جوجو لم تأتِ ماتيلد، ولم ترَ غوغان
31-07-2016

 

إلى حنجرة جاك بريل جوجو في وداع مادلين

 

ذهبتَ إلى خُلدِ اللحن وجنّةِ الغناء/ لم ترَ "غوغان" في لوحتِه الناريّة يشاغبُ صبايا تاهيتي بألوانِ الطيور/ يداعبُ بريشته سماءَ الغربة/ لم يجِئ لأنّ ربَّ الكون كان يُلقّنه أسرارَ الحياة/ مهامَّ الفتح/ منصرفًا إلى تعريف المنتهى/ قواعدِ الرغبة/ منشغلًا بتلوينِ الشمسِ النائمةِ على خدّ المحيط/ لاهيًا بقطف تفّاحةِ الجحيم/ ثمِلًا بأناشيدِ داوودَ في سدرةِ المُنتهى/ لم تُلاقِهِ لأنّ بصرَك كان يغزل لحنَ الوداع/ توديعةَ أصدقاءِ الحانة/ مادلين ساعتَها تُهدهِدُ سريرَ النعيم/ تُرضِعُ صبيّةَ الحنّاء بحليب العشق النقيّ بثديٍ ورديِّ الحلمة/ بالآخَرِ تُسقي ملاكَ الماءِ في لوحة غوغان على نهر الليلك/

لم ترَ حتّى رداءَ غوغان الموشّى بأزهارِ تاهيتي/ قبلاتِ صبايا النُهيْر حيث يغترفنَ شَهدَ الماء/ يَقترفن خطيئةَ الشبق/ لم ترَه لأنّ غوغان ساعتَها كان يخطُّ بقصبِ ألوانه/ مداد وَلَهه/ تعريشةً من عنبِ الأبد على شمع الجنّة/ نصًّا مقدّسًا قداسةَ اللونِ/ ومتساميًا كجِيد بغيٍّ مطرّزٍ بعقد زيتونِ حيفا في زفافها/ حبّاتِ رمّانِ قرطاج في تواشيحها/ منشغلًا ببوصلة الماء/ ترنيمةِ المدى على أطراف مخملِ الهوى لصديق الوحشةِ الذي لم تبقَ له سوى أذنٍ واحدة/ ريشة تداعبُ صمتَ حقلِ عبّادِ الشمسِ تحت وهج السديم/ فراق الصبيّة حاملةً أذنَه الثانية إلى ماخور الهدى/ تنويعة الصدى/ نغم صلاة العاهرة/ تعويذة الرُعيان في ليالي الشتاء/ خمرة عسس الليل في هيامهم تُرَجّعُهُ الجبالُ في مهبّ قلب آرل الرحيمة/

اشتياق القرطاس ينمنمُ حروفَ الخَديعة/ يُخادعُ نقوشَ الأبد/ عليه يَزرعُ الأُذنَ الجديدةَ للأصمّ في عزلته/ المتوحّدُ في صومعة اللون ومشكاةِ الريشة يبتهلُ إلى سيِّد التراب والماء/ نجمِ البيلسان/ شمسِ عبّادِ الشمس/ رائحةِ قوس القزح/ تجلّياتِ البرق/ سنونوةِ الربيع في اخضرار العود/ جنونِ القيثارة وبوح الأريج/

لم ترَه لأنّه يُسطّرُ على سرير الحبيبة أناشيدَ المُنتهى/ ينقشُ عقيقَ الشهوة/ مُنشَغِلًا باستكشاف حمرةِ الدم على سكّين الأضحيّةِ المفقودة وآثار الأذن الذبيحة/ لم يجِئ في غبار الطريق/ لكنّه قادمٌ في مستقبل اللحن/آتٍ في خاصرة النوم/ سناءِ نساء تاهيتي الشامخات بوهج الرغبة/ ليعانق شبقَهنّ السرمَديّ/ يَحضنُ ربيعَهنّ الريّان السَخيّ/ سيأتيكَ مُحَدِّثًاعن عبث الدهر/ لوعةِ البورجوازيّ النبيل/ قُدسيَّةِ العاهرات/ لعنةِ القوانين/ سطوةِ الخنجر في يد القرصان/ يَسرُّ إليك عن الأذن المسروقة بفتوى الربّ وشراكةِ الشيطان/ يهمس لك بأسرار عبّادِ الشمس/ وشاحِ النهر/عَبَقِ السبيل/ حذاءِ الناطور/ خَديعةِ الثعلب/ سورِ الجنّة/ مفتاحِ الدهاء.

سيأتيك مُضمّخًا بجنون كرسيّ الإله/ مثلّث الشبق بين فخذيْ عاهرته النائمة على عشب السماء/ ستُلاقيه بإذن نبيّ الضياع مداويًا جِراحَ اللون/ كرسيّ العرش/ مُطبّبًا فَراشي السهاد/ سهد الفتنة/ سَتراهُ في أفق السرّة/ سريرَةِ الندى/ سيرورةِ النهى/ سطوةِ الخيل/ سيَراكَ في إزار الوَله/ قميصِ التدَلّه/ قبّعةِ الحصاد/ حنطةِ البوح/ في المباح وغير المباح/ في شمشمة الذئب لدماء سكّين الغدر/

فانتظرهُ هناك/ انتظرْه عند مصبّ النهر/ ملتقى العشّاقِ ونداءِ الطير/ انتظرْه حتّى يغطّ عبّادُ الشمس في تلاوة صلاةِ المساء على ماء الشهوة/ انتظرْه حيث تُطهِّرُ عاشقاتُ الحقل جرارَ الرغبة/ تملأ الصبايا أوعيةَ الغربة/ انتظرْه حتّى يطلّ إلهُ اللون الأصفر على صهيل معراجه الأبيض/ حتّى تقطُرَ دموعُ المسيح من رغيف يهوذا/ تَضع أكتافه الهزيلة صليبَ الأسى في حضن مريم وسديم الأبد/ سيُطلُّ كوجه عاهرةٍ طهَّرَها النوم/أسرَتها حلاوةُ المضاجعة/ سيأتي بكراسيه الباكية/ رأسه المعصوبة/ أذنه المفقودة/ عاهراته النائحات/ ريشه المخضّب بحنّاء الدم/ سمّ الأسى/ غبار الوقت/ هيام الطير/ برذاذ مزهريّاته/ عفن فاكهته/ نكهة أساريره/ اختلال توازنه/ سيأتي بباب مَشفاه/ عَرجِ مشيته/ ستَراهُ في مشيمة الفرح/ فرحةِ الولادة/ سيأخذكما نوتيّ الخيال إلى قنوات أمستردام/ مرابعِ روتردام/ حنان التوليب الملوّن بشال أميرات الماء/ ستُحَيّي قداسةَ جدّك رامبرانت في جلالة طلعته/تطلع في عيونكما أسئلة الشكّ/ بين أيديكما تتفجّرُ ينابيعُ الشمعدان/ لاهوت إسبينوزا في حرقة السؤال/ ستكون شاهدًا على لوعتكما/ لا تنسَ تلاوة الوصايا والمدائح التي دوّنَها شيخكما أرازموس بمشاركة آلهة الجنون/ ستكونان ضيفان بخفّة الريش على قوارب بحّارة أمستردام ونوارسها/ سيرسم لكما فان غوغ البورتريه الأخير في وليمة  الحشيش/ أعشاب البحر/ سترسل يا جوجو أحلى أغانيك إلى غانيات الموانئ الجوّالة/ كائنات البحر/ ستكون لكما جلوة العروس/ جولة الطاووس في فناء بيت الله/ سهول الأنبياء/ ستحييكم الأبقار بحليبها/ نَقّارُ الخشب المشغول بنحت اسمَيكما على أشجار اللوز/ سيُهديك قيثارةً/ لغوغان حاملًا للوحلاته المنثورة في مهبّ الخليقة وحقول اللافندر/ ستُمشّطُ كلماتُك بحنوّ الفراشة شعرَ ماتيلد التي ستطير إلى لقائك/ لن تَترككَ متوحّدًا في بهاءِ الصوت/ رنّة القيثارة/ وهجِالدخان/ بين أشرعة بحّارة التيه في أمستردام/ أقولُ لكَ سترى غوغان وماتيلد/ ستسمعُ صدى فان غوغ مودّعًا الماءَ على قاربِ التوليب/ غروبَ عبّاد شمسه الآفلة على نوارس أمستردام.

أمستردام

يعقوب المحرقي

شاعر وكاتب من البحرين. خريج الكونسيرفاتوار الحرّ للسينما الفرنسيّة - باريس. عمل في الإخراج التلفزيونيّ، وكان رئيسًا لأسرة الأدباء والكتاب، ومديرًا لإدارة الثقافة والفنون – وزارة الإعلام والثقافة في البحرين. نشر العديد من النصوص في مختلف المجلات الثقافيّة العربيّة . صدر له ديوان عذابات أحمد بن ماجد عن در الآداب في بيروت.