عالم شيعيّ لبنانيّ، متخرّج من الحوزة العلميّة في قم. له عدّة مؤلّفات وبحوث في المجالات الفقهيّة والفكر الدينيّ المعاصر.
من الواضح أنّ البحث الفقهيّ في شرعيّة الثورة على الأنظمة الفاسدة هو من الأبحاث الضروريّة التي تحتاج إلى قراءة متأنّية وواعية، لا تغرق في الانفعالات الحماسيّة، ولا تخشى من الفعل والإقدام.
وقد طرح الفقهُ الإسلاميُّ هذا الموضوع، وتناولتهُ المذاهبُ الإسلاميّة منذ القِدم، واتخذتْ فيه مواقفَ بلغت حدّ التناقض.
وفي الوسط الشيعيّ تحديدًا، طُرحتْ هذه القضيّة منذ زمنٍ بعيد، لكنْ باختصارٍ خَضَعَ تارةً للدراسات المتعلّقة بالمسألة الكلاميّة المتّصلة بالإمام المهدي، وخضع تارةً أخرى للدراسات المتعلّقة بالمسألة السياسيّة المتّصلة بـ"موضوع التقيّة." ونحن نعرف أنّ فلسفةَ الثورة الحسينيّة لم توضعْ على نار حامية في الوسط الشيعيّ منذ أمدٍ بعيد؛ بل إنّ بعض العلماء دعا إلى الإحجام عن دراسة هذا الموضوع واعتبره نوعًا من التكلّف.
المشهد الشيعيّ التاريخيّ إزاء قراءة الثورة الحسينيّة
وعلى أيّ حال، فإنّ القرن العشرين - وبالتحديد نصفه الثاني - هو الذي شهد فتحَ باب الجدل في هذا الموضوع. فقبل هذا التاريخ لم يتداول الشيعةُ هذه المسألةَ - غالبًا - سوى من زاويةٍ تراجيديّة، لا يتمّ توظيفُها في الإطار السياسيّ والنهضويّ إلّا نادرًا. وقد لعب ظهورُ الإسلام السياسيّ الشيعيّ في الفترة الأخيرة دورًا بالغًا في هذا التحوّل، ما دفع إلى الانتقال من تفسير هذه الثورة في وصفها "مجموعةَ عناصرَ بكائيّةٍ تراجيديّةٍ" إلى وصفها توليفةً من العوامل النهضويّة والتغييريّة.
تدلّنا على هذا الأمر عناوينُ المؤلَّفات التي كان يكتبها الشيعةُ حول الحسين. ففي حين كانت المؤلَّفاتُ الأولى تعجّ بالمفردات التراجيديّة (مثل: "طريقُ البكاء" و"أمواجُ البكاء" و"المبْكِيات" و"بحرُ الدموع"...)، فقد شاعت في كتابات المتأخّرين مفرداتُ الثورة والحماسة والسياسة بشكلٍ لافت (من قبيل: "رجال الثورة" و"رسالة الحسين الثوريّة" و"ثورة الحسين" و"ثورة الطفّ"...).[1] وهذا كلُّه يؤكّد غيابَ التفسيرات التحليليّة لهذه الثورة قبل القرن العشرين في الوسط الشيعيّ.
شاعت في كتابات المتأخّرين مفرداتُ الثورة والحماسة والسياسة بشكلٍ لافت
ومن إفرازات التأثير السياسيّ في إعادة قراءة الحركة الحسينيّة صدورُ كتاب الشهيد الخالد،[2] للشيخ نعمة الله صالحي نجف آبادي، سنة 1970. فقد شكّل هذا الكتابُ منعطفًا في دراسة فلسفة حركة الإمام الحسين في الوسط الشيعيّ، وأدّى إلى صخبٍ كبير، دفع إلى تدخّل بعض كبار الفقهاء ومراجع التقليد ضدّه، مثل السيّدين المرعشي النجفيّ ومحمد رضا الكلبايكاني. كما وجدنا قراءاتٍ لهذه الثورة أيضًا لدى العرب الشيعة، مثل قراءات: السيّد محمد باقر الصدر، والسيّد هاشم معروف الحسني، والشيخ محمد مهدي شمس الدين، والسيّد محمد باقر الحكيم، والشيخ باقر شريف القرشي، والسيّد محمود الهاشمي، والشيخ محمد مهدي الآصفي، والسيّد محمد حسين فضل الله.
والحقّ أنّ البحث في ثورة الإمام الحسين ومنطلقاتِها طويلٌ. وقد كُتب في ذلك الكثير. بل تحدّث بعضُهم عن وجود ثمانية مناهج علميّة لدراسة الظاهرة العاشورائيّة.[3] وسوف نحاول هنا معالجة ما يتّصل بموضوعنا.
نظريّات في الثورة الحسينيّة
1 ـ النظريّة الغيبيّة الاختصاصيّة (أو اللامعقول الحسينيّ). يُقصد بهذه النظريّة، التي لها حضورٌ عند بعض علماء الشيعة،[4] أنّ الحسين انطلق في ثورته لأوامرَ غيبيّةٍ خاصّةٍ به وُجِّهتْ إليه، نظرًا إلى عصمته وإمامته، وأنّه اندفع إلى تطبيقها. صحيح أنّ نتائجَ باهرةً ترتّبتْ على ثورة الحسين، فخلقتْ مدرسةَ الثورة في حياة المسلمين، وأسقطتْ - بعد حوالي سبعة عقود - سلطانَ بني أميّةَ الجائر؛ لكنّ ذلك كلَّه (بحسب هذه النظريّة) لم يكن منظورًا للحسيْن لحظةَ خروجه.[5]
تتميّز هذه النظريّة "الميتافيزيقيّة" بأربع خصائص مترابطة: 1 ـ الحسين شخص متعالٍ عن التاريخ والزمكانيّة. 2 ـ الثورة الحسينيّة حركةٌ ما فوق تاريخيّة تأبى التحليلَ العقلانيّ. 3 ـ الموقف من الثورة هو موقف "تسليميّ" (لا مساءلة فيه بالكامل)، فلا يمكن أن تكون أنموذجًا للآخرين. 4 ـ الإمام الحسين كان مأمورًا بالشهادة وفق التقدير الإلهيّ.[6]
ومهما كان من أمر هذه النظريّة، فإنّها تجعل هذه الثورةَ من خصائص الإمام الحسين؛ فكما أنّ هناك أحكامًا وواجباتٍ وتشريعاتٍ خاصّةً بالنبيّ (كوجوب صلاةِ الليل عليه)، كذلك كانت ثورةُ الحسين تكليفًا خاصًّا به، غيرَ متوجِّهٍ إلى غيره. ومن المعلوم أنّ مثل ذلك يعني تحييدَ الثورة الحسينيّة عن أن تكون مستَنَدًا للاستدلال الفقهيّ لإثبات جواز الخروج على الأنظمة الفاسدة.
2 ـ نظريّة "المواجهة المفروضة والفرار من البيْعة." تذهب هذه النظريّة إلى أنّ ثورة الحسين لم تهدفْ إلى إسقاط نظامٍ فاسد، ولا إلى إحياء ضمير الأمّة، وإنّما كانت تريد الفرارَ من بيعة يزيد بن معاوية: فلو لم يحاولْ بنو أميّة الضغطَ على الحسين كي يبايع يزيدَ، لظلّ في المدينة معتزلًا الأمرَ؛ لكنْ حين فرضوا ذلك عليه، وأصرّ على موقف الرفض، لم يجد بُدًّا من المواجهة. وعليه، فإنّ المواجهة، بحسب هذه النظريّة، لم تكن مشروعًا بقدْرِ ما كانت فرارًا، واضطرارًا فُرض على الحسين، ولو تمكّن من رفعه لفعل،[7] ولولا أنّه كان مهدّدًا بالاغتيال لَما خرج.[8] من هنا كانت حربُه حربًا دفاعيّة.[9]
ويبدو من بعض الباحثين الكبار هنا أنّهم يروْن صوابَ هذه النظريّة ولو في المرحلة الأولى، أيْ مرحلةِ الخروج من المدينة إلى حين تواتُر الرسائل الى الإمام الحسين وهو في مكّة. ويظهر هذا الرأي لدى هِبة الدين الحسيني الشهرستاني.[10]
3 ـ النظرية السياسيّة ومحاولات التعقيل. يذهب أنصارُ هذه النظريّة، وهم مؤرِّخون كثر كما يقول السيّد محمد باقر الحكيم،[11] إلى أنّ الحسين كان يريد بحركته إسقاطَ النظام الفاسد في دولة بني أميّة؛ وأنّ رسائلَه إلى أهل الكوفة تشهد على ذلك؛ وأنّ مَن يحلّل هذه الثورةَ تحليلًا تاريخيًّا لا يفهم منها سوى إرادة تأسيس نظام إسلاميّ عادل في العراق مقدّمةً لعودة دولة الإمام عليّ، على طريق إسقاط نظام الظلم في الشام. وقد نُسبتْ هذه النظريّة إلى السيّد المرتضى، فيما ذكره في كتابيْه تنزيه الأنبياء والشافي؛[12] وإلى الشيخ نعمة الله صالحي نجف آبادي؛ وإلى الأستاذ محمد علي خليلي؛[13] وإلى السيّد علي الأمين على ما سمعنا شفاهًا عنه.
والشواهد على هذه النظريّة تكاد لا تُعدّ ولا تحصى. فأخذُ الحسين أهلَ بيته معه يعني أنّه كان يريد الاستقرارَ في مكانٍ ما؛ وكذا أخذُه الأموالَ الكثيرةَ (على ما جاء في بعض النصوص). وتنسيقُه مع أهل الكوفة لا يُفهم، بحسب هذه النظريّة، سوى على هذه الطريقة، ولا سيّما أنّه طالبهم وذكّرهم بخذلانهم له وتخلّيهم عنه. فما معنى ذلك كلّه إلا أنه أراد إسقاطَ الفساد في نظام الحكم عند المسلمين؟ تُضاف، إلى ذلك كلّه، النصوصُ السابقة التي ذكرناها، وفيها يطرح الإمامُ مشروعَه بطريقةٍ عقلانيّة: من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والسير بسيرة رسول الله، وتغيير الوضع القائم.
4 ـ النظريّة الرساليّة الإحيائيّة، أو مشروع التوفيق بين الغيبيّة والتعقيل.
واشتُهرتْ بها مدرسةُ الشهيد محمد باقر الصدر، كما تبنّاها غيرُ واحدٍ من العلماء، مع اختلاف في كيفية التعبير.[14] وتذهب هذه النظريّة إلى أنّ التفسير السياسيّ - على صحّته - يجعل حركةَ الحسين محدودةً مكانيًّا، في حين أنّ التفسير الرساليّ يعطيها بُعدًا عمليًّا وتاريخيًّا.
خلاصةُ هذا التفسير أنّ الحسين كان يواجه في الأمّة موتَ الضمير، وفتورَ الهمم، وضياعَ القيم. ففي فترة العشرين عامًا بعد شهادة عليّ، قام معاوية بحرف وعي الأمّة، وكسرِ عنفوانها، وقتلِ روح العزّة والشموخ فيها. وبهذا يكون هدفُ الاستشهاد، بحسب هذه النظريّة، هو أن يصحو ضميرُ الأمّة، ويهتزَّ كيانُها، بمنظرٍ مأساويٍّ فاجعٍ يعيدها حيّةً من جديد، لتعيد إحياءَ الإسلام وبعثَ الروح الرساليّة. وتلك النصوص كلّها التي تتحدّث عن إرادته إصلاحَ الأمور يمكن تفسيرُها أيضًا بهذا التفسير؛ وهذا ما حصل فعلًا بعد شهادته بحركة التوّابين وأحداثِ مكّة والمدينة وغيرها.[15] وبه نجمع بين كلّ الروايات الغيبيّة والميدانيّة، ولا نقع في أيّ محذور يخصّ علمَ الإمام.[16]
وهذه النظريّة هي من النظريّات التي تحمل افتراضًا منطقيًّا في الثقافة الدينيّة. لكنْ إذا استُبعدتْ نظريّةُ "علم الإمام،" إلى جانب إنكار الروايات الدالّة على تنبّؤ الرسول بشهادة الإمام، فإنّ "النظريّة الرساليّة" ستغدو خلافَ ظاهر النصوص والأحداث، ولا شاهدَ لها. بل الأمر الذي يفهمه أيُّ قارئ للتاريخ هنا - بعيدًا عن القراءات الإيديولوجيّة المُسبّقة - هو الاقتراب من الفهم السياسيّ، أو الفرار من البيعة؛ إذ ليس هناك نصّ واضح أو موقف صريح يبيّن هذا الهدفَ الحسينيّ.
كان الحسين يواجه في الأمّة موتَ الضمير، وفتورَ الهمم
ولا يخفى أنّ ثمّة جملةً من الإشكاليّات كانت، ولم تزل، تغْني النقاشَ في البيئة الشيعية حول الموضوع، منها:
أ - إشكاليّة البُعد اللادينيّ في السلطة. وتعني أنّ الحسين كان يريد كشفَ عدم شرعيّة هذه السلطة، وأنّ جمعَها بين الدينيّ والدنيويّ كان جمعًا باطلًا، على ما يذهب إلى ذلك العلّامة محمد مهدي شمس الدين.[17] فالإمام الحسين يريد كشفَ "لادينيّةِ النظام" بأسلوب الصدمة الوجدانيّة؛ فحين يرى المسلمون أنّ هذا النظام قتل أسرةَ النبيّ وشخصيّاتٍ من وجوه الصحابة، سيكون ذلك منطلقًا لمنعه ومنع رموزه من أن يكونوا ناطقين باسم الدين.
لكنْ، طبقًا لهذا التفسير الرابع، قد يصعب الاستنادُ إلى الثورة الحسينيّة للإفتاء بجواز الثورة المسلّحة. وتُستثنى من ذلك الحالاتُ الشبيهة، مثل إرادة كشف لادينيّة الحاكم، لا إسقاطه من سدّة السلطة؛ ذلك لأنّ كشفَ لادينيّته يحمي الإسلامَ منه، وإنْ لم يحمِ المسلمين من بطشه.
وهذه الملاحظة لا تأتي على التفسير السياسيّ للثورة. فهذا التفسير لا يَفترض حالة الصدمة الوجدانيّة التي تُحدثها شهادةُ ابن بنت النبيّ في الأمّة، وإنما تطول التفسيرَ الرابعَ بشكلٍ رئيس. وما دامت الاحتمالات التفسيريّة في فعلٍ ما متعدّدةً، فيصعب ترجيحُ أحدها إلّا بشاهدٍ أو معطيات إضافيّة، أو نفي تمام الاحتمالات الأخرى.
ب ـ إشكاليّة الصمت في دلالة الأفعال. وفي قراءةٍ تَخضع لمعايير الدرس الأصوليّ، قد يورَد على الاستدلال بثورة الحسين (كما فعل السيّد الحائري)[18] أنّها فعلُ المعصوم، وأنّ الفعل ليست فيه دلالةٌ إطلاقيّة: فقد يكون خروجُ الحسين منحصرًا بحالة الخوف على الإسلام من أن يزولَ نهائيًّا؛ وفي هذه الحالة لا شكّ في شرعيّة الخروج، ولو بالعنوان الثانويّ. لكنه لا يثبّتُ جوازَ الخروج على الظالم لظلمه الرعيّةَ، أو لعدم قانونيّة دولته، أو لفسقه الشخصيّ، أو لعدم حكمه بالإسلام مع سماحه للدين بأن يواصل مسيرَه.
وهذا الإشكال يعزّزه أنّنا لم نشهدْ تكرارًا لهذه التجربة طوال عهد الأئمّة، على الرغم من ظلم الخلفاء الأمويّين ثم العباسيّين. ففرادةُ هذه التجربة (إلى جانب رفض الأئمّة بعضَ الحركات الثوريّة التي عاصروها) شاهدٌ على صعوبة اتخاذ تعميم من الثورة لغير القدْرِ المتيقّن المشار إليه، ولاسيّما بحسب نظريّة العلامة شمس الدين، الذي يذهب إلى أنّ عليًّا والحسن لم يخرجا على الخليفة، وذلك حرصًا منهما على كيان الأمّة الإسلاميّة ووحدتِها؛ وهذا موقفُ سائر الأئمّة بعد الحسين.[19] فاعتداءُ بني أميّة على الناس بالظلم والقتل، واحتمالُ الشعور بالخطر على الدين وقيمِه، قد يجيزان الخروجَ المسلّح، لكنْ من غير المعلوم أنّهما يجيزانه في غير هذا النطاق.
وهذه الإشكاليّة لا بدّ من الأخذ بها، ومن ثمّ التفتيشِ عن المقدار المتيقّن للسير خلفه. وعليه، تبقى الثورةُ الحسينيّة شاهدًا فقهيًّا، لكنّها لن تحوي إطلاقًا ما يستوعب تمامَ حالات فساد الأنظمة. والمَخرج الوحيد من هذه الإشكاليّة هو إرجاعُ النصوص الخاصّة بالإمام الحسين إلى عموميّات السيرة النبويّة.
ج - إشكاليّة التعارض في أفعال المعصومين. وهي إشكاليّة أثارها السيّد محمد صادق الصدر، ويقصد بها أنّ الحسين خرج وترك التقيّةَ، في حين التزم بها سائرُ الأئمّة من بعده. وفي هذه الحال لا نستطيع ترجيحَ أحد الموقفيْن ما داما قد صدرا من المعصوم. وبذلك تقع المعارضةُ بين الأفعال وتتساقط، فتسقط الدلالةُ على العموم - أي شمول التكليف للآخرين - ويُرجَع إلى القواعد العامّة.[20]
د ـ إشكاليّة اللاثوريّة في الحركة الحسينيّة. وثمّة مشكلة أخرى أمام الاستدلال بالثورة الحسينيّة على جواز الثورة المسلّحة ضدّ النظام الفاسد، ينقلها العلّامة السيّد محمد حسين فضل الله، ثمّ يناقشها بمخالفتها لظاهر النصوص والأحداث الحسينيّة.[21] وقوامُها أنّ الإمام الحسين أراد إرسالَ مسلم بن عقيل للإمساك بزمام الكوفة، نتيجةً لتأييد وجوهها له، من دون حربٍ أو سفك دماء؛ وعليه، فإنّه لم يكن يريد الخوضَ في معركة دمويّة ضدّ النظام الفاسد، وإنّما اضطُرّ إليها في آخر المطاف اضطرارًا، دفاعًا عن نفسه وأهل بيته.
***
من خلال هذه المطالعة الموجزة للآراء المختلفة عند الشيعة في ما يخصّ حركةَ الإمام الحسين، يتبيّن أنّ الاستدلالَ بهذه الثورة لصالح نظريّة الثورة على الأنظمة ممكنٌ من حيث المبدأ، لكنّ ذلك لا يعني أنّ دائرةَ الاستناد واسعة، بل هي محدّدة بالأطر التي تمثّل القدرَ المتيقّنَ من العناصر المبرِّرة لثورة الحسين، بحيث تتقارب مع الظروف التي تأتي فيما بعد، من دون إدخال الاحتمالات البعيدة عن الذوق والعرف والعقلانيّة.
بيروت
[1] لمزيدٍ من الاطّلاع على هذا المسرد من عناوين الكتب والمصنَّفات، أنظرْ: محمد اسفندياري، كتابشناسي تاريخي إمام حسين (طهران: وزارة الإرشاد والثقافة الإسلاميّة، 1380ش/2001م)، ط1، ص 38 – 39.
[2] صدرتْ أوّل طبعة من هذا الكتاب في إيران، سنة 1951، ثم أعيدت طباعتُه ثماني عشرة مرَّة، واعتُبر من أهمّ الكتب التي تناولتْ حركة الإمام الحسين في كربلاء بصورةٍ علميّةٍ وتحليلٍ استدلاليّ. فقد ناقش فيه مؤلِّفُه أسبابَ الحركة الحسينيّة من خلال قراءة جديدة تتعارض كليًّا مع الرواية الشيعيّة المغالية والعاطفية الرائجة من قرون. (الآداب)
[3] انظر الدكتور علي بيات، "قيام عاشورا؛ بايدها وبيامدها،" (بالفارسية)، مجلة حوزه ودانشكاه، ع 33، ص11 ـ 22، السنة الثامنة، شتاء 1381ش.
[4] تلوح هذه النظريّة من كلمات: المجلسي، بحار الأنوار 45 (بيروت: مؤسّسة الوفاء، ص 98)؛ والنجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام (قم: دار الكتب الإسلاميّة، 21، ص 295 ـ 296)؛ والمامقاني، تنقيح المقال (بيروت: مؤسّسة آل البیت لإحیاء التراث، 2، ص 327)؛ وجعفر التستري، الخصائص الحسينيّة (النجف: المطبعة الحيدريّة، ط 4، 1950، ص 30 - 31)؛ ومحمد صادق الصدر، شذرات من فلسفة تاريخ الحسين (ص 165 ـ 166)؛ ومحمد حسين كاشف الغطاء، جنّة المأوى (بيروت: دار الأضواء، ط 2، 1988، ص 189، 192). ولم يمنع احتمالَها السيّد محسن الأمين في لواعج الأشجان (ص 253).
[5] حول هذه النظريّة راجعْ: محمود الهاشمي الشاهرودي، "الثورة الحسينيّة: دراسة في الأهداف والدوافع،" مجلة المنهاج، العدد 29، ص 26؛ ومحمد باقر الحكيم، ثورة الحسين: النظريّة، الموقف، النتائج (مؤسّسة تراث الشهيد الحكيم، النجف، 2008، ص 33 ـ 34).
[6] انظر في سرد هذه الخصائص: الدكتور علي بيّات، مصدر سابق، ع 33، ص 6 ـ 7.
[7] انظر: محمد مهدي الآصفي، الجهاد (قم: مركز إنتشارات، 1999، ص 162 ـ 163).
[8] تَلُوح هذه النظريّة من بعض كلمات: المجلسي (بحار الأنوار 45، ص 99 ـ 100)؛ ومثله محسن الأمين (لواعج الأشجان، ص 252). وقد جعلها الشيخ الطبرسي أحدَ احتمالين في تفسير خروج الحسين (مجمع البيان، ج 2، ص 35). واحتمل ذلك أيضًا المحقّق الكركي (جامع المقاصد 3، ص 467). وتقوم على الفكرة الآتية: لمّا خرج الحسين من المدينة، لم تكن قد وصلتْه أيُّ رسائل. وما قيل عن وصول رسائل إليه من مكّة غيرُ دقيق ولا واضح؛ فلا مؤشِّر في المدينة على حركةٍ نحو منطقةٍ يَعتزم إجراءَ ثورةٍ فيها. وثمّة نصوص تتحدّث عن أنّه كان يريد الخروجَ من مكّة حمايةً لحرمتها لأنّه بلغه أنّ يزيد أرسل مَن يغتاله ولو فيها، ولم يحبّ الإمامُ أن يكون سببًا في هتك حرمة الحرم؛ وهذا ممّا ورد عن الحسين في حواره مع ابن الحنفيّة أو ابن عبّاس حين قال: "لو كنتُ في جحْر هامةٍ من هوام الأرض، لاستخرجوني حتى يقتلوني." (راجعْ: تاريخ الطبري 4، ص 289؛ والفتوح 5، ص 67؛ وشرح الأخبار 3، ص 145؛ ومدينة المعاجز 3، ص 485؛ وبحار الأنوار 45، ص 99).
[9] محمد الحسيني الشيرازي، موسوعة الفقه (مؤسّسة التقى الثقافيّة).
[10] الشهرستاني، نهضة الحسين (قم: منشورات الرضي، ط 2، 1984)، ص 59، 66.
[11] الحكيم، ثورة الحسين، مصدر سابق، ص 19.
[12] انظر: أبو جعفر الطوسي، تلخيص الشافي (ج 3، ص 86).
[13] نقل عنه ذلك، محمد صحتي سردرودي، عاشورا بزوهي (ص 307 ـ 309).
[14] انظر: هاشم معروف الحسني، سيرة الأئمة الاثنيْ عشر 2، ص 90 ـ 92؛ وجعفر السبحاني، الأئمّة الاثنيْ عشر، ص 77 ـ 89؛ وله أيضًا: أضواء على عقائد الشيعة الإماميّة، ص 157 ـ 162؛ وعبد الحسين شرف الدين، المجالس الفاخرة، ص 44 ـ 51؛ ومحمد جواد مغنيّة، الحسين وبطلة كربلاء، ص 17 ـ 18، 22، 67 ـ 68؛ وشريعتي، الحسين وارثُ آدم، مجموعة آثار، 19، ص 189؛ ومحمد حسين الطباطبائي، بحثى كوتاه درباره علم إمام، ص 52 ـ 56، نقلًا عن سردرودي، عاشوار بزوهي، ص 320 ـ 330.
[15] انظر: محمد باقر الصدر، أئمّة أهل البيت ودورهم في تحصين الرسالة (ص 309 ـ 358، طبع المؤتمر)؛ والهاشمي، "الثورة الحسينيّة،" مجلة المنهاج، العدد 30، ص 19، 23 ـ 33؛ ومحمد الصدر، أضواء على ثورة الحسين (ص 78 ـ 82)؛ والآصفي، الجهاد (ص 166 ـ 169)؛ وله أيضًا: وارث الأنبياء، الكتاب الأول، خلفيّات ثورة الإمام الحسين، ص 205 ـ 223؛ والحكيم، ثورة الحسين، مصدر سابق، ص 39 ـ 52؛ وعادل الأديب، الأئمّة الاثنا عشر، دراسة تحليليّة (بيروت: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، ط 3، 1405هـ، ص 105 – 138).
[16] علم الإمام مسألة مختلف فيها في الساحة الشيعيّة. فالبعض يعتبر أنّ الأئمّة الإثني عشر، وإنْ كانوا أتقى أهل الأرض، فإنّما يجري عليهم ما يجري على كلّ الناس من المعرفة والفهم والتعاطي مع الواقع. لكنْ يذهب آخرون إلى أنّ للأئمّة المذكورين علمًا إلهيًّا خاصًّا، يمنّ به اللهُ عليهم، فيجعلهم عارفين بحقائق الأحداث ومستقبلها شهودًا. ونظريّة "علم الإمام،" المُشار إليها في النصّ، يُقصد بها التيّارُ الأخير من الشيعة. (الآداب)
[17] انظر له: فقه العنف المسلّح في الإسلام (المعلومات؟؟؟)، ص 127، 129، 138 ـ 139.
[18] الحائري، الكفاح المسلّح (انتشارات الرسول المصطفى، إيران، غير معلوم سنة النشر ص 85 ـ 88)؛ وانظر: محمد صادق الصدر، شذرات من فلسفة تاريخ الحسين (هيئة تراث الشهيد محمد الصدر، النجف، العراق، ص 166).
[19] شمس الدين، فقه العنف المسلّح في الإسلام (بيروت: المؤسّسة الدوليّة للدراسات والنشر، 2001) ص 126 ـ 127، 130 ـ 131، 139.
[20] محمد صادق الصدر، شذرات من فلسفة تاريخ الحسين، مرجع سابق، ص 166 ـ 167.
[21] محمد حسين فضل الله، تأمّلات في حركة ذكرى عاشوراء (ص 18 ـ 19).
عالم شيعيّ لبنانيّ، متخرّج من الحوزة العلميّة في قم. له عدّة مؤلّفات وبحوث في المجالات الفقهيّة والفكر الدينيّ المعاصر.