يا عبدَ الله،
أبهلولٌ أنتَ
لتتركَ بصماتِكَ فوق جسدِ الأرضِ
وتغيبَ في طيّاتِ اللغةِ ببـُطءٍ،
ماحيًا صوتَك؛
حتى كنّا نقرأ اسمَكَ مكتوبًا
على قارعةِ الشّعْرِ حينًا،
وعلى قارعةِ الموتِ حينًا أخرى؟
*
يا عبدَ الله،
كان اسمُك جسرًا من جذوعِ النّخل
شيّده القرويّون بعد الحرب،
وصوتُك مازال مرفوعًا
مع النهر رمادا.
وكنتَ أنت،
أنتَ المتكلّم في الأرض شهيدًا.
لكنّنا،
في الصّبحِ،
أنكرناكَ... وبكينا.
*
يا عبدَ الله،
أبهلولٌ أنتَ
لتتركَ أضلاعَكَ قواريرَ تهطلُ
وأسماءَكَ على مائدةِ الله
تكتبُ في النصِّ الأخير
وأنت ــــ بلا أنثى وبلا أولاد ــــ
دائرٌ في ضواحي الهلالِ القديم
تقرأُ في ما تناثرَ من كلماتِ الجسدِ المحروق:
ــــ إنّي عبدُ الله،
أتاني الشّعرُ
وجعلني شريدًا منفيًّا
وجعلني مطاردًا أينما كنت،
وأوصاني بالحبِّ وبالموت،
ما دمتُ حيّا!
*
يا عبدَ الله،
أبهلولٌ أنتَ
لتترك قصائدَكَ ينهبُها الجوع
وكلماتِكَ تمضغُها الصحراءْ،
وتزرعَ أطرافَكَ في أرضٍ أخرى؟
كم كان عمرُكَ حين ولدتَ؟
وكم ستحتاجُ أطرافُكَ من السنين
لتنمو،
وتصيرَ طفلًا يلهجُ بلغاتٍ عدّة؟
*
يا عبدَ الله،
فيما مضى
كنتُ أراكَ قربَ الفرات
صامتًا نصفُكَ الأعلى،
والقرويّونَ حولك
ينظرون الجنْد،
وهم يجلدونَ الصوت...
وكنتَ أنتَ،
أنتَ الصّاعد بأطرافك،
عبر جهاتِ النهر.
لكنّنا،
في الصّبح،
تركناك... وبكينا.
*
يا عبدَ الله،
أبهلولٌ أنتَ
لتصعدَ قاطرةَ النصوص
بأبجديّتـِكَ الأولى
بحروفٍ لم نفهمْها بعدُ
وبهيئةٍ كهيئةِ العُصفور بلّلَه الصوت،
ملوِّحًا للمنشدين بجناحيْن كجناحيْه؟
*
يا عبدَ الله،
أقميصُكَ هذا،
أمْ قميصُنا بدم ٍ طريّ،
اخضرَّ كالرّافديْن في السـنواتِ العجاف،
واصفرَّ كالحِـنطةِ في خزائنِ يوسُـف،
وابيضّتْ عيناهُ من الحزنِ على السّواد؟
فلماذا، حين وجدنا ريحَـكَ فيه،
ما عرفناك؟
*
يا عبد َالله،
أبهلولٌ أنتَ
لتحطّمَ مبخرةَ أمِّك،
وقد أخذت الكتابَ في الشمال،
تاركًا إيّاها على قارعة الانتظار،
ولتطعمَنا من لحمِكَ إنْ أخطأنا
وتحملَ مَن ماتَ منّا،
فلا نرتجف؟
*
يا عبدَ الله،
كم انحرفتَ حتى رأيتـَه،
وحتى تعلّمتَ الغناء...
لتمجيد نورِ الشـّمس؟
حتى كنّا نسمعك بكرةً وأصيلا
حافيًا، في رحمِ الصحراء
ترفعُ في البيتِ الذي خرّبته الحروب.
ــــ ربِّ اجعلْ هذا القلب آمنًا
وامنحْ جسدَهُ مِن الكلمات
ما يجعل أجيالًا من الشظايا
لا ترغبُ إليه،
آمين،
آمين.
العراق
* في القصيدة إفادة من نصّ الجواهريّ "على قارعة الطريق،" الديوان، ج 3.