العرب-الأميركيون والتحرّر من العنصرية: من التواطؤ إلى التضامن
29-06-2020

 

نقلها إلى العربيّة: سماح إدريس

تقديم

أيّ دور سيلعبه العربُ-الأميركيون (أو الأميركيّون من جذورٍ عربيّة) في الانتفاضة الحاليّة ضدّ الاضطهاد العرقيّ في الولايات المتحدة؟

السبب الأكثرُ مباشرةً لطرح هذا السؤال يَنبع من الإحراج الذي شعر به كثيرٌ منهم في أعقاب مقتل جورج فلويْد، الرجلِ الأميركيّ من أصلٍ أفريقيّ، الذي قتله رجلُ الشرطة، دِرِكْ شوفِن. فقد انزعج هؤلاء من أنّ صاحبَ مخزن Cup Foods، الذي أبلغ الشرطةَ أنّ فلويْد أعطاه ورقةً ماليّةً مزوَّرةً، هو أميركيٌّ من أصلٍ فلسطينيّ، اسمُه محمود أبو ميّالة. لاحقًا، أصدر أبو ميّالة اعتذارًا، ودعمًا لحركة "حياة السود مهمّة" (Black Lives Matter).

غير أنّ هذه الحادثة، والنقاشَ الذي تبعها، كشفا أنّ العرب-الأميركيين ما زالوا يحاولون أن يتصالحوا مع تصنيفهم العرقيّ الغامض في الولايات المتحدة. فلقد شهد القرنُ الأخيرُ تحوّلٌ في هذه الجالية يمكن تلخيصُه في أنّ كثيرًا من المهاجرين العرب الأوائل حاولوا، جاهدين، أن يصيروا "بِيضًا" ولو على حساب أقلّيّاتٍ عرقيّةٍ أخرى، في حين أنّ كثيرًا من العرب-الأميركيين اليوم يسعوْن إلى تأكيد "عدم بياضِهم" (non-whiteness) وإلى خلق روابطِ تضامنٍ مع مجموعاتٍ وجالياتٍ مقموعةٍ أخرى.

والحقّ أنّ العنصريّة ضدّ العرب ذاتُ جذورٍ عميقةٍ في الولايات المتحدة. نومْ تشومسكي كتب أنّ "العنصريّة ضدّ العرب هي من الانتشار بحيث لا يُمْكن أن تُلْحَظ؛ لعلّها الشكلُ الوحيدُ الباقي من العنصريّة [في أميركا] الذي يمكن اعتبارُه مشروعًا."[1] ولقد جرى توثيقُ التصويرات العنصريّة للعرب (والمسلمين) في الثقافة الأميركيّة في كتاب جاك شاهين، العرب السيّئون المصوَّرون: كيف تشوِّه هوليود شعبًا، وقد تحوّل هذا الكتابُ لاحقًا إلى فيلمٍ وثائقيٍّ على يد مُنتج الأفلام ساتْ جالي.[2] كتابُ شاهين نُشر سنة 2001، لذا فإنّ معظمَ مادّته تناول التشويهاتِ الأميركيّةَ قبل اعتداءات 11 أيلول. غير أنّ معدَّلاتِ الحقد العنصريّ ضدّ العرب والمسلمين ارتفعتْ بشكلٍ كبيرٍ بعد ذلك التاريخ، وباتت معروضةً بشكلٍ سافرٍ في مجريات السياسة الأميركيّة بعد غزو العراق وأفغانستان، وفي غوانتانامو وسجن أبو غريب. إدوارد سعيد ذاتَ يومٍ قال إنّه حين حدّثَ كتابَه تغطية الإسلام (Covering Islam) بعد 17 عامًا من صدور طبعته الأولى، كانت تغطيةُ العرب والمسلمين قد تدهورتْ ولم تتحسّن.[3] كما بيّنتْ نَدِين نابِرْ مفارقةً مهمّةً: أنّ العربَ والمسلمين مرئيّون بشكلٍ مفرِطٍ (extra visible) في الولايات المتحدة بسبب وصمِهم وتشويهِهم لكونهم "خطرًا أمنيًّا،" ولكنّهم في الواقع لامرئيّون (invisible) في الوقت نفسه لأنّ ما يُعْرف عن العرب-الأميركيّين قليلٌ جدًّا في أوساط الثقافة السائدة هناك.[4]

 

النماذج الأولى للتراتبيّات العرقيّة في الولايات المتحدة

تعود هذه العنصريّةُ إلى أولى الموجات المبكّرة من الهجرة العربيّة إلى الولايات المتحدة، بدءًا من العام 1890. غير أنّ ردَّ غالبيّة أفراد الجالية العربيّة، آنذاك، على العنصريّة المعادية لغير البيض، تَمَثّل في سعيهم اليائس إلى أن يكونوا بِيضًا. الموجة الأولى من الهجرة تكوّنتْ، في معظمها، من السوريّين واللبنانيّين المسيحيّين الذين صُنّفوا، في الدوائر الرسميّة الأميركيّة، أتراكًا عثمانيّين. إلى أن حلّ العام 1899، فأُعيدَ تصنيفُهم بشكلٍ منفصلٍ ليصبحوا "سوريّين." هؤلاء السوريّون واجهوا مشاعرَ معاديةً للمهاجرين على امتداد الولايات المتحدة. وتمحورت المسألةُ الأهمُّ لكثيرٍ منهم حول إمكانيّة حصولهم على الجنسيّة الأميركيّة.

 

الموجة الأولى من الهجرة تكوّنتْ من السوريّين واللبنانيّين المسيحيّين الذين صُنّفوا أتراكًا عثمانيّين

 

حصر مرسومُ التجنيس للعام 1790 التجنيسَ في "الأشخاص البِيض الأحرار" (free white persons). ومن ثمّ فإنّه لم يستبعد العبيدَ وحدهم،[5] بل استبعد السكّانَ الأصليّين أيضًا، فضلًا عن السود المُعْتَقين ومجموعاتٍ أخرى.

بعد نهاية الحرب الأهليّة الأميركيّة، وفي العام 1868 تحديدًا، منح التعديلُ الرابعَ عشر من الدستور الأميركيّ الجنسيّةَ كلَّ مَن وُلد في الولايات المتحدة، بمن في ذلك العبيدُ المعتَقُون.

بعد عاميْن، أيْ سنة 1870، جرى توسيعُ مرسوم التجنيس للعام 1790 ليَشمل الأشخاصَ من جذورٍ أفريقيّة، فضلًا عن السكّان الأصليّين (Native Americans). غير أنّ التجنيس حُصرَ في هاتين الفئتيْن فقط آنذاك، وتصاعدتْ ردودُ الأفعال ضدّ الهجرة طوال النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

فعلى سبيل المثال، مَنع مرسومُ استبعاد الصينيّين سنة 1882 تجنيسَ المهاجرين الصينيّين. وتواصلتْ أشكالُ الاستبعاد هذه في الولايات المتحدة، إلى أنْ أُلغيتْ بمرسوم ماكّارِن-والتر (McCarran–Walter Act) سنة 1952، الذي محا القيودَ العنصريّةَ المفروضةَ على المواطنة والتجنيس.

من العام 1890 حتى الحرب العالميّة الأولى، تشكّلت الموجاتُ الأولى من المهاجرين العرب من المسيحيّين الذين جاءوا بشكلٍ حصريٍّ من سوريا ولبنان (وعُرفوا بشكلٍ عامّ بـ"السوريّين")، وبلغوا حوالى 150 ألفًا بحلول العام 1915.[6] 

بدءًا من العام 1909، بدأ حرمانُ السوريين التجنيسَ على اعتبار أنّهم ليسوا "بِيضًا." وقد حاولت الجاليةُ السوريّةُ جاهدةً بين العاميْن 1909 و1915 أن تتحدّى هذا الحرمانَ، فجمعتْ مبلغًا كبيرًا من المال دعمًا للدعاوى القضائيّة. ومع أنّ هذه الجالية كانت صغيرةً (إذ حلّتْ في المرتبة 25 من حيث الحجم من أصل 39 جاليةً مهاجرةً)، فإنّ الدعاوى القضائيّة السوريّة مثّلتْ نسبةَ الثلث من مجموع الدعاوى المرفوعة ضدّ العنصريّة ممّا استمع إليه القضاةُ الأميركيّون بين العاميْن 1909 و1923.[7 

الحجج التي قدّمها المحامون السوريّون، فضلًا عن ردود القضاة، بيّنتْ كيف كان مفهومُ "الأبيض" موضعَ جدل: فقد كان "الأبيض" يُعرَّف أحيانًا بالأصل الجغرافيّ (أوروبا)؛ وأحيانًا كان يُعرَّف بناءً على المزاعم "العلميّة" والإثنولوجيّة السائدة في ذلك الزمن؛ وأحيانًا كان يعرَّف، ببساطة، على أساس لون البشرة، أو بناءً على ما يعتقدُه "الإنسانُ العاديُّ في الشارع."

مثلاً، سنة 1913، حكمتْ محكمةٌ في ولاية كارولايْنا الجنوبيّة بأنّ "فراس شهيد" لم يكن أبيضَ لأنّ لونَ بشرته "كان يشبه لونَ الجوز."[8] ومن جهةٍ أخرى، حَرمتْ محاكمُ صُغرى "جورج ضوْ" (George Dow) الجنسيّةَ عدّةَ مرّات، لكنّه نجح في كسب الدعوى سنة 1915، وأعلن القاضي أنّ "السوريّين سيُصنَّفون أشخاصًا بِيضًا."[9] آنذاك، احتجّ السوريّون بأنّهم ينتمون إلى حضارةٍ "أعلى،" وأنّهم مرتبطون بالأوروبيّين من خلال سِماتٍ دينيّةٍ وثقافيّةٍ مشتركةٍ ومن ثمّ ينبغي ألّا يُحْشروا مع أعراقٍ "دُنيا."

هذه الرغبة في نيْل القبول والاندماج أفلحتْ في النهاية. وإلى اليوم، يُعتبر العربُ "بِيضًا" في الإحصائيّات الأميركيّة الرسميّة. غير أنّ هذا "النجاح" أسهم في دعم مفهومٍ لـ"البياض" مبنيٍّ على تراتبيّةٍ عِرقيّةٍ وحضارويّة، تترافق مع استبعادِ السود وأقليّاتٍ آسيويّةٍ وعرقيّةٍ أخرى. وبحسب المؤرِّخة سارا غوالتييري، فإنّه "ليس من المبالغة... القولُ إنّ الدعاوى [القضائيّة] السوريّة أدّت دورًا مهمًّا في البناء القانونيّ لـ ’العِرق الأبيض‘."[10]

 

التجذّر السياسيّ العربيّ-الأميركيّ ما بعد 1967

إذًا، رغب كثيرٌ من العرب-الأميركيّين في أن يكونوا بِيضًا، وفي أن يندمجوا في التيّار السائد كما اندمج الإيطاليّون والإيرلنديّون، الذين ينتمون إلى جاليتيْن عانتا التمييزَ في الولايات المتحدة أوّلَ الأمر قبل أن تندمجا لاحقًا في فئة "البِيض." غير أنّ رغبةَ العرب-الأميركيّين لم تتحقّقْ لعدّة أسباب.

ففي الموجة الثانية من هجرة الجاليات العربيّة إلى الولايات المتحدة، وصل مهاجرون جدد من خلفيّاتٍ أكثر تنوّعًا من الناحيتيْن الدينيّة والجغرافيّة، وكانوا معارضين إيديولوجيًّا للثقافة الاستعلائيّة البيضاءِ المسيطرة. ومع الموجة الثانية تلك، ازداد التباسُ مفهوم "العرب" في الولايات المتحدة، لكونهم بِيضًا وغيرَ بِيضٍ في الوقت نفسه. كما أنّ بروزَ "الشرق الأوسط" مركزًا رئيسًا للمصالح الإمبرياليّة الأميركيّة، وللتدخّل العسكريّ الأميركيّ، وللدعم الأميركيّ للقوى الرجعيّة ولـ"إسرائيل،" أسهم في استمرار اعتبار العرب والمسلمين، والفلسطينيّين بشكلٍ خاصّ، أهدافًا للتشويه.

وبكلمات بسيطة، فإنّ العرب، بسبب السياسة الخارجيّة الأميركيّة، لم يستطيعوا أن يصبحوا "بِيضًا" على الإطلاق. والموجاتُ الجديدة من المهاجرين العرب لم تردَّ على ذلك بالرغبة في الاندماج في التيّار الأميركيّ السائد، بل بتنظيم نفسها، وبمقاومةِ تلك السياسة. وهذه المقاومة زادت بشكلٍ كبيرٍ في أعقاب حرب 1967.

المؤرِّخة من جامعة ميشيغين-ديربورن، باميلا بَنُكْ (Pamela Pennock)، بيّنتْ كيف ردّ الناشطون العرب-الأميركيّون في الستينيّات والسبعينيّات من القرن الماضي على هزيمة 1967. فهم نبذوا الطبيعةَ "اللاسياسيّةَ" السابقة للعرب المندمجين، وانضمّوا إلى النشاط المعادي للإمبرياليّة والمكافح من أجل نيْل الحقوق المدنيّة. كما أنّهم أسّسوا منظّماتٍ عربيّةً جديدةً، مثل منظّمة "خرّيجي الجامعات العرب-الأميركيّين" (AAUG) و"منظّمة الطلّاب العرب."[11] وتُوثِّق بَنُكْ في كتابها، صعود اليسار العربيّ-الأميركيّ، نشاطَ العرب في نقابات العمّال، مثل نشاط العمّال العرب-الأميركيّين في ميشيغن، الذين انتموْا إلى "عمّال السيّارات المتّحدين" (United Auto Workers)، وهو أكبرُ اتّحادٍ في الولايات المتّحدة.

لم يكن العربُ-الأميركيّون يومًا مجموعةً متجانسةً بالطبع، بل اشتملوا - - شأنهم شأن كلّ الحركات ذاتِ الأساس القوميّ - - على طيفٍ من الإيديولوجيّات والطبقات الاجتماعيّة. هكذا مال العربُ الأثرى إلى دعم الحزب الجمهوريّ، وكانوا ذوي توجّهٍ نخبويٍّ إزاء العمل السياسيّ. فمثلًا، غالبًا ما كان يقود "اللجنةَ الأميركيّةَ-العربيّةَ المعاديةَ للتمييز" (ADC)، وهي إحدى أكبر منظّمات العرب-الأميركيين، في لحظاتٍ مختلفةٍ من تاريخها الحديث، عربٌ أثرياءُ يمينيّون قدّموا القليلَ لنصرة القضايا العربيّة أو قضايا العرب-الأميركيين. وكان توجُّههم مستندًا إلى نموذج "الدهلزة" (lobbying) والعلاقاتِ الشخصيّةِ مع صُنّاع السياسة الأميركيين، بدلًا من أن يستندَ إلى التنظيم القواعديّ (grassroots organizing). ومقاربتُهم، تحديدًا في قضيّة فلسطين، غالبًا ما كانت توفيقيّةً وغيرَ صِداميّة. بل حاججتْ بَنُكْ في كتابها أنّ الدعمَ الأميركيّ القويّ للصهيونيّة، في الدوائر "التقدّميّة" الأميركيّة نفسِها، حالت دون أن يحظى نشاطُ العرب-الأميركيّين بقبولٍ أوسع.

 

أقام الجيلُ الأكثرُ شبابًا من العرب-الأميركيين علاقاتٍ قويّةً بين حركات تحرّر السود والحركات الفلسطينيّة

 

في السنوات الأخيرة، أقام الجيلُ الأكثرُ شبابًا من العرب-الأميركيين، بمن فيهم المنضوون في لجنة ADC، علاقاتٍ قويّةً من التضامن مع حركات التحرّر المستندة إلى التوجّهات المعادية للطبقيّة والعنصريّة والتمييزِ الجنسيّ والجندريّ، رابطًا قضيّةَ التحرّر داخل الولايات المتّحدة بالسياسات المعادية للإمبرياليّة. وهذه الروابط تشمل، بالطبع، تاريخًا عريقًا من التضامن بين حركات تحرّر السود والحركات الفلسطينيّة؛ وهي روابطُ تستمرّ فاعلةً إلى اليوم من خلال أعمال باحثين وناشطين مثل روبِن كَلِي (Robin Kelley) وآنجِلا دايفيس (Angela Davis) ونُورا عُريْقات. ولقد طُرح إطارُ مواجهة "الكولونياليّة الاستيطانيّة" مثلًا ليكون رابطًا بين نضالات الفلسطينيين والسكّانِ الأصليين في الولايات المتحدة وأماكنَ أُخرى.

في الأيّام التي أعقبتْ مقتلَ جورج فلويْد، لم يدُرِ النقاشُ في الولايات المتحدة حول ما إذا كان العربُ ضحايا العنصريّة، وإنّما في كونهم مرتكبي العنصريّة. فقد أثار معلِّقون عربٌ-أميركيّون، عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ بشكلٍ رئيس، موضوعَ العنصريّة المعادية للسود داخل الجاليات العربيّة في الولايات المتحدة وفي المنطقة العربيّة أيضًا. الممثِّلة الكوميديّة الفلسطينيّة السوداء مريم أبو خالد تحّدثتْ عن تجاربها الشخصيّة مع العنصريّة اليوميّة الموجودة في المجتمعات العربيّة.[12] وربط معلِّقون كثرٌ بين عنصريّة العرب ضدّ السود في الولايات المتّحدة من جهة، والاستغلالِ العنصريّ وسوءِ معاملة العاملات والعمّال السيريلانكيّين والبنغلاديشيّين والباكستانيّين في لبنان من جهةٍ ثانية، واستغلال العمّال في دول الخليج من جهةٍ ثالثة.

فمثلًا، قدّمتْ إحدى التغريدات تقريرًا بعنوان: ستُّ طرقٍ لمقاومة العنصريّة تجاه السود في المجتمعات العربيّة.[13] وهذا ما حثّ بعضَ العرب غيرِ السود على تثقيف أنفسهم في موضوع التواطؤ العربيّ تاريخيًّا مع تجارة العبيد، وفي موضوع التراتبيّة الضمنيّة الموجودة في العالم العربيّ بين العرب ذوي البشرة الفاتحة والعرب ذوي البشرة الأدكن، وفي موضوع محاربة الاتجاهات العنصريّة داخل عائلاتهم، وفي موضوع التوقّف عن دعم وسائل الإعلام العنصريّة.

غير أنّ معظمَ هذه الأعمال النقديّة رأت أنّ توجّهات العرب-الأميركيّين العنصريّة ضدّ السود متأصّلةٌ في [جوهر] العرب، ومرتبطةٌ بميولٍ شخصيّةٍ أو متجذّرة في عمق داخلهم، أو هي توجّهاتٌ حملها العربُ من بلدانهم الأمّ. ومع أنّ هناك شيئًا من الصحّة في ذلك، على ما ناقشنا أعلاه، فإنّ علاقةَ العرب تاريخيًّا بالاستعلائيّة البيضاء [أو نزعة التفوّق لدى البِيض] أكثرُ تعقيدًا من ذلك، وهي مرتبطة بتجربة المهاجرين العرب الأولى مع التراتبيّة العرقيّة في الولايات المتحدة. هذا التاريخ، المجهولُ لدى معظم العرب-الأميركيين، يَكشف أنّ التواطؤ العربيّ مع العنصريّة المعادية للسود موجودٌ في سرديّة حياتهم هنا، في الولايات المتحدة، ولم "يُنْقل" نقلًا من توجّهاتٍ موجودةٍ في أوطانهم الأم.

إنّ بنيةَ الاستعلائيّة البيضاء (white supremacy) في الولايات المتحدة تحفِّزُ على العنصريّة البيضاء. وقد جهد المهاجرون العربُ لحظةَ اصطدامهم الأولى بها في أن يصبحوا جزءًا منها. بيْد أنّ جيلَ اليوم، الأكثرَ شبابًا وجذريّةً، يسعى إلى هجر تلك الاستعلائيّة، وإلى محاربةِ آثارِها المدمِّرة. وهذه هي الخطوةُ الأولى في مسار التغيير التحرّريّ.

الولايات المتحدة

 

 


[1] Noam Chomsky, The Fateful Triangle: The United States, Israel and the Palestinians (London: Pluto Press), p. 83

[2] J.G. Shaheen, "Reel bad Arabs: How Hollywood vilifies a people," The ANNALS of the American Academy of Political and Social science, 2003, 588(1), pp.171-193; see also: Sut Jhally, "Reel Bad Arabs," Media Education Foundation: Northampton, MA, 2006 

[4]Nadine Naber, “Ambiguous Insiders: An Investigation of Arab American Invisibility,” Ethnic and Racial Studies 23, no. 1 (January 2000), p 37–61. https://doi.org/10.1080/014198700329123

[5] بملحظ أنّ العبوديّة بقيت ساريةً حتى التعديل الثالث عشر سنة 1865.

[6]تشير تقديرات مختلفة إلى أنّ الرقم، بحلول العام 1924، كان أقربَ إلى 200 ألف، من بينهم 185 ألفًا من المسيحيّين. 

[7] Sarah Gualtieri, “Becoming ‘White’: Race, Religion and the Foundations of Syrian/Lebanese Ethnicity in the United States,” 2020, p 31

[8]Quoted in Melani McAlister, Epic Encounters: Culture, Media, and US Interests in the Middle East Since1945, Vol. 6 (Univ of California Press,  2005), p 38

[9]Gualtieri, Op.Cit, p 29

[10] Ibid, p 31

[11] “The Rise of the Arab American Left | Pamela E. Pennock.” Accessed June 15, 2020. https://uncpress.org/book/9781469630984/the-rise-of-the-arab-american-left/.

عمر ضاحي

أستاذ مشارك في الاقتصاد في هامشِر كولدج. أحد محرّري موقع جدليّة. تتركّز اهتماماتُه على الاقتصاد السياسيّ للتنمية في الشرق الأوسط، والعلاقات بين دول الجنوب، ودراسات الأمن والسلام والنزاع. له مقالاتٌ في عدد من المجلّات الأميركية. وله كتاب مشترك مع Firat Demir بعنوان South-South Trade and Finance in the 21st Century: Rise of the South or a Second Great Divergence