ككلّ مرّة، لن يؤوب إلى البيت إلّا والليلُ ينزحُ عن سماء المدينة، وضوءُ الفجر ينثـر الأشكالَ ويمحو الخيالاتِ والأوهام.
ككلّ مرّةٍ سيقول كاذبًا، وهو يطبع على جبيني قبلتَه المتردّدة: "أحبّكِ بجنون." ويرتمي إلى جواري، على سريرنا المشترك، بعد أن يغيِّر ملابسَه العبقةَ بروائح الدخان والعرق وأجسادٍ أخرى عابرةٍ، ويعلِّقها من دون اكتراثٍ إلى جوار الخزانة، ويفرغ مثانتَه بصوت مسموع في مرحاضنا المشترك.
ككلّ مرّةٍ سأترك عينيّ مغمضتَين، وأرى بأذنيّ ما يسكُبُه على المكان من فوضى.
ككلّ مرّة، لن يتوانى عن إصدار كلّ الضوضاء الملائمة لقلّة أدبٍ مُزمِنٍ، أو لقلّة اهتمامٍ مُعتادٍ بجسدي المُلقى هناك على قارعة نوم ٍخفيفٍ مدّعًى لم أتسلَّح له بما يكفي من العقاقير المنوّمة.
ككلّ مرّة لن يتمدَّد بهدوء، ولن يسحب الغطاءَ ليغمر كتفيّ العاريتين. لن يترك يدَه إلى جانبيْه، بل سيمدّها فوق مخدّتي، أعلى قليلًا قريبًا من رأسي، لأنصتَ عبر الألياف القطنيّة إلى كلّ حركةٍ تصدرها يدُه أو أظفارُه التي لا تأنس إلى المقصّ الرشيق بل إلى قضمات الأسنان المسروقة.
ككلّ مرّة سأستكين إلى الهدوء، وأستعيذ بالنوم من كلّ شياطين اليقظة، وأُحكِم غطاءَ السرير حول جسدي ورأسي وأذنيّ.
لن أرى... لن أسمَع... لن أتحدّث...
سأكتفي بكتابة نصّي، ككلّ مرّةٍ في الظهيرة، حين يغادر البيتَ من جديد.
المغرب
سعيدة تاقي
روائيّة وأستاذة وباحثة جامعيّة من المغرب. ـ صدر لها: إنِّي وضعْتُها أنثى (رواية - 2015) ـ إيلافـ (هم) (رواية - 2014) - تحوّلات الرواية بين بنى التحديث وأنساق التراث (دراسة نقدية).