(أجرته: نسرين حمّود)
"نريد وضعَ مسمارٍ في نعش هذا النظام الطائفيّ، مع إعادة تكوين السلطة": هكذا يرى الأمينُ العامّ للحزب الشيوعيّ اللبنانيّ مسارَ الانتفاضة اللبنانيّة وغايتَها، وذلك في حواره الشامل مع الآداب.
***
* منذ انطلاق شرارة انتفاضة لبنان التشرينيّة، كان الحزبُ الشيوعيّ اللبنانيّ موجودًا في الساحات. لكنْ، بعد مرور 19 يومًا، ألم يحن الوقتُ لتنظيم حركة الشارع من قِبل قوى الانتفاضة بغية حمايتها... علمًا أنّ السيّد حسن نصرالله كان قد دعا المتظاهرين إلى تشكيل وفدٍ للتحاور مع رئيس الجمهوريّة، بالتزامن مع إصدار رئيس الحكومة المستقيل "ورقةَ الإصلاحات"؟
- لقد ساهم الحزبُ الشيوعيّ في إنضاج هذه الانتفاضة. وقد عبَّرنا عن موقفنا السياسيّ في الشارع منذ إقرار "اتفاق الطائف." وكنّا طوال هذه المرحلة في مواجهة السلطة.
ولإنعاش الذاكرة، فقد سبق أن نظّم الشيوعيّون في 16/12/2018 حراكًا شعبيًّا مع النائب د. أسامة سعد، ومع بعض المجموعات المدنيّة، قبل تشكيل الحكومة. كما نظَّمنا مظاهرةً ضمن "الحَراك الشعبيّ للإنقاذ،" بعد ذلك التشكيل تحت شعار "لا ثقةَ بهذه الحكومة!" وقد تبيَّن فعلًا أنْ لا ثقةَ بها، وها هو الشعبُ اللبنانيّ يقولها مجدَّدًا أثناء الانتفاضة الأخيرة. وبالمناسبة، فإنّنا نجدِّد موقفَنا بـ"لا ثقة" لحكومةٍ جديدةٍ تعيد إنتاجَ السلطة السياسيّة الفاسدة.
بعدها نزلنا الى الشارع بالتزامن مع مؤتمر "القمّة التنمويّة العربيّة" (في 20/1/2019) في تظاهرة "كلّنا إلى الشارع" ضدّ سياسات الحكومة الماليّة والضريبيّة، وأيضًا في 31/1/2019 بعد تشكيل الحكومة التي استقالت تحت ضغط الانتفاضة أخيرًا.
وفي أيّار 2019، وقعتْ مواجهاتٌ بيننا وبين السلطة أثناء مناقشة موازنة 2019 في ساحة رياض الصلح.
كلُّ هذه الحراكات أذكرُها لأقول إنّنا كنّا دومًا من المبادرين والمواكبين للقضايا الاقتصاديّة والاجتماعيّة. فحزبُنا هو حزبُ العمّال والأُجَراء والشباب وكلِّ أصحاب الدخل المحدود. ولذلك أسهمنا منذ البداية في إنضاج هذه الانتفاضة، التي نعتبرها إنجازًا وطنيًّا ونضاليًّا مهمًّا.
*وماذا عن "قيادة" هذه الانتفاضة؟
- كان من المفترَض أن تتولّى القيادةَ الهيئاتُ النقابيّةُ، وتحديدًا "الاتحادُ العمّاليُّ العامّ" الذي يُفترض أن يوكَلُ إليه التعبيرُ عن هموم الناس التي نزلتْ إلى الشارع. لكنْ أين هذا الاتحاد؟ لقد خَطفت السلطةُ قيادتَه!
ثمّ جاءت "هيئةُ التنسيق النقابيّة،" وهي هيئةٌ منظّمةٌ تضمُّ روابطَ المعلِّمين في القطاعيْن الرسميّ والخاصّ ورابطةَ موظّفي الإدارة العامّة في لبنان، لتحملَ همومَ الناس. فضربتْها السلطةُ هي أيضًا.
لقد ظنّت السلطةُ أنّها، بضرب هذه الهيئات النقابيّة المنظَّمة، والمعروفة قيادتها، ستنتهي القضيّة. فانفجرت الأزمةُ في الشارع على شكل انتفاضةٍ شعبيّةٍ بعد أن سدّت السلطةُ كلَّ أشكال التعبير عن مطالب القطاعات كافّةً وعن عموم الشعب اللبنانيّ. ولم تَحسب السلطةُ حسابًا أنّ حقوقَ الناس هي ملْكُ الناس، لا ملْكُ أدواتِ السلطة النقابيّة وقياداتها التي نصّبوها على رأس "الاتحاد العمّاليّ العامّ" و"هيئة التنسيق النقابيّة."
لذلك، فإنّ على السلطة التي تسأل اليومَ "أين قيادة الانتفاضة؟" أن تتحمَّل المسؤوليَّة بنفسها عن غياب القيادة. أنتم يا أهل السلطة مَن ضربتُم هذه القيادةَ على مدى 30 سنةً، وأنتم مَن تصدّيتم للقوى العلمانيّة واليساريّة فيها، وللنقابيين المستقلّين، ولم تعطوا الناسَ حقوقَهم! فكيف تطلبون منا إعادة بناء القيادة في عشرة أيّام بعد كل ما فعلتموه خلال 30 عامًا؟
* يأخذ البعضُ على الحزب الشيوعيّ تحديدًا أنَّه في الشارع اليوم بمعيّة قوًى تتربَّص شرًّا بالمقاومة!
- يقع الموضوعُ الاقتصاديّ - الاجتماعيّ في صُلب القضيّة الوطنيّة. فتأمينُ التيّار الكهربائيّ، والماءِ، وشبكةِ الطرق، وفُرصِ العمل والصحّةِ والتعليمِ والسكن، هو فعلٌ مقاوِم. المقاومة فعلٌ متكامل. علينا أن نقاومَ الكيانَ الصهيونيَّ، وأن نؤمِّن في الوقت عينه أسبابَ الصمود لشعبنا حتَّى يتمكّنَ من مواجهة المشروع الأميركيّ في المنطقة - هذا المشروعِ التفتيتيّ والطائفيّ والمذهبيّ والإثنيّ الذي يُبرِّر إنشاءَ الكيان الصهيونيّ العنصريّ.
إنّ الحليف الأكبر لهذا المشروع هو الطائفيّة، المتمثّلةُ في طبيعة النظام السياسيّ وتبعيّته إلى شبكة الرأسمال المعولم التي تفرض على لبنان أن يكون مجرّدَ سوقٍ للاستهلاك. نحن نتعرّض لاستغلال مزدوج:
- من الهيمنة الإمبرياليّة التي تنهب خيراتِنا وثرواتِنا؛
- ومن الاستغلال الطبقيّ الذي تمارسه السلطةُ السياسيّةُ عبر استخدام الطائفيّة والمذهبيّة غطاءً لتأبيد نظامها وإفقار شعبنا وتهجير شبابنا.
اليوم، يقوم المشروعُ الأميركيّ بالهجوم على كلّ المحاور. لذا لا نستطيع مقاومتَه على محورٍ دون الآخر، أيْ في الجانب العسكريّ فقط، بل علينا مقاومتُه على كلّ المستويات الفكريّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة. وهذا يعني تغييرَ النظام السياسيّ الطائفيّ. وبذلك، نَجمع التحريرَ بالتغيير، ضمن عمليّةٍ واحدة، هي التحرّر الوطنيّ والاجتماعيّ. وعلينا أن نبني تحالفاتِنا على هذا الأساس - - وهذا ما ينقصنا ونواجه صعوبةً في تحقيقه. وهنا الاختلال الكبير الذي سمح للمشروع الأميركيّ - الصهيونيّ أن يلتفَّ ويُحاولَ ضربَ مشروعِ المقاومة ودورِ لبنان الوطنيّ.
كلُّ المسارات مرتبطة بعضها ببعض. هذا هو موقفُ الحزب الشيوعيّ اللبنانيّ. فلا يزايدنَّ أحدٌ علينا في ملفّ المقاومة! نحن مِن مؤسّسي مقاومة العدوّ الصهيونيّ. نحن "الحرس الشعبيّ،" ونحن "الأنصار،" ونحن من مؤسِّسي "جبهة المقاومة الوطنيَّة اللبنانيّة" التي حرَّرتْ ثلاثةَ أرباع الأرض اللبنانيّة من الاحتلال الصهيونيّ. بل نحن حاربنا العدوَّ أثناء عدوان تمُّوز 2006 باللحم الحيّ، واستُشهد رفاقٌ لنا في مواجهته. وفي أيّ عدوانٍ صهيونيّ - أميركيّ على لبنان، سنكون جنبًا إلى جنب مع كلِّ المقاومين، ضد ّالرأس الكبير (الديناصور) الأميركيّ وأدواتِه الداخليّة. ولن نسمح أن يكون الحَراكُ "دفرسوارًا" داخليًّا. لكنْ على المقاومة أيضًا أن تتصدّى للأذرع الاقتصاديّة والماليّة، التي ينفّذها البنكُ الدوليّ وصندوقُ النقد الدولي، التي تطبِّق مشاريعَها عبر مستشاريها الموجودين في كلّ الوزارات.
لا أرى تناقضًا بين الموقف من مقاومة الكيان الصهيونيّ، والموقف من الانتفاضة ضدّ النظام السياسيّ الطائفيّ. وعلى كلِّ مَن وَضع نفسَه في وجه الانتفاضة أن يراجعَ موقفَه!
فليقف المقاومون بعضُهم إلى جانب بعض.
الموضوع سلميّ، والقمع لا يحلّ المشكلةَ بل يفاقمها. ومن هنا كان لا بدَّ من التنديد بالاعتداءات التي قامت بها القوى الأمنيّةُ وميليشياتُ السلطة ضدّ المتظاهرين والمنتفضين في صور والنبطيّة وبنت جبيل ورياض الصلح وساحة الشهداء، وفي غير مكانٍ في الجبل والبقاع والشمال.
لقد جرى الانقضاضُ على دورنا، كحزبٍ شيوعيّ، في الجانبيْن النقابيّ والاجتماعيّ. ولا علاقةَ للانتفاضة الحاليّة بـ"القوّات اللبنانيّة" التي انتقلتْ من الحكومة إلى الشارع لتركب الموجة. أمّا عن المجموعات المدنيّة المرتبطة بالسفارات، فالدولة هي مَن أعطاها التراخيص؛ ولذا فإنّها موجودةٌ وتعمل قبل الانتفاضة. وأمّا بعض بلديّات لبنان التابعة لجهاتٍ سياسيّة وتتّهم الحراكَ بذلك الارتباط، فهي التي تُنفِّذ مع الوكالة الأميركيّة للتنمية الدوليّة (USAID) مشاريعَ "تنمويَّةً،" ونحن لا صلة لنا بهذه المجموعات!
نحن موجودون في أغلب ساحات الحَراك، من عكّار شمالًا إلى الجبل وبيروت والجنوب والبقاع. موجودون مع مجموعات تقدّميّة وقوميّة ويساريّة. في ساحات صور والنبطيّة وكفررمّان وصيدا وبنت جبيل، هناك مقاومون وطنيُّون. هل USAID موجودة في ساحات الانتفاضة في الجنوب؟! هذه اتهاماتٌ ساقطة!
النظام السياسيّ [اللبنانيّ] الحاليّ تابعٌ للخارج. ونحن لا نستطيع أن نقاومَ الإمبرياليّةَ في واشنطن، في حين نتركُ البنكَ الدوليّ وصندوقَ النقد الدوليّ والمنظّماتِ الأميركيّةَ في وزاراتنا، ونترك "الداتا" اللبنانيّة في حوزة الأميركان! نستدين منهم، ونعتاش منهم، ونريد مقاومتهم؟ ما بتزبط! المطلوب فكُّ هذه التبعيّة وهذا الارتهان لهؤلاء من قِبل السلطة السياسيّة الفاسدة.
* تُناور السلطة في مواجهة الانتفاضة عبر "ورقة الحريري الإصلاحيّة." وهي تمارس القمع، أو "الثورة المضادّة" بعد استقالة الحريري، وذلك من خلال الدفع بشارعٍ في مواجهة شارعٍ آخر، ولاحقًا عبر تأخير موعد الاستشارات النيابيّة من أجل إعادة استيلاد نفسها بعد أن أسقطها الناس. ماذا عن مشروع الحزب الشيوعيّ للخروج من الأزمة؟
- نزلنا إلى الساحات لنرفع الصوتَ في اتجاه بناء الدولة الوطنيّة الديمقراطيّة وتغيير السياسات الاقتصاديّة - الاجتماعيّة المطبَّقة حاليًّا. وفي هذا الإطار، ساهمنا مع مجموعةٍ من 11 اقتصاديًّا في إعداد ورقة (1) قدَّمناها خلال الانتفاضة بديلًا من "ورقة الإصلاحات" التي أقرّتها الحكومةُ وأحالتها على المجلس النيابيّ.
ما هي ورقة "الإصلاحات الحكوميّة"؟ هي تنفيذٌ للضغوط الأميركيّة المُتعلِّقة بمؤتمر سيدر، (2) ودفعٌ في اتجاه الخصخصة وبيعِ ما تبقّى من مؤسّسات الدولة.
بعد إسقاط الحكومة، نريد وضعَ مسمارٍ في نعش هذا النظام الطائفيّ، مع إعادة تكوين السلطة من خلال تشكيل حكومة وطنيّة انتقاليّة: حكومةٍ تواجه الأميركيين ومشاريعَهم، وتواجه خطرَ الكيان الصهيونيّ، وتواجه أيضًا النظامَ السياسي الطائفيّ الذي يُفقر اللبنانيّين من خلال نظام المحاصصة والفساد عبر النمط الاقتصاديّ الريعيّ.
* ماذا عن برنامج هذه الحكومة الوطنيّة الانتقاليّة؟
- يقوم برنامجُ الحكومة الانتقاليّة على إجراء الانتخابات النيابيّة خارج القيد الطائفيّ، على أساس النسبيّة، ولبنان دائرة انتخابيّة واحدة. وقد تذرّعت السلطةُ الحاكمة، منذ إقرار اتفاق الطائف، بالوجود السوريّ، لتبرير عدم تطبيق الدستور. ثمّ واصلتْ تجاوزَ الدستور بعد الانسحاب السوريّ. المطلوب تطبيقُ الدستور (المادّة 22 )!(3)
وعلى جدول برنامجنا أيضًا إقرارُ قانون استقلاليّة القضاء، كي يستطيعَ القضاءُ مُحاكمةَ الفاسدين لاسترجاع الأموال والأملاك العامّةِ المنهوبة.
وعلى الجدول أيضًا إجراءاتٌ عمليّةٌ لحماية الليرة اللبنانيّة، وإلّا دفعنا نحن الثمنَ الذي من المفترض أنْ تدفعَه السلطةُ الفاسدة - هذه السلطة التي إنِ استولدتْ نفسَها فسيعيد أعضاؤها إدارةَ الأزمة من جديد، وسيُجهضون أيَّ انتفاضةٍ بعد ذلك.
آن الأوان لاستئصال سرطان الطائفيّة، وسرطانِ رأس المال. لذا، أُشدِّد على صفة "الانتقاليّة،" بمعنى نقل البلد من مرحلةٍ إلى مرحلةٍ جديدة: أيْ من مسار المحاصصة الطائفيّة الذي أثبتَ فشلَه، إلى مسار التغيير الديمقراطيّ لبناء الدولة الوطنيّة الديمقراطيّة. وهو ما يعطي الانتفاضةَ قيمتَها السياسيّةَ التي تستحقّ، في وصفها انتفاضةً عابرةً للطوائف والمذاهب والمناطق، لم يشهدْ لبنانُ مثيلًا لها في تاريخه.
وفي هذا الهامش الزمنيّ القصير الذي لا يتجاوز ستَّة أشهر (وهو عمرُ الحكومة الانتقاليّة المفترض)، لا بدّ من إعطاء هذه الحكومة صلاحيّاتٍ استثنائيّةً حتى تتمكّنَ من إصدار المراسيم التشريعيّة، وفي مقدَّمها قانونُ الانتخابات الجديد وفق ما سبق أن ذكرنا، وإجراء انتخابات نيابيّة مبكّرة، واسترداد المال العامّ المنهوب.
لكنّ السلطة الحاليّة تتصرَّف وكأنْ لا وجودَ للاعب جديد في الحياة السياسيّة اسمُه "الحَراك الشعبيّ." أطراف السلطة منشغلون في الاستشارات خلف الكواليس، وفي البحث عمَّن يُعيِّنون من وزراءَ، وكيف يتحاصصون السلطةَ. أمّا نحن، في الحزب الشيوعيّ اللبنانيّ، فنقول إنّ الأولويّة للبرنامج، ولمواصفاتِ الحكومة التي نريد. ولأنّ الشعب هو مصدرُ السلطات، فإنّنا نناقش هذا البرنامج في كلِّ الساحات، للوقوف على آراء الحَراك المتنوِّعِ الأطياف، فيضيف ويعدّل بما يؤمِّن أوسعَ حشدٍ ممكنٍ من التواقيع والتأييد، ضمانًا للوحدة، وقطعًا للطريق على السلطة تفاديًا لأحداث أيّ اختراق.
لا إمكانيّةَ للإنقاذ من دون تغيير، ولا تغييرَ من دون مواجهة. والمواجهة تتمّ عبر البرنامج والمهامّ والمواصفات التي وضعناها لهذه الحكومة. ومُقابل طلب السلطة تنصيبَ قيادةٍ لهذا الحراك، يطالب الحراكُ بانتخاب قيادة جديدة للشعب اللبنانيّ، أيْ إعادة تكوين سلطة جديدة للدولة. فلتذهب السلطةُ إلى الانتخابات المبكِّرة وفق الدستور! الحراك لن يُنصِّبَ نفسَه بشكلٍ فوقيّ ممثِّلًا للشعب. والحزبُ الشيوعيّ لا يدّعي تمثيلَ الحراك؛ فنحن جزء منه ومن هذا الشعب.
* ماذا عن التنسيق مع أطراف اليسار الأخرى؟
- التنسيق ينضج في الشارع، بدلًا من أن يأتي من القيادات حصرًا. الاكتفاء بالتجارب الفوقيّة وحدها فشلتْ. ثمّة حالةٌ جديدة، اليسارُ في داخلها، وعليه أنْ يجدِّدَ نفسَه وخطابَه، وأن يكون على تماسّ مع قضايا الناس، ولا سيَّما الشباب المنتفضين، وأن يقفَ إلى جانبهم. هذه معموديّة اليسار الآن: أن ينجح في تظهير موقفه وشعاراته، وتنظيم صفوفه في الساحات وعلى الصعيد الوطنيّ. لكنّ ذلك لا يكفي، بل عليه أن يسعى إلى بناء تحالفات اجتماعيّة مع كلّ الشرائح المنتفضة من الطبقة العاملة والأُجراء والمهمَّشين أوّلًا، إضافةً إلى سائر الشرائح الاجتماعيّة والمهنيّة ثانيًا، من أجل تظهير الجانب الاجتماعيّ للانتفاضة.
* إلى جانب الفئات المسحوقة في ساحات الانتفاضة، هناك حضورٌ للبورجوازيّة الصغيرة، التي تشاطر الحزبَ الشيوعيّ أمرَ إسقاط النظام الطائفيّ وإنشاءِ الدولة المدنيّة، لكنّها لا تطالب بحقوق الفقراء والعمّال. كما أنّ بعضَ هذه الفئات البورجوازيّة مشكوكٌ في عدائها لـ"إسرائيل"!
- تقدّم الورقة البرنامجيّة التي طرحناها الأولويةَ لمطالب الفئات الأكثر فقرًا. ثمّة مثالٌ عامّيّ يقول: "لَيِضْعف الناصح [السمين] بيكونْ مات الضعيف [النحيل]" - - أيْ قبل أنْ يأتي هذا الانهيارُ الاقتصاديّ والماليّ لا نريد لهذا الضعيف أن يموت! الأولويّة يجب أن تكون للمياوم، للعامل الذي يتقاضى أقلَّ من الحدِّ الأدنى للأجور، للمتعطِّل عن العمل. لذا، فإنّ تأمينَ فرص العمل، وحمايةَ الليرة اللبنانيّة، وضمان الحدّ الأدنى للأجور، مطالب أساسيّة.
في باكورة "انتفاضة تشرين،" كان أوّلَ مَن نزل إلى الشارع هم الفقراءُ والشبابُ المتعطلون عن العمل والمياومون والأجراء، ثم تبعهم المهنيون والموظَّفون. لذا علينا أن نعبِّر عن الأكثر فقرًا من بين العمّال والشباب والطلّاب والأجراء والفئات الدنيا من الموظّفين في القطاعين الرسميّ والخاصّ، والمتعاقدين، والمتقاعدين. علينا حمايةُ أموال الضمان الاجتماعيّ والصناديق الضامنة. وعلينا العمل في اتجاه بناء قطبيّةٍ نقابيّةٍ مستقلَّة على مستوى الحراك، تغطّي الفراغَ النقابيّ الناجم عن غياب "الاتحاد العماليّ العامّ" و"هيئة التنسيق النقابيّة." وفي ذلك تصليبٌ للحراك، ولقاعدته الاجتماعيّة، في مواجهة مشاريع التفتيت المذهبيّ والطائفيّ التي تعود لتطلَّ تحت شعار "شارع ضدّ شارع" أو "لكلّ طائفةٍ شارعُها."
على السلطة أن تتحمّل ثمنَ الفاتورة الماليّة والاقتصاديّة سياسيًّا. وقد دفعتْ، فعلًا، جزءًا من هذا الثمن باستقالة الحكومة تحت ضغط الانتفاضة. كما دفعتْ ثمنًا إضافيًّا مع انفكاك فئاتٍ اجتماعيّةٍ واسعةٍ من "جمهورها" عنها. لكنّ ذلك لا يكفي؛ بل المطلوب تشكيلُ حكومة انتقاليّة وفق البرنامج الذي أشرنا اليه، وإجراءُ انتخابات مبكِّرة. لذا سنواصل الانتفاضةَ في هذه المرحلة المهمّة، وذلك من خلال:
- تظهير رؤيتها وبرنامج عملها للمرحلة الانتقاليّة؛
- تأمين أوسع تحالف سياسيّ واجتماعيّ حول برنامجها من أجل إحداث خرق سياسيّ يَكسر الاحتكار التاريخيّ للسلطة والإعلام ومؤسّسات الدولة والنقابات وسائر هيئات المجتمع المهيمن عليها من قبل قوًى سلطوية تابعة ومرتهنة للداخل أو الخارج. والهدف هو الانتقال بلبنان من دولة المحصصة الطائفيّة إلى الدولة الوطنيّة المدنيّة والديمقراطيّة.
سنصعد السلَّمَ درجةً درجة، وسنتحلَّى بنفسٍ طويلٍ لأنّ المعركة طويلة.
لا ثورة من دون نظريّة ثوريَّة. ولا ثورة من دون قيادة ثوريّة. وشيئًا فشيئًا سنعمل على تحويل الانتفاضة إلى ثورة وطنيّة ديمقراطيّة، في مضمونها الطبقيّ والاجتماعيّ، تكون فعلَ تحرُّرٍ وطني ضدّ الإمبرياليّة، وضدّ أدواتها في الداخل من نظام طائفيّ مذهبيّ وسلطة فاسدة.
بيروت
1)http://www.lcparty.org/index.php?option=com_content&view=article&id=1939...
2) عُقد مؤتمر "سيدر" في باريس في نيسان (أبريل) 2018، وتعهَّدت الجهاتُ المانحةُ أمام الحكومة اللبنانيّة بتقديم قروض مُيسَّرة بقيمةٍ تبلغ 11.8 مليار دولار من أجل إقامة مشاريع استثماريّة.
3) المادّة 22 (عُدّلتْ بموجب 18/1990، تاريخ بدء العمل 21/09/1990) : "مع انتخاب اول مجلس نواب على اساس وطنيّ لا طائفيّ، يستحدث مجلسٌ للشيوخ تتمثل فيه جميعُ العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية."