة. وبات الأطبّاءُ والخبراءُ الطبّيّون ضيوفًا دائمين على الشاشات. وقد تنافستْ مختلفُ تلك الوسائل على إجراء المقابلات مع أبرز الخبراء المحلّيّين والدوليّين. وتغيّرتْ فجأةً صورةُ الأطبّاء في لبنان وسمعتُهم: فبينما كانوا قبل الجائحة يعانون اتهاماتٍ شائعةً في الإعلام بمخالفاتٍ طبّيّةٍ قانونيّة، وبتقاضي بدلٍ ماليٍّ باهظٍ لقاءَ عملهم، سنحتْ لهم الآن فرصةٌ لتقديم أنفسهم عاملِين يعرِِّضون حياتَهم للخطر على الخطوط الأماميّة في مواجهة الوباء.
بفضل الاستراتيجيّة الإعلاميّة المتماسكة لـ"اللجنة الوطنيّة،" وبسبب انضمامِ وسائلِ الإعلام إلى هذه الحملة، تراجعتْ نِسَبُ الأخبار المتناقضة عن معدَّلات الإصابة والوفَيات، لصالح تقاريرَ إخباريّةٍ دقيقة. هكذا أصبح مستشفى بيروت الحكوميّ المصدرَ الرسميَّ لرصد أعداد الإصابات والوفَيات ولنشر التقارير والأرقام اليوميّة. وأنشأتْ وزارةُ الإعلام موقعًا مخصَّصًا لفايروس كورونا المستجدّ يقدِّم آخرَ الإحصائيّات عن أعداد الإصابات والوفَيات والاختبارات اليوميّة وغيرها من البيانات والجداول، فضلًا عن معلوماتٍ عن الفايروس وأعراضِه وتدابيرِ الوقاية منه، وآخرِِ المستجدّات والخدمات العامّة المتوفّرة، وبعض تقارير التحقّق من الحقائق الأساسيّة التي كشفتْ زيفَ الشائعات السائدة والمعلومات الزائفة. أمّا على المستوى الحكومي، فقد كثّف عددٌ من الوزراء ظهورَهم الإعلاميّ، ولا سيّما وزير الصحّة العامّة ووزير الداخلية والبلديّات، بغية الإعلان عن كلّ مستجدّ.
صَنّفت التقاريرُ الإخباريّةُ الدوليّةُ جهودَ لبنان في الاستجابة الوبائيّة من بين الأعلى في العالم، على الرغم من مشاكله السياسيّة والاقتصاديّة العديدة. وقد سعى المسؤولون الحكوميّون ووسائلُ الإعلام المؤيّدةُ للحكومة إلى إعادة نشر هذه التقارير، في حين رفضها عددٌ من جماعات المعارضة وإعلامهم. تجدر الإشارةُ إلى أنّ الخطاب الطائفيّ والسجالَ السياسيّ، مع انتهاء العمل الميدانيّ لهذه الدراسة (23 نيسان/أبريل 2020)، عاودا ظهورَهما بشكلٍ تدريجيّ. وترافق ذلك مع تسييسٍ متصاعد، خصوصًا مع عودة الاحتجاجات إلى الشارع، واستمرارِ الوضع الاقتصاديّ في التدهور، من دون أملٍ في التحسّن في المدى المنظور.
النتائج
النتائج العامّة
قام المشاركون بتصنيف التلفزيون مصدرًا رئيسًا للأخبار المتعلّقة بالفايروس، تليه مباشرةً وسائلُ التواصل الاجتماعيّ. في حين اعتبرتْ نسبةٌ أقلُّ من المستطلَعين أنّ التواصل المباشر كان المصدرَ الأساسَ لمعلوماتهم.
وبتصنيفٍ مشابه، يثق المشاركون بالتلفزيون مصدرًا أساسًا، بينما تثق نسبةٌ أقلُّ بوسائل التواصل الاجتماعيّ والاتصال المباشر.
يعتقد غالبيّةُ المشاركين أنّ التغطية الإعلاميّة لفايروس كورونا المستجدّ كانت شاملةً، في حين تَعتبر نسبةٌ أقلُّ أنّ تلك التغطية كانت متناقضةً ومُبالغًا فيها.
الأطبّاء والخبراء الصحّيّون هم أكثرُ مصدرٍ موثوقٍ للحصول على معلومات عن الفايروس، تليهم المصادرُ الحكوميّة، بينما يأتي أخيرًا رجالُ الدين والمرجعيّاتُ الدينيّة.
يقول أكثرُ من ثلثي المشاركين (68.1٪) إنّهم لم ينشروا على وسائل التواصل الاجتماعيّ أخبارًا عن الفايروس. 12.8٪ يقولون إنّهم نادرًا ما نشروا محتوًى عن الفايروس، و14٪ أجابوا أنهم قاموا أحيانًا بذلك النشر، و5.1٪ غالبًا لم ينشروا.أمّا أولئك الذين ينشرون على وسائل التواصل الاجتماعيّ، فيوضح الرسمُ البيانيُّ 5 أنّ الأغلبيّة غالبًا ما تتحقّق من المصادر الأصليّة قبل النشر، في حين تقوم نسبةٌ أقلُّ بمقارنة المعلومات بمصادرَ موثوقةٍ قبل النشر. أمّا الذين يقومون بإعادة نشر المحتوى من دون التدقيق فيه، فتُعتبر أقلّيّةً.
سُئل المشاركون في الدراسة إنْ كانوا يوافقون أو يختلفون على معلوماتٍ مغلوطةٍ ثلاثٍ جرى تداولُها على وسائل التواصل الاجتماعيّ عند بداية انتشار الوباء. أغلبيّةٌ كبيرةٌ من المستبيَنين تعتقد أنّ فايروس كورونا المستجدّ هو سلاحٌ بيولوجيٌّ من صنع الإنسان؛ تليها نسبةٌ مرتفعةٌ تَعتبر الفايروس بمثابة عقابٍ ربّانيّ؛ وتأتي أخيرًا نسبةٌ تعتبر أنّ الفايروس طوّرتْه شركاتُ الأدوية بهدف الربح.
سُئل المشاركون إنْ كانت هناك فئاتٌ محدّدةٌ معرَّضةٌ بشكل كبير لخطر الوفاة جرّاء إصابتها بالفايروس. جميع المشاركين في الدراسة أكّدوا أنّ الأفراد الذين يعانون نقصَ المناعة، أو أمراضًا مزمنةً، كالسكّريّ وأمراضِ القلب أو الرئة، هم من الفئات الأكثر عرضةً. بنسبةٍ أقلّ أتى ترتيبُ فئة كبار السنّ الذين يزيد عمرُهم عن 65 عامًا، في حين نالت فئةُ المدخّنين نسبة 70 ٪.
أكثرُ من ثلث المشاركين اعتبروا أنّ الصينيين والإيرانيين هم من الفئات المعرَّضة للخطر. ثلثُ المشاركين اعتبروا أنّ الأطفال الذين تقلّ أعمارُهم عن 8 سنوات معرّضون للخطر. أمّا النسبة الأقلّ فكانت للأشخاص الذين يحملون فئة الدم O+. وقد وُضعتْ هذه الفئاتُ الثلاثُ الأخيرة في الاستبيان عن عمد، لقياس مدى انتشار الاعتقاد بالمعلومات الزائفة والخرافات المضلِّلة.
طُلب من المشاركين تسميةُ الأعراض الرئيسة للفايروس، من دون أن يقدِّم فريقُ العمل لائحةً من الأعراض. الغالبيّة العظمى سمّت الحُمّى والسُّعالَ عرَضَيْن من الأعراض، وأقلُّ من النصف بقليل شخّصوا ضيقَ التنفّس عرَضًا، ولكنّ نِسَبًا صغيرةً جدًّا حدّدتْ آلامَ الصدر والارتباك وزرقةَ الوجه والشفاه أعراضًا. خلال مرحلة تعبئة الاستمارات، حدّد "مركزُ السيطرة على الأمراض" (CDC) الأعراضَ المذكورةَ للمرض.
بالإضافة إلى قياس المستوى المعرفيّ بالأعراض (المعرفة الفعليّة)، قوّمت الدراسةُ معرفةَ الناس المتصوَّرة ومستوياتِ تخوّفهم من الفايروس. وهذان العنصران يُعتبران من المؤشِّرات التي تتلازم مع تدابير الوقاية. عندما يتعلّق الأمرُ بالخوف، يَعترف أقلُّ من نصف المشاركين بأنّ فكرةَ فايروس كورونا المستجدّ تُشْعرهم بالخوف، لكنّهم يُجْمعون تقريبًا على خشيتهم أن يصابَ أحدُ أفراد أسْرتهم بالمرض. وعندما يتعلّق الأمر بالمعرفة المتصوَّرة، تتّفق الأغلبيّةُ الساحقة على أنّهم على درايةٍ بالفايروس، وأنّ لديهم معلوماتٍ كافيةً لإبلاغ الآخرين به، ما يعكس ثقةً وفاعليّة شديدتيْن لدى مَن يعيشون على الأراضي اللبنانيّة.
يوضح الرسمُ البيانيّ 10 أنّ المشاركين، عندما يتعلّق الأمرُ بتدابير الوقاية، يلتزمون التزامًا شديدًا بجميع المبادئ التوجيهيّة الرئيسة. وجميعُهم تقريبًا يؤكّدون أنّهم أحيانًا أو غالبًا ما يغسلون أيديَهم بالماء والصابون، ويتجنّبون المصافحةَ بالأيدي، ويغطّون فمَهم عند السعال، ويتجنّبون الحشودَ الغفيرة. وتؤكّد الأغلبيّة الساحقة أيضًا أنّها تلتزم أحيانًا أو غالبًا بالحَجْر المنزليّ، وبإرشاداتِ تجنُّبِ لمسِ الوجه. بعضُهم يذْكرون أنّ عملهم يَفرض عليهم مغادرةَ المنزل؛ ومن بينهم: العاملون في مجالات الأمن والرعاية الصحّيّة، والعديدُ من العمّال النهاريّين الذين يعملون في محلّات السوبرماركت والمؤسّساتِ الحيويّة. من المثير للاهتمام أنّ أغلبَهم قالوا إنّهم يأكلون أحيانًا أو غالبًا الثومَ أو الموز، ونسبة غير قليلة منهم يقولون إنّهم أحيانًا أو غالبًا ما يغسلون جوفَ أنوفهم بالماء المالح الدافئ. وهذان السلوكان هما نتيجةٌ للمعلومات المغلوطة التي جرى تداولُها على وسائل التواصل الاجتماعيّ في وصفها إرشاداتٍ تساهم في تعزيز المناعة وقتلِ الفايروس قبل بلوغه الرئتيْن.
مؤشِّرات فايروس كورونا المستجدّ
وضعت الدراسةُ ثلاثةَ مؤشِّرات مركّبة على أنّها "مؤشِّرات كوفيد-19." يتراوح كلُّ مؤشِّرٍ بين 0 و10، ويَظْهر توزيعُه في الرسم البيانيّ 11.
مؤشّر الامتثال إلى الوقاية من كوفيد-19
يُحتسَب مؤشِّرُ الامتثال إلى الوقاية من الفايروس على أساس متوسّط الإجابات الستّ الأولى (الرسم البيانيّ 10). فكلّما ارتفع المؤشِّرُ، ارتفع مستوى الامتثال. متوسّطُ مؤشّر الامتثال لجميع المشاركين في الاستبيان هو 9.36، مع انحرافٍ معياريٍّ يبلغ 0.81. أمّا الدرجة المتوسّطة فهي 9.58، وتتراوح الأرباعُ العلْويّة والسفليّة بين 9.2 و10. وعليه، تُظهر البياناتُ مستوًى عاليًا جدًّا من الامتثال (وتباينًا منخفضًا جدًّا).
مؤشّر معرفة كوفيد-19
يُحتسَب مؤشِّرُ المعرفة بناءً على مجموع الإجابات المرتبطة بمعرفة الأشخاص بالفايروس (أي الخيارات الأربعة الأولى من الرسم البيانيّ 7 وجميع خيارات الرسم البيانيّ 8). كلّما ارتفع المؤشِّر، كان الفردُ أكثرَ معرفةً بالفايروس. متوسّط درجة معرفة المشاركين بالدراسة هو 5.73، مع انحرافٍ معياريٍّ قدرُه 1.27. أمّا الدرجة المتوسّطة فهي 6، وتتراوح الشرائحُ الربعيّةُ العلْويّة والسفليّة بين 5 و7. ومن ثمّ تُظهر البياناتُ مستوًى معتدلًا إلى مرتفع من المعرفة بالفايروس، مع بعض التباين في الجمهور المستبْيَن.
مؤشّر الخرافات المرتبطة بكوفيد-19
يُحتسَب مؤشّرُ الخرافات المرتبطة بفايروس كورونا المستجدّ على أساس مجموع الإجابات عن الخرافات المنتشرة (أيْ كلّ من الرسم البيانيّ 6، والخيارات الثلاثة الأخيرة من الرسم البيانيّ 7، وآخر خياريْن من الرسم البيانيّ 10). كلّما ارتفع المؤشِّر، ارتفع احتمالُ أن يصدِّق الأفرادُ الخرافاتِ والمعلوماتِ الزائفةَ عن الفايروس. متوسِّطُ هذا المؤشِّر لجميع المشاركين هو 4.43، مع انحرافٍ معياريٍّ يبلغ 2.1. أما المتوسّط فهو 5، وتتراوح الأرباعُ العلْويّةُ والسفليّة بين 2.5 و6.25. ومن ثمّ تُظْهر البيانات مستوًى معتدلًا إلى منخفض من تصديق الخرافات والمعلومات الزائفة المرتبطة بالفايروس، مع مستوًى عالٍ من التباين بين المشاركين.
المقارنة بين الجنسيْن
حصلت النساءُ على متوسِّطٍ أعلى من الرجال في المؤشِّرات الثلاثة (الشكل 12). لكنّ مؤشّريْن فقط سَجّلا فرْقًا يُعتدُّ به إحصائيًّا. متوسّطُ النساء أعلى من الرجال في مؤشِّر الامتثال إلى الوقاية من الفايروس، وفي مؤشِّر معرفته. وعلى الرغم من أنّ النساء أعلى من الرجال في مؤشِّر الخرافات المرتبطة بالفايروس، فإنّ الفرق لا يُعتدُّ به من الناحية الإحصائيّة.
مقارنة بين الفئات العمريّة
يوضح الرسمُ البيانيّ 13 أنّ مؤشِّر معرفة الفايروس لدى المشاركين الأصغر سنًّا أعلى بشكلٍ ملحوظٍ من المشاركين الأكبر سنًّا. أمّا بالنسبة إلى مؤشِّر الامتثال إلى الوقاية من الفايروس، ومؤشّرِ الخرافات المرتبطة به، فلا تَظْهر فروقٌ ذاتُ دلالةٍ إحصائيّة، باستثناء الفئة العمريّة لمن هم في سنّ 65 وما فوقها، وهي الفئة التي حازت معدّلًا أعلى بشكل ملحوظ في مؤشّر الامتثال إلى الوقاية من الفيروس.
مقارنة بين مستويات الدخل
يوضح الرسمُ البيانيّ 14 علاقةً ذاتَ دلالةٍ إحصائيّةٍ بين الدخل ومؤشِّر تصديق الخرافات. كلّما زاد الدخل، انخفض المؤشِّر؛ وكلّما انخفض الدخل، زاد احتمالُ أن يؤْمن الشخصُ بالخرافات والمعلومات الزائفة. لكنْ لا تَظهر أيُّ علاقةٍ ذات دلالةٍ إحصائيّةٍ بين الدخل ومؤشِّر معرفة الفيروس أو مؤشِّر الامتثال إلى الوقاية منه.
مقارنة بين مستويات التعليم
يوضح الرسمُ البيانيّ 15 علاقةً ذاتَ دلالةٍ إحصائيّة بين المستوى التعليميّ ومؤشِّريْن. فقد ارتفع مؤشّرُ معرفة الفايروس لدى المستبيَنين ذوي المستوى التعليميّ العالي، وتَراجَع لديهم بشكلٍ ملحوظٍ مؤشِّرُ الخرافات والمعلومات الزائفة. ومع ذلك، لا يوجد فرقٌ كبيرٌ في درجة الامتثال إلى الوقاية من الفايروس مع اختلاف المستوى التعليميّ.
مقارنة بناءً على مستوى التربية الإعلاميّة
بالإضافة إلى المستوى التعليميّ، يهتمّ الباحثون بتقويم الاختلاف بين المستبْيَنين الذين خضعوا لأيّ تدريبٍ على التربية الإعلاميّة وأولئك الذين لم يخضعوا لتدريبٍ كهذا. بالتوافق مع الدراسات السابقة التي أجراها الباحثون، وَجدتْ هذه الدراسةُ أنّ أقلّيّةً صغيرةً فقط من المشاركين في الدراسة قد حصلوا على تدريبٍ كهذا خلال حياتهم. فقط 7 ٪ من المشاركين قالوا إنّهم تلقّوْا تدريبًا كهذا في مرحلةٍ ما من حياتهم، و93 ٪ لم يتلقّوه. من بين الأخيرين، 5.2 ٪ يقولون إنّهم تلقّوا القليلَ منه، بينما يقول 1.8٪ فقط إنّهم تلقّوا الكثير. وعلى الرغم من أنّ مؤشِّر التربية الإعلاميّة كان بسيطًا (في العادة يُعَدّ تقويمٌ أكثرُ فاعليّة)، فإنّ التباينات كانت واضحةً بين المجموعات الثلاث. يوضح الرسمُ البيانيّ 16 أنّ الفئة التي تلقّت تدريبًا مكثّفًا في التربية الإعلاميّة تخطّت، بشكلٍ ملحوظ، باقي الفئات في مؤشِّر معرفة الفايروس. كما أنّ الفئة التي تلقّت تدريبًا متوسّطًا في تلك التربية أعلى في مؤشّر الامتثال إلى الوقاية، وأدنى في مؤشّر تصديق الخرافات والأخبار الزائفة (الاختلافات ليست ذاتَ دلالة إحصائيّة).
مقارنة بحسب استخدامات التلفزيون
يوضح الرسمُ البيانيّ 17 أنّ مؤشِّر الامتثال إلى الوقاية من الفايروس تَغيّر بشكلٍ لافتٍ بحسب مستويات متابعة قنوات التلفزيون، في حين أنّ الاختلافات ليست كبيرةً في ما يرتبط بمؤشِّر معرفة الفايروس ومؤشّر الخرافات المرتبطة به. وعليه، فكلّما زاد الاطّلاعُ على أخبار الفايروس من التلفزيون، زاد احتمالُ امتثال الناس إلى تدابير الوقاية.
مقارنة بحسب استخدامات وسائل التواصل الاجتماعيّ
يوضح الرسمُ البيانيّ 18 الآتي: على نقيض التلفزيون، فإنّ مؤشِّر معرفة الفايروس ومؤشِّر الخرافات المرتبطة به تغيّرا بحسب مستويات التعرّض المختلفة لمواقع التواصل الاجتماعيّ، في حين أنّ مؤشِّر الامتثال إلى الوقاية من الفيروس لم يتغيّرْ بشكلٍ لافت. لذلك، كلّما زاد الاعتمادُ على أخبار الفايروس من مواقع التواصل الاجتماعيّ، زادت معرفةُ الأفراد به، ولكنْ زادت أيضًا احتمالاتُ تصديقهم للخرافات والمعلومات الزائفة.
مقارنة من حيث معدّلات نشر المحتوى عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ
يوضح الرسمُ البيانيّ 19 أنّ لدى مَن يميلون إلى النشر عن الفايروس على وسائل التواصل الاجتماعيّ متوسّطًا أعلى في مؤشِّر معرفة الفايروس، بينما لا يُظْهر المؤشِّران الآخران أيَّ فروقٍ ذات دلالةٍ إحصائيّة.
مقارنة مستويات الثقة الإعلاميّة
يوضح الرسمُ البيانيّ 20 أنّ مَن يثقون بالتلفزيون مصدرًا لأخبار الفيروس يبْلغون متوسّطًا أعلى في مؤشّر الامتثال إلى الوقاية من الفايروس ومؤشِّر معرفته، في حين أنّ الاختلافات ليست مهمّةً بالنسبة إلى مؤشِّر تصديق الخرافات. بعبارةٍ أخرى، كلّما زادت ثقةُ الشخص بأخبار الفايروس على التلفزيون، زاد احتمالُ امتثال الشخص إلى تدابير الوقاية وزادت معرفتُه بالفايروس.
يوضح الرسمُ البيانيّ 21 أنّ مَن يثقون بوسائل التواصل الاجتماعيّ مصدرًا للمعلومات عن الفيروس قد سجّلوا ارتفاعًا في متوسّط جميع المؤشِّرات الثلاثة. بعبارةٍ أخرى، كلما زادت الثقةُ بأخبار الفايروس من وسائل التواصل الاجتماعيّ، زاد احتمالُ امتثال الشخص إلى تدابير الوقاية ومعرفتِه بالفيروس، ولكنْ زاد أيضًا احتمالُ تصديقه للخرافات والمعلومات الزائفة، خصوصًا لدى مَن يقولون إنّهم غالبًا ما يثقون بتلك الوسائل. وهذا ما قد يشير إلى مستوًى عالٍ من الثقة، مقترنًا بمستوًى منخفضٍ من الحسّ النقديّ؛ وهو ما يُحْوِجُهم إلى التدريب على التربية الإعلاميّة.
مقارنة مستويات الثقة بمصادر المعلومات
يَظهر في الرسم البيانيّ 22 أنّ مَن يثقون بالأطبّاء والخبراءِ الصحّيّين مصدرًا للمعلومات عن الفايروس قد سجّلوا ارتفاعًا في مؤشِّريْن: مؤشّر الامتثال إلى الوقاية من الفايروس، ومؤشِّر معرفته، في حين لم يسجَّلْ فرقٌ كبيرٌ في مؤشِّر تصديق الخرافات. بعبارةٍ أخرى، كلّما زادت الثقةُ بالأطبّاء والخبراء الصحّيّين، زاد احتمالُ امتثال الشخص إلى تدابير الوقاية ومعرفتهم بالفايروس.
على النقيض من الأطبّاء والخبراء الصحّيّين، يبيّن الرسمُ البيانيّ 23 أنّ مَن يثقون برجال الدين والمرجعيّاتِ الدينيّة مصدرًا للمعلومات عن الفايروس سجّلوا معدّلًا أدنى في مؤشّر معرفة الفايروس، وأعلى في مؤشّر تصديق الخرافات، في حين لم يسجَّلْ فرقٌ كبيرٌ في مؤشِّر الامتثال إلى الوقاية من الفايروس. بعبارةٍ أخرى، كلّما زاد الاعتمادُ على رجال الدين والمرجعيّاتِ الدينيّة مصدرًا للمعلومة عن الفيروس، قلّ احتمالُ معرفة الشخص به وزاد اعتقادُه بالخرافات والأخبار الزائفة المرتبطة به.
مقارنة بين المحافظات اللبنانيّة
عند مقارنة البيانات لدى مختلف المحافظات اللبنانيّة، يُظْهر مؤشِّران، هما مؤشِّرُ الامتثال إلى الوقاية من الفايروس ومؤشِّرُ تصديق الخرافات والمعلومات الزائفة، اختلافاتٍ كبيرةً. كما يُظْهر الرسمُ البيانيّ اتجاهًا متعارضًا بين مؤشِّر معرفةِ الفايروس ومؤشِّر تصديق الخرافات والأخبارِ الزائفة؛ غير أنّ الاختلافات بين المحافظات على مؤشّر المعرفة ليست ذاتَ دلالةٍ إحصائيّة. يوضح الرسمُ البيانيّ 24 الآتي: عندما يتعلّق الأمر بمؤشِّر الامتثال إلى الوقاية من الفايروس، فإنّ متوسّط جبل لبنان وبيروت وجنوب لبنان والنبطيّة هو من بين أعلى المعدّلات، يليه بعلبكّ-الهرمل وشمال لبنان والبقاع، في حين أنّ متوسّطَ عكّار أقلُّ بشكلٍ واضحٍ من أيّ محافظةٍ أخرى. وبشكلٍ مشابهٍ في ما يتعلّق الأمر بمؤشِّر تصديق الخرافات والمعلومات الزائفة، فإنّ متوسّط جبل لبنان وبيروت أقلُّ بشكلٍ واضحٍ من المحافظات الأخرى، في حين أنّ متوسّط عكّار على وجه التحديد أعلى بكثير. أمّا باقي المحافظات (جنوب لبنان، النبطيّة، بعلبكّ-الهرمل، شمال لبنان، البقاع)، فتقع في الوسط.
مقارنة من حيث معدّلات الخوف من المرض
الرسم البيانيّ 25 يُظْهر أنّ مَن يخيفهم الفايروس سجّلوا معدّلاتٍ أعلى في مؤشّريْن: مؤشِّر الامتثال إلى الوقاية من الفايروس ومؤشّر معرفته، في حين لا يوجد فرقٌ يُعتدّ به في مؤشِّر تصديق الخرافات. بعبارة أخرى، كلّما خاف الشخصُ من المرض، زاد احتمالُ امتثاله إلى تدابير الوقاية، وزاد مستوى معرفته بالفايروس.
مقارنة من حيث مستويات المعرفة المتصوَّرة لدى الناس عن الفايروس
قمنا في الدراسة بدمج المتغيّريْن المرتبطيْن بالـ"المعرفة المتصوَّرة لدى الناس" ومقارنة المتغيّر المركّب بالمؤشِّرات. يوضح الرسمُ البيانيّ 26 أنّه كلّما ارتفع مستوى المعرفة المتصوَّرة لدى الناس بالفايروس، ارتفع متوسّطُ مؤشِّر الامتثال إلى الوقاية منه، وارتفع أيضًا مؤشِّر معرفته، في حين لا يسجِّل مؤشِّرُ تصديق الخرافات والأخبار الزائفة فروقًا ذاتَ دلالةٍ إحصائيّة. بعبارة أخرى، كلّما ارتفعتْ ثقةُ المرء بمعرفة الفايروس، زاد احتمالُ التزامه بتدابير الوقاية منه ومعرفته الفعليّة به.
ملخّص المنهجيّة المعتمَدة
في هذه الدراسة أجرى باحثون مسحًا (عبر الهاتف) لأفرادٍ يعيشون في لبنان، وعمرُهم 18 عامًا وأكثر. تَواصل العملُ الميدانيُّ من 27 آذار/مارس 2020 حتى 23 نيسان/أبريل 2020. وقد تمّ تطويرُ الاستبيان واختبارُه مسبّقًا باللغة العربيّة، وتألّف من 15 سؤالًا مقفلًا، وتتطلّب تعبئتُه 12 دقيقةً كمعدّلٍ وسطيّ، وبُني عليه 52 متغيِّرًا. كان حجمُ العيّنة الإجماليّ 1536 مشاركًا بناءً على عدد السكّان، البالغ 6 ملايين نسمة، بمستوى ثقةٍ نسبتُه 95٪، وبهامش خطأ في أخذ العيّنات بلغ 2.5٪. تبنّت الدراسةُ تقنيّةً بسيطةً في أخذ العيّنات العشوائيّة، وهي الحصولُ على جميع أرقام الهواتف المحمولة في لبنان من موقع وزارة الاتصالات. تكوّنت العيّنةُ من أفرادٍ يعيشون في لبنان (بما في ذلك عددٌ قليلٌ من الرعايا الأجانب) ويبلغون من العمر 18 عامًا أو يزيد. بعد إزالة الاستبيانات غير المكتملة والعيّنات التي رفضت التجاوب، بلغ العددُ النهائيّ 792 ردًّا، بمعدّل استجابة 51.6٪.استَخدمت الدراسة برنامج SPSS 26 للتحليل. تكوّنت العيّنة من 56.1٪ (443) ذكور و43.9٪ (346) إناث. يوضح الجدول رقم 1 التوزيعَ العُمْريّ للمشاركين، ويُظهر الجدول رقم 2 توزيعَ دخل المشاركين. أمّا بالنسبة إلى مستوى التعليم، فقد أكمل 10.3٪ (79) التعليمَ الابتدائيّ أو لم يكمله، و27٪ (207) أنهوا المرحلةَ الإعداديّة، و24.9٪ (191) أكملوا المرحلةَ الثانويّة، و37.9٪ (291) أكملوا درجةَ البكالوريوس الجامعيّ أو تجاوزوها.
الجدول رقم 1: التوزّع العمريّ
الجدول رقم 2: توزيع الدخل الشهريّ
وقد توزّع المشاركون على جميع المحافظات اللبنانيّة كما هو مبيَّن في الجدول رقم 3. وسُجّلت الموانعُ الآتية خلال الدراسة: 27.2٪ (418) رفضوا المشاركة، و18.2٪ (279) من أرقام الهواتف لم تكن صالحةً على الرغم من استبدال كلٍّ منها مرتيْن، و3٪ (47) من المستجيبين لم يُكملوا الاستبيانَ بشكلٍ وافٍ. كما أنّ ثلاثَ محافظاتٍ جرى تمثيلُها بشكلٍ ناقص إلى حدّ ما: بعلبك-الهرمل، وعكّار، والنبطيّة (الجدول رقم 3)، في حين تمثّلتْ بيروت تمثيلًا مفرطًا بنسبةٍ طفيفة.
الجدول رقم 3: التوزّع الجغرافيّ
للتفاصيل الشاملة عن المنهجيّة، راجعوا النسخة الإنكليزية
عن الدراسة
هذه الدراسة جزءٌ من برنامج التربية الإعلاميّة والرقميّة لمعهد البحوث والتدريب الإعلاميّ في الجامعة اللبنانيّة-الأمريكيّة. يركّز هذا البرنامجُ على النهوض بالتعليم والبحث في مجال الإعلام والتربية الإعلاميّة والرقميّة في المنطقة العربيّة، من خلال تدريب جيلٍ من المعلّمين والمدرِّبين والناشطين والإعلاميين والباحثين، وتطوير المناهج الدراسيّة والأبحاث العلميّة ذات الجذور المحلّيّة.
عن معهد البحوث والتدريب الإعلاميّ في الجامعة اللبنانيّة-الأميركيّة
يتخصّص المعهد بإنتاج الدراسات العلميّة المتعلّقة بالإعلام والمجتمع العربيّ ونشرها، وبتدريب الإعلاميين وأساتذةِ الاعلام والناشطين رقميًّا، والدفاع عن قضايا ترفع من مستوى الإعلام العربيّ وبرامج الإعلام والتربية الإعلاميّة والرقميّة في المنطقة العربيّة. ويدرس المعهد تأثيرَ وسائل الإعلام، وأنظمة الاتصالات الرقميّة، في السياسة المحلّيّة والإقليميّة والاقتصاد والثقافات العربيّة، ويسعى إلى تطوير مناهج التربية الإعلاميّة والرقميّة وتوفير التدريب الأكاديميّ والمهنيّ الذي يطوِّر التربيةَ الإعلاميّةَ في المنطقة، ويدعم قوانينَ وممارسات الإعلام الأخلاقيّة والمهنيّة. يتبنّى المعهدُ نظريّةَ التربية الإعلاميّة التي تهدف إلى تمكين المواطنين والمتَّحدات بتزويدهم بمهارات التفكير الإبداعيّ والنقديّ والكفاءات الرقميّة التي تساعدهم على أن يصبحوا مواطنين عالميين قادرين على تعزيز حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعيّة. www.imrt.lau.edu.lb
عن مجلة الآداب (www.al-adab.com)
نشأتْ مجلّةُ الآداب عام 1953 على يد د. سهيل إدريس، وتهدف إلى نشر الإبداع العربيّ، والإسهامِ في تنشئة وعيٍ نقديٍّ متحرّك، وإلى دعم قضايا التحرّر والحرّيّة والوحدة في الوطن العربيّ. صدرتْ بصيغةٍ ورقيّةٍ حتى نهاية العام 2012، وعادت بصيغةٍ إلكترونيّةٍ صيفَ العام 2015. تتضمّن موادَّ في الفكر السياسيّ، والشعر، والرواية، والقصّة، والسينما، والمسرح، والنقد الأدبيّ، والثقافة العامّة. يرأس تحريرَها منذ العام 1991 د. سماح إدريس، وهو ناقدٌ أدبيّ، وكاتبُ قصصٍ ورواياتٍ للأطفال والناشئة، وناشرٌ، وعضوٌ مؤسِّسٌ في حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان.