عندما تضحك،
يمدُّ المارّةُ أيديَهم إلى مَحافظِهم، ويُفرغونها في يد الشحّاذ الصغير،
الذي يقفُ مذهولًا بلا حَراك.
وحينَ يدرك ما حدث،
يهرعُ إلى بسطةِ العلكةِ:
يلمُّ كلَّ ما عليها،
ويفردُ بدلًا منها
كلَّ ما في يده.
***
عندما تضحك،
تخلعُ العلكةُ أغلفتَها الملوّنة،
وتنهمرُ في فمِ الشحّاذِ الصغير.
قليلٌ من اللعاب والهواء،
وتصيرُ العلكةُ بالونًا:
منطادًا عملاقًا يُذهل الأنظارَ؛
يوقفُ حركةَ السير؛
يُسقط القبّعاتِ والمخالفاتِ عن رؤوس شرطة المرور؛
يعانقُ المشترونَ الباعةَ؛
ويُزهرُ الكعبُ الخشبِيّ في يدِ الإسكافيّ.
***
عندما تضحَك،
يشبكُ الجميعُ أيدي بعضهم بعضًا كحلقةِ دبكة
يعلّقها الشحّاذُ الصّغيرُ على خصرهِ
ويطير بها مع منطاده العملاق
إلى أعلى.
عندما تضحك،
تصبحُ المدينةُ أعلى...
كمزاجي تمامًا.
***
عندما تنام،
تمدُّ الشّوارعُ ألسنتَها كالضفادع،
وتلتقطُ الكعوبَ العالية؛
تمشي الصبايا حافياتٍ كالعصافير
يتقافزنَ، يرقصنَ،
يرسمنَ بأصابعِ أقدامهنَّ العارياتِ، على جلدِ الشّوارع،
قبلاتٍ للعابرين.
***
عندما تنام،
يخلعُ العابرونَ غربتَهم الملوّنةَ ويرمونها في الهواءِ
كأوطانٍ مزيّفةٍ
ثمّ يمضونَ مبتسمين؛
يجمعونَ القبلاتِ بيد، ويرفعونَ بالأُخرى قلوبَهم:
أوطانًا لامتناهيةَ الصّلاحيّة.
***
عندما تنام،
تبصقُ المدينةُ إسفلتها... إسمنتها... حديدها؛
ترقصُ عاريةً على موسيقى تنفُّسك:
شهيق... زفير،
خطوةٌ إلى الغرب... خطوتان إلى الشّرق...
شهيق... خَرير.
***
عندما تنام،
تستيقظُ الكائناتُ على صخبِ الرّقص؛
صخبِ مزاجي الراقص.
***
عندما تستيقِظ،
تفتحُ عينيكَ حتّى آخرهما،
فيمزّقُ قلبي شغافَه
يركضُ في الشّوارع كالمجنون،
يقفزُ في بِركِ الوحلِ وفوقَ السياراتِ ومظلّات العابرين.
يمدّدُ جسدي تحت نَعليهِ كبساطِ علاء الدّين
ويطيرُ بسرعةٍ هائلةٍ بينَ الأبنيةِ الفخمةِ وحُطامِ البيوتِ الفقيرة.
يتسلّقُ عواميدَ الإنارة.
يعربشُ على الأشجار.
يغمسُ رأسَهُ في أعشاشِ العصافير.
يسرقُ البيضَ... يعلّم الفِراخَ الصّغيرةَ المواء
ينثر القشَّ على رؤوسِ باعةِ السّمك... والسلاح
يسرقُ زعانفَ الحيتان وأرجلَ الأرانب،
أجنحةَ الفراشات... ومناقيرَ السّنونوات...
يصنع حفرةً صغيرةً في السّماء، ويصيح
بصوتٍ مزلزلٍ كمزاجي تمامًا:
"أذنا الملكِ كأذنَي الحمار
عينا حبيبي حقلا حِنطة...
وأنا عصفورةٌ تلتقطُ رِزقها وتصبحُ إلهًا...
عينا حَبيبي سماءٌ ثامنة...
وأنا قمرٌ صغيرٌ يوغلُ في الزّرقة...
عَينا حَبيبي فنجانا قهوة...
وأنا قطعةُ بسكويتٍ تغرق في اللون البنّي...
عَينا حَبيبي جنّةٌ كامنة...
وأنا لحبيبي وحبيبي لي."
***
عندما تكون،
يرمي اللهُ كتُبَهُ من النافذة؛
يخلعُ بيجامتهُ القاتمة ونظّارتيْه؛
يمشي على حبلِ غسيلي... على حبليَ السرّيّ... على حبلِ مشنقتي
يدوخ... يهمسُ... يهلوسُ.
وعندما تضحَك،
يغنّي على وقعِ مزاجي المحموم:
"عَينا حبيبي لي...
وأنا لحبيبي... وأنا لحبيبي... وأنا..."
طرطوس