لم ننتبه
سأقولُ للجارة المُعتمة
إنّ حليبَها الأسودَ يبلّل بلوزتَها، وكلّنا نشمّ ذلك بوضوحٍ وقح،
وإنّ رضيعها قد ردّته الحربُ سالمًا تمامًا
على غيرِ ما ظنّ الأطبّاءُ المرتابون وعلماءُ النفس جميعًا.
***
كتبْنا منذ أن استدانَ ماركس ذو اللحية
ثمنَ ربطة خبزٍ من صديقه الميسور...
كتبنا ما تظنّه الشجرةُ ريحًا عاتية
ولم ننتبه إلى البرعم المشغول عنّا بجماله الأخّاذ.
***
اجلسْ أيّها الذئبُ هنا مثلَ تلميذٍ مهذّب
سأقلّم لك مخالبك الناصعة
لا تبتسمْ؛
أنا لا أمزح!
ولا تتركْني وتذهب هكذا!
على الأقلّ تصرّفْ كذئبٍ معي !
***
في المدرسة،
وبعد أن يُغلقَ المُستخدَمُ الأبوابَ،
يصرخ
لعلّ أحدَ التلاميذ قد غفا في الحصّة الأخيرة.
يا لَلقسوة!
يصرخُ ويمضي...
لا ينتظرُ الجواب...
لا يسمعُ صراخي.
في قصائد لم تُكتب
لكثرة البيوت والغرف في قصائدي،
أبدو وكأنْ لا بيتَ لي.
أُحذّرك للمرّةِ الأخيرةِ أيّها الوطن،
اُخرجْ فورًا من نصوصي!
مهلًا، ارجعْ قليلًا؛
أنا لا أقصد ما أقولُه تمامًا.
تستطيع أن تقضيَ الليلة هنا.
اِخترْ أيّ نصّ،
وإنْ كان يتكلّم عن عددِ الشامات في عنقها،
أو يسخر من سلطانٍ كئيبٍ يظنّ نفسه ميّتًا،
ويتوهّمُ كلَّ مساء أن قبضة الهاتف أحدُ أعوانه الخوَنة.
في قصيدةٍ قديمةٍ رميتُها البارحة
ثمّة جنديّ في السطر السادس يطلبُ من الإذاعة أغنيةً لحبيبته.
لكنّهم انشغلوا عنه بأغانٍ عن الحرب وانتصار الجنود.
في الليلة نفسها
قالتِ المذيعةُ لزوجها:
"تخيّلْ... اليوم أحدُ الجنود...
طلب أغنيتنا "طِلّي ضحَكيلُو ياصبيّة"!
لكثرةِ القتلى في نصوصي أبدو كأنّني القاتل!
في قصيدةٍ قديمةٍ مازلت أحتفظُ بها
ثمّة جنودٌ متحلّقون يضحكون من قلوبهم،
بينما زميلُهم النحيلُ في الوسط
يرقص، يتمايل، يهزّ خصرَه مثل صبيّة حلوة.
في السطر التاسع رفع البندقيّةَ على أنّها شعرُه الطويل.
في قصيدةٍ لن أكتبَها أبدًا
كنتُ أنا ذاك الجنديَّ
الذي طلب أغنيةً
ورقص لحبيبته أمام رفاقه.
سوريا