(أسهم في إعداده: فلسطين إسماعيل وخالد بركات)
الإهداء: إلى عائلات شهداء هبّة أكتوبر 2000 من الداخل الفلسطينيّ المحتلّ.
المشاركون (ألفبائيًّا): أحمد خليفة، أنطوان شلحت، بشّار مرقص، رازي نابلسي، رجا إغباريّة، رجا زعاترة، رنا بشارة (نصّ + تشكيل + تصوير)، سمير جبران، سوسن زهر، صالح دبّاح، عبير قبطي، محمد بدارنة (تصوير)، محمد سباعنة (كاريكاتور)، محمود أبو سلامة (تصوير)، هشام نفّاع.
شكر خاصّ إلى: خالد الراهب، وديمتري خضر.
تقديم 1: الآداب. تقديم 2: فلسطين إسماعيل.
لقراءة الملف أنقر هنا.
تقديم 1: الآداب
بين فترةٍ وأخرى تعود مسألةُ التعاطي العربيّ مع الفنّانين والمثقّفين في فلسطين المحتلّة سنة 1948 إلى البروز. وتنقسم الساحةُ العربيّةُ بين مرحِّبٍ ومبرِّرٍ ورافض. وتبدو المعاييرُ ضبابيّةً أو شبهَ غائبة أحيانًا، مع أنّ "الحملة الفلسطينيّة للمقاطعة الثقافيّة والأكاديميّة" سبق أن أصدرتْ وثيقةً خاصّةً بالمسألة سنة 2012،[1] وذلك بعد حواراتٍ موسّعةٍ مع عدد من الفلسطينيّين في أراضي 48 استمرّت أكثرَ من عامين (بحسب بيان الحملة المذكورة)، وعادت وأصدرتْ مواقفَ عدّةً منها، أهمُّها سنة 2016 عقب منع عرض فيلم أمور شخصيّة في لبنان.[2] وعلى الرغم من أنّ "حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان" تطرّقتْ إلى هذا الموضوع غيرَ مرّة، وخصوصًا في وثيقتها المجدَّدة[3] (الصادرة سنة 2013) وفي العريضة التي صاغتها ضمن "اللجنة اللبنانيّة للمقاطعة الثقافيّة والأكاديميّة" سنة 2016،[4] فإنّ المواقف ما زالت تحتاج إلى المزيد من التظهير والتوضيح والتفصيل والتعميم... والتصحيح إذا اقتضى الأمر.
وعادت المسألة عينُها إلى البروز مع دعوة بعض المنابر اللبنانيّة الفنّانَ الفلسطينيّ محمد بكري إلى بيروت. وأثيرتْ معها، من جديد، قضيّةُ التمويل الإسرائيليّ، والتعاون مع الفنّانين والفنيّين الإسرائيليين، والموقف من الصهيونيّة و"إسرائيل." ولذا وجدت الآداب، التي سبق أن قدمتْ أكثرَ من ملفّ في هذا الموضوع، فرصةً جديدةً لفتح المجال أمام فلسطينيّي 48 وغيرهم لإعادة نقاش هذا الموضوع، مسلّحين بالأرقام والإحصائيّات والمعلومات، بعيدًا عن تُهَم التخوين والتبرير، وعلى قاعدة أنّ فلسطينيّي 48 هم جزءٌ أصيلٌ لا يتجزّأ من الشعب الفلسطينيّ. وتَعِد الآداب قرّاءها بأن تُبقي هذا الملفّ مفتوحًا ما دامت السكيّنُ الإسرائيليّة مغروزةً في الجسد العربيّ.
ملاحظة أولى: تفتح الآداب صفحاتِها، في الأعداد القادمة، لكلّ مَن يرغب في نقاش هذا الملفّ أو إضافة محاور لم يتطرّقْ إليها، شرط التحلّي بالموضوعيّة والبعد عن رمي الاتهامات والتخوين. كما تدعو القرّاء والمناضلين إلى عقد جلسات حوار لنقاش هذا الملفّ بما يخدم التواصلَ بين الحريصين على مواجهة "إسرائيل" والصهيونيّة.
ملاحظة ثانية: الآراء الواردة في هذا الملفّ تعبّر عن أصحابها، ولا تُلْزم الآداب بشيء.
***
تقديم 2: فلسطين إسماعيل
تزايدتْ في الفترة الأخيرة الأصواتُ المندِّدةُ بتدخّل حركة المقاطعة (العالمية بشكل عامّ، أو اللبنانية تحديدًا) في قضايا متعلّقة بفلسطينيّي ٤٨: فمن جهة، ثمّة مجموعاتٌ تهاجم الحركةَ لإصدارها بياناتٍ تدعو إلى مقاطعة هذا النشاط أو ذاك الفيلم، أو تدين أسماءً من فلسطينيّي 48 كانت (أو ما تزال) جزءًا لا يتجزّأ من تاريخ الفلسطينيّين ونضالاتهم؛ ومن جهةٍ أخرى، ثمّة مجموعاتٌ تعتب على الحركة لأنّها لم تكن "حازمةً" في بياناتها تجاه تلك الأسماء نفسها.
في خضمِّ هذه النقاشات، وجدتُ نفسي في الوسط. فأنا ابنةُ الداخل الفلسطينيّ، وتحديدًا مدينة الناصرة، حيث نشأتُ وترعرعتُ، وفيها تبدّلتْ آرائي وممارساتي السياسيّة مع مرور السنين، لكنّني حافظتُ على احترامي وتقديري للعديد من الشخصيّات السياسيّة والأدبيّة الفلسطينيّة من الداخل على اختلاف أدوارها. وأنا أيضًا على معرفة شخصيّة بعدد من هذه الشخصيّات، بل عشتُ معها نضالاتٍ وتحدّياتٍ للاحتلال في العديد من الميادين.
ثم إنني أؤمن بأنّنا، معشرَ فلسطينيّي ٤٨، موجودون في حقبةٍ جديدةٍ، أكثرَ انفتاحًا على الوطن العربيّ، وأشدَّ عرضةً للتجدُّد والتقلّب في الوضع السياسيّ والاقليميّ. ومن ثمّ فإنّ على معاييرنا في الداخل، في ما يخصّ موضوع "مقاطعة إسرائيل" أو"مناهضة التطبيع" معها، أن تُجاري هذه التغيّرات، إلى هذا الحدّ أو ذاك. وفي هذا السياق تحديدًا تُطرح الأسئلةُ الآتية:
ماذا يعني التطبيعُ حين نتحدّث عن فلسطينيّي الداخل (فلسطينيّي 48)؟ وما هي مصادر التمويل التي يتلقّاها الفلسطينيّ في الداخل، مع الحرص على أن يحافظ في الوقت نفسه على استقلاله الفكريّ والسياسيّ والإبداعيّ؟ أين هو الخطّ الأحمر الذي ينبغي رسمُه بين التطبيع القسريّ (بحكم كوننا نعيش تحت الاحتلال منذ 7 عقود) وبين التطبيع الطوعي!؟ أهو في تمثيل الفنانين والمثقفين الفلسطينيين للدولة الصهيونيّة خارجَ حدود الوطن، أمْ في مشاركتهم في محافلَ عالميةٍ يُستغلّون فيها من أجل "تبييض" وجه الاحتلال؟ وما هي "خصوصيّة" فلسطينيّي ٤٨، وما حدودها ومعالمها؟
للإجابة عن هذه الأسئلةِ وغيرها، بادرت الآداب مشكورةً إلى إصدارِ هذا الملفّ بهدفِ فتحِ باب النقاش في هذا الموضوع الحيويّ. المشاركون والمشاركات من فلسطين المحتلّة عام 1948 ينتمون إلى مشاربَ مختلفة، وتوزّعتْ إسهاماتُهم هنا بين بحثٍ، ونقلٍ لتجربةٍ سياسيّة، أو شهادةٍ شخصيّة، وخصوصًا من أجل إيجاد تمويلٍ بديلٍ لصناديق "الدعم" الإسرائيليّة. كما حرصنا على أن يكون لدينا مقالٌ حول "قانون مناهضة مقاطعة إسرائيل" وتأثيرِه في عمل المناضلين والمناضلات داخل فلسطين 48 وعلى مستوى حركة المقاطعة العالميّة (BDS).
نأمل أن تشكّل هذه البانوراما الواسعة فرصةً ثمينةً أمام القرّاء العرب خارج فلسطين، وأمام حركات المقاطعة ومناهضة التطبيع العربيّة بشكل خاصّ، من أجل المزيد من التعرّف إلى السياق الذي يمرّ به شعبُنا في فلسطين المحتلّة عام 48، ولاسيّما فنّانوه ومثقّفوه ومناضلوه، وإلى مساعيهم الدائمة لإيجاد "توازنٍ" صعب بين "مواطَنة" قسريّةٍ مفروضةٍ عليهم بحكم وجودهم تحت احتلالٍ شاملٍ ومديد، من جهة، وتطلّعٍ دائمٍ إلى المزيد من الالتحام مع عمقهم الثقافيّ والروحيّ العربيّ، من جهةٍ أخرى.