قصيدتان
09-07-2016

 

 

1 ـ على منصّة العرض

ملأتُ سلّتي بمحارٍ ناضج،
تدثّرتُ بمعطفٍ من جلد الأُيّل،
وولجتُ ذلك الوادي الرهيب.
اتّكلتُ على سوار في المعصم

ليحميني من غضب روحه المعذّبة.
بلامبالاةٍ، مررتُ أمام عينيه القاتلتين.
لم أجزعْ؛
كنتُ أدركُ أنّ وحشته فوق طاقته.

               ***

على الشاطئ الرمليّ أصدافٌ فارغة؛
أصدافٌ بألوان البحر كلّها؛
أصدافٌ لا تخفي جوعَها إلى أصوات الأرض،
إلى زعيق الطيور العائدةِ إلى أعشاشها،
وإلى الشذى المفرح لوجوهٍ قمريّة دوّخها النور؛
أصدافٌ فارغةٌ تفكّك حريقَ النجوم
إلى بشاراتٍ طيّبة.
               ***

وأنا أصعد،

كان قلبي يخفق سعيدًا،
بينما كان النحيبُ داخلي يخبو رويدًا رويدًا.
لم أعد أطرح أسئلةً على الصاعدين معي؛
صرنا معلّقين بين السماء والأرض.
لا أحد على عجلةٍ من أمره،
وكلّما اكفهرّ الفراغُ من حولنا
كنا نصطنع هدوءنا،

ونصعد،
نصعد.
               ***

في دائرة النور سِرنا متخاصرَيْن
ونحن نتحاشى تلك العينَ القاسيةَ

بعد أن فشلنا في إبطال سحرها.
صرنا نرسم أقواسًا في الهواء لأسْرها
وإبعادِ الخفافيشِ عن وجهيْنا.
كم بدوتَ حينها قريبًا
في وقارِكَ الصامت.

               ***

على منصّة العرض،
أطيلُ النظرَ إلى نسائك القويّات،
وألمسُ المشبكَ العالقَ بخيوط الحرير على صدرِك،
ونظرتك الكاسرةَ في صور العائلة المعلّقةِ على الجدار،
وكأنّني صداك.

               ***

لم أفهم نصفَ ما كنتَ تقوله،
وأنت تنقرُ على الزجاج.
أطيافٌ ملوّنةٌ كانت تتراقص أمامي،
حالت دون ذلك.
كم بدوتَ مثيرًا للشفقة
كسمكةٍ في حوض؛
سمكةٍ تنقر على الزجاج.
               ***

كنتُ أحمل سلّةً مليئةً بالزهور

حينما أشرتَ إلى الهضبة المكشوفة قائلًا:
"أعيش هناك، حيث ينبت الليلكُ بجنون،
بالمناسبة، أنتِ تشبهين زهرة الليلك."
حقًّا...
يا لنقلة الخصم الخطرة!

 

2 ـ من الأرشيف
ومن ثمّ أدركتُ أنّني كنتُ وحيدةً وأنا
أقتفي أثرَ ذكرياتٍ بدت مُضجرةً

حسب ترتيبها الزمنيّ،
فآثرتُ تركَ البابِ مواربًا على الصور
التي شغفنا بها معًا...
على الموسيقى والأحلام...
على الجوع إلى الشعْرِ والحياة،
رغم حرصنا على رقعة الحذرِ بيننا،
ورغم اللمعةِ الحادّةِ في الأعين،
واللغةِ المخاتلة.
وكلّما تنهّد البحرُ

كنّا نضحك من قرارةِ قلبينا،
ونحن نصغي إلى قعقعة مكعّباتِ الثلجِ في الكؤوس،

بينما كان البحر يتنهّدُ خلفنا
في الصور الفوتوغرافيّة القديمة.

               ***
حقًّا،

كلٌّ منّا أراد النجاة،

وبالقَدْر الذي يشتهيه!
معًا،

حدسْنا أنّ لعبتنا مع الأرباب ستكون خطرة،
فأبقينا على نظرتنا المتهيّبة إلى حياةٍ
لم تمنحْنا أسرارَها كاملةً،
وأطلْنا الحديثَ عن الرعب
في مناورته الصريحة مع وجودنا.

               ***
كم كان وعيُنا حينها حارقًا وصادقًا،
وكم بدتْ حجّةُ البحر قويّةً وهو يتنهّد خلفنا
في الصور الفوتوغرافيّة القديمة!
 

سوريا

 

لينا شدود

شاعرة من سوريا. صدرت لها المجموعات التالية: لا تشِ بي لسكان النوافذ (2009)، أمكث في الضّدّ (2011)، لمّا استقبلني الماء(2013). ترجمتْ كتاب الهايكو للشاعر الأميركي جاك كيرواك (2014).