كاتب من اليمن، مقيم في ألمانيا. مهتمّ بشؤون الثقافة والسياسة والاجتماع. نشر مقالات في العديد من الجرائد والمواقع.
منذ ظهور مرشّح الحزب الجمهوريّ "المحتمل" للانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، دونالد ترامب، أثارت مواقفُه الكثيرَ من الجدل السياسيّ في الفضاء العامّ. ونعتقد أنّ الدلالات الثقافيّة لـ"ظاهرة" ترامب تحتاج إلى نقاشٍ معمّق، لكونها تكثيفًا لأزمة النيوليبراليّة في العالم، ولأزمة "النموذج الأميركيّ" بعد الحرب الباردة.
هل الولايات المتّحدة "مستعدّة" لترامب؟
ثمّة عواملُ وظروفٌ اجتماعيّة/ اقتصاديّة تسمح لخطابٍ شعبويٍّ بالتمدّد، وبكسب قواعدَ اجتماعيّةٍ في دولةٍ ومجتمعٍ ما.
ابتداءً، تقول الإحصاءاتُ إنّ البطالة في الولايات المتّحدة بلغتْ في مارس2015 حوالى 5.6% ــــ وهذه نسبةٌ مؤثّرة، ولكنّها أقلّ سوءًا من اقتصاداتٍ صناعيّةٍ أخرى مثل فرنسا أو إيطاليا. وتتضاعف مشكلةُ البطالة في الحالة الأميركيّة مع استحضار مشكلة الفقر، الذي ينتشر حتّى في أوساط مَن لديهم عملٌ ذو دخلٍ ثابت، إذ وصلتْ نسبة هؤلاء، من إجماليّ من لديهم عمل في العام 2010، حوالى 7.2%.
في التاريخ المعاصر، كان التأزّمُ الاقتصاديّ والتوتّرُ الطبقيّ من العوامل التي حملت القوى الفاشية والشعبويّة إلى السلطة. وظروفُ ظهور ترامب في الولايات المتّحدة مشابهةٌ لظروف ظهورِ بيغيدا في ألمانيا، وازدياد شعبيّة "الجبهة الوطنيّة" في فرنسا. إلّا أنّ الحالة الأميركيّة تحمل في ثناياها مشاكلَ أشدَّ تعقيدًا، ولا تكفي الإحالةُ على الوضع الاقتصاديّ لتفسير شعبيّة خطاب ترامب ولا المخاطرِ التي ينطوي عليها.
تاريخيًّا، تُعدّ أزماتُ الاقتصاد في المجتمعات الصناعيّة فرصةً لقوّتيْن رئيستيْن، متناقضتيْن أخلاقيًّا: اليسار الديمقراطيّ واليمين المتطرّف. ولم يكن فوزُ أوباما بمنصب الرئاسة بعيدًا عن الأزمة الاقتصاديّة الخانقة سنة 2008: فقد كان المجتمعُ الأميركيّ آنذاك مهيّأً نفسيًّا إمّا لخيارٍ أخلاقيّ متفوّق أو لخيار شعبويّ؛ وهذا الأخير كان مستبعدًا لأنّ المحافظين الجدد، بتجربتهم الكارثيّة بقيادة جورج دبليو بوش، كانوا آنذاك في السلطة.
الوضع في حالة ترامب مختلف الآن. فشرائح من الطبقة الوسطى البيضاء تحمِّل المهاجرين والأقليّات مسؤوليّةَ البطالة والأزمات الاقتصاديّة، وهذا سلوكٌ معتادٌ في كثير من المجتمعات أثناء الأزمات. المميّز هنا هو أنّ ترامب يعبّر عن هذه الأفكار الشعبويّة صراحةً، وأحيانًا بلغةٍ بذيئة، وهو ما يقدّم لكثير من القواعد البيضاء تنفيسًا لمكبوتاتٍ لطالما تاقت إلى التعبير عنها.
من ناحية أخرى، فإنّ المغادر للبيت الأبيض (أوباما) ينتمي إلى أقليّة الأميركيّين الأفارقة، وهذا يعني أنّ خيار"التفوّق الأخلاقيّ" قد استُهلك جزئيًّا، ولم يعد لانتخاب كلينتون ـــ باعتبار أنّها ستكون أوّلَ امرأةٍ تصل إلى رئاسة الولايات المتّحدة ـــ الزخمُ الذي ناله أوباما كأوّل أمريكيّ أفريقيّ يصل إلى الرئاسة. هذا بالإضافة إلى مشاكلَ أخرى تجابه كلينتون كامرأة ينقسم كثيرٌ من القواعد الاجتماعيّة حولها، وحول أحقيّتها بالمنصب على أساسٍ جندريٍّ فقط.
ثمّ إنّ إرثَ العنصريّة مازال موجودًا في المجتمع الأميركيّ، رغم التقدّم الكبير في مسألة مناهضة العنصريّة منذ حركة الحقوق المدنيّة في ستينيّات القرن الماضي. وقد عبّر أوباما نفسُه عن هذه الحقيقة حين استخدم كلمة "زنجيّ" في مقابلة إذاعيّة مع Internetradio WTF، موضحًا "إنّ إرث العبوديّة والتمييز لا يزال جزءًا من حمضنا النوويّ." علاوةً على التوتّر الطبقيّ الذي لا يزال ــــــ رغم الخطوات المهمّة طوال خمسين عامًا ــــــ مشتبكًا إلى حدّ كبير بالأقليّات العرقيّة: فنسبة البطالة بين السود، على سبيل المثال، بلغت 14% سنة 2013، في حين بلغتْ 7% بين البيض في العام نفسه ،هذا مع العلم أنّ السود أقليّة في المجتمع الأميركيّ. والأمر ذاته ينطبق على نسبة الواقعين تحت خطّ الفقر، وكذلك في مستوى الدخل السنويّ.
هذه الملامح الطبقيّة تنعكس بعد ذلك في الفكرة السلبيّة التي تحملها الثقافةُ الشعبيّةُ "البيضاء" عن السود واللاتينيين والسكّان الأصليين. وهنا تأتي أهمّيّةُ ترامب في التعبير عن كلّ هذه الأفكار المترسّبة في لحظة تأزّمٍ اقتصاديّ يبحث فيه كثيرٌ من القطاعات الاجتماعيّة عن "غريم".
من الأمور التي تتميّز بها الولاياتُ المتّحدةُ عن حالاتٍ أخرى في العالم الصناعيّ غيابُ القوى السياسيّة اليساريّة الديمقراطيّة في اللحظة الراهنة، ما يساعد الشعبويّة ـــــــــ ممثّلةً في ترامب ومنافسه الجمهوريّ أيضًا ــــــــ على الانتشار، ولا سيّما في مجتمعٍ يُصنَّف متديّنًا ومحافظًا. الجدير ذكرُه أنّ القوى اليساريّة الأميركيّة كانت، في النصف الأول من القرن الماضي، تسير نحو ترسيخ موقعها في خريطة القوى السياسيّة الأميركيّة، وأدّت بعضَ الأدوار الجيّدة مثل: رفضها دخولَ الولايات المتّحدة الحربَ العالميّة الأولى (وحُكم على رئيس الحزب الاشتراكيّ آنذاك، فكتور دبز، بالسجن عشر سنوات لموقفه هذا)، والتنسيق مع النقابات، والتحرّك في فترة الكساد الكبير، والمشاركة في حركة الحقوق المدنيّة. ولكنْ، ولعوامل مختلفة، انقسمت القوى اليسارية وانهارت، وبقي الحزبان الديمقراطيّ والجمهوريّ مسيطريْن على الحياة السياسيّة الأميركيّة. وكان لهذا الغياب تأثيرٌ مساعدٌ آخر لترامب سنناقشه لاحقًا.
الأمر الأخير الذي أوجد في المجتمع الأميركيّ استعدادًا للاستماع إلى شعبويّة ترامب هو الإيديولوجيا العالميّة التي تتشكّل منذ ثلاث سنوات على الأقلّ: إيديولوجيا "مكافحة الجماعات الإرهابيّة/ ودعم إرهاب الدولة" في الوقت نفسه. وهي إيديولوجيا يكرّرها ترامب ـــــــ الذي يتميّز بجهلٍ مروّعٍ في شؤون العالم ــــــــ في حديثه عن الشأن السوريّ مثلًا. وقد ساعدت الهجماتُ الأخيرةُ في باريس وبروكسل على تزويد خطابه في هذا الشأن بدفعةٍ إضافية. كما أنّ وجودَ أطرافٍ مختلفةٍ مجتمعة على هذه الإيديولوجيا المتشكّلة يعطيها زخمًا أكبر: فهي تلقى قبولًا لدى ترامب، مرورًا بإيران و"إسرائيل" والأنظمة العربيّة واليمين المتطرّف في أوروبا، وانتهاءً عند روسيا البوتينيّة. ولهذه الإيديولوجيا مقتضياتٌ في الداخل الأميركيّ بالطبع، وبالتحديد تجاه المسلمين والمهاجرين القادمين من أميركا اللاتينيّة. هذا بالإضافة إلى أنّ جهاز الشرطة الأميركيّ مستعدٌّ قبْليًّا لشعبويّة ترامب، وهذا لأسبابٍ عديدة، منها الأزمة المستحكمة في النظام التعليميّ الخاصّ بإعداد أفراد الشرطة الأميركيّة وتأهيلهم.
أزمة الديمقراطيّة
ربّما كان من المفارقات التاريخيّة أنّ بعض بدايات نقد الديمقراطيّة الحديثة، والتنبّه إلى ضرورة إصلاحها، كانت تخصّ الحالة الأميركيّة.
بعد الحرب الثوريّة في سبعينيّات القرن الثامن عشر، وإقرارِ وثيقة السلام في باريس، وحصولِ المستوطنين الأميركيّين على "الاستقلال،" حدثتْ أزمةُ المضاربة بالسندات وطبع العملة الورقيّة، وكادت تعصف بالدولة الوليدة. حينها علّق ألكسندر هاملتون، أحدُ "الآباء المؤسّسين،" بأنّه "ضجر من الإفراط الديموقراطيّ".
قدّمت الولاياتُ المتّحدة نفسها على أساس تمثيلها للقيم الحديثة، وقيادتها "العالمَ الحرَّ" منذ النصف الثاني من القرن العشرين. لكنّ وجود شخص مثل ترامب في موقع رئاسة الدولة، بل مجرّد ظهوره كمرشّح محتمل يستند إلى قواعدَ اجتماعيّة، ينسفان الكثيرَ من معالم هذه الصورة. وفي حين يؤكّد البناءُ القانونيُّ الأميركيّ المساواةَ ورفضَ العنصريّة، فإنّ حالة ترامب تدفع كثيرًا من المثقّفين إلى مراجعة نموذج "الديمقراطيّة" ذاته، و"النموذج الأميركيّ" بالتحديد.
تُظهر لنا حالةُ ترامب عدّة أمور تتعلّق بالقيم الأخلاقيّة الحديثة. أوّلُها أنّها تعيد إلى الواجهة النقدَ، الذي وجّهه المفكّرُ والاقتصاديُّ النمساويّ جوزيف شومبيتر قبل قرابة سبعين عامًا، إلى الديمقراطيّة، حين أكّد أنّها ليست "إرادةَ الشعب" بل إرادة الأغلبيّة فقط ــــ والأغلبيّة قد تكون ذاتَ ميولٍ شعبويّةٍ تضرّ بالأقليّة.
حالةُ ترامب مناقضة أساسًا للقيمة التي تُشتقّ منها الديمقراطيّة، وهي الحريّة. وهذه الحالة تتميّز بأنّها تعيد "نقدَ الديمقراطيّة" إلى مرحلةٍ اعتقد كثيرون أنّها تجُووزتْ؛ ففي المرحلة المتأخّرة، قال مفكّرون عديدون إنّ الديمقراطيّة التمثيليّة قد فشلتْ لأنّ "المؤسّسة" التي تمثّل مصالحَ طبقاتٍ معيّنةٍ تبقى ثابتةً بلا تغييرات جذريّة تُحْدثها الديمقراطيّة. ولكنّ حالة ترامب أعادت النقاش إلى مرحلة نموذج ألمانيا النازيّة في ثلاثينيات القرن العشرين، حين سمحت الديمقراطيّة بوصول قوًى فاشيّةٍ إلى الحكم!
بالإضافة إلى ذلك، ينزع الجدلُ حول الديمقراطيّة الأميركيّة هالةَ "القداسة" التي تُحاط عادةً بفكرة "الرأي العامّ"؛ فهذا الأخير ليس مُعطًى بل يتمّ تشكيلُه. ولكنّ الإشكال الرئيسَ ليس في هذه النقطة، بل في أدوات التشكيل. فمع وجود قوًى سياسيّةٍ متعدّدةٍ ووازنة، وبأفكار مختلفة، وفرص تعبير متكافئة نظريًّا، وتتحرّك على أرضيّة توافقيّة ثابتة (دستور، سقف وطنيّ، قيم أساسيّة يُمنع مسُّها... إلخ)، تصبح لفكرة "الرأي العامّ" أهمّيّةٌ وقيمة. ولكنْ في بلدٍ قارّيٍّ ورأسماليٍّ مثل الولايات المتّحدة، ويَحتكر فيه حزبان فقط مجالَ السياسة العمليّة، فإنّ صناعة الرأي العامّ تتمّ من خلال الإعلام التابع لرأس المال المتغوّل. هنا تغيب فرصةُ التكافؤ بصورةٍ شبه مطلقة. وهذا يعني أنّ آليّات تشكيل الرأي العامّ تتركّز في طبقةٍ غير سميكة من كبار رجال الأعمال والأثرياء. وفي حالة ترامب، وهو صاحبُ عقاراتٍ ثريّ، قد تكون مهمّةُ الدفع به ممكنةً في حال اقتناع "المؤسّسة" وأصحابِ رأس المال بأنّه رجلُ الساعة، وبأنّه يستطيع بأمواله أن يستغني إلى درجةٍ معيّنةٍ عن دعم كثيرين، بمن فيهم نخبةُ الحزب الجمهوريّ المذعورة منه، التي تحاول بشتّى الطرق عرقلته وإفشاله.
بصعود ترامب الملحوظ، نحو الترشّح للانتخابات الرئاسيّة، تجني الدولةُ الأميركيّة حصادَ سنواتٍ من القوانين والتشريعات التي أزالت كثيرًا من القيود عن دعم الحملات الانتخابيّة، وبخاصةٍ حُكمَا المحكمة العليا في يناير2010 وإبريل 2014. ويحدث في الولايات المتّحدة أن تقوم "منظّمات غير ربحيّة" بتمويل حملاتٍ انتخابيّة، ويتّضح بعد تتبّع أصول هذه المنظّمات أنّها تابعةٌ لرجال أعمال وأثرياء.
إنّ "الديمقراطيّة الأميركيّة" تعيش فعليًّا في مأزقٍ آخر بسبب دونالد ترامب. ومن المفترض أن تفتح هذه الحالة نقاشًا محلّيًّا موسّعًا، ليس حول العنصريّة والشعبويّة فحسب، بل حول فكرة "النظام" ذاتها، وطبيعتِه الطبقيّة المروِّعة، وضرورةِ التفكير في أهمّيّة دور يسار ديمقراطيّ يستطيع احتواء قواعد اجتماعيّة غاضبة، قاطعًا الطريق على الخطابات الشعبويّة والفاشيّة في بلدٍ رأسماليّ لا يكفي فيه وجودُ ليبراليين لمجابهة محافظين متطرّفين.
أزمة الإمبراطوريّة
تتوفّر للولايات المتّحدة أغلبُ ملامح الإمبراطوريّة: فهي أوّلًا بلدٌ قارّيُّ المساحة والديمغرافيا، وهي البلد الأوّل اقتصاديًّا وعسكريًّا وعلميًّا، بالإضافة إلى الملمح الكلاسيكيّ للإمبراطوريّات، أي التنوّع الإثنيّ و"التصالح" مع هذا التنوّع.
وتُعتبر الولاياتُ المتّحدة إحدى أهمّ تجارب الاستيطان في التاريخ الإنسانيّ. وبسبب نشأتها الاستيطانيّة هذه فقد جذبتْ إليها مبكّرًا أتباعَ طوائف مختلفة رأوْا فيها فضاءً حرًّا لممارسة إيمانهم الشخصيّ؛ فضلًا عن أنّها اعتُبرت بلدًا "بكْرًا" يزخر بالثروات والفرص. ومع دخولها مرحلة التصنيع، جذبتْ سكّانًا من كلّ القارات تقريبًا، وكانت في ثلاثينيّات القرن الماضي الوجهةَ الأولى للمهاجرين في العالم.(1)
وتمتاز الإمبراطوريّةُ بثقة المجتمع بذاته، وهو ما يتمظهر في اتّساق الإثنيّات وإيجاد مشتركٍ بينها. وقد قام الحَراكُ الاجتماعيّ، والأساطيرُ التأسيسيّةُ، والنموذجُ المكرّس لأمريكا باعتبارها "أرضَ الأحلام،" بإحداث خطواتٍ كبرى لإعطاء المجتمع ثقته بذاته. هذا بالإضافة إلى الظروف الخاصّة بأمريكا كبلد استيطان لا يحمل إرثًا قوميًّا؛ وحتّى اللغة المستعملة مستوردة من جغرافيا أخرى.
دونالد ترامب يُعدّ فعليًّا تمظهرًا علنيًّا لأزمة الإمبراطوريّة. فقطاعاتٌ من المجتمع الأميركيّ الذي خاض الحربَ الأهليّة في القرن التاسع عشر، وتجاوزَ أزمةَ الإثنيّة الآسيويّة/ اليابانيّة بعيْد الحرب العالميّة الثانية، وشهد حركة الحقوق المدنيّة في الستينيّات، تستمع الآن إلى خطابه المعادي للّاتينيّين بدرجة رئيسة، والمعادي كذلك للمسلمين الذين يشكّلون 0،6% من المجتمع ـــ أيْ إنّه مُعادٍ لخُمس المجتمع تقريبًا، ومعادٍ لدولة مجاورة هي المكسيك، وهذا إذا افترضنا أنّه لا يعادي الأميركيّين الأفارقة. وهذه النزعة الشعبويّة خطيرٌة على أيّ بلدٍ ذي تاريخٍ إمبراطوريّ وإرثٍ قوميّ. ومن الجيّد استحضارُ ما قاله رئيس الوزراء الفرنسيّ مانويل فالس أثناء انتخابات المناطق الفرنسيّة في ديسمبر من العام الماضي، حين حذّر من احترابٍ أهليّ في حال فوز "الجبهة الوطنيّة."
وبغضّ النظر عن المبالغة في قول فالس، فإنّه يحمل في ثناياه فكرةً صحيحةً، وهي أنّ الخطابات الشوفينيّة في بلدٍ متنوّعٍ إثنيًّا تشكّل خطرًا على شكل المجتمع، ولو تحلّى بثقافة ديمقراطيّة. وتتضاعف هذه الخطورةُ في حالة الولايات المتّحدة لأنّها المجتمعُ الأكثرُ تديّنًا من بين بلدان الغرب الصناعيّة. هذا بالإضافة إلى وزنه الديموغرافيّ والإرث العنصريّ والتمييز الذي ألمحنا إليه سابقًا.
إنّ إمبراطوريّةً تتهدّدها أخطارٌ اجتماعيّةٌ كهذه هي إمبراطوريّةٌ تعيش أزمةً مستحكمة، وليس دونالد ترامب إلّا تعبيرًا واضحًا عنها. ومن اللافت أنّه قام بتأليف كتابٍ بعنوان أميركا الكسيحة، وهذا التوصيف يتّسق مع ترامب باعتباره شعبويًّا يمينيًّا يتّبع التكتيك التقليديّ لاستفزاز القطاعات الاجتماعيّة اليمينيّة. ولكنْ يبدو من تصاعد فرصه أنّ الرأسماليّة الأميركيّة، ونموذجَها الديمقراطيّ، والنيوليبراليّة، تعيش أزماتٍ مستحكمة؛ وأنّ وصول ترامب ـــــــ وهو أمر ليس بمستحيل ــــــ إلى منصب الرئاسة سيكون درسًا تاريخيًّا. وستذكر مراجعُ التاريخ مستقبلًا أنّ أميركا كانت كسيحةً فعلًا، لأنّها لم تستطع صدّ تيّار ترامب الكارثيّ، وإيقافَه عند حدّه.
ألمانيا
1- بحسب مكتب إحصاءات الهجرة، بلغ عددُ الأشخاص الحاصلين على إقامة قانونيّة في الولايات المتّحدة، بين العامين2001 و2010، حوالى 10,5 مليون شخص. ويتكوّن المجتمع الأميركيّ من إثنيّات مختلفة، منها: الأميركيّون الأفارقة (13%) ، والسكّان الأصليون (1%)، واللاتينيون (17%)، والآسيويّون (5%). ويشكّل البيض 64% من إجماليّ السكّان.
كاتب من اليمن، مقيم في ألمانيا. مهتمّ بشؤون الثقافة والسياسة والاجتماع. نشر مقالات في العديد من الجرائد والمواقع.