اقتربَ منّي يحدّثني عن معلّمة اللغة الإنكليزيّة. كعادتي، أبعدتُه بلطف؛ فقد كنتُ أقرأ مقالةً مهمّة. تنحّى بهدوء، وعاد بعد ساعة ليكمل ما بدأه، لكنْ - لسوء حظه - كنتُ منهمكةً في قراءة خبر وصلني للتوّ عبر إحدى مجموعات الواتس آب. سألني بصوت متحشرج عن الوقت المناسب ليسردَ عليَّ فيه "خبريّتَه" الصغيرة. أجبتُه بأنّني سأوافيه إلى السرير؛ فسرْدُ "الخبريّات" قبل النوم هو بساطُ الريح الذي ينقلنا إلى عالم هانئ. لكنّني غرقتُ بعدها في مشاغل شتّى، ولم أنتبهْ إلى الوقت إلّا من خلال موعد النشرة الإخباريّة التي تسبق منتصفَ الليل بنصف ساعة.
- يا إلهي! نسيتُ الوعد الذي قطعتُه.
هرعتُ إلى غرفته، فوجدتُه نائمًا. لقد ربَّيتُه منذ الصّغر على النوم باكرًا كي تتسنّى لي الراحةُ من عناء النهار. عدّلتُ وضعَه، فاستيقظ، ونظر إليّ نظرةً حانقة، ثمّ غطّ في نومه من جديد. انفلتتْ من يده أوراقٌ مكتوبةٌ بخطّ يده، ممهورةٌ باسمه، وبإعجاب معلّمة اللغة الإنكليزيّة. اكتشفتُ أنّ طفلي ألّف مسرحيّةً آخر العام. "أنت عبقريّ مميَّز! أنا فخورة بك!" هكذا كتبتْ معلّمتُه على صفحتها الأولى.
يا لَدهشتي! ستكون أخباري دسمةً على مواقع التواصل في الغد. ليتني أستطيع حينَها رؤيةَ اصفرار وجهَيْ نوال وسُميّة؛ فأولادُهما لم يحصِّلوا المعدّلَ المطلوبَ في امتحانات نصف السنة.
***
طفلي صار الآن طالبًا جامعيًّا. وأنا أتحضّر الآن للذهاب إلى مؤتمر يختصّ بالنسوة المعنَّفات. ألاحظ أنّه يركن إلى كنبة الدار. لم يعد يتذمَّر منذ فترة طويلة. أصبح هادئًا جدًّا، مهذّبًا جدًّا، بل إنّ أصوات بقيّة أفراد العائلة من حوله لم تعدْ تعنيه، بعكس شقيقته التي يفوق مرحُها وهرجُها سيركًا للقرود. اقتربتُ منه لأوقظه، لكنّه لم يستيقظ؛ فهو في سبات عميق كما لو كان مخدَّرًا. تركتُ معالجةَ أمره إلى حين عودتي؛ فقد تأخّرتُ عن موعدي.
أعتقد أنّه يمرُّ في وضع نفسيٍّ حرج لسببٍ أجهله، إذ هو لايشاركني همومَه. لعلّ الوقت حان لعرضه على طبيب نفسيّ. سأفعل ذلك يومًا. أمّا الآن، فلا أريد أنْ أتأخّر عن موعدي. لا بدّ من أن أثبت للنساء أنّهن الأجدر في ميادين العمل. لا بدّ من هذه الوقفة التضامنيَّة للمطالبة بالمساواة مع الرجل. لا بدّ من أن تكون وقفةً مهيبةً أمام عدسات المصوّرين وشاشات التلفزة. يجب أنْ يتجاوز صوتُنا الموائدَ المستديرةَ العامرة، ويصلَ إلى آذان الرجال والمحافل الدوليّة.