صادق جلال العظم والأزمة السوريّة: التناقض بين الفرضيّات والاستنتاجات*
30-04-2017

 

 

ليست هذه الورقة معنيّةً بمعاينة الموقف الأخلاقيّ من الأزمة السوريّة، ولا بمراجعة جانبٍ من الإرث الفكريّ الذي تركه الراحل صادق جلال العظم. بل إنّ همَّها ينصبّ، حصرًا، على تقديم عرضٍ شديدِ الإيجاز لمواقف العظم السياسيّة إبّان هذه الأزمة، وعلى التعرّض لها نقديًّا لجهة إبراز التناقض بين الفرضيّات الخاصّة بـ"الثورة المسلّحة" التي تلت الحركةَ الاحتجاجيّةَ السلميّةَ السوريّة من جهة، والاستنتاجاتِ التي تلت هذه الفرضيّاتِ من جهةٍ أخرى. والورقة تَفترض وجودَ حاجةٍ إلى مراجعة هذا المسار ــــ الذي كان الراحلُ جزءًا من حالةٍ معبِّرةٍ عنه ــــ عن طريق توظيفِ أدواتٍ نقديّةٍ لطالما تميّز العظمُ باستخدامها، منذ أن برز مثقّفًا عقلانيًّا لا يتوانى عن نقد الذات العربيّة بعد هزيمة العام ١٩٦٧، ولا يُحجم عن التعرّض لقضايا حسّاسةٍ في المنظومة الدينيّة الراسخة في العالم العربيّ.

أمّا الغاية من عرض التناقض المذكور، فتتّصل بالحاجة إلى مراجعة الفرضيّات المقدَّمة التي بُني على أساسها جزءٌ مهمٌّ من "المسار الثوريّ" في سوريا، ومساءلتِها.

يوظِّف عرضُنا هذا جانبًا من نظريّات "التأطير والحركات الاجتماعيّة" (Framing and Social Movements). ويمكن تعريفُ "التأطير" الذي يواكب ظهورَ حركات اجتماعيّة بأنّه مسارٌ معقّدٌ، غايتُه إعطاءُ معنًى للأحداث التي تنخرط فيها هذه الحركاتُ، ويتعاضد في إنجازه أفرادٌ (مثقّفون، سياسيّون، ناشطون...) ومؤسّساتٌ (أحزاب، وسائل إعلام...)، والقصدُ منه المساهمةُ في الدفع نحو إحداث تغييرٍ في أوضاعٍ سائدة. وهو، بشكله المبسَّط، يقوم على ثلاث مراحل متتابعة في العادة: أُولاها مرحلةُ تشخيص الواقع الذي يُراد تغييرُه (Diagnostic Framing)؛ وثانيتُها مرحلةُ طرح الحلول والبدائل (Prognostic Framing)؛ وثالثتُها مرحلةُ تعبئة الجمهور(1) الذي يُعوَّل عليه لإنجاز التغيير (Motivational Framing).

وزعمُنا هنا أنّ الحالة التي كان الراحلُ جزءًا منها غلّبت التعبئةَ والتحشيدَ على حساب التشخيص وطرحِ الحلول. وهو ما أنتج فجوةً ما بين الفرضيّات التي قدّمها العظم ودافع عنها، والاستنتاجاتِ التي يُمْكن مراقبَ الأحداث السوريّة أن يلمسَها فيما بعد.

يبقى القولُ إنّ العرضَ الآتي يراعي الترتيبَ الكرونولوجيّ للمواقف التي يحيل عليها تحت كلٍّ من عناوينها الفرعيّة الخمسة. لكنّه لا يزعم، طبعًا، الإحاطةَ بالمسألة المتناوَلة بكاملها، ولا بتقديم تحليلٍ شاملٍ لخطاب العظم، أو للحالة التي ينتمي إليها.

 

أولًا: في معنى الثورة وحتميّة دعم الخارج

في مقابلة مع المدن الإلكترونيّة (2017/7/15)، يقول العظم إنّ "الثورة بحاجة إلى مساعدةٍ خارجيّةٍ للإطاحة بالنظام. وهذا غير مستغرب لأنّ حركات التحرر الوطنيّة الشعبيّة كان لها دائمًا أصدقاءُ يساعدونها. هذه هي تجربة القرن العشرين."(2)

الإشكاليّة في المذكور أعلاه تتّصل بالتسليم بضرورة التدخّل الخارجي أو حتميّته أوّلًا، وبعدم البحث في مقاصد المتدخّلين وطبيعةِ مصالحهم وتأثيرِ هذه المصالح في "المسار الثوريّ" ثانيًا.

يمكن القول، بدايةً، إنّ "الثورة،" بتعريفها الكلاسيكيّ والأعمّ، هي مسارٌ مكثّف يُنتج تغييرًا عميقًا في بنى المجتمع ومؤسَّسات الدولة، كما في المنظومة القيميّة الحاكمة أو المهيمنة. ويَعتبر كثير من الباحثين أنّ الثورة تُعرَّف بنتائجها، لا بخصائص مسارِها. هكذا ترى تيدا سكوكبول، مثلًا، أنّ "الثورة" توصف بأنّها كذلك إذا ما تمكّنتْ من إحداث الانقلاب الذي تبغيه.(3) و"الثورة"، بحسب سكوكبول، تحتاج لكي تنجح إلى تضافر جملةٍ من العوامل، بينها إنهاكُ مؤسّسة الجيش بتدخّلٍ أو ضغطٍ خارجيّ. غير أنّها أقرّت لاحقًا بأنّ النموذج الذي قدّمتْه لشرح أسباب ثورات سابقة، فضلًا عن شرح مسارها ونتائجها، في كتابها المرجعيّ States and Social Revolutions، لا ينطبق على "الثورة الإيرانيّة" التي اندلعتْ بعد صدور كتابها بأشهر، إذ لم يحصل أيُّ تدخّل خارجيّ لإنهاك جيش الشاه قبل إسقاطه. وهو أمرٌ شدّد عليه الباحثُ البريطانيّ الراحل فريد هاليدي، الذي تابع أحداثَ إيران عن كثب، وقام بتظهير جملةٍ من خصائص "الثورة" هناك ودراستها (التحرك السلميّ، الطابع المدينيّ، القول بـ"الشرعيّة الثوريّة،"...).

يعني ما ورد أعلاه أنّ فرضيّة العظم الخاصّة بتدخّل الخارج "الصديق" ليست دقيقةً بالمعنى التاريخيّ تمامًا. أمّا التناقض بين هذه الفرضيّة والاستنتاج اللاحق لها فظهر مع البيان الذي أصدره العظم برفقة نحو ١٥٠ شخصيّة معارضة في أيلول ٢٠١٦. هذا البيان دان "السياسات الأميركيّة والروسيّة في سوريا، وعَمَلَ القوّتين المتدخّلتين منذ العام ٢٠١٣ على الأقلّ على إلحاق كفاح السوريين التحرّريّ بحربٍ ضدّ الإرهاب،" قبل أن يصف "النظامَ الدوليّ (الذي يوفّر لسياسيين أمثال أوباما وبوتين وأشباهِهما من معدومي الإنسانيّة أن يتّخذوا قراراتٍ تنتهك حقَّنا في تقرير مصيرنا") بأنّه "نظام غير ديمقراطيّ، معادٍ بشراسةٍ للديمقراطيّة، وينبغي أن يتغيّر."(4)

وهكذا، فإنّ الفرضيّة القائلة بحتميّة الاعتماد على الخارج لإنجاح حَراك الداخل (الذي قمعه النظامُ السوريُّ في الأشهر الأولى)، من دون التدقيق في تداعيات هذا الاعتماد، أوصلتْ إلى خلاصةٍ نقيضةٍ، مفادُها أنّ التدخّل لم يأتِ للسوريين سوى بالكوارث؛ إلى أن انتقل حديثُ بعض النخب المعارضة من الحاجة إلى قلب النظام السوريّ إلى ضرورة تغيير النظام الدوليّ (كما في البيان المذكور)، في ما بدا هروبًا من الواقع إلى أمامٍ مُتخيَّل.

 

ثانيًا: في تشخيص الأزمة: ثورة أمْ حرب أهليّة؟

يقول العظم في مقابلة مصوَّرة على موقع السوري الجديد إنّ "ما يجري في سوريا ليس حربًا أهليّةً معمَّمة، إذ لا نجد طوائفَ معبّأةً عسكريًّا بعضها ضدّ بعضها الآخر؛ باستثناء العمود الفقريّ للسلطة والدولة وأجهزةِ الأمن والقمع، أي الطائفة العلويّة من جهة، والعمود الفقريّ للثورة، أي الأكثريّة الشعبيّة السنّيّة من جهة أخرى."(5)

ليست الغاية هنا المفاضلة بين تشخيصٍ للنزاع وآخر ("حرب أهليّة" أمْ "ثورة" أمْ "حرب على الإرهاب"...الخ). فالتشخيص، كما أسلفنا، جزءٌ من عدّة النزاع (Diagnostic Framing). واستعانتُنا بمفردة "أزمة" في مطلع الورقة يتّصل تحديدًا بكون المصطلح محايدًا إلى حدٍّ ما، ومستخدمًا على نطاقٍ واسعٍ في بيانات المؤسّسات الدوليّة (منظّمات الأمم المتّحدة، الصليب الأحمر الدوليّ... الخ)؛ علمًا أنّ الأزمة هذه تبعتْ قمعَ حركة احتجاجيّة شعبيّة واسعة طالبتْ بإصلاح النظام في بداياتها الأولى.

غير أنّ الإشكاليّة هنا تكمن في تغييب العظم للطابع الأهليّ للنزاع، على الرغم من تسليم معظم الدراسات التي تتناول الوضع في سوريا بوجود بعدٍ أهليّ ما في الصراع. وعلى غياب التعريف الدقيق لمعنى "الحرب الأهليّة" (في القانون الدولي يُستخدم تعبير "النزاع المسلّح")، فثمّة مؤشّرات تدلّ على أنّ الطابع الأهليّ لهذا النزاع متوافر. من ذلك، مثلًا، أنّ إحصاءَ الضحايا (الذي يحتاج إلى كثير من التدقيق بطبيعة الحال) يُظْهر أنّ أعدادهم كبيرة على ضفّتَي الحرب؛ ونكتفي هنا بمثال مأخوذ عن جريدة الحياة اللندنيّة، التي نقلتْ في كانون الأول ٢٠١٤ عن "المرصد السوريّ لحقوق الإنسان" (المعارض) أنّ الجيش السوريّ والميليشيات الحليفة له تكبّدوا ما مجموعُه ١٢٠ ألف قتيل، أيْ ما يساوي نحو ٤٥ في المئة من مجمل الضحايا آنذاك، هذا إذا استثنينا المدنيين الذين سقطوا من "بيئة النظام."(6)

أما التناقض بين فرضيّة غياب الطابع الأهليّ للحرب والاستنتاجات اللاحقة، فنلحظه في النقطة التالية.

 

ثالثًا: في الركون إلى التشخيص الهويّاتيّ للنزاع؛ "العلويّة السياسيّة" مثالًا

يقول العظم في مقابلته مع المدن: "لا يمكن للصراع أن يصل إلى خاتمته من دون سقوط العلويّة السياسيّة، تمامًا كما أنّ الحرب في لبنان ما كان يمكن أن تصل إلى خاتمتها من دون سقوط المارونيّة السياسيّة..."(7)

يبدو العظم هنا ميّالًا إلى تشخيص الصراع على أساسٍ هويّاتيّ ــــ طائفيّ، على حساب استخدام أدوات تحليل مادّيّ تاريخيّ له. الجدير ذكرُه أنّ إشكاليّة الحديث عن "علويّة سياسيّة،" وهو ما انتقده عليه معارضون آخرون، تعود إلى افتراضٍ مفادُه أنّ الصراع يعود إلى منابتَ ثقافيّةٍ أكثرَ ممّا يتصل بشبكةٍ من العلاقات والتحالفات التي تجمع قادةَ النظام السوريّ بأجهزةٍ عسكريّةٍ وأمنيّة، ومؤسّساتٍ بيروقراطيّة، ودوائرَ حزبيّةٍ، وعشائرَ، وتكتّلاتٍ من رجال الأعمال، الخ. ثمّ إنّ الفارق بين "المارونيّة السياسيّة" و"العلويّة السياسيّة" المفترضة يتصل أوّلًا باختلاف التشكّل التاريخيّ لكلٍّ من النظاميْن في سوريا ولبنان، فضلًا عن الفوارق بين بيئتيْهما الحاضنتيْن والقدرات الاقتصاديّة لكلٍّ منهما.

وهذا الخطاب، الذي أريدَ منه تشخيصُ الحالة السوريّة بغية تغييرها واستبدال انسدادها بأفقٍ سياسيّ أفضل، يتناقض مع التأطير التعبويّ، الذي يصبّ في هذه الحالة في مصلحة خطابٍ إسلامويّ متطرّف، يقوم على منطق التغلّب على صاحب "الهويّة الطائفيّة" المغايرة وإخضاعه. والحديث عن البدائل هنا يتصل بالنقطة الآتية.

 

رابعًا: في تقييم بدائل النظام؛ الجماعات المسلحة

يقول العظم في حوار مع مجموعة الجمهوريّة إنّ "اليسار تراجع إلى خطّ الدفاع الثاني، المتمثّل في برنامج المجتمع المدنيّ والدفاع عنه في وجه الاستبداد العسكريّ الأمنيّ العائليّ من جهة، والظلاميّة الدينيّة القروسطيّة الزاحفة من جهة أخرى. هذه الكتلة من اليسار، عمومًا، متعاطفة مع الثورة السوريّة."(8)

تحمل هذه القراءةُ تناقضًا في داخلها: بين فرضيّةٍ تقول بانفصال "الثورة" عن التطرّف تمامًا، على الرغم من شواهدَ كثيرةٍ تفيد بخلاف ذلك؛ وبين الدعوة إلى مواجهة "الظلاميّة الدينية القروسطيّة الزاحفة." والتناقض بين هذه الفرضيّة، وبين وقائعَ ملموسةٍ تفيد بعكسها، برز كذلك في غيرِ حالةٍ ومحطّة.

فمثلًا، في حوارٍ آخر مع جريدة الرأي يقول العظم إنّ "أمام الائتلاف [المعارض] مهمّةَ تشكيل حكومة انتقاليّة، خصوصًا أنّ هناك أراضي محرّرة من سيطرة النظام، ليس فيها عسكر أو مخابرات أو أتباع لحزب البعث، وبالتالي أصبحتْ محرَّرة بالكامل".(9) أمّا الاستنتاج النقيض فيمكن استخلاصُه من حادثة هروب رئيس أركان "الجيش الحرّ" سليم إدريس بعد يومين من دخوله شمالَ سوريا، الذي يُفترض أنّ تحريرَه كان قد اكتمل، وذلك إثر مطاردة جماعات متشدّدة له، بعد حديث العظم بنحو عام.(10)

وفي الحوار نفسه، رأى العظم أنّ "انتخاب معاذ الخطيب [رئيسًا لــــ"ائتلاف قوى الثورة"] ردٌّ على الذين يقولون إنّ الثورة السوريّة وقعتْ تحت سيطرة الإسلاميين المتشدّدين." أمّا الخلاصة المعاكسة فظهرتْ على لسان الخطيب نفسه، الذي استقال بعد أشهر من رئاسة "الائتلاف." وتظهر أيضًا في تصريحٍ له انتقد فتاوى الجهاد في سوريا قائلًا إنّها "تزيد العمى السياسيّ،" مضيفًا "أنّ هناك دولًا تخاف من البعبع الإيرانيّ وتريد تحويلَ الصراع إلى بلاد الشام للخلاص من الجماعات الجهاديّة ومن حزب الله معًا."

 

خامسًا: في توقّع مسار الأحداث

يقول العظم في حواره المذكور مع الرأي إنّ "هناك إجماعًا على أنْ لا مكانَ في سوريا لهذا النظام بعد اليوم، مهما حدث، ومهما كانت النتائج." لكنّه يقدم استنتاجًا نقيضًا في مقابلته المصوّرة على موقع السوري الجديد في ما بعد، إذ يرى أنّ "كلّ تنبّؤ في مجال الثورة السوريّة لا يصحّ، وإنْ صحّ واحدٌ منها فإنّما هو بمحض الصدفة؛ فكلّ الاحتمالات مفتوحة حتى آخر لحظة."

وفي الحوار ذاته مع الرأي يرى العظم أنّ "الدعوات التي أطلقتْها كتائبُ إسلاميّةٌ في حلب لإنشاء دولة إسلاميّة هي ظاهرة عابرة." أما الخلاصة النقيضة لهذه الفرضيّة فجاءت على شكل وقائع صلبة فَرضتْ نفسَها على الأرض، إذ إنّ الدعوات تلك تدحرجتْ وأثمرتْ، بعد عام ونصف العام، قيامَ خلافة "داعش" على شطر واسع من الأراضي السوريّة (في منتصف العام ٢٠١٤).

ويمكن الاستطرادُ في عرض التناقض بين توقّعات العظم ومآلاتِ الأحداث، وصولًا إلى قضايا الإقليم وانعكاساتها على الوضع السوريّ. ففي مقابلةٍ على موقع السوري الجديد، بعد عزل الرئيس المصريّ الأسبق محمد مرسي، يقول العظم إنّ "الديكتاتوريّة العسكريّة التقليديّة كما عرفناها لم تعد ممكنةً في مصر بعد اليوم. والشيء الأرجح والأكثر واقعيّةً لمصر هو شيءٌ ما على نسق الوضع التركيّ السابق على حكومة أردوغان وحكمه؛ أيْ عودةُ الجيش إلى ثكناته، وتركُ واجهة المسرح السياسيّ للمجتمع المدنيّ والأحزاب والدستور وصناديق الاقتراع." ويضيف أنّ "سقوطَ الإسلام السياسيّ في مصر سيقلّص، إلى أبعد حدٍّ، احتمالاتِ سيطرة أيّ نوع من أنواع الإسلام السياسيّ على الحكم والدولة في سوريا الجديدة التي تولد من رحم الثورة." لكنّ ما حصل في الواقع كان مغايرًا للتوقّعين معًا: فلا إزاحةُ مرسي ولّدتْ ديمقراطيّةً وأعادت الجيشَ إلى ثكناته، ولا سقوطُ الإسلام السياسيّ في مصر قلّص من حجم الإسلاميين في الثورة المسلّحة في سوريا.

وخلاصة ما سبق أنّ العظم كان، كما أسلفنا، يغلّب التأطيرَ التعبويّ الذي أراد من خلاله المساهمةَ في التغيير ــ كمثقف عضويّ على صلةٍ بـ"طبقة" الناشطين المدنيين والمقاتلين المسلّحين، وكسياسيّ عضو في "ائتلاف قوى الثورة" المعارض. لكنّ تغليبَه هذا كثيرًا ما جاء على حساب تشخيص الوقائع ووصفها كما هي، ومن ثمّ طرح حلولٍ أو بدائلَ أو خططٍ قابلةٍ للتنفيذ.

أمّا هذه الخلاصة فتعني، بدورها، جملةً من الأمور. أوّلُها أنّ المقدِّمات التي استند إليه الراحل، كما الكثير من المعارضين السوريين، كانت أكثرَ تعقيدًا ممّا كان الظنُّ سائدًا بينهم؛ أو أنّها تغيّرتْ بأسرع ممّا افترضوه (الأمر ذاته ينطبق على النظام وبيئته بطبيعة الحال). وثانيها أنّ تدنّي الحسّ النقديّ المرافق للأحداث السوريّة ساهم في تعميق الفجوة بين الواقع والمُتخيَّل في بيئة المعارضة، إذ يصعب مع غلبة التفكير الرغبويّ في الحالة السوريّة توقّعُ نتائجَ مطابقةٍ للتصوّرات. وثالثُها أنّ المثقف صاحبَ الإسهامات الفكريّة الكبرى ليس بالضرورة سياسيًّا بارعًا.

وكلٌ من هذه العناوين الثلاثة يحتاج إلى بحثٍ مطوّل لا يتسع له المجالُ هنا.

 

بيروت

 


* جزء من ندوة عُقدت في الجامعة الأميركيّة في بيروت بتاريخ 21 نيسان 2017، تحت عنوان "تكريم صادق جلال العظم - فكره وإرثه."

1- Robert Benford and David Snow, “Framing Processes and Social Movements: An Overview and Assessment,”Annual Review of Sociology, 26 (2000), 614 - 617

2- http://www.almodon.com/print/510245b1-8cac-447a-899e-ea8b01db740c/faf28827-d560-4e88-b208-02cef9ea892d

3- Brecht De Smet, “Revolution and Counter-Revolution in Egypt,” Science and Society 87 (2014),11

7- راجع الهامش رقم 2.

10- Rima Abushakra and Adam Entous, “Top Western-Backed Rebel in Syria is Forced to Flee,”The Wall Street Journal, 11/12/2013

ربيع بركات

منسّق برنامج التدريب الصحافيّ وأستاذ مادّة الإعلام في الجامعة الأميركيّة في بيروت. درّس مادّةَ الإعلام في الجامعة اللبنانيّة الأميركيّة، ومادّة "السياسة في الشرق الأوسط" في جامعة إدنبرة البريطانيّة، أثناء إنجازه رسالة الدكتوراه التي تناولتْ تأثيرَ قناة "الجزيرة" وضيوفها المعلّقين على مسار الأحداث خلال "الربيع العربيّ." ترأّس قسم "قضايا وآراء" في جريدة السفير اللبنانيّة بين العامين ٢٠١٤ و٢٠١٦. عمل في مجال الإعلام المرئيّ والمكتوب منذ العام ٢٠٠٤ في صحف وقنوات لبنانيّة وعربيّة: محرِّرًا، ومراسلًا ميدانيًّا، ورئيسَ تحرير نشرات أخبار، ومذيعَ أخبار، ومقدّمَ برامج سياسيّة. شارك في تغطية تداعيات الحرب الإسرائيليّة على غزّة (٢٠٠٨  ــــ ٢٠٠٩) و"الثورة الليبيّة" (٢٠١١). حاز شهادةَ الدكتوراه من جامعة إدنبره البريطانيّة في العلوم السياسيّة والإعلام (٢٠١٦)، وشهادةَ الماجيستر في العلاقات الدوليّة من الجامعة اللبنانيّة الأميركيّة (٢٠١١)، وإجازةً في الحقوق من الجامعة اللبنانيّة (٢٠٠٦). قدّم أوراقًا بحثيّةً في مؤتمرات في جامعات أوكسفورد، وكليّة لندن للاقتصاد، وجامعة فرايبورغ. شارك مع مجموعة باحثين في تأليف كتاب بعنوان سياسة الطائفية في لبنان بعد الحرب (٢٠١٥ ٬ صادر عن "بلوتو برس" في نيويورك).