سارقُ الأحلام
05-01-2021

 

كان الليل مطرَّزًا بالقليل من النجوم المتلألئة، وهدوءٌ قلقٌ يسود مزرعةَ الحيوانات، وعقاربُ الساعة تجري بثقلها إلى منتصف ليلٍ فاحم. لكنّ أحدًا لم ينم بعدُ، بعد أن سرت شائعةُ التنّين الذي سيتسلّل إلى الحقل كي يسرق الأحلامَ السعيدة.

بحلقت الخرافُ ذعرًا، فتوقّدتْ كجمرةٍ في الظلام، على الرغم من التعب الذي يدبُّ في مفاصلها. همست الدجاجةُ البيّاضةُ لرفيقاتها: "انتبهن للبيْض، فلا قيمةَ لنا من دونه."

كأكأت الدجاجاتُ بصوت مرتفع لتؤكّد يقظتَها. ثم أردفت الدجاجةُ الصفراء: "ليتني أستطيع أن أبيضَ أكثر! ما أجمل الكتاكيت وهي تمشي من حولي!"

وقفت حمامتان منقّطتان فوق سارية الحقل، ونفشتا ريشَهما، وراحتا تراقبان بيقظةٍ وحذرٍ كلَّ نأمةٍ تحدث في فناء الحقل.

همس الكلبُ لزوجته الحسناء: "احذري أن تغفو عيناكِ، فربّما يسرقون جِراءنا الصغيرة. ستكون حرّاسَ الحقل حين تكبر."

رمشتْ زوجتُه بعينيها، وهي تضمّ صغارَها، وقالت بصوتٍ خفيض: "لا عليك، لا يطاوعني قلبي أن أنام والخطرُ يحْدق بنا."

وحدها الخنازيرُ السمينة غطّت في نومٍ عميق، وشخيرُها يقضّ مضاجعَ جميع الحيوانات المذعورة. لكنّ أحدًا لا يتجرّأ على تعكير مزاجها. حتى حمار الحقل يتهيّب النهيقَ خوفًا من غضبها.

يهمس بعضُهم: "الخنازير حيواناتٌ تعيش بلا أحلام."

كانت مَعاولُ الخوف تُصدّع قلوبَ الحيوانات، من دون أن يكون في مقدورها صنعُ أيّ شيء؛ فالعدوّ الذي سيسرق أحلامَها سيهجم بغتةً وفي أيّ وقت.

صعد القطّ الأسودُ على صندوق خشبيّ، وقال: "أيّها الإخوة، ليتنا نضع خطّةً للدفاع عن أحلامنا قبل أن يهجم علينا سارقُ الأحلام!"

لم يُعِرْه أحدٌ اهتمامًا. لكنّ الحمار ضحك، وتمتم بعد حين: "إنّه تنّينٌ ضخم، ضخم، هل تفهم؟ كيف نتمكّن من محاربته؟ يا لكَ من قطّ غبيّ!"

فكّر الأرنب الوحيد في الحقل بحفر نفقٍ كبيرٍ تحت الأرض كي يهرب الجميعُ عند الحاجة. لكنّ الحمار نطق ثانية ساخرًا، وهو يهرش أذنيْه الطويلتيْن: "كفى هراءً أيّها الأرنبُ العنيد. ستُحرقنا نارُ التنّين قبل أن نحفر نفقك، ولن نمسك أحلامَنا إلى الأبد."

كان الديك الروميّ منعزلًا في مكانه بالقرب من خمّ الدجاج؛ فهو، منذ ماتت زوجته، يعاني اكتئابًا حادًّا، ونادرًا ما يخرج من حظيرة الطيور. همس وكأنّه يناجي نفسَه بعد أن رأى حيواناتِ الحقل في مغارة صمتها: "هل سيسرق التنّينُ أحلامي أنا أيضًا؟"

قهقه بصوتٍ عالٍ. ولأول مرة تسمع الحيوانات ضحكته الساخرة.

"مسكين .. الموت أرحم له،" قال الخروفُ وهو يرغو بعصبيّة.

غيّر الديكُ الروميّ جلستَه، وهزّ عرفَه بطريقةٍ طاووسيّة، وسأل نفسَه: "لكنْ هل عندي حلم؟" وانفجر باكيًا وقد تذكّر زوجتَه الراحلة. لكنّه بعد قليل أحسّ براحة وقال: "لو رحلتُ إلى زوجتي فمن المؤكّد أنَّني سأكون سعيدًا. لا حلم يضاهي لقاءَ الحبيب!"

***

شرع الليلُ يزحف، والتعبُ ينال من الحيوانات. وبعد حين استسلم كثيرٌ منها إلى سباتٍ عميق، وانفتحتْ بوّاباتُ أحلامها على مصراعيْها.

كبرت الخرافُ الصغيرة، والكتاكيتُ دثّرها الريشُ وملأ بيضُها سلالَ القصب. وفي ناحية من الحقل وقف ثلاثة حرّاسٍ من الكلاب الفتْية يحرسون حدودَ الحقل بشراسةِ الذئاب.

حين استيقظت الحيواناتُ في الصباح افترشتْ وجوهَها إشراقةُ فرح، وراحت تتهامس بأنّ أحلامَها لم تُسرَق.

لكنها لم تجد الأرنبَ الأبيض؛ فلقد حفر نفقًا في الأرض، ولاذ بالفرار من الحقل، ليعانق حلمَه بالحرّيّة في البراري الواسعة.

المنامة

 

 

جعفر يعقوب

كاتب بحرانيّ.