موقع فنزويلّا في"الحديقة الأميركيّة الخلفية"
22-02-2019

 

تجدُ سياسةُ الولايات المتّحدة مجالَها الحيويَّ ومسرحَ حَراكها، حربًا وسلمًا، بناءً على نواياها الإلحاقيّة، وعلى عقيدة "الأمن القوميّ الأميركيّ." ووفق المنظور الأميركيّ الشماليّ هذا، فإنّ أميركا اللاتينيّة تحديدًا ليست سوى "الحديقة الخلفيّة" للولايات المتّحدة؛ وأمّا العالم كلّه، ولا سيّما البلدانُ الغنيّة بالثروات والمواقع العسكريّة الإستراتيجيّة، فهو من ضرورات "الأمن القوميّ الأميركيّ."

تقوم السياسةُ الأميركيّة، بشكلٍ عامّ، على ثلاثيّة: "العدوّ والحرب والفرصة." سنة 1823، بدأ الرئيس الأميركيّ جيمس مونرو الحديثَ عن ضرورة توسيع الاتّحاد الأميركيّ جنوبًا، بعد حرب الشمال والجنوب، وبعد السيطرة على ولاياتٍ كانت تحت الحكم الإسبانيّ. ثمّ جاء وزيرُ خارجيّته (صار رئيسًا للولايات المتّحدة فيما بعد)، جون كوينسي أدامز، ليعتبر بورتوريكو وكوبا جزيرتيْن جاهزتيْن للضمّ إلى الاتّحاد الشماليّ، وأنّ كوبا على وجه الخصوص ستسقط في حضن الولايات المتّحدة كما تسقط "التفّاحةُ الناضجةُ على الأرض." وعليه، فإنّ حكاية وضعِ أميركا الشماليّة يدَها على أميركا اللاتينيّة، وأطماعِ الأميركيّين في خيرات هذه الأخيرة، ليست جديدةً، مع ملاحظة تنامي نزعات الهيمنة الإقليميّة والدوليّة لدى الإدارات الأميركيّة المتعاقبة.

بعد الحرب العالميّة الثانية، أنشأت الولاياتُ المتّحدة "منظّمةَ الدول الأميركيّة،" ثمّ "حلفَ شمال الأطلسيّ." كما نشرتْ مئاتِ القواعد العسكريّة لضرورات الهيمنة والتدخّل السريع، فكان من نصيب أميركا اللاتينيّة عشراتُ القواعد التي تتكامل ضمن استراتيجيّة الأمن الأميركيّ: بدءًا من جزيرة "ميتا" التابعة للإكوادور في المحيط الهادئ، وصولًا إلى بورتوريكو، مرورًا بأربع عشرة قاعدةً في بنما، وقاعدة غواتنامو في كوبا. تضاف إلى ذلك التسهيلاتُ التي تتلقّاها القوّاتُ الأميركيّةُ في الدول الدائرة في فلك السياسة الأميركيّة. وكان من نتائج هذه السياسة:

- التدخّلُ بهدف ضرب الحركة الثوريّة، بقيادة جاكوبو أربِنز، في غواتيمالا سنة 1954؛

- معركةُ خليج الخنازير ضدّ الثورة الكوبيّة الفتيّة سنة 1960، وفرضُ الحصار الاقتصاديّ الأطول في التاريخ ضدّ كوبا؛

- التسبّبُ في أزمة الانقلاب الدمويّ في التشيلي سنة 1973، ورعايتُه، ضدّ الرئيس سلفادور الليندي، المنتخَبِ ديمقراطيًّا؛

- تسليحُ جماعة سوموزا لإسقاط الحكم التقدميّ في نيكاراغوا.

- دعمُ الديكتاتوريّات العسكريّة في البرازيل والأرجنتين والسلفادور.

ومن نافل القول إنّ هذه الديكتاتوريّات، بتأثيرٍ من السياسة الأميركيّة، وأداتُها البنكُ الدوليّ، أغرقتْ شعوبَها في ديونٍ خارجيّةٍ ضخمة غير قابلة للدفع، ما أثّر سلبًا في التنمية المادّيّة والبشريّة وفي كلّ ما اتصل بحياة الناس اقتصاديًّا واجتماعيًّا.

 

وصولُ تشافيز إلى الرئاسة: حلقة مفصليّة

بعد انهيار الاتحاد السوفياتيّ ودخولِ العالم زمنَ الأحاديّة القطبيّة الأميركيّة وطموحاتِها في السيطرة على العالم؛ ومع عولمة القيم الأميركيّة بدءًا من الشرق الأوسط، وصولًا  إلى مواجهة التأثير المتسارع للعملاق الصينيّ (ولاسيّما في الحقل الاقتصاديّ)؛ وصل هوغو تشافيز، ذو الميول اليساريّة، إلى رئاسة الجمهوريّة الفنزويليّة بانتخابات شعبيّة ديمقراطيّة سنة 1999.

 

التفاف شعبه حوله اسقط المشروع الأميركي

 

كان أوّل ما فعله تشافيز في السياسة تعزيز علاقته بالرئيس الكوبيّ فيدل كاسترو، العدوِّ اللدودِ للسياسة الأميركيّة. لذا، وبعد أن اتّضحتْ معالمُ سياسة تشافيز في أقلّ من ثلاث سنوات، رعت الإدارةُ الأميركيّةُ سنة 2002 انقلابًا عسكريًّا ضدّه، حال دون نجاحه تدفّقُ بحرٍ من البشر الغاضبين الذين حاصروا مختطفي الرئيس، وأعادوه إلى منصبه الشرعيّ. بكلام آخر: إنّ حجم الالتفاف الشعبيّ حول الرئيس تشافيز وسياسته قطع الطريقَ على محاولات التخلّص الأميركيّ منه. وما لبث تشافيز، بسياسته الداخليّة والخارجيّة على امتداد أميركا اللاتينيّة والعالم، أن تحوّل إلى حلقةٍ مفصليّةٍ في صراع الولايات المتّحدة مع فنزويلّا.

في هذه السياسة نفسها نستطيع أن نقف عند أسباب الصراع الراهن بين أطماع الولايات المتّحدة والثورة البوليفاريّة الاشتراكيّة، وكيفيّة اتخاذه طابعًا إقليميًّا ودوليًّا. إنّ مقاربةً موضوعيّةً لِما كانت عليه أكثريّةُ الشعب الفنزويليّ قبل وصول تشافيز إلى الحكم، وما صارت عليه أوضاعُها بعد عدّة سنوات، تكشف أنّ سياسة الرئيس تشافيز الداخليّة في الاقتصاد والمجتمع، وبالمنحى الإشتراكيّ الذي اتّخذتْه، قد استجابت  لمصالح الأكثريّة الشعبيّة من العمّال والفلّاحين والفقراء وذوي الدخْل المحدود والبورجوازيّة الصغيرة.

- فقد استطاعت، مثلًا، تأمينَ التعليم والتربية للجميع، إذ أمكن محوُ الأميّة في غضون بضع سنوات، وذلك بالتعاون مع كوبا، واستلهامًا لتجربتها الرائدة. وكانت حكومةُ الرئيس تشافيز تدفع راتبًا لكلّ أمّيّ كي يتعلّم، مستفيدةً من إمداد كوبا لها بخمسة آلاف معلّم. وبنى تشافيز، في عهده القصير، أربع عشرة جامعة للتعليم العاليّ.

- كما استلهمتْ فنزويلّا التجربةَ الكوبيّةَ في مجال الصحّة، إذ استقدمَتْ من كوبا 15 ألف طبيب وممرّض،[1] ثمّ أنشأت المستشفيات في جميع المناطق، وعمّمت المستوصفات في الأحياء والقرى. وهكذا حظي الفقراءُ، لأوّل مرّة في تاريخهم، بالرعاية الصحيّة.

- كما رفع تشافيز الحدَّ الأدنى للأجور، حتى غدا الثاني بعد الأرجنتين في أميركا اللاتينيّة.

- وخطا تشافيز خطواتٍ سريعةً نحو توزيع الأراضي على الفلّاحين والراغبين في الإنتاج الزراعيّ. وعزّز سياسةَ الإسكان للفقراء وذوي الدخل المحدود. كما مدّ المناطقَ الفقيرةَ بالماء والكهرباء والهاتف ومجاري الصرف الصحّيّ.

أمّا على مستوى أميركا اللاتينيّة، فقد قام تشافيز بمبادرات تهدف إلى توحيد الموقف السياسيّ والتكامل الاقتصاديّ من أجل تقليص النفوذ الأميركيّ، وتحريرِ شعوب أميركا اللاتينيّة من سياسات النهب والاستغلال. لذا أنشأ ما أسماه "الخيار البوليفاريّ لأميركا اللاتينيّة،" وهو ذو أهدافٍ تكامليّةٍ انضوَتْ تحت رايته معظمُ الدول التي انتصر فيها اليسارُ والديمقراطيّة، ومنها: فنزويلّا، وكوبا، ونيكاراغوا، والإكوادور، وبوليفيا. كما أنشأ "مجموعةَ أميركا اللاتينيّة والكاريبي،"  بديلًا من "منظّمة الدول الأميركيّة" التي تسيطر عليها الولاياتُ المتّحدة. وأقام "سوقَ الجنوب المشتركة"  في مواجهة اتفاقيّة التجارة الحرّة،  صنيعةِ الولايات المتّحدة، حيث القويُّ يأكل الضعيف.

وردًّا على مبدأ الحماية الاقتصاديّة التي تفرضها الإدارةُ الأميركيّة على بضائع بلدان أميركا اللاتينيّة، ومن أجل حماية الثورة البوليفاريّة، عمد تشافيز إلى الاهتمام بمصالح الشعب الحيويّة بالتنمية الماديّة والبشريّة. ومن أجل تعزيز هذه الحماية، عمد إلى نسج علاقات متينة مع روسيا والصين وإيران ومجموعةِ دول البريكس، وانتصر للبنان وفلسطين والعراق وسوريا وليبيا في مواجهة المشاريع الأميركيّة والصهيونيّة. وفي ترجمةٍ لهذا الموقف، قطع تشافيز العلاقاتِ بـ"اسرائيل،" إثر حربيْها المدعومتين من الولايات المتّحدة، ضدّ لبنان سنة 2006 وضدّ غزّة سنة 2008 ــ وهو ما لم يفعله أيُّ رئيسٍ عربيّ أقام علاقاتٍ مع هذا العدوّ.

والحقّ أنّ هذه السياسة هي التي وضعتْ تشافيز، وبعده مادورو، في صدارة مناهضي السياسة الأميركيّة، لا سيّما في أميركا اللاتينيّة. فهذه الثورة هي المستهدفة لِما فيها من قوّة مثالٍ للشعوب الأخرى، ولقدرتها على منع الشركات الأميركيّة العملاقة من استغلال ثروات فنزويلّا، وفي مقدمتها الاحتياطيُّ الكبير من النفط القريب من الولايات المتّحدة. إنّ سياسة تشافيز أعادت الصراع بين الرأسماليّة والإشتراكيّة إلى الواجهة، بما هو صراعٌ مستمرّ وعميق وشامل.

 

فنزويلّا والأزمة الراهنة

ينتهج الرئيس نيكولاس مادورو سياسةً أمينةً لسياسة تشافيز، التي شكّلت أساسَ الأزمة الراهنة مع الولايات المتّحدة ومع أداتِها المعارضة الفنزويليّة. غير أنّ الظروفَ الاقتصاديّة والحصارَ الأميركيّ المضروبَ على فنزويلّا صعّبتْ تلبيةَ الحاجات المعيشيّة وموجباتِ التنمية كما كانت الحال في عهد تشافيز. فبعد أن عمّمتْ حروبُ جورج دبليو بوش كراهيّةَ العالم للولايات المتّحدة، لجأ باراك أوباما إلى أسلوب الحرب الناعمة القائمة على الضغوط الاقتصاديّة، وافتعالِ المشاكل، والتدخّلِ بالواسطة، والقيادةِ من الخلف. فقرّر الانسحابَ من العراق تحت ضربات المقاومة، وأتى بـ"داعش" وأخواتها لتمزيق النسيج الاجتماعيّ لشعوب المنطقة ضمانًا لأمن "إسرائيل،" وللسيطرة على النفط وبناءِ الشرق الأوسط الذي يستجيب لضرورات "الأمن القوميّ الأميركيّ." أمّا في أميركا اللاتينيّة فقد أعلن فشلَ الحصار الاقتصاديّ والعزل السياسيّ ضدّ كوبا، فطبّع العلاقاتِ السياسيّةَ معها. غير أنّه اتفق مع السعوديّة وآخرين على إغراق السوق العالميّة بالنفط (هبط سعرُ البرميل من 130 دولارًا  إلى أقلّ من 35 دولارًا)، ما تسبّب في إضعاف اقتصاديّات البلدان التي يقوم اقتصادُها بنسبةٍ عاليةٍ على النفط ومشتقّاته، وخصوصًا روسيا وايران وفنزويلّا، مع العلم أنّ أميركا كانت تستورد حوالي 17% من حاجتها النفطيّة من فنزويلّا. وقد ترك هذا الإجراءُ النفطيّ بصماتِه على تأمين مستلزمات العيش الضروريّة، من الغذاء والأدوية وموجبات التنمية. وبهذا تكون الإدارة الأميركيّة قد فرضت الحصارَ الاقتصاديّ على الشعوب ثمّ اتّهمتْ قيادتَها بتجويع هذه الشعوب. والهدف: التدخّل الأميركي والصيد في الماء العكر.

وامتدادًا لسياسة أوباما حينًا، ومحاولةً لإلغاء بعض مفاعيلها حينًا آخر، قرّر دونالد ترامب الانسحابَ من سوريا وأفغانستان، بعد أن مُنيت المشاريعُ الأميركيّة بفشل ذريع؛ وذلك يعود أساسًا إلى مقاومة شعوبنا، وإلى بروز تعدديّة قطبيّة فرضها صعودُ روسيا والصين ودخولُهما على خطّ المنافسة في مختلف الحقول الاقتصاديّة والعسكريّة. ومن سياسات ترامب: لجوؤه إلى المطالبة ببدل الحماية وتكاليف المعارك والحروب، كما فعل مع السعوديّة (التي فرض عليها دفعَ 480 مليار دولار بدل حماية العرش)، والتركيزُ على بلدان "الحديقة الخلفيّة،" وبشكل خاصّ فنزويلّا، التي إنْ سقط فيها حكمُ مادورو فستسيطر الولاياتُ المتّحدة على الثروة النفطيّة، وستجبر البديلَ الذي ستنصّبه على دفع المليارات من عائدات النفط بدلَ حمايةٍ وتنصيب.

إنّ الصراع بين الولايات المتّحدة وفنزويلّا عمره عشرون عامًا، أيْ منذ وصول تشافيز إلى السلطة. وكانت قاعدة تشافيز الشعبيّة تستند إلى دعم حزبه (الحزب الإشتراكيّ الفنزويليّ الموحّد)، والحزب الشيوعيّ، وأحزاب يساريّة أخرى. وأمّا المعارضة فتتشكّل من أحزاب تنضوي تحت "ائتلاف الوحدة الديمقراطيّة" ــ ــ وهي بمجموعها أدوات الثورة المضادّة المطالبة بالعودة إلى الرأسماليّة، ولا برنامج لها غير إسقاط مادورو، إلى جانب ارتباطها بسياسة الولايات المتّحدة؛ غير أنها تمتلك خمس أقنية تلفزيونيّة، وستَّ صحف يوميّة وأسبوعيّة مؤثّرة في الرأي العام الفنزويليّ.

لا أحد ينكر عمقَ الأزمة في فنزويلّا، ويأتي في المقدّمات المباشرة لهذه الأزمة أنّ الرئيس مادورو نجح سنة 2013 بفارق أقلّ من واحد بالمئة، وأنه في الانتخابات النيابيّة التي جرت سنة 2015 فازت المعارضة بأكثريّة وازنة. وبعد أخطاء ومخالفات جرى تعليقُ صلاحيّة البرلمان من قبل المحكمة العليا، واستُعيض منه بالجمعيّة الوطنيّة التأسيسيّة. وفي أيّار 2018 جرت انتخاباتٌ رئاسيّة اشترك فيها بعضُ أطراف المعارضة، ففاز مادورو بنسبة 67% من الأصوات، وكانت الانتخابات نزيهةً بشهادة مئات المراقبين العالميين؛ غير أن الولايات المتّحدة لم تعترف بشرعيّة الرئيس مادورو.

 

الأزمة راهنًا والمواقف الدوليّة منها

ما إنْ أقسم الرئيسُ المنتخب اليمينَ الدستوريّة حتى انفجر الصراعُ مع المعارضة ومع الولايات المتّحدة. فلقد أوعزت الأخيرة إلى رئيس البرلمان، هوان غوايدو، أن يعلن نفسه رئيسًا لفنزويلّا، وشرعتْ في حشد الدول للاعتراف بشرعيّته خلافًا للدستور وإرادة الشعب، وهدّدتْ باللجوء إلى جميع الخيارات، بما فيها الخيارُ العسكريّ، وجمّدتْ عدّة مليارات من عائدات النفط الفنزويليّ لتساعد بها غوايدو بعد إحكام الحصار الاقتصاديّ.

جوبه الخيارُ العسكريّ الأميركيّ بمعارضة دوليّة واسعة. وفي مقدّمة المعارضين: روسيا والصين والهند والاتحاد الأوروبيّ والمكسيك وجنوب افريقيا. أمّا افتعال حرب أهليّة فنزويليّة فاحتمالاتُه ضئيلة بحكم ميزان القوى الداخليّ الراهن؛ فالراغب فيها لا يستطيع خوضَها، والقادرُ عليها لا يريدها. وما يزيد الأزمةَ تعقيدًا مستوى التنسيق بين الولايات المتّحدة وكولومبيا، ذاتِ الحدود المشتركة مع فنزويلّا، والتي تجدّ في دعم "معارضة الداخل" وفي تعقيد الوضع الاقتصادي نتيجةً للحصار الشديد.

وكانت المكسيك والأورغواي قد دعتا إلى حوار يُعقَد في العاصمة الأوروغويّة مونتفيديو، وإلى تشكيل مجموعة اتصال دوليّة. فقبل الرئيس مادورو العرض، في حين رفضته المعارضةُ والولاياتُ المتّحدة وأصرّتا على رحيله.

أما الاتّحاد الأوروبيّ، فلم يستطع اتخاذَ قرار اتحاديّ، فطالبتْ دولُه الأربع الكبرى (المانيا وفرنسا وإسبانيا والنمسا) بإجراء انتخابات رئاسيّة جديدة "ذات صدقيّة" ــ  وفي هذا الموقف ملاقاةٌ للموقف الأميركيّ عند منتصف الطريق. ولا عجب في ذلك؛ فالصراع ما يزال محتدمًا بين الرأسماليّة والاشتراكيّة. كما أنّ الاتحاد الأوروبيّ يعتمد ازدواجيّة المعايير: فيعترف بشرعيّة انتخابات البرلمان، ولا يعترف بشرعيّة انتخابات رئاسة الجمهوريّة!

الرئيس مادورو لا يرى غيرَ الحوار على أساس الدستور سبيلًا للحلّ. والصراع وفق المعطيات الراهنة مستمرّ،ٌ وقد يطول. وهذا يعني أنّ مادورو قد تمكّن حتى الآن من احتواء شراسة الهجوم الأميركيّ، ويعني دخولَ فنزويلّا  في مرحلة من المراوحة والتجاذبات المحليّة والإقليميّة والدوليّة. ولا يخفى على مهتمّ بالشأن الفنزويليّ حجمُ الخدمة، غيرِ المقصودة، التي قدّمها التهديدُ الأميركيّ ومحاولةُ الانقلاب على مادورو،  في الاستنهاض الوطنيّ الثوريّ، دفاعًا عن وطن سيمون بوليفار  وهوغو تشافيز.

عينُ الولايات المتّحدة على دور فنزويلّا وقوّة مثالها (إلى جانب كوبا) في أميركا اللاتينيّة من جهة، وعلى نفط فنزويلّا من جهة أخرى. ومن أجل هذه الأطماع، لا من أجل الشعب الفنزويليّ، يرفض البيتُ الأبيض الدعوةَ إلى الحوار ويتّجه إلى التصعيد. إن فنزويلّا الثورة البوليفاريّة، التي كانت دائمًا في مقدّمة المتضامنين مع قضايانا العربيّة العادلة، تستحقّ كلَّ أنواع الدعم والتضامن؛ فمعركتُنا وإيّاها واحدة. وبالسير على مبادئ الثورة البوليفاريّة كما أرساها القائد هوغو تشافيز،  وبالتفاف الأكثريّة الشعبيّة حول نيكولاس مادورو رئيسًا شرعيًّا منتخبًا، وبتماسك الجيش الفنزويليّ واستعداده للدفاع عن سيادة فنزويلّا وإنجازات ثورتها، وبثقافة شعبها الوطنيّ والثوريّ، وبدعم الأصدقاء حول العالم، ستزداد فنزويلّا صمودًا وقوّةً... وستنتصر.

                                                                                                                                                                                                                                                     بيروت

 

[1] تزوّد فنزويلّا كوبا بنحو 60% من نفطها مع تسهيلات في الدفع، وتشتري منها خدمات حوالي 40 ألف مهنيّ بينهم 30 الف طبيب وممرض. المصدر: موقع صحيفة النهار في 21 كانون الأول 2014، نقلاً عن (أ ف ب)، هل عزل التقارب الكوبيّ الأميركيّ فنزويلا؟ تايخ المشاهدة 25/2/2019.


 

 

اسماعيل إبراهيم

كاتب سياسيّ متخصّص بشؤون أمريكا اللاتينيّة.