تتميّز الانتخابات النيابيّة اللبنانيّة الجديدة، المزمعُ إجراؤها مطلع أيّار من هذا العامّ، عن سابقاتها بالتحالفات مع الحليف وغير الحليف، من أجل ضمان العدد الأكبر من المقاعد.

كما تتميّز بارتفاع نسبة المرشَّحات بنسبة 15 % عن العام 2009، ليصل عددُهنّ اليوم إلى 111 مرشّحة… وإنْ بقي عددُهنّ في الحالتين منخفضًا بالنسبة إلى مجموع المرشّحين الكلّيّ الذي يصل إلى 976 مرشَّحًا ومرشّحة.

لم يتّخذ هذا الحضورُ النسائيّ صورتَه المستقلّة كاملةً، بل عاد وتجذّر في ترسيخ الصورة النمطيّة القائمة على التبعيّة للنظام الأبويّ. فالمرأة، وإنْ "شاركتْ" في المجال السياسيّ، فإنّها لا تُعدّ مشارِكةً مستقلّةً بشكلٍ فعليّ. ذلك أنّ إنجازَها، وإنْ تحقّق بالدخول تحت قبّة البرلمان، يبقى مستمَدًّا من القوى المسيطرة التي تتبع لها، ولا يمكن أن يُعتبرَ خرقًا سياسيًّا للطبقة النافذة.

من هنا يمكن أن نقول إنّ الواقع السياسيّ في لبنان يتطوّر، لكنْ بصيغةٍ ناقصة، عاكسًا بذلك نتائجَ لا تتّفق والمطلبَ الأوّل المتعلّق بمشاركة المرأة مناصفةً مع الرجل في شتّى مناحي الحياة.

والحقّ أنّ الأحزابَ السياسيّة تحايلتْ على الشعب حين أدرجتْ نساءً على لوائحها انطلاقًا من مبدأ "تعزيز المساواة،" لكنّها ما تزال تتمسّك، في معظم مبادئها وممارساتها، بالذكوريّة (ناهيك بالعشائريّة والقبليّة والطروح الطائفيّة).

أمّا لوائح "المجتمع المدنيّ" المستقلّة فقد ضمّت نساءً فعلًا، لكنّ هؤلاء بتنَ أمام مواجهة نساءٍ حزبيّات يمتلكن فرصًا أكبر في النجاح، لا لامتلاكهنّ برنامجًا انتخابيًّا ذا هويّةٍ نسويّةٍ أو مساواتيّة، بل نتيجةً لكونهنّ جزءًا لا يتجزّأ  من الإرث السياسيّ للأحزاب المسيطرة.                                                                                                                                        
يحمل "المجتمع المدنيّ،" كما غالبيّة المترشحين على لوائحه، شعاراتٍ فضفاضةً ، ووعودًا تقارب المستحيل ـــ ـــ من تحسين البيئة، وصولًا إلى أحلام الإصلاح الاقتصاديّ. بيْد أنّ المشكلة ليست في الوعود في ذاتها،  بل في فقدان خطط عملٍ للبدء في تحقيقها.

يشبه "المجتمع المدنيّ،" صاحبُ الثورات "الناعمة،" فريقَ السلطة في غير وجه. فرموزه لم تتغيّر منذ سنوات طويلة، على الرغم من تعرّضها لانتقاداتٍ شديدة من طرف القاعدة الشعبيّة التي كانت قد دفعتها إلى الواجهة في المقام الأول منذ بدايات حَراك "إسقاط النظام الطائفيّ." وحين تراجع هذا الحَراك، ثم اختفى، عادت بعض هذه الرموز إلى واجهة حَراكٍ جديد، هذه المرة من أجل معالجة قضيّة النفايات التي غزت شوارعَ لبنان وباتت تشكّل خطرًا قاتلًا على صحّة شعبه.

في "حَراك النفايات" هذا غرق ممثِّلو "المجتمع المدنيّ" في خلافاتهم، وتنازعوا على الزعامة والتراتبيّة، وبعضُهم لم يتورّع عن لقاء رموز السلطة الطائفيّة الفاسدة أو تجاهُلِ موبِقاتها. واليوم، لا يفتقر "المجتمعُ المدنيّ" إلى برنامجٍ يقْنع الناخبين فحسب، بل يفتقر أيضًا إلى رموز انتخابيّة نضاليّة صادقة تقنع الناخبين بصدقيّتها! فثمة مرشّحون يُشعروننا بأنّهم مستميتون للوصول إلى البرلمان ولو على لوائح السلطة التي كانوا يحاربونها في الأمس القريب، متوهّمين أنّ الناخب لم يلاحظ التبدّل في تصرفاتهم ومواقفه.

***

يُختتم الموسمُ الانتخابيّ في السابع من أيّار، ويعود" الحلفاء" و"الخصوم" إلى "معسكراتهم،" وتموت الوعودُ الورديّة، وينَزع الملائكةُ أجنحتَهم وأقنعتَهم ليعودوا إلى ممارسة هواية الفساد... بل ربما إلى التحاصص مع بعض رموز "المجتمع المدنيّ" الطامعين في القفز إلى مصاعد السلطة. أما الناخبون فيعودون إلى حياتهم المليئة بالفقر والخيبة واجترار الآمال والوعود.

                                                                              بيروت