سأدخل اليومَ إلى المحرقة. رحتُ أُعِدُّ نفسي وجسدي لتلك اللحظةِ المهولة.
كنتُ أنظرُ بذهولٍ إلى رفيقاتي كيف يمسك بهنّ ذلك الرجلُ الضخم، ويقلبهنّ في الهواء، ثم يرمي بهنّ في النار، ليعودَ ويسحبَهنّ بعد دقائق وقد انتفختْ جلودُهنّ وتغيّرتْ ألوانُهنّ.
- يا إلهي، ما أهيَب النارَ من بين مخلوقاتك!
أمسكني الرّجل. قلبني على وجهي، ثمّ أعاد الكرَّةَ قبل أن يضعَني على لوحٍ خشبيّ ويدفعَني إلى الداخل مع قطعتيْن أخرييْن، بعد أن دهن أجسادَنا بالزّعتر والزيت.
بدأتُ أحسُّ بالحرارة تلفح وجهي، وبالزّعتر يدغدغني.
كنتُ أنظرُ إلى ألسنة اللهب تضطرم على جوانب الفرن، وتحاول أن تجلدَ أطرافي، فأتفكّر: ربّما سرُّ وجود النار أن تؤدِّب بعضَ المخلوقات.
ولكنّي كنتُ متيقّنة أنّي لن أبقى فيها إلى الأبد.
بالفعل، ها هي المطرحةُ تُمدّ من جديد لكي تنقذَنا منها.
أنا الآن شكلٌ جديد، ماهيّةٌ جديدة، أنتظر مهمَّتي الجديدةَ في الحياة: أن يأكلَني إنسانٌ شاكرٌ لنِعَم السماء، أو يطعمَني مسكينًا يَفقه معنى الرّغيف.
بغتةً، سمعتُ صوتًا فأجفلتُ.
كان ذلك صوتَ التلفاز المعلَّقِ في زاوية المحلّ. كان يعرض صورًا لأطفالٍ من اليمن ذاب لحمُهم، حتى التصقتْ جلودُهم بعظامهم من شدّة الجوع. أحسستُ بالزيت ينزّ من عيوني. تمنّيتُ أن أصلَ إلى ذلك الطفل فأسدَّ رمقَه بقطعةٍ منّي.
لم أتمالكْ نفسي، فزحفتُ على ظهري وأنا أنظر إليه.
وفجأةً وجدتُني أقع عن طاولة الفرّان إلى الأرض.
مدّ الفرّانُ يدَه متذمّرًا.
حملني بإبهامه وسبّابته، ولوّح بي في الهواء حتى وصل إلى فوق سلّة القُمامة، وأفلتني.
لبنان