ــــ أنت لم تعد تحبّني.
ــــ الحبّ للضعفاء والمحرومين.
ــــ مَن قال هذا؟
ــــ بوكوفسكي.
ــــ حقًّا؟
ــــ ليس بالتحديد. لكنّه كان حكيمًا بما يكفي ليقول شيئًا رائعًا كهذا.
ــــ أليسَ هو ذاك السكّيرَ المتبطّلَ الذي لا يجيد إلّا مضاجعةَ كلّ امرأة تقع في طريقه؟
ــــ بلى. لكنّه أيضًا من أهمّ أدباء أميركا المعاصرين.
ــــ أوووه، يا لحظّي! معتوهٌ آخر تتّخذه مثلًا أعلى.
ــــ حسنًا.
ــــ لقد أصبحتَ مضيعةً كاملةً للوقت.
ــــ أتّفقُ معك.
ــــ لا تتّصلْ بي ثانيةً.
قالت سلمى وهي تصْفق البابَ خارجةً.
بقي آدم مستلقيًا يحاول استجماعَ قواه الخائرة. "لو أنّها حضّرت القهوةَ قبل أن تغادر،" فكّر متحسّرًا.
***
فتح اللابتوب وأخذ يقرأ شتّى أنواع الترّهات. لم يجد في ما تصفّحه ما يثير الاهتمامَ سوى بضعة صور مذهلة لمونيكا بيلوتشي.
"هل يعقل أنّ الربّ الذي خلقها هو نفسه الذي خلق كونداليسا رايس؟" فكّر آدم بعمق، بينما كان يتفحّص ذلك الجسدَ المجيد.
تنبّه إلى وجود إشعار جديد في بريده الإلكترونيّ. كانت رسالةً من حبيبةٍ أصبحتْ على الجهة الأخرى من الكوكب. لم تكن رسالةً بقدر ما كانت قاموسًا للّعنات والشتائم. صبّت ريما لعناتِها على كلّ شيء تقريبًا: بدءًا بالآلهة التي أغفلتْ مصائبَ العالم كلَّها وركّزتْ جهدَها على تفريق حبيبين، مرورًا بآدم الذي لم يحارب بشراسةٍ لإنجاح علاقتهما.
"العشّاق ليسوا محاربين؛ المحاربون الوحيدون في هذا العالم هم مدمنو المراهنات، والملاكمون غير المرخّصين. كلّ ما عدا ذلك ترّهات،" قال آدم لريما بصوتٍ واضح كأنّها ستسمعه.
في النهاية، لعنتْ ريما نفسَها لأنّها ما زالت تحبّه، ولم تتمكّن من سلخه عنها رغم آلاف الأميال.
"الحبّ للضعفاء والمحرومين": هكذا انتصر آدم لبلادته سريعًا، قاطعًا الطريقَ على أيّة ذكرى قد تسوِّل لها نفسُها التسلّلَ إلى رأسه.
تثاءب مطوّلًا وهو يغلق الحاسوب. "لو أنّها حضّرت القهوة قبل أن تغادر،" تذكّر بحنق.
***
صوتُ انفجارٍ ليس ببعيدٍ جعله يزيح الستارةَ ليلقي نظرة. يحبّ آدم أنّ سريره ملتصقٌ بالنافذة؛ فهذا لا يضطرّه إلى النهوض كلّما أراد إلقاءَ نظرةٍ على العالم الخارجيّ.
على بعد مئات الأمتار، تصاعد عمودُ دخانٍ أسود. لكنّ البشر في الأسفل ظلّت وجوهُهم بلا ملامح وهم يتابعون ما كانوا يقومون به. المشهد يختلف تمامًا عمّا كان عليه قبل سنواتٍ قليلة، إذ كان الدخان الأسود وصعقة الانفجار يدبّان الذعرَ في الوجوه والأرجل.
***
رنّ الهاتف بجانبه طويلًا. كان عماد هو المتّصل. أجاب آدم بعد تردّد: نعم.
ــــ يبدو أنّ القذيفة لم تسقطْ على رأسكَ مباشرةً.
ــــ لحسن حظّكم.
ــــ بالتأكيد...
ــــ لا بأس عليكم، فأنا أقوم فقط بما أجيد القيام به.
ــــ جميعنا نقرّ لك بذلك يا ذَكَر الفقمة.
ــــ أشكرك يا ثورَ الفلاحة.
ــــ حسنًا. كفانا تهريجًا. اسمعْ: السهرة عامرة اليوم. الشلّة القديمة حاضرة بالكامل، والمشروب متوافر، وقد تكون هناك مفاجآت. نحن بانتظارك.
ــــ لا أستطيع.
ــــ لماذا؟
ــــ لديّ أشياء عليّ القيام بها.
ــــ أشياء؟ مثل ماذا؟ المزيد من الاستلقاء؟
ــــ ربّما. كما أنّني قد أحظى بمَن يستلقي إلى جانبي.
ــــ وأيّ نوع من النساء سينجذب إلى سكّيرٍ بليدٍ مثلك؟
ــــ النوع الجيّد فقط.
ــــ خرا عليك.
ــــ علينا أجمعين.
ــــ نحن بانتظارك على أيّة حال.
ــــ سنرى. باي.
***
غطّ آدم في نوم عميق. حين فتح عينيه وجد إلى جانب السرير فنجانَ قهوة ما زال ساخنًا، مع ورقة صغيرة كُتب عليها: "استمتعْ بقهوتك أيّها الكسول. أراك الليلة."
"ويقولون إنّ الآلهة ما عادت رحيمةً بنا!؟ هراء،" قال آدم هازئًا.
رشف رشفةً كبيرة مغمضًا عينيه، كأنّه يتذوّق الجائزةَ الكبرى: "الحبّ للضعفاء والمحرومين... أنا الضعفاء، أنا المحرومون."
اللاذقيّة