بعد سنةٍ على انفجار 4 آب في بيروت، وسنةٍ ونصفِ السنة على بدء الانهيار الاقتصاديّ والاجتماعيّ في لبنان، تبدو الحياةُ الإعلاميّةُ الوطنيّة وكأنّها عادت إلى سياقٍ "طبيعيّ،" بين فريقَي النزاع التقليديّين، ومسرحيّة الخلافات الطائفيّة الصغيرة. لكنّ ألمَ الناس يستمرّ، بل يزداد سوءًا. ويومًا بعد يوم يكتشف الأفرادُ، في عزلتهم مع عائلاتهم وأحبّائهم، حجمَ المصيبة التي حلّت بهم.
ذلك العالمُ الذي كنّا نعرفه قد مات: هذا ما بات يدركُه الجميع. وعبارة "إنّنا نموت يوميًّا" أصبحتْ على كلّ الشفاه. وهناك أدبيّاتٌ إعلاميّةٌ تستمدّ مادّتَها من هذا الواقع، لتجعَله دوّامةً عبثيّةً مفرغةً قائمةً بذاتها. لكنْ، مثلَ واقعة المرفأ، ومثلَ حال المجتمعات العربيّة المتتالية التي جرى تدميرُها في العقود الماضية، لا تستقيم صورةُ هذا "الموت" من دون أن تشملَ تلك الحثالةَ من الرجال الذين كانوا، في إحدى حارات بيروت، منشغلين بإغلاق أحدِ مستودعات البضائع المخزّنة، أو العملةِ المصادَرة، أو النفاياتِ السامّة المستورَدة، ويعملون - بغطاءٍ من الليل، والرأسماليّةِ الماليّة العربيّة، ودولِ المركز الرأسماليّ الغربيّ - ضدّ مصلحة الناس الذين يعيشون بينهم.
"هكذا ينتهي العالم، هكذا ينتهي العالم،" يقول تي. أس. إليوت في قصيدته الشهيرة بعد الحرب العالميّة الأولى، ويتابع: "لكنْ ليس بدويّ انفجار، وإنّما بأنين." وقد اختبر عالمُنا العربيّ هذه اللحظةَ مرارًا خلال الأعوام المئة الماضية، واتّضح في كلّ مرّة أنّ العالمَ لم ينتهِ بعد.