جريح بيروت
03-09-2019

 

 

نشرتْ مجلّة الزهور مسرحيّة جريح بيروت، مع تقديم. تعيد الآداب نشرهما بمثابة ملحقٍ لنصّ الكاتبة أثيرة محمد علي، "جريح بيروت: من القاهرة إلى دمشق: كولاج من حكي الجرايد وتداعيات السياق السياسيّ والثقافيّ."

***

هي أبياتٌ تمثِّل حالةَ جريحٍ من جرحى حادثة بيروت الأخيرة، وضعها لهذه الليلة سعادةُ إسماعيل باشا صبري وحافظ أفندي ابراهيم. الممثّلون: الجريح البيروتيّ: جورج أفندي أبيض. ليلى زوجتُه: الست إبريز استاتي. العربي: فؤاد أفندي سليم. الطبيب المصريّ: عبد الرحمن أفندي رشدي.

الجريح:

ليلاي ما أنا حيٌّ

يُرجى ولا أنا ميتُ

لم أقضِ حقّ بلادي

وها أنا قد قضيتُ

شفيتُ نفسي وإنّي

لما رُميتُ رَميتُ

بيروت لو أنّ خصمًا

مشى إليَّ مشيتُ

أو داس أرضَكِ باغٍ

لدستُه وبغيتُ

أو حلَّ فيكِ عدوٌّ

مُنازِِلٌ ما اتّقيْتُ

لكنْ رماكِ جبانٌ

لو بان لي لاشتَفيتُ

ليلايَ لا تحسبيني

على الحياةِ بكيتُ

ولا تظنّي شكاتي

من مصرعي إنْ شكوْتُ

ولا يخيفنَّكِ ذكري

بيروتَ أنّي سلوْتُ

بيروت مهدُ غرامي

فيها وفيكِ صبوْتُ

جررتُ ذيلَ شبابي

لهوًا وفيها جريْتُ

فيها عرفتُكِ طفلًا

ومن هواكِ انتشيْتُ

ومن عيونِ رُباها

وعذبِ فيكِ ارتويْتُ

فيها لليلى كناسٌ

ولي من العزِّ بيْتُ

فيها بنى لي مجدًا

أوائلي وبنيْتُ

ليلى سراجُ حياتي

خبا فما فيهِ زيْتُ

قد أطفأتهُ كُراتٌ

ما من لظاهنَّ فوْتُ

رمى بهنَّ بغاةٌ

أصبنني فثويْتُ

 

ليلى:

لو تُفتدى بحياتي

من الرَّدى لفديتُ

ولو وقاكَ وفيٌّ

بمُهْجتي لوقيتُ

إنْ عشتَ أو متَّ أنّي

كما نويتَ نويتُ

 

الجريح:

ليلايَ عَيشي وقَرّي

إذا الحِمامُ دعاني

ليلايَ ساعاتُ عمري

معدودةٌ بالثواني

فكفكفي من دموعٍ

تَفْري حشاشةَ فاني

ومهِّدي ليَ قبرًا

على ذُرى لبنانِ

ثم اكتبي فوقَ لوحٍ

لكلّ قاصٍ وداني:

هنا الذي مات غدرًا

هنا فتى الفتيانِ!

رَمَتهُ أيدي جُناةٍ

من جيرةِ النيرانِ

قرصانُ بحرٍ تولَّوْا

من حومةِ الميدانِ

لم يخرجوا قيدَ شبر

عن مسبحِ الحيتانِ

ولم يطيقوا ثباتًا

في أوجهِ الفرسانِ

فشمَّروا لانتقامٍ

من غافلٍ في أمانِ

وسوَّدوا وجهَ روما

بالكيْدِ للجيرانِ

تَبًّا لهم من بغاثٍ

فرُّوا من العقبانِ!

لو أنّهم نازلونا

في الشامِ يومَ طعانِ

رأوْا طرابلسَ تبدو

لهم بكلِّ مكانِ

يا ليْتني لم أُعاجَلْ

بالموتِ قبلَ الأوانِ

حتى أرَى الشرقَ يسمو

رغم اعتداءِ الزمانِ

ويستردُّ جلالًا

لهُ ورفعة شانِ

وليعلم الغربُ أنَّا

كأمّةِ اليابانِ

لا نرتضي العيشَ يجري

في ذلّةٍ أو هوانِ!

أراهم أنزلونا

منازلَ الحيوان

وأخرجونا جميعًا

عن رتبةِ الإنسانِ

وسوف تقضي عليهمُ

طبائعُ العمرانِ

فيصبح الشرقُ غربًا

ويستوي الخافقانِ

لاهُمَّ، جدّدْ قوانا

لخدمةِ الأوطانِ

فنحن في كلّ صقعٍ

نشكو بكلِّ لسانِ

يا قومَ إنجيلِ عيسى

وأمّةَ القرآنِ

لا تقتلوا الدهرَ حقدًا

فالملْكُ للديَّانِ

 

ليلى:

إنّي أرى من بعيدٍ

جماعةً مُقْبِلينا

لعلَّ فيهم نصيرًا

هوّن عليكَ تماسكْ

لعلَّ فيهم مُعِينا

إنّي سمعتُ أنينا

 

 

 

(يدخل الطبيبُ المصريُّ ورجالُه مع رجل عربيّ)

الطبيب:

 

 

أظنُّ هذا جريحًا

يشكو الأسى أو طعينا

باللَّه ماذا دهاهُ

يا هذهِ خبِّرينا!

 

ليلى:

لقد دهتهُ المنايا

من غارةِ الخائنينا

صبُّوا عليهِ الرزايا

لم يتّقوا اللهَ فينا

فخفِّفوا من أذاه

إنْ كنتمُ فاعلينا

 

الطبيب:

لا تيأسي – وتجلّدْ

أراك شهمًا ركينا

أبشرْ فإنّكَ ناجٍ

واصبرْ مع الصابرينا

 

(ثمَّ يفحصهُ ويلتفت إلى إخوانه ويقول:)

 

أوَّاه إني أراهُ

للموتِ أمسى رهينا

جراحُه بالغاتٌ

تُعْيي الطبيبَ الفَطينا

وعن قريبٍ سَيقضي

غضَّ الشبابِ حزينا

 

العربي:

أفٍّ لقومٍ جياعٍ

قد أزعجوا العالمينا

قِراهُمُ أينَ حلُّوا

ضربٌ يقُدُّ المُتونا

عقّوا المروءةَ هدّوا

مَفاخرَ الأوّلينا

عاثوا فسادًا وفرّوا

يستعجلونَ السَّفينا

وألبَسوا الغربَ خِزيًا

في قرنهِ العشرينا

وألجموا كلَّ داعٍ

وأحرجوا المُصلحينا

فيا أورُبّةً مهلًا

أين الذي تدَّعينا؟

ماذا تريدين منّا

والداءُ أمسى دفينا؟

أين الحضارةُ؟ إنّا

بعيْشِنا قد رَضِينا!

لم نؤذِ في الدهر جارًا

ولم نخاتلْ خَدِينا

"مسرّةَ" الشامِ إنّا

إخوانُكُم ما حَيِينا

ثقوا فإنّا وثِقْنا

بكم وجئنا قطينا

إنّا نرى فيكَ عيسى

يدعو إلى الخيرِ فينا

قرَّبْتَ بين قلوبٍ

قد أوشكتْ أن تَبِينا

فـأنت فخرُ النصارى

وصاحبُ المسلمينا

 

الجريح:

رأيتُ يأسَ طبيبي

وهمسَهُ في فؤادي

لا تندبيني فإنّي

أقضي وتحيا بلادي!

 

العربي:

أستودعُ اللهَ شهمًا

ندبًا طويلَ النجادِ

أستودعُ اللهَ روحًا

كانت رجاءَ البلادِ

فيا شهيدًا رمَتْهُ

غدرًا كُراتُ الأعادي

نمْ هانئًا مطمئنًا

فلم تنم أحقادي

فسوف يرضيكَ ثأرٌ

يذيب قلبَ الجمادِ