خرج أمين من غرفته المتواضعة في أحد أحياء المخالفات باتّجاه حيّ راقٍ بقصد سرقةٍ جديدة. استقلّ السرفيس إلى مركز المدينة، ومنها تابع سيرَه مشيًا على الأقدام. وبينما كان يستطلع الحيَّ الراقي، مرَّ بدوريّةٍ للشرطة. اجتازها، وتمنّى لعناصرها التّوفيقَ في عملهم، ثمّ استدرك بسرعة:
"لا، لا، إذا وفّقهم الله فلن يوفّقني!"
بعد وقتٍ قصيرٍ، عاد أمين من غارته الجديدة بصيدٍ وفير: الكثير من المال، والكثير من الذّهب.
في طريق العودة مرَّ بالدوريّة التي كان أفرادُها يغطّون في نومٍ عميق. تمنّى لهم أحلامًا سعيدة وابتعد عنهم. في طريق العودة لفت نظرَه منزلٌ أرضيٌّ بدا سهلَ الدخول. "لِمَ لا أجرّب حظّي هنا أيضًا؟" قال في نفسه، معتبرًا إيّاه عملًا إضافيًّا ولا سيّما أنّ شهر رمضان على الأبواب.
***
اقترب أمين من المنزل بهدوء شديد، ودفع البابَ الخارجيّ المطلَّ على حديقة المنزل بنعومة شديدة. وإذ به ينفتح وحده. دخل المنزل، ومشى بهدوء. لكنّه فوجئ بإضاءة النّور من قِبَل صاحب المنزل، الذي فوجئ بدوره بوجود أمين وصرخ: "مَن أنت؟"
حاول أمين الهرب، ولكنّه تعثَّر بطاولة الطعام وسقط على الأرض. انقضّ عليه صاحبُ المنزل، وجاء ابنُه على صوت عراكهما. استطاع صاحب المنزل وابنُه المحامي المتدرّب شريف السيطرةَ على أمين، وربطاه بشالٍ نسائيّ، ثمّ اتّصلا بالشرطة.
بدأ شريف بطرح الأسئلة على أمين مُقلّدًا عتاةَ المحقّقين:
ــــ لماذا دخلتَ هنا؟ وماذا تفعل في بيتنا؟
ردَّ أمين بطريقة هزليّة:
ــــ كنتُ أجمع التبرّعات لإقليم دارفور المنكوب؛ فحياتنا كلّها نكباتٌ ومنكوبون.
انزعج شريف من وقاحة أمين: "يبدو أنّك مثقّف وتعرف دارفور والنّكبات." ومدّ يده يفتّش جيوبَ أمين، فعثر على المال المسروق والمجوهرات.
فجأةً، خطرتْ لشريف فكرةٌ، فتوجّه إلى أمين بالسؤال:
ــــ ما رأيك أنْ تعطيني المجوهرات وتأخذَ أنت المالَ وتذهب، وأقولَ للشرطة إنّك هربتَ منّا بالقوّة؟
انفرجتْ أساريرُ أمين لهذا العرض المفاجئ، ولكنّه انزعج من خسّة شريف، وحاول خفضَ المبلغ الذي طلبه شريف. لكنّ الأخير أصرّ على كلّ المجوهرات.
بينما كان النقاشُ محتدمًا، دخل عناصرُ الدوريّة وأحاطوا بأمين وشريف وأخذوهما إلى المخفر.
رحَّب رئيسُ المخفر بضيفيْه بلهجة مليئة بالسّخرية. سألهما: "من منكما الحراميّ، ومن منكم صاحب المنزل؟"
امتعض شريف من السؤال: "وَلوْ يا حضرة المساعد؟ كنت أظنّ أنّ خبرتك الطّويلة في هذا السّلك ستجعلك تميّز من دون الحاجة إلى السؤال. فأنا المحامي المتدرّب شريف صاحب المنزل، وهذا أمين الحرامي."
تمتم رئيس المخفر لدى سماعه كلمة المحامي المتدرّب: "إذًا سؤالي في محلّه،" واستدار بشكل مفاجئ نحو أمين: "إذًا أنت الحرامي ولا داعي للإنكار."
بدأ شريف الكلام:
ــــ لقد سرق هذا اللصّ منّا المجوهراتِ والمال. واستطعنا إلقاءَ القبض عليه قبل الهرب. وإنّي أطالب باسترجاع المال والمجوهرات المسروقة، والادّعاء عليه بتهمة اقتحام منزلنا وانتهاك حرمته وترويعِ الآمنين.
شعر أمين بالغيظ من كلام شريف، إذ إنّه لم يسرق منه أيَّ شيء، وطلب من رئيس المخفر أن يكلّمه على انفراد. أمر رئيسُ المخفر شريفًا بالخروج وبقي يستمع إلى أمين:
ــــ يا حضرة المساعد، أنا حرامي وأمارس السّرقة منذ سنوات، ولكنّني لم أسرق من بيت هذا الرجل أيَّ شيء، بل سرقتُ المالَ من منزل، وسرقتُ المجوهرات من منزل آخر. ولكنّ هذا "الواطي" بدأ يساومني عندما شاهد المالَ والمجوهرات، وقال إنّني إذا أعطيتُه المجوهرات فسيدعني أذهب قبل وصولكم. تخيّلْ! يريد أن يأخذ منّي المجوهرات ويتركَ لي السّمعة السيّئة لتبقى له السّمعةُ الحسنة. وأنا مستعدّ أن أدلّكَ على المنزلين اللذين سرقتُ منهما المالَ والمجوهرات.
***
بدا الاقتناعُ واضحًا على وجه المساعد، وخطرتْ له فكرة جديدة، فاستدعى شريف، وأبلغه بما قاله أمين، مضيفًا: "هذا يعني أنّ بلاغك كاذب وأستطيع تحويلك إلى القضاء." شعر شريف أنّه خسر كلّ شيء، وتحوّل أيضًا إلى حرامي.
اقترب شريف من المساعد وهمس في أذنه:
ــــ يا حضرة المساعد، إنّه مجرّد حرامي وضيع. ما رأيك أن نتقاسم أنا وأنت الذهب والمال ونُخلي سبيل أمين؟ وكما يقول المثل: "يا مخفر ما دخلك لا شاكي ولا حرامي،" وبارك الله بمن فاد واستفاد.
أعجبت الفكرة المساعد، وكانت قد خطرتْ في باله أصلًا لكنّه كان ينتظر أمينًا أو شريفًا ليبادرَه بها. تكلّم المساعد مع أمين في الموضوع وقال له: "سنأخذ منك المجوهرات والمال بالكامل، وسنترك لكَ حريّتك."
أفرغ أمين ما في جيوبه أمام المساعد وشريف. أخذ المساعد الحصّةَ الكبرى من الغلّة أمام عينيْ أمين (الذي تأسَّف على تعبه وهو يُسرَق أمامه)، وأخذ شريف بعضَ المال مقابلَ نسيان الشكوى، وأرضى المساعدُ العناصرَ المناوبة بسندويشة فلافل لكلٍّ منهم.
خرج أمين وشريف من المخفر في ساعة متأخّرة من اللّيل، كلٌّ صوب وجهته. أمّا المساعد فخلد إلى النوم بعد أن أوصى الحرسَ بإيقاظه عند أذان الفجر.
نامت ضوضاءُ الحيّ الراقي، وبقيتْ أضواؤه مُشتعلةً لتُرشد الهواءَ الضالَّ إلى مَعابر فسيحةٍ للمرور.
بلغ أمين مدخلَ حيّه. تَلمّس طريقَه بصعوبةٍ وسط الظلام الشديد الذي يلفّ الحيّ. دخل غرفتَه الرطبة، ورمى بنفسه على سريره، وغطّ في نومٍ عميق، وهو يشعر بالإحباط مِن تداخل كلّ المِهن مع مهنته التي كان يظنُّها خاصّةً به.
اللّاذقية