أرى أمّي، ولا تراني، وهي تَخيطُ الكون
وتنتظر يومَ وفاة أبي،
لتضعَه في كفنه،
وتبكي دمعتين،
وتمضي إلى عرسِها.
وأراها،
ولا تراني أراها،
في الخلْسة،
تعانقُ أنتوني كوين
بين الشاشةِ والصورة،
وتداعبُ نفسَها،
إلى أن تأتي مرّتين
ولا تشبع.
وتمنح البائعَ الثمنَ:
دمَ إخوتي السبعة،
وقطعةً حيّةً من قلبي،
وكبدَ أخي الأصغر،
ليصنعَ منها إكسيرَ الشباب.
***
وأنا قادمٌ من هناك
أراها.
اتّفقتْ، خلسةً، مع الذئب
أن يأكلَني وإخوتي السبعة
والشمسَ والقمر
ومَن كانوا له...
على أن تكونَ له عشيقةً سرّيّة.
وهي ما زالت،
قربَ الليل، تمسكُ بذيلِ الذئب
قبل أن يهرب،
وتصرخُ فيّ:
"هذا أبوك لا تُنكرْه،
وعليكَ أن تعرفَ
مَن هي أمُّك
وحدك!"
ولا أراها مرّةً أخرى، في النهار التالي.
***
وهو أنا في الخلسة
وأختبئُ خلف سحابة،
وأبي يختبئُ في تفاصيلِ خطِّ النسخ
وبُحورِ الرقعة.
وأمّي معنا في الخلسة
تخيطُ كفنًا جديدًا لعشيقِ الليلةِ الواحدة.
وبعد الفجر تستيقظ،
وتبدأُ في نحتِ تماثيلَ من التمر أحيانًا،
ومن العجين أخرى.
هي تشبهنا؟
بل هي نحن.
وقبل أذان الظهر
تجوعُ فتأكلُنا،
وتبكي دمعتين.
وبعد العشاء
تُمنّي نفسَها بفجرٍ جديد،
ليومٍ جديد،
لتصنعَ تماثيلَ أخرى
ووعدًا قاطعًا بأن تأكلنا
قبل طلوعِ الشمس.
***
ــــ أمّي عندما أكبرُ سوف أتزوّجكِ.
ــــ ولكنّني متزوّجة، وأبوكَ على قيد الحياة.
ــــ سوف نقتله سويّةً أمّي،
يدُك بيدي،
ومقبضُ سكّينٍ واحدٌ
حتّى لا يلومَ أحدُنا الآخر.
***
أمّي يحلو لها أن تسمعَ أغنية
"أنا الأمُّ الثكلى بأبنائها."
ونحن قادمون من هناك،
عرفنا أننا أتينا
إلى الحياة من دون أمّهات.
سوريا