لقمان المليان هو محافظ البلدة الواقعة شماليّ خطّ الاستواء الجديد. كان اسمُه يُطابق تضاريسَ بدنه: فقد كان مُتدلّي الوجنتين، واسعَ المُقلتين، عريضَ المنكبين، كثيفَ اللحم، وافرَ الشحم، ثقيلَ العظم، طويلَ الأذنين واللسان. وُهِبَ سحرُ البيان، لا يتوانى عن طحن كلّ ما يقع بين فكّيه. ولم تكن الصفات الجسديّة وحدها تلائم اسمه: فقد كان شديد الذكاء، مملوءًا بالحيلة والدهاء. وكان، إلى ذلك، لا يعترف بالوفاء، ولا يعتذر عن مناسبة تتخلّلها وجبةٌ أو غداء.
كانت المهمّة الرئيسة لهذا المحافظ الذي عُيّن حديثًا أن يُحْدث طفرةً اقتصاديّة في هذه البلدة، من حيث توفيرُ الخدمات الحديثة، وتجهيزُ البنية التحتيّة العصريّة، ومنحُ التسهيلات للقاطنين في البلدة، وللراغبين في الاستثمار والمتاجرة فيها. ولكن لقمان لم يكن يولي أهميّة لكلّ هذه المهام والمسؤوليّات؛ فقد كان جُلّ اهتمامه مُنصبًّا على الوليمة تلو الأخرى، والدعوة تلو الدعوة. وكان همّه الأكبر والأوحد إسكات معدته التي لا تكفّ عن العويل والنواح.
استمرّ وضعُ البلدة على ما هو عليه عدّةَ أشهر. إلى أن ولج إلى مكتبه ذات صباح، فوجدَ معاونَه، أبا رغدة، يرتعد خوفًا. قال لقمان:
ـــــ ما بك يا أبا رغدة؟ ما الذي أصابك؟
لم يستطع أبو رغدة الحديث، وأشار بيده المرتجفة إلى ورقةٍ وُضعتْ على المكتب. تقدّم لقمان نحو المكتب. أخذ الورقة ولم يفتحها. وقال:
ــــ يا أبا رغدة، أحضرْ لي الوجبة المعتادة.
لم يتحرّك أبو رغدة من مكانه، وأشار مرّةً أخرى بيده المرتعبة نحو الورقة.
فتح لقمان الورقة، وقد كانت المفاجأة المدوّية: الرئيس قادم إلى البلدة بعد أسبوعين.
ــــ يا إلهي... ما الذي سأفعله يا أبا رغدة؟ لم أُنجزْ شيئًا منذ وصولي إلى هذه البلدة، وانشغلتُ بموائدكم اللذيذة.
لم ينبس أبو رغدة ببنت شفة، وواصل ارتجافه.
فكّر لقمان مطوّلًا. "لا يمكن أن أنتهي من أيّ عمل خلال أسبوعين: رصف الطرقات وإنارتها، وبناء الوحدات الحكوميّة، وتفعيل دور الهيئات الرقابيّة، والعمل على تحسين الخدمات التي نقدّمها للمواطنين، والسعي نحو رفع مستوى دخل الأفراد، و...
لم يستغرق لقمان المليان الكثير من الوقت للتفكير، واهتدى إلى الحلّ، وقال: تحرّك بسرعة يا أبا رغدة، وأحضرْ لي كلّ الطعام في المقهى. وأقسمُ لك، إنْ لم تتحرّك فسأُنهي خدماتك حالًا.
توقّفت حلقات ارتعاد أبي رغدة بعد هذه الكلمات، وخرج بسرعة الضوء وأحضر كلّ ما يمكن أن يؤكل في طريقه.
التهم لقمان الطعام وقال: "يُمكنني الآن أن أفكّر في حلّ لهذا الرئيس القادم."
استغرق بعض الوقت وقال: "أصدرْ تعميمًا بتحويل المبنى إلى متحف."
لم يفهم أبو رغدة، وظنّ أنّ لقمان قد أصابه شيء من الحُمقِ لشدّة خوفه. لكنّ لقمان كرّر ما قاله بثقة.
***
صدر التعميم. وخلال أسبوع فقط، كان المبنى يَعجّ بالمقتنيات الأثريّة والحرفيّين. وأقيمت المعارض ، ودُعيت الصحافةُ إلى هذه المناسبات. وقد كان أهل البلدة فرحين بتحوّلهم الجديد من الحداثة إلى التراث العتيق. وكان الرئيس الضيف كذلك سعيدًا بهذا التحوّل التاريخيّ في مسار البلدة.
مسقط