الانتحال في الدراما العربية: صرخةٌ متكرّرة
21-08-2020

 

مقدّمة

السرقة الفكريّة أو الأدبيّة ("الانتحال") ليست حِكرًا على مجالٍ إبداعيّ دون غيره، وللدراما حصَّتُها الوازنة في هذا الجدلِ الذي لا ينتهي. ولمّا كانت الثغراتُ القانونيّة المتعلّقة بحقوق النشر والتأليف في بلادنا أكثرَ منها في غيرها، فقد صار لنا موعدٌ سنويٌّ مع صرخة كُتّابِ السيناريو العرب: "لقد سرقوا مُسلسلي!"

لن نتحدَّثَ هنا عن الأعمال الدراميّة العربيّة المستنسَخة عن قصصٍ أجنبيّة مع اعترافِ صُنّاعها بذلك - - سواءٌ عبر التصريح باسم العمل الأصليّ في شارةِ العملِ المقلِّد، أو الاكتفاء بالعبارة المقتضبة "عن قصَّةٍ أجنبيّة". ولن نتحدّثَ أيضًا عن مدى تشابُه هذه القصص مع مجتمعِنا. لن نتحدث عن الأمريْن لعدّة أسباب: 1) فذلك سيكون بحثًا طويلًا مستقلًّا؛ 2) لأنّ تهمةَ "الانتحال" لا تتحقَّق إلّا بعد إغفال اسم الكاتب الأصليّ ونسبةِ النصِّ إلى الذات؛ 3) لأنّ موضوعَنا هو الاتهامات العربيّةُ - العربيّةُ بالسرقة الدراميّة.

 

محاولةٌ للوقوف على الأسباب

لعلّ أكثرَ المتعرّضين لهذه السرقة هم الكُتّابُ الشبابُ الذين يكتبون تجاربَهم الأولى، ثم يُلقون بها كاملةً - بدافعٍ من الحماسة والاستعجال وقلّةِ الخبرة - إلى شركاتِ الإنتاجِ أملًا في أن تحظى بالموافقة والتنفيذ، فينالوا الشهرةَ المأمولةَ سريعًا؛ وقد يعْرضونها على عددٍ كبيرٍ من العاملين في هذه الصناعة لاستمزاجِ آرائهم. أمّا التصرُّفُ الصائبُ فهو أن يقدِّموا في البداية ملخَّصًا عن عملِهم إلى جهة الإنتاج التي يرغبون في التعاقد معها حَصْرًا، ويُتْبعوها بعيّنةٍ من خمسِ حلقاتٍ فقط بناءً على طلبِ هذه الجهة إذا أعجبَها الملخَّص، ولا يقدّموا العملَ كاملًا إلّا بعد توقيع العقدِ الذي يَضْمن حقوقَ الطرفيْن. فإذا لم يتصرّفوا كذلك فإنّ الشركة (أو الشركات) المنتِجة التي تَقَدّم إليها الكاتبُ الناشئُ بنصّه ورفضتْه قد تحتفظ بنسخةٍ منه في أدراجِها، ثمّ يُفاجَأ الكاتبُ بعد سنواتٍ بقصَّتِه على الشاشة وقد أُدخِلتْ إليها تعديلاتٌ طفيفةٌ، فيحاولُ إثارةَ الأمرِ عبرَ وسائل الإعلام وفي الفضاء الافتراضيّ، دون جدوى؛ ذلك لأنّ التعديلات - وإنْ كانت غيرَ كافيةٍ لتضليل الكاتبِ عمّا أبدعتْه يداه - كفيلةٌ بتضليلِ الرأي وحمايةِ الشركةِ من الناحية القانونيّة.

الجدير ذكرُه أنّ هذه "التعديلات" ليست سوى معالجة دراميّة مجتزأة وغير قانونيّة لأنّها تمَّت من دونِ رضا الكاتب، ومن دون منحِه حقوقَه. ويقومُ بها كاتبٌ يتقاضى أجرًا زهيدًا (قياسًا إلى ما كان يمكنُ أن يحصلَ عليه الكاتبُ الأصليّ)، فيحصل تلقائيًّا على صفةِ "كاتب العمل،" ويضيفُ إلى رصيده عملًا بأقلّ جهدٍ ممكن.

لكنْ، للإنصاف، لا بدَّ من الإشارة إلى أنّ الأمور قد تحدث بطريقةٍ معاكسة. فالكاتبُ الشابُّ قد يَتّهم، ظلمًا، كاتبًا شهيرًا بسرقةِ عملِه، كي يشاركَه بعضًا من شهرتِه مستفيدًا من الجدلِ الذي سيدورُ حتمًا عبرَ الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعيّ، أو للإفادةِ من نجاح العمل المعروض عبرَ التركيز على نقاطِ تشابُهٍ موضعيّةٍ ومحدودةٍ لا تخلو منها الأعمالُ الفنّيّةُ عادةً. ولا مجالَ هنا أمام المُشاهد العاديّ للتحقّق من التهمة؛ فهذه وظيفةُ الجهات المختصّة التي تطّلع على ما لدى الطرفيْن من أدلّةٍ ومستندات. ولكنْ في حالاتٍ مماثلة، لا يبدو أحدٌ معنيًّا بالوصول بالأمورِ إلى خواتيمِها غير صاحبِ الحقّ؛ وهذا لا صبرَ لديه على هدرِ سنواتٍ يمكنُ أن يستثمرَها في كتابة نصٍّ جديدٍ في هذه الأثناء. أمّا الجمهور، فسيَطْوي الصفحةَ تلقائيًّا مع انتهاء عرضِ الحلقةِ الأخيرةِ من المسلسل.

 

أعمالٌ أثارت جدلًا في المواسم السابقة

1 - ترجمانُ الأشواق: في العام 2018، أُثيرتْ بلبلةٌ كبيرةٌ حول أسباب منع الرقابة في سوريا عرضَ هذا المسلسل (كتابة: بشّار سليمان عبّاس، وإخراج: محمّد عبد العزيز)، خصوصًا أنّ المنتِج هو "المؤسّسة العامّة للإنتاج التلفزيونيّ،" وهيَ جهةٌ رسميّةٌ تابعةٌ لوزارة الإعلام، ويُفترض أنّ لجنةَ القراءة فيها اطَّلعتْ على النصّ ووافقتْ عليه.

في حينه، قيل إنّ الأمرَ يتعلّق بحذفِ حوالى 25 % من مَشاهدِ شخصيّةِ الطبيب زهير (التي يؤدّيها النجم غسّان مسعود)، وهي شخصيّةٌ يساريّةٌ تنقلب نحو التديّن، فالتصوّفِ، وتنسج علاقةً بجماعةٍ إرهابيّةٍ مسلَّحة (من خلال إجراء عمليَّةٍ جراحيَّةٍ أنقذتْ حياةَ ابنِ أميرِ الجماعة) قبلَ أن تُسهِمَ في المصالحاتِ الوطنيّة.[1]كما طُلب أن يضافَ خطٌّ آخر يتعلَّق بضابطٍ مثقّفٍ ومحبٍّ لبلدِه (يجسّدُه الممثّل سعد حنّا مينه).

 

صموعة أكّد أنّ هذا النصّ لم يمرَّ على مؤسّسة الإنتاج بل مرّ نصٌّ كَتَبَه بنفسِه

 

ولكنّ الكاتبَ الناشئ حازم صموعة أكّد أنّ نصّ ترجمان الأشواق لم يمرَّ على قرّاء مؤسّسة الإنتاج التلفزيونيّ، بل مرّ نصٌّ مختلفٌ تمامًا، كَتَبَه بنفسِه، هو أسوارُ دمشق، الذي أحالته المؤسّسةُ على المُخْرج محمّد عبد العزيز. وهذا الأخيرُ طلب منه إدخالَ خطٍّ جديد، هو قصّةُ فيلمه تُرجُمان الأشواق، الذي سبقَ أن رفَضتْه الرقابةُ، ضمن مهلةِ ثلاثين يومًا فقط، على أن يكون الكاتبُ بشّار سليمان عبّاس معالِجًا دراميًّا للعمَل.[2]

أقرّ صموعة بأنّه كَتب ثلاثَ حلقاتٍ بسويّةٍ غير جيّدة بسببِ ضيق الوقت وجهلِه بخلفيّةِ الشخصيّات اليساريّة وكيفيّةِ انتقالِها إلى التفكير الإسلاميّ. وقال إنّ عبّاس عالج هذه الحلقاتِ دراميًّا بطريقةٍ لم تعجبْه، فقرّر (أي صموعة) الانسحابَ من العمَل، وأرسل رسالةَ اعتذارٍ، رافضًا وضعَ اسمِه على عملٍ لم يقتنعْ به. هنا طلبت المؤسّسةُ من صموعة إعادةَ المبالغ التي قبضها، أو التوقيعَ على ورقةٍ تؤكّد أنْ لا مانعَ لديه من تغييرِ اسم المسلسل. ولمّا لم يعد صموعة يملك ممّا قَبَضَه قرشًا واحدًا، فقد اضطرّ إلى التوقيع. وهكذا جرى تصويرُ تُرجُمان الأشواق على أنّه أسوارُ دمشق، بعد استبدال الاسم فقط![3]

عبّاس ردَّ بالقول إنّ صموعة قرَّر مغادرةَ مشروع ترجمان الأشواق في وقتٍ لم يعُد فيهِ نصُّ أسوار دمشق مطروحًا على طاولة الإنتاج أصلًا. وأضاف أنّ "القضيَّةَ" المثارةَ ليست فيها سرقةٌ لنصٍّ أو سيناريو أو فكرةٍ أو حوار، ولا أيُّ مسألةٍ قانونيّةٍ أو تعويضيّة، بل هي مجرَّدُ انزعاجٍ من التعاطي مع المُخرِج، وتخمينٌ للنوايا. وأكّد أنّه ليس من المنطقيّ أن يُكتَبَ على شارة المسلسلِ اسمُ صموعة مع عبارة: "حاولَ كتابةَ ثلاثِ حلقاتٍ ولم ينجح، فلم تُعتَمَد"؛ فصناعةُ الدراما لم تسمعْ بوظيفةٍ كهذه![4]

2 الكاتب: في العام 2019، اتَّهَم السيناريست السوريّ خلدون قتلانْ صُنّاعَ مسلسل الكاتب (رؤية وسيناريو وحوار: ريم حنّا، وإخراج: رامي حنّا) بالسَّطوِ على نصِّه، الخَوَنة. وكان قتلان قد قدَّمَ الخونة إلى شركة كلاكيت، ولم يُنجَزْ لأسبابٍ إنتاجيّة، ولكنّه وَصَل (بطريقةٍ ما) إلى صُنّاع الكاتب. وأشار قتلان إلى أنّ الشخصيّة الرئيسة في العمليْن كاتِبٌ (شخصيّة "يونس جبران" في الكاتِب يؤدّيها باسل خيّاط)، وإلى افتتاحهما بجريمةِ قتل، وإلى اعتمادِهما التكنيكَ الكتابيَّ نفسَه من حيث النقلُ بين المَشاهد المُتخيَّلةِ والعودةُ إلى الكاتب، وإلى كونِ عائلة الكاتب فيهما مؤلَّفةً من زوجةٍ مطلَّقةٍ وابنٍ في العاشرة، فضلًا عن وجودِ شخصيّةٍ رئيسةٍ فيهما تعمل في المُحاماة. وأكَّدَ قتلان لجوءَ صُنّاعِ الكاتِب إلى إعادةِ تصويرِ الحلقة الأخيرة بعد إدخالِ تعديلاتٍ على أحداثها، في محاولةٍ مُتأخّرةٍ للتملّصِ من هذا الاتهام.[5]

 

اتَّهَم خلدون قتلان صُنّاعَ هذا المسلسل بالسَّطوِ على نصِّه

 

مع إعلان قتلان توقّفَه عن نشرِ أيّ شيءٍ يتعلّق بالموضوع، ونقلَه التخاصمَ إلى أروقةِ القصرِ العدليّ للوصولِ إلى حقّه بعيدًا عن التشهير، كان الروائيُّ التونسيُّ كمال الرياحي يعلنُ تلقّيَه مئاتِ الرسائل التي تدعوه إلى مُشاهدةِ روايته، عشيقاتُ النذل (دار الساقي، 2015)، وقد تحوَّلتْ من دونِ علمِه إلى مسلسلٍ تلفزيونيٍّ لا يَحمل اسمَه!

يلخّص الرياحي نقاطَ التشابهِ بينَ روايته عشيقات النذل وبين مسلسل الكاتب في الأمور الآتية: 1) افتتاحُهما بمقتلِ مُراهِقةٍ في ظروفٍ غامضة، واتّهام كاتبٍ بقتلِها. 2) امتلاكُ الكاتب بيتًا سرّيًّا يكتبُ له فيه طلبةٌ رواياتٍ وسيناريوهاتٍ تجعلُ منه نجمًا معروفًا. 3) حديثُ الكاتب "فوق الواقعيّ" مع صورة غابرييل غارسيا ماركيز، وهو حديثٌ تحوَّلَ في المسلسل إلى حوارٍ مع شخصيّاته داخل قطار. 4) تحويلُ المحامي اليهوديّ، صديقِ الكاتِب في الرواية، إلى محاميةٍ تقعُ في غرامِه؛ والسبب هو استحالةُ عرضِ شخصيّة يهوديٍّ معاصِرٍ في مسلسلٍ سوريّ - لبنانيّ لكون الحالة تونسيّةً تمامًا.

وقد ردّ صُنّاعُ العمل على الاتهامات بمشهدٍ قصيرٍ تضمَّنته الحلقةُ الأخيرة، ويُظْهرُ يونس جبران خارجًا من حفل توقيع روايته الأخيرة (الجريمةُ الكاملة) التي يسرد فيها قصّتَه الحقيقيّةَ بعد اتهامِه بارتكاب مجموعةٍ من الجرائم، قبل أن تتّضحَ براءتُه لاحقًا، وبرفقته المُخرِج رامي حنّا الذي يُطلُّ كضيفِ شرفٍ مجسِّدًا شخصيّةَ المُخرِج رامِح (لاحظوا التشابهَ في المِهنة والاسميْن). يعاتبُ يونس صديقَه رامح لمقاطعته إيّاه بعد اتهامِ سيّد حلمي (يؤدّي الدورَ مجدي مشموشي) إيّاه بسرقة روايتِه، ثم يذكِّره بأنّه متَّهَمٌ بدورِه بكونِه "حرامي مَشاهِد،" ومنها: مشهدٌ للبطلِ وهو يغسِلُ وجهَه بعد عودتِه من النوم، وآخرُ لشقيقتِه وهي تأكلُ تفّاحةً، وثالثٌ للجارِ الذي صعد إليه وطرق بابَ شقّته، قائلًا إنّها جميعها مسروقةٌ من أفلامٍ للسينمائيّ الأميركيّ كوينتن تارانتينو. فاقتصرَ ردُّ رامح على كلمةٍ واحدةٍ ساخرة: "العَمَش!" (وهي تحويرٌ لكلمةِ "العمى" التي تستخدِمُها العامّةُ للتعبير عن امتعاضِها وغضبِها).[6]

3 – الجوكر: كما تُرجُمان الأشواق، انطلق الجدلُ حول مسلسل الجوكر (كتابة: ماجد عيسى، وإخراج: جمال الظاهر، وإنتاج: قبنّض للإنتاج والتوزيع الفنّيّ والتلفزيونيّ) من بوّابة الرقابة والمنع، قبلَ أن يتحوَّل إلى اتهاماتٍ بالسّرقة.

فقبيْل انطلاقِ السباقِ الدراميّ السنويّ، أَبلغ وزيرُ الإعلام السوريّ، عماد سارة، المنتجَ وعضوَ مجلسِ الشعب السوريّ، محمد قبنض، ضرورةَ عدمِ عرضِ مسلسلِ الجوكر بسببِ عدمِ حصولِه على موافقةِ تصدير.

 

انطلق الجدلُ حول هذا المسلسل من بوّابة الرقابة، قبلَ أن يتحوَّل إلى اتهاماتٍ بالسّرقة

 

أثار الموضوعُ حفيظةَ الجهة المنتِجة التي تكبَّدتْ مبالغَ طائلةً على المسلسل كانت تنتظر تعويضَها من خلال بيعِه إلى عددٍ كبيرٍ من المحطّات. كما أثار حفيظةَ فريق العمل الذي بذل جهودًا مضْنيةً في إنجازه. وتساءل قبنض إنْ كانت الحكومة "تتقصّد تطفيشَ من تبقَّى من منتِجين سوريّين والإجهازَ على الدراما السوريّة بالضربة القاضية!"[7]المسلسل حَصَدَ نِسبةَ مُشاهَدةٍ مقبولةً عبرَ موقع يوتيوب، وعبر قناتيْن أصرَّتا على عرضِه. وقد ساهم في هذه النسبة الجدلُ المُثارُ حولَه، فضلًا عن أجوائه البوليسيّة وحبكتِه الشائقة، إذ يقوم على جرائمَ متسلسلةٍ تحصل خلفَ أسوارِ إحدى الجامعات الخاصّة، بالتوازي مع وقوفِ مجموعةٍ من الطلّاب إلى جانب الشرطة لدعمِها في مهامّ البحثِ عن القاتل.

غير أنّ المنع لم يكن لأسبابٍ سياسيّة، ولا استهدافًا لشركة قبنض (التي أنتجتْ عملًا آخر وَجد طريقَه إلى أغلب الفضائيّات العربيّة من دون أيّ عوائق)، بل بسببِ اعتراض الأستاذ الجامعيّ فيصل عبّاس، رئيسِ مجلس الإدارة في "الجامعة الدوليّة الخاصّة للعلوم والتكنولوجيا" التي جرى التصويرُ فيها (مع إظهارِ "اللوغو" الخاصّ بها بشكلٍ واضحٍ في العديد من المَشاهد)، على تصوير العمل لهذه المؤسّسةِ التعليميّةِ وكأنّها وَكرٌ للانحرافِ والمخدِّراتِ والعلاقاتِ غيرِ السويّة، وبسبب تهديده باللجوءِ إلى القضاءِ في حالِ عرضِ المسلسل.[8]

لكنْ، لماذا وافقت الجامعةُ على تصويرِ العمل منذ البداية؟

هنا تبدأُ الحكايةُ الحقيقيّة. فالجامعة وافقتْ على سيناريو آخر: يتقاطع مع ما شاهده الجميعُ عبر الشاشة في مواضِعَ محدّدة، ولكنّه يختلف معه كثيرًا من حيث إساءتُه إلى سمعة الجامعات السوريّة بحسب الكاتب السوريّ جوان بهلوي.

ولماذا تعديلُ النصّ بهذه الطريقةِ بعد إجازتِه؟

السبب هو التمويهُ على سرقةٍ أخرى، بحسبِ بهلوي، الذي يتّهم قبنض بسرقةِ نصِّه، الجريمة، المسجَّل في دائرةِ حقوقِ المؤلّف في وزارة الثقافة السوريّة، وكان بهلوي قد قدَّمَه في بداياته إلى غيرِ جهةٍ إنتاجيّة.

يشرح بهلوي أنْ لا مَشاهدَ دمويّةً في النصّ الأصليّ، بل حالةُ ترقّبٍ ورعبٍ دائمةٌ يفرضُها وجودُ قاتلٍ في الجامعة. ويؤكّد أنّه، في نصِّه ذاك، يَحترم الجهازَ التعليميَّ في الجامعات؛ فَـ "الدكاترة" محترمون ولكنّهم ملوَّنون، والقاتلُ شخصٌ عبقريٌّ في الكيمياء، ومحترَم وذو سمعةٍ عطِرة، ولكنّ الدفاعَ عن السمعة والشرف هو ما يدفعه إلى ارتكاب الجريمةِ بعد أن لاحقتْه الضحيَّةُ. ويضيف بهلوي أنّ ثمّة حالةً إنسانيّةً تتّصل بالظروفِ، التي أجبرتِ القاتلَ على ارتكاب فعلتِه، أغفلها مَن جعلَ الجامعةَ في الجوكر ملهًى ليليًّا، وجعل أساتذتَها مغتصِبين وبائعي مخدِّرات، وطالباتِها بائعاتِ هوى، من دون أيِّ مبرِّرٍ مقنِع.

ويتّهم بهلوي الممثّلَ ماجد عيسى بالتعاون مع شركة قبنض على سرقة العمل لقاءَ حصولِه على أحدِ أدوارِ البطولة فيه. ويستدلُّ على ذلك بكونِه النصَّ الأوّلَ لعيسى، جازمًا أنّه لن يكتبَ غيرَه لاحقًا. ويضع فكَّ الارتباط مع المُخرج نزار السعدي، واستبدالِه بنضال عبيد، ثمّ بجمال الظاهر (المتخصِّص أصلًا بإخراج مَشاهد المعاركِ والأكشن وتدريبِ المجازفين، ويتولّى مهمّةَ الإخراجِ للمرّةِ الأولى أيضًا)، في السياق نفسِه، بعيدًا عمّا قيلَ عن فشلِ السعدي (الذي كان الجوكر تجربتَه الأولى أيضًا)، ومشيرًا كذلك إلى مغادرةِ عددٍ من الممثّلين العملَ قبل إتمامِ تصويرِه للأسباب نفسِها. ويؤكّد بهلوي أنّ العملَ خضعَ مجدّدًا لتعديلات مهنّد ورد، الذي نالَ نصيبَه أيضًا على شكلِ دورٍ رئيسٍ في المسلسل، قبل أن يعالجَه نعيم الحمصي للمرّةِ الثالثةِ والأخيرةِ داخل مواقع التصوير، التي تحوّلتْ (بحسبِ بهلوي) إلى بازارٍ يَطْلبُ فيه كلُّ ممثّلٍ زيادةَ عددِ مَشاهدِه أو تطويلَها، فَتُلبّى رغبتُه على حسابِ جودةِ النصّ ومتانتِه.

وجاءت الهويّةُ الكرديّةُ لكاتب "النصّ الأصليّ" (بهلوي)، والهويّةُ العربيّةُ للمتَّهَمِ بسرقتِه (عيسى)، لتسعِّر النقاشَ على وسائل التواصل الاجتماعيّ، مع تضمينِ الجوكر شخصيّةَ عامل النظافة الكرديّ المنبوذ في الجامعة، نوْرس (الممثّل أحمد عيد). فنوْرس هذا يتّسمُ بالسذاجةِ الشديدة، حتى يَغدو "ملطشةً" لكلِّ مَن يرغبُ في التفريجِ عن غضبِه؛ فضلًا عن طلبِهِ الطعامَ بالمجّانِ من طبّاخِ الجامعة، والسجائرَ والحلْوياتِ من عاملِ البوفيه (فيلتهم بعضَها ويخفي الباقي في جيبه)؛ وتحدُّثِهِ العربيّةَ بلسانٍ أعوجَ يبعثُ على السخرية.

عيسى تحفَّظَ عن الردِّ، مؤكِّدًا انشغالَه عن ذلك بالتحضير لأعمالِه الجديدة، لأنّ الموضوع بالنسبة إليه لا أساسَ له، جازمًا أنّ الأكرادَ إخوتُنا في الوطن والإنسانيَّة، ومعتبِرًا أنّ العنصريَّ هو مَن يأخذ الأمورَ في هذا الاتجاه.[9]

 

خلاصة

لا تدَّعي المقالةُ العثورَ على حلٍّ لهذه القضيّة الشائكة، أو تصديقَ روايةٍ وتكذيبَ غيرِها (إلّا في حالةِ مسلسل الكاتب حيثُ الأمور أكثرُ وضوحًا)، ولا الإحاطةَ بكلِّ القضايا المشابِهة التي حدثتْ في السنوات الأخيرة. حسبُ المقالة أنّها عرضٌ موجَزٌ يأمَلُ كاتبُه من خلاله أن تتوحَّدَ الجهودُ للوصول إلى آليّاتٍ قانونيّةٍ كفيلةٍ بإيفاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه، بما يُجنِّب الجميعَ نزاعاتٍ لن تصبّ حتمًا في صالحِ صناعةٍ نستطيعُ عبْرَها النهوضَ بمجتمعِنا وبذائقتِه، ونصرةَ قضايانا المُحقّة.

صور (جنوب لبنان)

 


[1] وسام كنعان، "ترجمان الأشواق بنسخة مقصوصة؟" الأخبار، 16 أيار 2018

https://al-akhbar.com/Celebrities/250109

[2] وسام كنعان، "عن أسباب المنع واستئناف تصوير المسلسل: القصّة الكاملة لـ ترجمان الأشواق،" الأخبار، 5 تموز 2018

https://al-akhbar.com/Media_Tv/253534

[3] المصدر السابق.

[5] مهدي زلزلي، "من خلدون قتلان إلى كمال الرياحي: السرقة الأدبيّة رسالة الكاتب وتهمته،" الأخبار، 1 حزيران 2019

https://al-akhbar.com/Media_Tv/271369

[6] مهدي زلزلي، "المخرج رامح يردّ على منتقديه: العمَش!" الأخبار، 6 حزيران 2019

https://al-akhbar.com/Media_Tv/271369

[7] وسام كنعان، "لهذا السبب خرج الجوكر من سباق رمضان،" الأخبار، 24 نيسان 2020

https://al-akhbar.com/Media_Tv/287619

[8] المصدر السابق.

[9] من حديث خاصّ مع عيسى.

مهدي زلزلي

كاتب من لبنان. له مجموعة قصصيّة بعنوان: وجهُ رجلٍ وحيد.