إلى حسين يوسف، وإلى ولده الجنديّ اللبنانيّ محمّد وصحبه، الذين اختطفهم تنظيمُ "داعش،" فاستشهدوا بيده الإجراميّة.
إنّي نسيمُ شراعِهِ الأبويّ؛
وإن انطويتُ أو انطفأتُ
سينكسر...
سينكسرُ رحيلُه الفضّيّْ.
ألفٌ وألفٌ من خناجِرنا
غاصت عميقًا في صباحي وجراحهِ.
وسماؤنا كانت تُغَمِّس زُرقتَها
في دمي ودمائه،
وبقيتُ مرتفعًا،
وصرتُ لأجلِهِ
ألفًا وألفًا من منازلنا.
كنتُ المحارَ يُعيدُ موجةَ غصّةٍ في دمعِهمْ؛
فمحمّدٌ ورفاقُهُ شَهِدوا لغربتنا
وحرابِ غُربتنا،
ومحمّدٌ نجمٌ وحيدٌ
غائرٌ في وحدِهِمْ.
كنتُ بدوني واقفًا.
كنتُ المسيحَ يضيءُ جلجلةً؛
ملِكًا منهزمًا
منتصرًا
ومشتعلًا كمَشْهَد،
أمتطي جُرحي
ويمتصُّ الظلامُ هواء وجهِ محمّد الغافي
فأختنقُ وأشهد.
وتسلّق المتكلّمون على اختناقي.
كَم كذبوا!
وأنا خشيتُ على محمّد
فسكنتُ خيمهْ،
واخترعتُ هواءَ،
كي أغدو كليمَ اللهِ؛
علّهُ يلمحُ الضوءَ المُرابطَ في الكلام.
أوّاهُ يا ولدي مُحمّد؛
أصغيري أنتَ
وأنتَ أكبرُ من بلادي؟
يا صغيري، آهْ، ويا بطلي.
تمتدّ عيناي ويمتدّ السواد.
أراكَ
في نجمٍ يبعثر ضوءَ وجهِكَ
عند أبواب السماء.
فيا محمّد،
نحن أيضًا نعشقُ
نجمًا بعيدًا،
ونوزّعُ حبًّا يوزِّعُنا،
ففي كلماتنا ترتاح غابتُنا،
وفي أوجاعنا يُزهِرُ إبريلُ الجميل،
ويوضحُ اللهُ الكتابة.
ماذا تقولُ ليَ البحارُ
بدون صوتكَ يا محمّد؟
أتقولُ وجهَكَ؟ أمْ غيابَكَ؟ أمْ غيابي؟
غابَ الطريقُ إليكَ يا ولدي
وغاب ذا البلد
وبنا ملايينُ الجراحات التي
وَأدتْ أنوثتَها صحارى من عددْ.
آهْ، يا محمّد، لستَ لي
لكَ كلُّ شيءٍ.
أمّا أنا فلي الصدأْ،
صدأُ الجفافِ
يعضُّ أحلامي وروحي.
إنّه الصدأُ، محمّد،
إنّه صدأُ الصدأ.
والناسُ يا ولدي
تمشي إلى حتفِ الخِراف.
يا محمّدُ، يا محمّدْ، لا...
لا ترمِ بي ملءَ الصدى!
آهْ، إنّه ذاك الصدأْ
وغدًا سيرفع ناسُنا حُكاّمَنا
وأنا ألملم خيمةً تبكي انتظارًا
وأنا وأمُّكَ ننزوي في وحدِنا
كالعشبِ في اليوم المقدّد.
آهْ يا محمّدْ.
يتراءى وجهٌ وحيدٌ: وجهُك الباكي
وأنت بلا سندْ
في بُعدكَ الموجوعِ،
وحدكَ،
حائرًا
وبعيدًا،
وصغيرًا كملاكٍ.
قد أمّلونا يا محمدْ،
وعدونا،
كذبوا علينا،
تاجروا بجميعنا،
ضحّوا بنا وبكم.
أيا بطلي ويا ابني،
يا صغيري،
بادَلونا الحبَّ بالوهْمِ الطريِّ
فحلِّقْ
حلٌّقْ بعيدًا يا محمّدْ
وتخلّصْ من خاطفيكَ ومنّا
يا بطلي وصغيري.
ألحقَّ والحقَّ أقولُ:
اليومَ صرتَ وصحبَكَ
إنجيلَنا اليوميّْ.
بلى، أنتم شعاعٌ لمعزّينا الإلهيّْ،
فتمهّلوا،
وتمهّلوا،
وتمهّلوا،
حتّى يجفَّ
بُكاؤنا الفضّيّْ.
كندا