فلسطين في المنهج اللبناني للتربية الوطنية وكتب التاريخ
04-02-2020

 

كتّاب هذا المقال: بثينة بيضون، علي خليفة، غادة فخرالدين، نايلة حماده.

***

التمهيد والإشكاليّة

تَعتبر شريحةٌ من اللبنانيين مخيّماتِ اللاجئين الفلسطينيّين "جُزرًا أمنيّة،" وتُعاملُها وكأنّها "فضاءاتُ استثناءٍ" تجعلها أشبهَ بمختبراتٍ للسيطرة والمراقبة (حنفي، 2015). كما لعب العاملُ الفلسطينيُّ في الحرب اللبنانيّة (لا سيّما بين عاميْ 1975 و1983) دورًا عزّز هذه المقاربةَ "الأمنيّةَ" للقضيّة الفلسطينيّة لدى تلك الشريحة.

يقع التطرّقُ إلى القضيّة الفلسطينيّة في التعليم في لبنان في خضمّ إشكاليّاتٍ عديدة ومقارباتٍ متباينةٍ وشائكة. فهذه القضيّة، على الرغم من كونها قضيّةَ حقّ، لا تُعفي بعضَ المعلِّمين من استرجاع العوامل التي تنعكس سلبًا على تنفيذهم إلزاماتِ المنهج التربويّ، ومنها تباينُ المواقف والقناعات.

وعليه، يتّجه بحثُنا الراهن إلى معالجة واقع تناول القضيّة الفلسطينيّة من الزاوية التي تشغله في المنهج اللبنانيّ لمادّة التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة وكتب التاريخ، من أجل فهمِ ما يجري تفعيلُه (أو إهمالُه) من عناصرَ ذاتِ صلةٍ بالقضيّة الفلسطينيّة في المنهج.

 

الخلفيّة النظريّة

يمكن تناولُ القضيّة الفلسطينيّة عبر دراسة الحالات التي تمرّ بها المناهجُ التعليميّةُ في وصفها الخطّةَ التربويّةَ التي تُشْرف على وضعها السلطةُ السياسيّة، وينفّذها المشتغلون في بناء تلك المناهج وتقويمِها وفق رؤية هذه السلطة إلى المجتمع وإلى تشكيل ملامح أفراده (سعادة وإبراهيم، 2001؛ فريحة، 2015).

نبدأ مع المنهج الرسميّ، الذي يمكن تعريفُه بأنّه النصوصُ الرسميّةُ التي تتضمّن سياساتِ الدولة العامّةَ المعلنةَ (Kelly, 2009). في هذا الإطار، تشير البياناتُ الوزاريّةُ لحكوماتِ ما بعد اتفاق الطائف إلى أنّ الدولة اللبنانيّة ملتزمةٌ الدفاعَ عن قضيّة الشعب الفلسطينيّ في وصفها قضيّةً محقّةً، وملتزمةٌ التصدّي للخطر الذي يجسِّده وجودُ الكيان الصهيونيّ. كما ورد في البيان الوزاريّ لحكومة الحريري (2019) التزامُ أحكام الدستور لجهة رفض مبدأ توطين اللاجئين، وخصوصًا الفلسطينيّين، والتمسّكِ بحقّهم في العودة إلى ديارهم. وإلى أنْ يتمّ ذلك، على الدول والمنظّمات الدوليّة الاضطلاعُ بكامل مسؤوليّاتها، والمساهمةُ بشكل "دائمٍ وغير متقطّع" في تمويل "وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيّين وتشغيلهم" (UNRWA)، واستكمالُ تمويل إعادة إعمار مخيّم نهر البارد. يتابع البيان:

"إنّ لبنان الرسميّ يؤكّد على تعزيز الحوار اللبنانيّ - الفلسطينيّ لتجنيب المخيّمات ما يحصل فيها من توتّراتٍ واستخدامٍ للسلاح الذي لا يَخدم قضيّتَه... أمّا في الصراع مع العدوّ الإسرائيليّ، فإنّنا لن نألوَ جهدًا، ولن نوفّرَ مقاومةً، في سبيل تحريرِ ما تبقّى من أراضٍ لبنانيّةٍ محتلّة، وحمايةِ وطننا من عدوٍّ لمّا يزل يطمعُ في أرضنا ومياهِنا وثرواتِنا الطبيعيّة، وذلك استنادًا إلى مسؤوليّة الدولة ودورها في المحافظة على سيادة لبنان واستقلالِه ووحدتِه وسلامةِ أبنائه. وتؤكّد الحكومةُ على واجب الدولة وسعيها لتحرير مزراع شبعا، وتلال كفرشوبا، والجزءِ اللبنانيّ من قرية الغجر، وذلك بشتّى الوسائلِ المشروعة، مع التأكيد على حقّ المواطنين اللبنانيّين في مقاومة الاحتلال الإسرائيليّ وردّ اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلّة."

وعلى إثر النصوص الرسميّة هذه، يتمخّض المنهجُ المكتوبُ مُنتَجًا مركّبًا، تصوغ معالمَه "عمليّاتُ هندسةٍ تربويّة" (Roegiers, 2010). ونقصد بالمنهج المكتوب مجموعَ العناصر الموضوعة في تصرّف المعلِّمين في المدارس، وهي تشمل الرؤيا والغاياتِ العامّةَ والخاصّةَ في كلّ مرحلةٍ تعليميّةٍ وكلّ سنةٍ دراسيّة، فضلًا عن توصيف طرائق التعليم ووسائل التقويم. ولكنّ المنهجَ المكتوب لا يبقى على حاله (Eisner, 2002): فنسمّي ما يحذفه "المركزُ التربويُّ" من دروس (تحت عنوان "التخفيف") "المنهجَ المُلغى،" ونسمّي ما ينفّذه المعلِّمُ من المنهج المكتوب "المنهجَ المنفَّذ." أمّا "المنهجُ الخفيّ" فهو ما يهمله المعلِّمُ عن قصدٍ أو غير قصد من عناصر المنهج المكتوب، أو ما يضيفه بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر إلى المنهج المكتوب، تبعًا لمواقفه أو أهوائه أو قناعاتِه الفرديّة. يبقى أن ما يتعلّمه المتعلِّمُ بالفعل هو "المنهج المُتَعَلَّم،" وما يتمّ تقويمُه وفحصُه في الامتحان هو "المنهج المقوَّم."

فأين يجري التطرّقُ إلى القضيّة الفلسطينيّة في عناصر المنهج المكتوب للتربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة وكتبِ التاريخ في لبنان؟ وما هي المساحة التي تشغلها القضيّةُ الفلسطينيّةُ في وضعيّات التعليم (المنهج المنفَّذ) والتعلّم (المنهج المُتَعَلَّم) والتقويم (المنهج المقوَّم)؟

 

أولًا

1-1 فلسطين في منهج مادّة التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة. يتناول هذا القسمُ تحليلَ عناصر منهج مادّة التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة، بعد حصر هذه العناصر بـ الأهداف العامّة والأهداف الخاصّة وتفاصيل المحتوى والأنشطة المقترحة لكلّ مرحلة. وقد رُصدت الكلماتُ والمصطلحاتُ الآتية في العناصر المذكورة: فلسطين، القدس، إسرائيل (الاحتلال الإسرائيليّ، العدوّ الإسرائيليّ)، الصهيونيّة، المقاومة، الأراضي المحتلّة، الهويّة العربيّة.

في ما يخصُّ الأهدافَ العامّة، تمَّ لحظُ مصطلحٍ واحد، هو "الهويّة العربيّة،" في الهدف العامّ الثامن للمنهج ("تعزيز وعيه لهويّته العربيّة وتعلُّقِه بها وبانتمائه العربيّ المنفتح على الإنسانيّة")، وغابت كلُّ المصطلحات التي تختصّ بفلسطين أو بالقضيّة الفلسطينيّة. أمّا الأهداف الخاصّة فذكرتْ ما يأتي:

من خلال ما ورد في محتوى المنهج المكتوب، تبيّن أنّه يخلو تمامًا من مصطلحات "فلسطين" و"القدس" و"الأراضي المحتلّة." وظهرتْ، بشكلٍ متفاوتٍ إلى خجول، عبارتا "إسرائيل" و"مقاومة العدوّ." بينما تتكرّر عبارتا "الهويّة العربيّة" و"الانتماء العربيّ" بشكلٍ أكبر.

1-2 تحليل محتوى كتاب التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة. هنا رُصدت المصطلحاتُ الآتية: "فلسطين" و"القدس" و"إسرائيل" (أو الاحتلال الإسرائيليّ أو العدوّ الإسرائيليّ) و"الصهيونيّة" و"المقاومة" و"الأراضي المحتلّة" و"الهويّة العربيّة."

- في الصفّ الأول أساسيّ، لا أثر لأيّ من هذه المصطلحات.

- في الصفّ الأساسيّ الثاني، وردتْ صورةٌ "لشهداء قانا جرّاء القصف الاسرائيليّ" وصورةٌ لرسالةٍ تضمّنتْ عبارة "أتمنّى أنْ لا يعودَ الطيرانُ الإسرائيليّ." أمّا في التقييم، فقد ورد المفهوم على الشكل الآتي: "شاهدتُ قصفًا إسرائيليًّا لقريةٍ في جنوب لبنان."

- وفي الصفّ الأساسيّ الثالث، لم يرد سوى مصطلح واحد، وهو "فلسطين،" في مستند.

- وفي الصفّ الأساسيّ الرابع، أتى التعدادُ كالآتي:

يتبيّن أنّ كلمة "فلسطين" قد وردتْ مرّتين في الصور (المستندات) ومرّتيْن في الأنشطة والتمارين في الصفّ الأساسيّ الرابع: "أذكرْ أسماءَ الدول غير العربيّة فيما يلي: تركيا – اليمن – إيران – فلسطين." وأيضًا في: "أذكرْ أسماءَ بعض الأغاني التي أنشدتها السيّدة فيروز لفلسطين." أمّا كلمة "القدس" كما يبيّن الجدول فقد وردتْ مرّةً واحدةً في صورة (مستند). وفي ما يتعلّق بـ"إسرائيل" أو "العدوّ الإسرائيليّ" أو "الاحتلال الإسرائيليّ،" فيبيِّن الجدولُ أعلاه أنّه ورد مرّةً واحدةً في الصورة (المستند) وثلاثَ مرّاتٍ في الأهداف بصيغة: "التعرّف على احتلال إسرائيل أراضيَ لبنانيّةً،" و"التعاون لمقاومة احتلال إسرائيل الأراضي العربيّة،" و"إسرائيل عدوُّ العرب المشترك." أمّا في النصوص فقد ورد خمسَ مرّاتٍ على الشكل الآتي: "سنوات طويلة والعدوُّ يقصف أرضَنا الطيّبة،" و"كان طيرانُ العدوّ الإسرائيليّ يحلِّق في سماء قانا الحزينة،" و"جئنا لنتضامنَ معكم ضدّ عدوّنا إسرائيل،" و"نحن نقاوم العدوَّ الإسرائيليّ الذي يحتلّ أرضَنا ويسرق مياهَنا،" و"... لحماية المياه والثروات العربيّة من أطماع إسرائيل." وأمّا في قسم طرح الموضوع، فيبيّن الجدولُ أنّ "إسرائيل" وردتْ مرّةً واحدةً في العبارة التالية: "تطمع إسرائيلُ في أرضنا ومياهنا." كما ورد "الاحتلالُ الاسرائيليّ" مرّتين في نلاحظ ونفكّر على الشكل الآتي: "... أدّى الاحتلالُ الإسرائيليّ على قانا،" و"الاحتلالُ الإسرائيليّ يحلّق في سماء قانا." كما يتبيّن أنّ "إسرائيل" و"العدوّ الإسرائيليّ" وردا في الأنشطة والتمارين على الشكل الآتي: "أصيبت مدنٌ وقرًى لبنانيّةٌ في السنوات الأخيرة بنكباتٍ نتيجةَ قصف العدوّ الإسرائيليّ لها. أذكرْ بعضَ الأعمال العدوانيّة التي قام بها العدوُّ الإسرائيليّ. كيف يشكّل احتلالُ إسرائيل الأراضيَ العربيّة..." إلخ. وفي التقييم، ورد "العدوُّ الإسرائيليّ" مرّةً واحدة من خلال السؤال: "كيف يشكّل العدوُّ الإسرائيليّ خطرًا على مستقبلنا العربيّ المشترك؟" وفي لا أنسى، ورد المصطلحُ كالآتي: "نحن نقاوم، بالتعاون مع أشقّائنا العرب، العدوَّ الإسرائيليَّ الذي احتلّ أرضَنا." أمّا مصطلح "الصهيونيّة" فلم يردْ أبدًا. هذا، وقد وردتْ كلمة "المقاومة" خمسَ مرّات، في الأهداف والنصوص وطرح الموضوع ونلاحظ ونفكّر. أمّا "الأراضي المحتلّة" فوردتْ أربعَ مرّات: واحدة منها في صورة (مستند)، واثنتان في النصّ، والرابعة في لا أنسى. وأمّا "الهويّة العربيّة" فقد تكرّرتْ كمفهوم في أكثر من مرّة في الأهداف والنصوص والأنشطة والتمارين، وظهرتْ بشكل واضح في عبارة "إسرائيل عدوُّ العرب المشترك." وفي الصورة الوحيدة التي تتضمّن العبارة جاءت على الشكل الآتي: "لبنان يستقبل مَعارضَ أشقّائه العرب الاقتصاديّة." أمّا في درس "مستقبلنا العربيّ،" فقد أتت الصورة كما يأتي: "والمرأة اللبنانيّة تقاوم المعتدي."

- في الصفّ الخامس، وردتْ عبارةُ "العدوّ الإسرائيليّ" في نصّ واحد فقط.

- وفي الصفّ السادس، أتى التعدادُ كالآتي:

يتبيَّن أنّ "فلسطين" في الصفّ السادس وردتْ مرّةً واحدةً في صورة (وهي خريطة فلسطين). أمّا "القدس" فلم تردْ نهائيًّا. وترد "إسرائيل" في: الصور (المستندات) خمسَ مرّات؛ وفي الأهداف في عبارتيْن: "مواجهة المطامع الإسرائيليّة" و"العدوّ المشترك إسرائيل"؛ وفي المفردات والتعابير وردتْ مرّةً واحدةً في "العدوّ الإسرائيليّ"؛ وفي النصوص مرّةً واحدةً في "التضامن لمواجهة العدوّ الإسرائيليّ"؛ وفي قسم طرح الموضوع وردتْ في عبارة "المطامع الإسرائيليّة"؛ وفي نلاحظ ونفكّر ورد المصطلح ثماني مرّات على الشكل التالي: "العدوّ الإسرائيليّ" (6 مرّات)، و"العدوّ يَغتصب" و"احتلال مباشر." وتكرّر مصطلحُ "الاعتداءات الإسرائيليّة" في الأنشطة والتمارين مرّتين. وفي التقييم ورد مصطلح "الأطماع الإسرائيليّة" مرّةً واحدة. وفي ماذا أفعل، ورد المصطلح في عبارتين: "العدوّ الإسرائيليّ" و"العدوّ المشترك إسرائيل." كما تبيّن أنْ لا وجودَ لكلمة "صهيونيّة." وأمّا مصطلح "المقاومة" فورد في الأهداف والمفردات والتعابير مرّةً واحدة، وورد في نلاحظ ونفكّر خمس مرّات. ووردتْ عبارةُ "الأراضي المحتلّة" مرّةً واحدة في طرح الموضوع، وأخرى في نلاحظ ونفكّر. وتكرّر مفهومُ الهويّة العربيّة مرّاتٍ كثيرة وفي أكثر من مكان في الدروس على الشكل الآتي: "التعاون العربيّ" أو "التضامن العربيّ ضد العدوّ الإسرائيليّ."

- وفي الصفّ السابع أساسي، وردتْ "إسرائيل" على الشكل الآتي: "الاعتداءات الإسرائيليّة،" "العدوّ الإسرائيليّ،" "القصف الإسرائيليّ،" "القوّات الإسرائيليّة،" "الاحتلال الإسرائيليّ،" "الاجتياح الإسرائيليّ." وورد مرّةً واحدةً تعبيرُ "لبنان عربيّ الهويّة."

- وفي الصفّ الثامن أساسي، ورد مصطلحٌ واحد يخصّ إسرائيل والاعتداءات الإسرائيليّة، وسبع مرّات يخصّ الهويّة العربيّة على الشكل: "لبنان ذو وجه عربيّ،" "العالم العربيّ،" "مؤتمر القمّة العربيّة،" "عروبة."

- وفي الصفّ التاسع، أتى التعداد كالآتي:

وقد وردتْ "فلسطين" في العبارات الآتية: "اغتصاب فلسطين،" "الحدود اللبنانيّة - الفلسطينيّة،" "القضيّة الفلسطينيّة." كما وردتْ عبارات: "الأراضي العربيّة المحتلّة،" "التي احتلّتها في حزيران 1978،" "الشريط الحدوديّ المحتلّ." أمّا مصطلح "إسرائيل،" فقد ورد في: "المطامع الإسرائيليّة،" "عدوان إسرائيليّ،" "قانون إسرائيليّ،" "الأطماع الإسرائيليّة،" "القصف الإسرائيليّ." وأمّا "المقاومة" فقد جاءت على الشكل الآتي: "المقاومة اللبنانيّة الوطنيّة،" "عيدًا وطنيًّا للمقاومة،" "المقاومة الثقافيّة،" "المقاومة الدبلوماسيّة،" "المقاومة على أنواعها."

- وفي الصفّ الأول ثانوي، أتى التعدادُ كالآتي:

وردتْ "إسرائيل" بالأشكال الآتية: "القوّات الإسرائيليّة،" "العدوان الإسرائيليّ،" "الاجتياحات الإسرائيليّة،" "الدور الإسرائيليّ،" "الصراع العربيّ – الإسرائيليّ،" "جنود الاحتلال." أمّا مصطلح "المقاومة،" فقد ورد على الشكل الآتي: "مقاومة العدوّ."

- وفي الصفّ الثانويّ الثاني، أتى التعدادُ كالآتي:

وردت "فلسطين" فقط في عبارات كـ"منظّمة التحرير الفلسطينيّة" و"اللاجئين الفلسطينيّين" و"المقاومة الفلسطينيّة."

- وفي الصفّ الثانوي الثالث، أتى التعدادُ كالآتي:

وقد وردت العباراتُ على الشكل الآتي: 1) مصطلح "فلسطين": القضيّة الفلسطينيّة، المؤتمر السوريّ الفلسطينيّ. 2) مصطلح "إسرائيل": "الهجوم الإسرائيليّ،" "انسحاب إسرائيل،" "احتلال إسرائيل." 3) ووردت "المقاومة" في: "الجيش يقاوم العدوّ،" "المقاومة الوطنيّة،" "مقاومة اللبنانيّين لاحتلال إسرائيل". وقد رد مصطلحُ "فلسطين" 24 مرّةً مقابل ورود مصطلح "إسرائيل" في 96 مرّة، و"المقاومة" 23 مرّةً، بينما لم يرد مصطلحُ "القدس" أيَّ مرّةٍ في كتب التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة من صف السابع أساسيّ إلى الصفّ الثالث ثانويّ.

 

ثانيًا

2-1 القضيّة الفلسطينيّة في المنهج المكتوب للتاريخ وكتبه. أدرج المنهجُ المكتوب لمادّة التاريخ (1968) القضيّةَ الفلسطينيّةَ في الصفّين التاسع والحادي عشر. لكنّ الكتب المدرسيّة الصادرة قبل التسعينيّات لم تتضمّنْ أيَّ إشارة إلى أنّ الموضوع كان يُدرَّس في الصفّ الحادي عشر، بل ورد في الصفّ التاسع (السنة الرابعة المتوسّطة آنذاك) حصريًّا. أمّا مقترح المنهج الذي تقدّمتْ به اللجنةُ المولجةُ بمادّة التاريخ ضمن خطّة النهوض التربويّ برئاسة "رئيس المركز التربويّ للبحوث والإنماء" آنذاك د. منير أبو عسلي، وأقرّته الحكومةُ اللبنانيّةُ في أيّار 2000، ثمّ أوقِفَ العملُ به لاحقًا بقرارٍ من الوزير عبد الرحيم مراد، فيشمل تدريسَ القضيّة الفلسطينيّة في الحلقة الثالثة من التعليم الأساسيّ وفي المرحلة الثانويّة. وعلى الرغم من إيقاف العمل بهذا المقرَّر، فإنّه يبقى ذا أهميّةٍ كبيرةٍ لموضوعنا لسببيْن: 1) أنّه أُقرّ من قِبل الحكومة، بما يوحي بإرادةِ مطابقةِ المنهج الرسميّ (سياسيًّا) مع المنهج المكتوب (تربويًّا) في مادّة التاريخ؛ 2) أنّ المقرَّر المقترح لاحقًا في سنة 2010 أبقى على الأجزاء المتعلّقة بتدريس القضيّة الفلسطينيّة والعداء مع "إسرائيل" كما وردتْ في مقترح 2000.

ومع خطّة النهوض التربويّ واستحداث هيكليّة جديدة للتعليم العامّ، تمّ إلغاءُ البكالوريا القسم الأوّل (أي الصفّ الحادي عشر)، ونقلُ منهج السنة الحادية عشرة (الذي يضمّ دراسةَ تاريخ لبنان وتاريخ العرب) إلى السنة الثانية عشرة. وجرى بعد ذلك تخفيفُ الدروس بسببِ ما كان في المنهج من حشوٍ، لا سيّما في فصول الشهادة الثانويّة العامّة والشهادة المتوسّطة. وقد غاب ذكرُ "فلسطين" أو "الخطر الصهيونيّ" كليًّا عن نصّ المبادئ العامّة لتدريس مادّة التاريخ. وجرى إدراجُ القضيّة الفلسطينيّة في المنهج المكتوب (وغاب عن المنهج المنفَّذ)، وتخصيصُ دروسٍ حولها في صفَّي التاسع الأساسيّ وفي السنة الثالثة الثانويّة. وتضمّنت الأهدافُ الخاصّة بتدريس المادّة هدفًا عنوانُه "وعي أبعاد الخطر الصهيونيّ،" وجاء فيه: "التأكيد على الدور الخطير الذي تمثّله الحركةُ الصهيونيّةُ من خلال التعريف بتاريخها وبمشاريعها التوسعيّة العنصريّة المناقضة للقانون لدوليّ وحقوق الإنسان؛ إبراز المطامع الإسرائيليّة في لبنان والأقطار العربيّة الأخرى، والتركيز على الدور الإسرائيليّ العدوانيّ المتمثّل باغتصاب فلسطين وتشريد أهلها واحتلال أراضٍ في لبنان وفي الدول العربيّة الأخرى؛ إبراز أشكال ومراحل النضال اللبنانيّ بخاصّة، والعربيّ بعامّة، في مقاومة الاحتلال الإسرائيليّ."

وتُظهر لنا القراءةُ الدقيقةُ لِما يرد في تفصيل هذا الهدف أنّ الأهداف المحدَّدة لا تركِّز بشكل مباشر على "القضيّة الفلسطينيّة،" وإنّما على الخطر الصهيونيّ على لبنان، وعلى مقاومة لبنان كما الأقطار العربيّة له. أمّا نضالُ الفلسطينيّين للدفاع عن أرضهم وهويّتهم ووجودهم، فلا يردُ بشكلٍ صريح.

ووفقًا للحلقات والمراحل التعليميّة، يظهر غيابُ القضيّة الفلسطينيّة عن منهج الحلقة الثانية حيث يجري "إظهارُ خطر إسرائيل على لبنان بخاصّة، والعالم العربيّ بعامّة، وأشكال مقاومة هذا الخطر" من دون أيّ ذكرٍ مباشرٍ لفلسطين. أمّا الحلقة الثالثة، فتتضمّن إشارةً واضحةً وصريحةً إلى الموضوع، بحيث يجري تعزيزُ معرفة التلاميذ "بتاريخ الحركة الصهيونيّة والقضيّة الفلسطينيّة وخطر التوسّع الإسرائيليّ على لبنان بخاصّة، والعرب بعامّة، وأشكال مقاومة هذا الخطر." ولقد تمّ التوسّعُ أكثر في المرحلة الثانويّة، فجاء توصيفُ الهدف كما يأتي: "معرفة تاريخ الحركة الصهيونيّة ومشاريعها التوسعيّة العنصريّة المناقضة للقانون الدوليّ وحقوق الإنسان، ووعي المطامع الإسرائيليّة التي أدّت إلى اغتصاب فلسطين وتشريد أهلها واحتلال أراضي لبنان والدول العربيّة الأخرى، وإدراك أشكال النضال اللبنانيّ ومراحله بخاصّة، والعربيّ بعامّة، في مقاومة الاحتلال الإسرائيليّ." 

لكنْ على الرغم من إدراج الخطر الصهيونيّ على لبنان والعرب ومقاومتهم له في المراحل التعليميّة الثلاث من المنهج المكتوب (2000)، فقد كان من اللافت أنّ تعبير "القضيّة الفلسطينيّة" لم يرد إلّا في الحلقة الثالثة، وأنّ تعبير "المقاومة الفلسطينيّة لإسرائيل" لم يرد إطلاقًا. وما يمكن التوقّفُ عنده أنّ المنهج، على الرغم من تضمّنه الموضوعَ في الحلقتين الثالثة والثانويّة، بقي يذْكر "فلسطينَ" و"القضيّة الفلسطينيّة" من ضمن موضوع "الخطر الصهيونيّ" على لبنان والدول العربيّة. وهنا يمكن التساؤل إذا كان الطلّاب سيتعلّمون عن تاريخ النضال الفلسطينيّ، وتاريخ طمس الهويّة الفلسطينيّة، والمقاومات الفلسطينيّة بأشكالها (منهج منفّذ)، أمْ سيتمّ الاكتفاءُ بالتأريخ الكلاسيكيّ الذي يتضمّن "نبذةً عن الحركة الصهيونيّة ومشاريعها في فلسطين، هجرة اليهود، النكبة، الحروب العربيّة – الإسرائيليّة" (منهج مكتوب)؟

ومع فشل إقرار المقترحات المقدّمة من قِبل اللجان المتعاقبة في عاميْ 2000 و2010، يبقى المنهجُ الرسميّ في لبنان هو المنهج المقَرَّ في العام 1968. ويضاف إليه قرارُ الوزير مروان حمادّة الصادر في 2017، وفيه يدعو رئيسةَ "المركز التربويّ للبحوث والإنماء" إلى الالتزام بمحور القضيّة الفلسطينيّة في السنة التاسعة وإيلائه الأهمّيّةَ. 

 

2-2 القضيّة الفلسطينيّة في الكتب المدرسيّة للتاريخ. وقد اعتمدنا هنا دراسةَ محتوى الكتب المدرسيّة للسنة التاسعة الأساسيّة (سنة الشهادة المتوسّطة). ولاختيار دُور النشر، أرسلنا رسالةً إلكترونيّة إلى ثلاث مجموعاتٍ من معلّمي التاريخ ومعلّماته (حوالي مئتيْن). تضمّنت الرسالةُ سؤاليْن: 1) أيّ كتاب مدرسيّ يُعتمد في مدرستكم؟ 2) ما هي أسبابُ اختيار هذا الكتاب؟ بعد تلقّي إجابات من 46 معلّمًا ومعلّمة، اختيرتْ ثلاثُ دُور نشرٍ، هي دار الفكر اللبنانيّ ودار حبيب ودار بدران، لكونها الدُّورَ الأكثرَ استخدامًا. 

لم تشر أيٌّ من الإجابات عن السؤال الثاني إلى أيّ موقفٍ أو توجّهٍ سياسيّ يبرّر اختيارَ السلسلة؛ فالمعلّمون كلّهم أقرّوا أنّ أسباب اختيار الكتاب تعود إلى ملامحه من حيث: السلاسة، والوضوح، والاختصار، ومدى تبسيط المعلومات، أو وجود مستندات مساعدة وصور. كما ذكر بعضُ المعلّمين أنّه يجري في مدارسهم تدريسُ محور خاصّ بالقضيّة الفلسطينيّة في بعض سنوات التعليم، وأشاروا إلى أنّ هذا الموضوع يدرَّس كملفّ إضافيّ لا يُحتسب جزءًا من التقييم النهائيّ للطلاب.

أظهرتْ دراسةُ المحتوى أنّ إدراجَ موضوع فلسطين والقضيّة الفلسطينيّة يتفاوت بشكل كبير من كتابٍ إلى آخر. فبينما يتضمّن الكتابُ الصادرُ عن دار حبيب ثلاثةَ دروسٍ كاملة عن القضيّة الفلسطينيّة، إلى جانب درسٍ كاملٍ عن الحركة الاستقلاليّة في العراق تُذكر فيه القضيّةُ الفلسطينيّةُ بشكلٍ موسَّع، نجد أنّ الكتاب الصادر عن دار الفكر اللبنانيّ يتضمّن درسًا واحدًا عن القضيّة الفلسطينيّة، بينما يغيب الموضوعُ تمامًا من الكتاب الصادر عن دار بدران. وقد يعكس هذا التفاوتُ إلى حدّ كبير ما شهدناه من تخبّطٍ في موضوع تدريس القضيّة الفلسطينيّة: بين قراراتٍ بإدراجها، والتلكّؤ في تصميم محتوى الدروس، ثمّ تعليق الدروس، ثمّ إعادة إدراجها.

تُظهر دراسةُ المحتوى أنّ كلمتي "فلسطين" و"الفلسطينيين" ترِدان بشكلٍ خجولٍ جدًّا في سلاسل الكتب الثلاث خارج إطار الدروس المخصّصة للقضيّة الفلسطينيّة. ترد هاتان الكلمتان في إطار تدريس الحرب العالميّة الأولى، ووعد بلفور،  ولجنة كينغ – كراين، واتفاقيّة سايكس - بيكو، أو ضمن دروس "الجامعة العربيّة" و"الأمم المتحدة." وليس من ذكرٍ لكلمة "القدس" إلّا مرّةً واحدة، وذلك في خريطةٍ للمنطقة في الكتاب الصادر عن دار الفكر اللبنانيّ.

 

             ورود كلمة "فلسطين" أو "الفلسطينيّين" في الكتب التي شملتها الدراسة خارج إطار الدروس المخصّصة للقضيّة الفلسطينيّة

كما أنّ كلمة "الصهيونيّة" لا ترد إلّا مرّةً أو مرّتين في الكتب التي شملتها الدراسة. وغابت كلمةُ "إسرائيل" كليًّا عن كتاب بدران، وظهرتْ مرّةً في  كتاب دار حبيب، ومرّتين في كتب دار الفكر اللبنانيّ خارج إطار الدروس المدرجة في هاتين السلسلتين والمخصّصة لتدريس القضيّة الفلسطينيّة.

 

             ورود كلمتي "الصهيونيّة" و"إسرائيل" في الكتب التي شملتها الدراسة خارج إطار الدروس المخصّصة للقضيّة الفلسطينيّة

 

خلاصة

على الرغم من الاتفاق الوطنيّ على إقرار كتب مدرسيّة موحَّدة لمادّة التربية الوطنيّة والتاريخ، على ما نصّ اتفاقُ الطائف، فقد جرى إقرارُ منهج مكتوب للتربية، بينما لم تفلح أربعُ محاولات بارزة من قِبل الحكومة اللبنانيّة لإنتاج منهج مكتوب للتاريخ وفقًا للمنهج الرسميّ لمرحلة ما بعد الطائف.

إنّ ما يرد في كتب التربية الوطنيّة يغيِّب (أو لا يَلْحظ) أيَّ تدرّجٍ في ذكر المصطلحات المتصّلة بفلسطين ومقاومة الاحتلال. فهي تنعدم في أكثر الصفوف، ومحصورةٌ في الصفّ الرابع والسادس أساسيّ والتاسع أساسيّ والمرحلة الثانويّة. بيْد أنّ هذه الفصول قد يلحظها التخفيفُ (أي إنّها تحضر في المنهج المكتوب وتغيب عن المنهج المنفّذ ومن ثمّ عن المنهج المقوَّم). وإن وُجدتْ، فهي لا تتطّرق إلى القضيّة الفلسطينيّة البتّة، وجاءت عبارة "فلسطين" فقط كدولة عربيّة، لا ككيان خاضع للاحتلال أو يقاوم الاحتلالَ الإسرائيليّ؛ ما يفتح البابَ أمام التطرّق إليها من زاوية المنهج الخفيّ، بحسب أهواء كلّ من المعلِّمين. وظهرت المصطلحاتُ المتصّلة بالمقاومة بشكلٍ ضعيف، بينما بقيتْ فكرةُ الاحتلال الإسرائيليّ والعدوّ الإسرائيليّ مهيمنةً على النصوص والأهداف وغيرها.

في التاريخ، جرى تعليقُ "محور القضيّة الفلسطينيّة،" فغاب عن المنهج المنفَّذ والمقوَّم في الصفّ التاسع أساسيّ على مدى سنوات، ولغاية العام 2017. وقد برّر "المركزُ التربويُّ للبحوث والإنماء" (على لسان رئيسته بالتكليف) هذا التوجّهَ بورود "العديد من الملاحظات من جهاتٍ رسميّةٍ وخاصّة،" وبأنّ تدريسَ هذا المحور "يمكن أن يَطرح إشكاليّةً في المجتمع اللبنانيّ" مرتبطةً بقراءة الصراع الداخليّ اللبنانيّ أثناء الحرب الأهليّة وعدمِ وجود سرديّةٍ "متّفقٍ عليها وطنيًّا."  لكنّ وزيرَ التربية مروان حمادّة في أيّار 2017 أصدر توجيهًا "بإعادة محور القضيّة الفلسطينيّة إلى منهج التاريخ للصف التاسع أساسيّ للعام الدراسيّ 2017 ــ 2018، وإلغاء كلّ قرار مخالف" كان قد صدر سابقًا. وقد جاء ذلك ردًّا على اللغط الذي حصل في موضوع تدريس القضيّة الفلسطينيّة، بعد أنْ كان الوزير السابق إلياس أبي صعب قد أعاد إدراجَ القضيّة الفلسطينيّة في المنهج، ثمّ عاد عن قراره مقِرًّا بعدم وجود مادّة تعليميّة مهيّأة لتدريس هذا الموضوع. فبقيت القضيّةُ الفلسطينيّة في المنهج المكتوب، ولكنّها حقيقة في المنهج الملغى، وغابت عن المنهج المقوّم، ويتفاوت ذكرُها بحسب كتب التدريس المعتمدة لتنفيذ المنهج المعلَّم في المدارس.

بيروت

المراجع

- أيمن اغباريّة، "التربية الوطنيّة والدينيّة ومفارقات الهويّة والنماذج التاريخيّة،" ضمن الأعمال الكاملة لمؤتمر بعنوان: نحو استراتيجيّة شاملة لمحاربة التطرّف وبناء توافقات وطنيّة (مركز القدس للدراسات السياسيّة، 7-8 كانون الأول 2015).

- المركز التربويّ للبحوث والإنماء، سلسلة كتب التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة من السنة الأولى أساسيّ حتى السّنة الثالثة ثانويّ، 1997.

- المركز التربويّ للبحوث والانماء، مناهج التعليم العام وأهدافها، 1997,

- ساري حنفي، اللاجئون الفلسطينيّون في المشرق العربيّ: الهويّة والفضاء والمكان (بيروت: المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، 2015).