في الثانية والعشرين من العمر، نشر سعد الله ونّوس مسرحيّته الأولى في الآداب، وكانت بعنوان "مادوز تحدّق في الحياة."
وبرغم العمر الغضّ والتجربة الأولى، لم يتردّدْ ونّوس في إظهار تطلّعه إلى الاختلاف والتجديد. فهو يشير، في ملاحظةٍ ابتدائيّة، إلى أنّ هذه المسرحيّة هي "مسرحيّة مرويّة،" ويميّزها من المسرحيّة العاديّة بتدخّل الكاتب فيها بالوصف والتعليق والخروج عن "لامبالاته." واعتبرها تجربةً أوّليّةً تُستكمل بالتعميق النظريّ والتطبيقيّ معًا.
وفي قراءة المسرحيّة يمكن أن نتفهّم مفهوم "المسرحيّة المرويّة؛" فالنصّ يتداخل في الحوار المسرحيّ بالمقاطع السرديّة البحتة، التي لا تساعد القارئ/ المخرج الافتراضيّ في تخيّل الحركة على الخشبة فحسب، بل تتعدّى ذلك إلى نقل معرفةٍ بالشخصيّات ووجداناتها لا يمكن فهمُ الحوار والحركة المسرحيّة بغير قراءتها. وكأنّ النصّ يحار في جنسه بين المسرح والقصص الحواريّ. ولا يَحسم الجدلَ إلّا انحيازُ الكاتب الشابّ الحاسمُ إلى المسرح، والأقدر في رأيه على استيعاب الفنون اللاحقة.
والإشكاليّة التي يطرحها ونّوس في مسرحيّته تنطلق من العنوان؛ فـ"مادوز" التي "تُحجِّر" ما تقع عيناها عليه تُحدّق في الحياة، بما يشي بتحجّرٍ يصيب العالمَ المحيطَ، ويستشعر به ونّوس الشابُّ، ويقرّر الخوضَ فيه.
المسرحيّة تجسّد مغامرةَ ونّوس في ترك بصمةٍ في المسرح العربيّ، وفي هضم المسرح العالميّ والتجارب الكبرى التاريخيّة، من دون نسيان الذات والواقع والجمهور الذي تتوجّه إليه هذه المغامرة.