نشرتْ شابّة نرويجيّة في صفحة "قاطعوا إسرائيل/ الحرّيّة لفلسطين" على الفيسبوك بوستًا قالت فيه: "أنا مذهولة لأنّ متجري المفضّل، ميني، في ناحية تفيتا في أوسلو، حيث أسكنُ وأتبضّع، لديه كمّيّاتٌ كبيرةٌ من البضائع الإسرائيليّة. وكنتُ سعيدةً لأنّ كثيرين اهتمّوا بشعار ‘قاطعوا البضائع الإسرائيليّة’ الذي ألصقتُه على البضاعة الإسرائيليّة. وهذا يعطي نتيجة."
الشابّة قد لا تعْلم أنّ القانون في النرويج يعاقِب من ألصق شعار المقاطعة على البضائع. وقد تكون تعلم ذلك لكنّها قامت بما يمْليه عليها ضميرُها وحسُّها الإنسانيّ التضامنيّ مع شعب فلسطين.
رجا، وهو باكستانيّ ــــ نرويجيّ، كتب أيضًا:
"نحن الذين نقوم على متاجر كيفي وميني وجوكر باستطاعتنا رفضُ البضائع الصهيونيّة. ففي متجر جوكر، في ناحية تويين في أوسلو، رفضنا استقبالَ بضاعة إسرائيليّة أحضرتْها شركةُ باما، وهي أكبرُ شركة توزيع خضروات وفاكهة في النرويج، وأكبرُ موزِّعٍ للبضائع الإسرائيليّة في النرويج. رفضنا استلام كلمنتين إسرائيليّ، ورفضنا تنزيلَه من الشاحنة. أعدناها لهم، مع ملاحظةٍ تقول: ‘لا نريد بضائعَ إسرائيليّة في متجرنا... نحن في متجر جوكر لا نبيع الدماء.’"
ذكّرني هذا الشابُّ برجلٍ مغربيٍّ يُدير مخزنَ سبار في منطقة سكني في أوسلو. فقد وجدتُ عنده بضائع صهيونيّة، وبخاصة التمر، فسألته: "لماذا تبيعون بضائع صهيونيّة؟" أجابني بأنّ شركة باما هي التي تجلب البضاعة، وقد لا تضع عليها إشارةً إلى بلد الإنتاج. لكنّ ما كتبه اليوم رجا عن جوكر وإمكانيّة الرفض أوضح لي أنّ القضيّة هي في الإرادة واتّخاذ الموقف. ولم أعد أشتري من سبار، مع أنّه قريبٌ الى بيتي، إلّا عند الضرورة القصوى، وبضاعةً غيرَ صهيونيّة طبعًا.
ابنتي وصديقاتها
الشباب والصبايا في حركة BDS نشطوا مؤخّرًا في فضح الصهاينة، وحثِّ النرويجيين على مقاطعتهم ومقاطعة بضائعهم. اتّجهوا إلى المراكز التجاريّة الكبيرة في العاصمة، وإلى جامعة أوسلو. ارتدوا قمصانًا عليها شعاراتُ المقاطعة، وقدّموا دبكةً شعبيّةً فلسطينيّةً أمام المتاجر التي تبيع البضائعَ الصهيونيّة. نصفُ فتيات الفرقة شاركن ابنتي رحلتها إلى فلسطين المحتلّة خريفَ العام الفائت، فأُوقفن وأُهنّ من قِبل الأمن الصهيونيّ وحرس الحدود، لكنّهن دخلن فلسطين، وشاهدن بأمّ العين جرائمَ الكيان الصهيونيّ وعنصريّته، وعُدن لينشطن في حركة المقاطعة في النرويج.
المفاجأة الكبرى السارّة بالنسبة إليّ هي أنّ فرقة الدبكة تلك هي من تأسيس ابنتي سيليستينا، الناشطةِ في حركة BDS للمقاطعة في النرويج. وصبايا الفرقة خليط من نرويجيات ونرويجيّات من أصول عربيّة وأجنبيّة. وعندما سألت ابنتي: "من يدرّبكن؟" جاء جوابُها مفاجئًا:
ــــ أنا! أنا التي أدرّب الفرقة!
لوائح المنع
قبل أيّام، أعادت سلطاتُ الاحتلال الصهيونيّ في مطار بن غوريون (المشيّد على أراضي اللدّ وتل أبيب في فلسطين المحتلّة سنة 1948 والذي سنطلق عليه بعد التحرير "مطار الحكيم جورج حبش الدوليّ") الناشطةَ النرويجيّةَ كاترينا ينسن، رئيسةَ "لجنة فلسطين النرويجيّة،" وهي أكبرُ منظّمة نرويجيّة داعمة للشعب الفلسطينيّ. احتُجزتْ كاترينا في المطار،ـ وجرى التحقيقُ معها ثماني ساعات، ثمّ أُعيدتْ من حيث أتت: مطار إسطنبول. هناك وُضعتْ تحت الرقابة الأمنيّة في الحجز، إلى أن حان موعدُ رحلتها إلى أوسلو (بالمناسبة إذا كان تصرّفُ الصهاينة مفهومًا ردًّا على مواقف كاترينا، فلماذا تعاملها السلطاتُ التركيّةُ بهذا السوء؟ أين ذهبت الادّعاءاتُ التركيّة بمناصرة الشعب الفلسطينيّ، وخصوصًا منذ مجزرة "أسطول الحرّيّة" التي ذهب ضحيتَها مواطنون أتراك كان القاسم المشترك بينهم وبين كاترينا النرويجية دعمهم لقضيّة فلسطين؟)
ليست هي المرّة الأولى التي تعيد فيها السلطاتُ الصهيونيّةُ نشطاء وناشطات من دول العالم أجمع. فإبّان سنوات الانتفاضة الثانية (2000) أعادت عددًا كبيرًا من النرويجيين، ومنهم نائبُ رئيس "نقابة عمّال ومستخدمي النرويج،" وهي أكبرُ نقابة نرويجيّة تناصر فلسطين (يبلغ تعداد أعضائها نحو المليون من أصل ستّة ملايين مواطن نرويجيّ). وممّن أُعيد أيضًا غري لارسن، رئيسةُ منظّمة الشبيبة العمّاليّة في حزب العمّال النرويجيّ الحاكم، بل مُنعتْ من دخول فلسطين ثلاث مرّات؛ وهي كانت، بعد مذبحة مخيّم جنين، قد طالبتْ برفع دعوى في النرويج ضدّ شارون ومجازره في صبرا وشاتيلا وجنين، قبل أن تصبح مديرًا عامًّا لوزارة الخارجيّة النرويجيّة في حكومة اليسار والخضر.(1)
ويستمرّ مسلسلُ المنع الإسرائيليّ للنشطاء الدوليّين، ومنهم الدكتور مادس غلبرت، وهو من أكثر الشخصيات التي تؤرّق الاحتلالَ الصهيونيّ (مُنع من دخول فلسطين المحتلّة مدى الحياة). ومُنعتْ أيضًا أوليفيا زيمور، رئيسةُ الجمعيّة المنظِّمة لحملة "أهلًا بكم في فلسطين،" وكان برفقتها أكثر من 100 ناشط. الجدير ذكرُه أنّ جهاز الشاباك الصهيونيّ وجهاز المخابرات كانا قد أعدّا "قائمةً سوداء" تضمّ أسماءَ نحو 400 مواطن أوروبيّ وأجنبيّ لمنعهم من دخول فلسطين المحتلّة. والقائمة تزداد يومًا إثر يوم.
القضيّة تكبر!
بعد ترجمة كتابي فجر العصافير الطليقة إلى اللغة الإيطاليّة السنة الماضية، قمتُ بجولة لتوقيعه في إيطاليا، وكانت محطّتي الأولى مدينة بيزا التاريخيّة. قضيتُ ليلتي في منزل عائلةِ رفيقةٍ إيطاليّة قضت وقتًا طويلًا في فلسطين، وأعيدت من هناك، ووُضع ختمٌ صهيونيّ على جوازها يمنعها من دخول فلسطين لمدّة عشر سنوات. قالت لي إنّ أمنيتها أن تعود إلى زيارة فلسطين، وإنّها ستعمل كلّ ما في وسعها عبر المحامين والمنظّمات الإيطاليّة والدوليّة كي تزيل ختمَ منع الدخول عن جواز سفرها الإيطاليّ.
قضيّة فلسطين تكبر، وستنتصر بمن يحمل رايتها في كلّ العالم.
أوسلو
1- تراجعتْ حدّةُ مواقف لارسن من الكيان الصهيونيّ. وعندما سألتها عن ذلك برّرت التحوّلَ بوجودها في المنصب، وبأنّ العمل في الحكومة ليس كالعمل في "الشبيبة،" وأنّ هناك التزاماتٍ وتحالفات وسياسات دوليّة تلتزم بها الدولة!