مقاربة التطبيع في التعليم الرسمي
09-06-2020

 

يشهد العالمُ اليوم تحوّلاتٍ في رسم العلاقات بين الدول، فتتعدّل السياساتُ وتتغيّر معها الاصطفافاتُ، في مشهديّةٍ ولّدتْ حروبًا باردةً في أواسط القرن العشرين على غير جبهةٍ في العالم، وحروبًا ناريّةً في الوطن العربيّ مع انطلاق "الربيع العربيّ." وفي هذه المشهديّة، المُظهّرة ألوانها ربيعيّةً، ترتفع صورةُ فلسطين المحتلّة، التي تعيش خريفَ اغتصاب أراضيها.

ويبقى منهجُ التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة (1997)[1]"ساريَ المفعول" من دون أيّ تعديل، على الرغم من الأحداث التي ورد ذكرُها، ولم تتابَعْ أو تُستدركْ في الطبعات الجديدة ودفاترِ تطبيقاتها وأدلّتِها التربويّة (للمعلّم) ودليل تقويم المادّة (1999) في صفوف حلقات التعليم الأربعة.

أمام هذا الواقع نطرح السؤال: هل تسمح عمليّةُ التعليم والتعلّم في المدرسة الرسميّة بتربيةٍ قيميّةٍ ووجدانيّةٍ لمناهضة التطبيع مع "إسرائيل" من خلال منهج مادّة التربية الوطنية والتنشئة المدنيّة (1997)؟

 

أوّلًا - مفهوم التطبيع

في 21/11/2007، قامت "الحملةُ الفلسطينيّة للمقاطعة الأكاديميّة والثقافيّة لإسرائيل" بمحاولةٍ لتأصيل تعريف التطبيع "ينطبق على الفلسطينيين في الضفّة الغربيّة (بما فيها القدسُ الشرقيّة) وقطاعِ غزّة، بالإضافة إلى العرب والفلسطينيين في الوطن العربيّ..." وقد نصّ هذا التعريفُ على الآتي:

"التطبيع هو المشاركةُ في أيّ مشروعٍ أو مبادرةٍ أو نشاط، محلّيٍّ أو دوليّ، مصمَّمٍ خصّيصًا للجمع (سواء بشكلٍ مباشر أو غير مباشر) بين فلسطينيين (و/أو عرب) وإسرائيليّين (أفرادًا كانوا أو مؤسّسات) ولا يهدف صراحةً إلى مقاومة أو فضح الاحتلال وكلِّ أشكال التمييز والاضطهاد الممارَس على الشعب الفلسطينيّ. وأهمُّ أشكال التطبيع تلك النشاطاتُ التي تهدف إلى التعاون العلميّ أو الفنّيّ أو المهنيّ أو النسويّ أو الشبابيّ، أو إلى إزالة الحواجز النفسيّة. ويُستثنى من ذلك المنتدياتُ والمحافلُ الدوليّة التي تُعقَد خارج الوطن العربيّ، كالمؤتمرات أو المهرجانات أو المَعارض التي يَشترك فيها إسرائيليّون إلى جانب مشاركين دوليّين، ولا تَهدف إلى جمع الفلسطينيّين أو العرب بالإسرائيليّين؛ بالإضافة إلى المناظرات العامّة. كما تُستثنى من ذلك حالاتُ الطوارئ القصوى المتعلّقة بالحفاظ على الحياة البشريّة، كانتشار وباءٍ أو حدوثِ كارثةٍ طبيعيّةٍ أو بيئيّةٍ تَستوجب التعاونَ الفلسطينيّ - الإسرائيليّ."[2]

ويبدو من التعريف الذي خرجتْ به الحملةُ الفلسطينيّة المذكورة أنّ التطبيعَ آليّةُ دفاعٍ لا مواجهةٍ أو تمكين، وذلك بما أشارت إليه من أنّ أشكالَ التطبيع المرفوض لا تنطبق على "حالات الطوارئ القصوى المتعلّقة بالحفاظ على الحياة البشريّة، كانتشار وباءٍ أو حدوث كارثةٍ طبيعيّةٍ أو بيئيّةٍ تَستوجب التعاونَ الفلسطينيّ - الإسرائيليّ." لكنّ هذا التعريف تقابله تعريفاتٌ أخرى من حملات مقاطعة "إسرائيل" وداعميها في العديد من الدول العربيّة، ومنها لبنان، الذي تعرِّف "حملةُ المقاطعةُ" فيه التطبيعَ بأنّه "المشاركة في أيّ نشاطٍ يَجمع بين عربٍ وإسرائيليين ما دامت ’إسرائيلُ‘ قائمةً."[3]

هذه الليونة في التعريف من طرف "الحملة الفلسطينيّة للمقاطعة الأكاديميّة والثقافيّة لإسرائيل،" وما قابلها من مواقفَ خَرجتْ بها حملاتٌ مثلُ حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان، تَفتح المجالَ لمناصري القضيّة الفلسطينيّة العرب لكي ينتهجوا أساليبَ مختلفةً لمعالجة هذه القضيّة.

 

ثانيًا - مقاربة التطبيع في التعليم الرسميّ

استنادًا إلى تعريف الحملة الفلسطينيّة، وانطلاقًا من التجاذب في اختيار الوسيلة الأنجع لمناصرة القضيّة الفلسطينيّة، واعتمادًا على التربية سبيلَ مقاومةٍ وأداةَ مناصرةٍ للقضايا المحقّة، نَعْرض المقاربةَ التي اعتُمدتْ من لبنان في تعليم وتعلّم "التربية الوطنيّة والتنشئة المدنية" (1997) للقضيّة الفلسطينيّة والتطبيع مع "إسرائيل." ونستنتج واقعَ التربية والتعليم في المنهج المنفَّذ في المدرسة الرسميّة من خلال مقاربة التطبيع في كتب المتعلّمين بحسب مناهج 1997، والحيثيّات التي تحيط بالعمليّة التعليميّة والتعلّمية لهذه المادّة، التي شاركنا في تعليمها وتنسيقِ جهودِ الزملاء المشاركين في تعليمها وفي تصحيح امتحاناتها الرسميّة (2000 - 2014)، ومتابعة مقرَّر"تعلّميّة التربية" للأساتذة الثانويين المتمرّنين الملحَقين بكلّيّة التربية والإشراف على تدريبهم (2017-2019).

أ - مقاربة التطبيع في كتاب التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة.

تختلف المؤسّساتُ التعليميّة في اعتماد كتب الموادّ التعليميّة وفقًا لمنهج 1997، باستثناء كتاب التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة الذي تعتمده جميعُ مدارس لبنان التي يَخضع متعلّموها لامتحانات الشهادة اللبنانيّة. وعليه، نَحصر الكلامَ على التطبيع والمقاطعة من خلالِ ما ورد في كتاب المتعلّم في ذلك المنهج، الصادر بموجب المرسوم 10227. ونعرض، باعتماد تقنيّة تحليل المحتوى، أبرزَ المقتطفات المرتبطة بالقضيّة الفلسطينيّة في كتب التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة الثلاثة في كلٍّ من حلقات التعليم العامّ الأربع.

* الحلقة الأولى: نربّي المتعلّمَ على أنّ من السليم أن نبتعدَ عن الخطر لنحافظَ على سلامتنا وسلامةِ الآخرين. وهذه التربية صحيحةٌ لكنّها ناقصة؛ إذ هناك خطرٌ لا تكون سلامتُنا وسلامةُ الآخرين إلّا بمواجهته. كما نربّيه على أنّ التعاونَ ضرويّ لتحقيق المصالح المشتركة. فإذا سلّمنا أنّ المتعلّمَ لا يسعُه في هذه المرحلة العمريّة فهمُ الاستثناءات،[4] كما في تأكيدنا أنْ ليست كلُّ سلامةٍ من الخطر تكون بالابتعاد عنه، فكيف نطمئنُّ إلى معرفته بـ "المصالح المشتركة"؟ ومع مَن؟ مع جيرانِ الحيّ فقط؟ أمْ "جيران" المنطقة والإنسانيّة؟!

ويَطرح الدرسُ الثالث من المحور الثالث في السنة الثانية من التعليم الأساسيّ مضمونًا للملاحظة والاكتشاف في المستند الثاني يَعرض من خلاله خمسَ دولٍ عربيّةٍ شقيقة من ضمنها فلسطين (ص 42)، ويضيّق الإطارَ أكثرَ ليكتفي في النشاط برسم أربعة أعلامٍ لأربع دولٍ عربيّة،[5] في حين أنّ نشاطًا كهذا يمكن أن يضمَّ أعلامَ الدول العربيّة كافّة من خلال عمل مجموعات (Modular Instruction).

ويَذكر الدرسُ الرابعُ من المحور الرابع (ص 58-59)، ضمن " قولُنا والعمل،" أنّ الناس مختلفون لكنّهم متساوون في الحقوق والواجبات. فهل تنطبق هذه المساواةُ على الجميع، بمن فيهم المحتلُّ والعنصريُّ والمجرمُ مثلًا؟ أليس من الواجب أن نستثنيَ هنا؟

* في الحلقة الثانية: ينفتح منهجُ 1997 في كتاب التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة للصفّ الأساسيّ الرابع في الدرس الأول (ص 22-23) من المحور الثاني في أهدافه (ص 22) على الشعور بالتضامن مع مَن يتألّمون في لبنان والعالم من دون استتثناء، والعمل على تمتين أواصر المحبّة معهم. لكنّه، في فقرة "نلاحِظ ونفكّر" (ص 22)، يطرح ما يأتي: "في 18 نيسان 1996، أدّى الاعتداءُ الإسرائيليُّ على قانا إلى مقتل 102 من الشيوخ والنساء والأطفال، ويُتِّم 89 طفلًا بين ليلةٍ وضحاها، عدا المعاقين." وفي "حكاية من بلادي" جاء: "كان طيرانُ العدوّ الإسرائيلي يحلّق في سماء قانا الحزينة. العديدُ من سكّانها لجأ إلى موقع القوّات الدوليّة... غدًا حين تَكْبر، تدرك كم كانت آلامُ وطننا عظيمةً. وبكت الجدّةُ، هي التي رأت اليتامى والمهجَّرين ... ساعِدِ المعذَّبين ودافعْ عن وطنك عندما تكبر وتواجه العدوان ..." (ص 23) ونعرِِّفُ له الحكايةَ في الصفّ الثامن الأساسيّ: "إحدى وسائل التعبير في الأدب الشعبيّ تقوم على السرد ويَغْلب عليها الخيال." (ص 129) ويبدأ الدرسُ السادس" أُسْرة الأرض" (ص32 - 33) "بأهدافٍ نعمل لها." غير أنّ هذا الدرس يَطرح ثلاثةَ أهدافٍ تعلّميّة (ص 32):

-"مهما يكن لونُه، عرقُه، دينُه، أو جنسيّتُه، فهو أخٌ لي أحبُّه، أتألّمُ معه، وأساعدُه."

-"التضامن بيننا، كأبناءِ وطنٍ واحدٍ، مهمٌّ جدًّا."

-"التضامن بين شعوب الأرض كافّةً غايةٌ يجب أن نعملَ كلّنا على تحقيقها."

وهذا المحتوى يَحْمل ما يَشْغل بالَ المتعلّم. فهل يصحُّ أن نحبَّ أيَّ شخصٍ مهما تكن "جنسّيتُه" وأن نتألّمَ معه ونساعدَه ونتضامنَ معه ولو كان محتلًّا مثلًا؟ وفي "حكاية من بلادي" (ص 33) يَذكر الكتاب: "سنوات طويلة والعدوُّ الإسرائيليُّ يَقصف أرضَنا الطيّبة... قَتل الكثيرَ من أطفالنا، وشيوخِنا، ونسائنا، ورجالِنا. دمّر العديدَ من منازلنا وقرانا، وبلغ قصفُه مدنَنا..." لكنّ الكتاب في فقرة "لا أنسى" (ص 33) يقول: "أبيض، أسود، أصفر، أو أحمر، كلُّنا من أسْرةٍ واحدةٍ هي أسْرةُ الأرض. سكّانُ الأرض كلُّهم مسؤولون عن آلام بعضِهم البعض ... التضامنُ بين شعوب الأرض هدفٌ كبيرٌ يجب أن نعمل كلّنا على تحقيقه." وفي المستند الثالث من الدرس الرابع يشدّد الكتابُ على "تنسيق الموقف العربيّ لمواجهة الاحتلال الإسرائيليّ،" (ص 56) وأن لا ينسى المتعلّمُ أنّ جامعةَ الدول العربيّة تسعى "إلى تحقيق التعاون في مختلف المجالات والتنسيق بين أعضائها لمواجهة العدوّ الإسرائيليّ." (ص57) وهذا كلّه يوقِع المتعلّمَ في الحيرة لأنّه يقدِّم إليه رسائلَ متناقضةً إنْ لم نسارعْ إلى الاستدراك والاستثناء: فهل التضامنُ بين "شعوبِ الأرض" والأعراقِ المختلفة يستثني الإسرائيليّين مثلًا؟ وهل "أسْرةُ الأرض" الواحدة تشمَلُ مغتصبَ فلسطين وأراضٍ في لبنان وسوريا؟

وإمعانًا في إيقاع المتعلّم في الحيرة، نُخبرُه في الصفّ الخامس الأساسيّ، ضمن درس "أتفاءلُ لأنشرَ الطمأنينةَ" من المحور الرابع، أنّ "لبنانَ الجديد يولد في أرنون."[6] لكنّنا في الصفحة ذاتها والدرسِ ذاتِه، نحثّه على التالي: "لا أقومُ بما يهدِّد الأمنَ في حياتي وحياةِ الآخرين." (ص 59) فهل "الآخرون" يشملون المحتلَّ الإسرائيليَّ مثلًا؟

ونشرح له في الصفّ السادس الأساسيّ، ضمن الدرس الرابع من المحور السادس، أنّ العدوّ الإسرائيليّ "يَطمع في ثرواتنا ويهدِّد مستقبلَنا،" (ص 102) وأنْ لا سبيلَ إلى مواجهته إلّا بالوحدة الوطنيّة والمقاومة والتضامنِ العربيّ. وفي المحور السابع، نخبره أنّ قوّاتِ حفظ السلام "قد قامت منذ العام 1978 بمحاولة حصر النزاع من خلال الاتصال بالأطراف المعنيّة وحثّها على ضبط النفس وعدمِ اللجوء إلى المواجهة المسلّحة، والنظر في الشكاوى المقدّمة، وبحماية السكّان المدنيّين ومساعدتهم اجتماعيًّا في منطقة عملها، من خلال تقديم التجهيزات والوسائل التعليميّة للمدارس، ونقلِ الغذاء والماءِ للأهلين، واستقبالِ المرضى والجرحى في المستشفيات والمستوصفات،" (ص 109) وذلك بعد أن نعرِّفَ له "المواجهةَ المسلّحةَ" بأنّها "الحربُ التي تقع بين دولتين أو أكثر." (ص 108) غير أنّ هذا التعريف قد يُفْهَم منه أنّ "القوّات الإسرائيليّة المحتلّة" دولة، وأنّ فلسطين لا وجودَ لها في أراضي هذه الدولة، أو أنّ المسألة تتعلّق ببقعةٍ معيّنةٍ ضمن هذه "الدولة" المحتلّة ولا تتعلّق بأرضٍ تقع على كلّ مساحة هذه "الدولة." وهذه المقاربة، باعتمادِ المتعلّمين في الصفّ السادس الأساسيّ، المفترض وصولهم إلى التفكير المجرّد،[7] أي التفكيرِ التحليليّ المنطقيّ، مهارة القرن الحادي والعشرين التي ندأب على إكساب المتعلّمين إيّاها مع غيرها من المهارات، تُفضي إلى نتيجةٍ واحدة: أنّ "إسرائيل" دولةٌ إلى جانب دولة فلسطين، وأنّ المحافلَ المحلّيّةَ والإقليميّةَ والدوليّةَ تسعى إلى مناقشة قرارات الأمم المتّحدة والمطالبة بتطبيقها.

* في الحلقة الثالثة، يذكرالمحورُ الثاني من كتاب الصفّ السابع الأساسيّ، ضمن درس "قيمٌ تصون عيشَ اللبنانيين معًا،" أنّ من بين الكوارث التي حلّت بلبنان "الاعتداءات الإسرائيليّةَ التي بلغتْ ذروتَها في سنة 1982 حيث دخلت القوّاتُ الإسرائيليّةُ العاصمةَ بيروت، وفي مجزرة قانا سنة 1996." (ص 48)

ويقف الدرسُ الثاني من المحور السادس ضمن كتاب الصفّ التاسع الأساسيّ عند الاعتداءات الإسرائيليّة على لبنان في العام 2000، وكيف أنّنا نحتفل في 25 أيّار منذ العام 2000 بـ"عيد المقاومة والتحرير." ونُعرّف للمتعلِّمين الصهيونيّةَ بأنّها "حركةٌ سياسيّةٌ عنصريّة، تنظّمتْ لاغتصاب فلسطين، وتأسيسِ دولةٍ يهوديّةٍ فيها، وقد تحقّق ذلك في الخامس عشر من أيّار 1948، فبدأ بذلك عهدٌ من العداء بين إسرائيل والعرب ما يزال مستمرًّا." ونعدِّد لهم القرارات "كقرار عودة اللاجئين (القرار 194)، وقرار الانسحاب من الأراضي العربيّة المحتلّة (القراريْن 242 و338)... ومن جنوبيّ لبنان وبقاعه الغربي (القرار 425)، وقد اضطُرّت إسرائيل إلى تنفيذ هذا الأخير، بفعل ضربات المقاومة الوطنيّة اللبنانيّة، في 24 أيّار 2000." (ص 115) وكلُّ هذا جيّدٌ ومهمّ، لكنّ اللافت أنْ لا قرارَ بين هذه القرارات المذكورة أو غيرِها ممّا ارتبط بقضيّة فلسطين يطالب "إسرائيلَ" بإعادة فلسطين وخروج الإسرائيلين من أراضيها كافّةً.

وفي هذا الدرس أيضًا نَذْكر للمتعلِّمين أنّ "قيامَ إسرائيل، كوطنٍ قوميٍّ ليهود العالم في فلسطين، شكّل نواةً لإسرائيل الكبرى، لتستقطبَ كلَّ يهود العالم. وفي هذا السياق جاء إقرارُ قانونَي العودة والجنسيّة الإسرائيلييْن بُعيْد إنشاء دولة إسرائيل، ممّا نتج عنه ضغطٌ على الأرض والموارد المائيّة، وطردُ السكّان العرب الأصليّين إلى الدول المجاورة،... وانتهاجُ إسرائيل سياسةً عدوانيّةً توسّعيّةً تجاه العرب استندتْ إلى التزوّد بأحدث الأسلحة، وامتلاكها وحيدةً في المنطقة السلاحَ النوويَّ والدعمَ الأميركيَّ الواسعَ النطاق." (ص 115) وهكذا نجد أنّ "إسرائيل" عدوٌّ جبّارٌ لا يُستهان به، علمًا أنّ تفخيمَ العدوّ ههنا ليس كتفخيم عنترة لخصمه ليعود فيتفوّقَ عليه ويغلبَه. ويرِدُ في الدرس ذاتِه أنّ الأساليبَ المتنوّعة لمقاومة مخطّطات "إسرائيل" تشمل التحرّكاتِ الشعبيّة، والثوراتِ الشعبيّةَ المسلّحة، والمقاومةَ اللبنانيّة، و"المقاطعةَ العربيّةَ لإسرائيل،" و"المقاومةَ الثقافيّة المتمثّلة في رفض فكرة التطبيع مع العدوّ الإسرائيليّ وعزلِ أنصاره" ، و"المقاومةَ الدبلوماسيّةَ التي تجلّت في إبعاد إسرائيل عن مؤتمر عدم الانحياز والحياد الإيجابيّ وغيرها..." (ص 116) ليَخْلصَ الدرسُ إلى أنّ "المقاومة، على أنواعها، كفيلةٌ بإحباط المخطّطات الصهيونيّة." (ص117) ونلفت المتعلّمَ في الدرس الثالث من المحور ذاته إلى أنّ الدولَ العربيّة ساهمتْ "في تقريب وجهات النظر العربيّة حول المسائل الأساسيّة من الخطر الصهيونيّ." (ص 121) وكلُّ ذلك مهمٌّ وضروريّ، لكنّه يحتاج الى إعادة رصّ الصفوف وتنسيقِ الجهود وتصويبِها نحو مقاومة الاحتلال على اختلاف الأساليب التي تنتهجها كلٌّ من الدول العربيّة.

* في الحلقة الرابعة، نطرح على المتعلّمين في الصف الثانويّ الأول، ضمن أهداف الدرس الثاني من المحور الأوّل، "إدراكَ الحقّ المشروع للشعوب المستعبَدَة والمعتدَى عليها والمحتلّة أراضيها في مقاومة الاحتلال والعدوان بكلّ الأساليب والوسائل." ونبيّن لهم "تأكيدَ المواثيق الدوليّة حقَّ الشعوب في الدفاع عن أراضيها،" وأنّ مقاومةَ الاحتلال "واجبٌ وطنيّ ومسؤوليّة يتحمّلها الشعبُ المعتدَى عليه." ونُظْهر لهم "حقَّ الشعب اللبنانيّ في مقاومة العدوّ الإسرائيليّ، المعتدِي على جنوبه وبقاعه الغربيّ، وضرورة مقاومته بكلّ الأسلحة المتاحة." (ص 39) وفي الدرس نفسه، يتناول المستند رقم 2 "ثورةَ الحجارة في فلسطين،" ونشرح للمتعلّمين أنّ هذه الثورة أو "الانتفاضة" قام بها "الأطفالُ في فلسطين المحتلّة، فلفتوا العالمَ بشجاعتهم، وقاومهم جنودُ الاحتلال الإسرائيليّ بعنفٍ وقسوة بالغيْن."(ص 40) ونبيّن لهم أنّ البلاد العربيّة "قاتلت الصهاينةَ الذين احتلّوا الأراضي العربيّةَ في فلسطين وطردوا أهلَها منها." (ص 41) لكنْ في الدرس الخامس من المحور السادس في الصف الثانويّ الأوّل نُطلع المتعلّمين على وجود "صراعاتٍ بين دول الشرق الأوسط لأسباب قوميّةٍ واقتصاديّة، كالصراع العربيّ-الإسرائيليّ من جرّاء احتلال فلسطين وتهديد ’إسرائيل‘ الدولَ المجاورةَ لها، والنزاع التركيّ مع سوريا والعراق حول مياه دجلة والفرات، ونزاع مصر مع أثيوبيا ودول حوض النيل حول حصّة كلّ دولة من مياه النيل." (ص 199) ففي هذه الصياغة يبدو الصراعُ مع "إسرائيل" وكأنّه محضُ شكلٍ من أشكال النزاع الذي يحصل بين دولٍ أخرى في الشرق الأوسط "لأسبابٍ قوميّةٍ واقتصاديّة"!

وفي الصفّ الثانويّ الثاني، ضمن مصطلحات الدرس الأوّل من المحور الرابع، نعرِّف المتعلّمين إلى القرارات 242 و425، وإلى اتفاقيّة كامب دايفيد، واتفاقيّة أوسلو. غير أنّ المعلومَ هو أنّ القراريْن المذكوريْن لا يطالبان، شأنهما شأن القرارات الصادرة عن الأمم المتّحدة كافّةً، باسترجاع فلسطين كاملةً لشعبها. كما أنّ الاتفاقيتيْن المذكورتيْن هما اتفاقيّتا سلام مع "إسرائيل،" وأنّأوسلو تحديدًا هي "اتفاقيّةُ صلحٍ منفردٍ بين إسرائيل ومنظّمة التحرير الفلسطينيّة برعاية أميركيّة-نروجيّة بتاريخ 13/9/1993،" وأنّها أوجدتْ "ما يُعرف بالحكم الذاتيّ الفلسطينيّ في أجزاء من الضفّة الغربيّة وغزّة." (ص 110) ونعرّفهم في الدرس الثالث إلى أنّ لبنان جسّد التزامَه القضيّةَ العربيّةَ من خلال استقباله الألوفَ من اللاجئين الفلسطينيين عام 1948، وأنّه ساند المقاومةَ الفلسطينيّة مساندةً عمليّة. ونَعرض للمتعلّمين ضمن الدرس الرابع من المحور الرابع في المستند رقم 5 صورةً لعمليّةٍ عسكريّةٍ ضدّ الاحتلال الإسرائيليّ، ونبيِّن لهم أنّ "إسرائيل مصدرُ تهديدٍ للعرب في وجودهم وأرضهم ومواردهم،" وأنّها "تستفيد من الدعم الخارجيّ لها (تمويل، تسليح، دعم سياسيّ)، ومِن تفرّق أعدائها أحيانًا، للاستمرار في احتلال الأراضي العربيّة في فلسطين والجولان وجنوب لبنان، غيرَ عابئةٍ بالقرارت الدوليّة بشأن اعتداءاتها، لا سيّما القرارات 242، 338، 425." (ص 128) كما يتطلّب أحدُ الأنشطة في هذا الدرس من المتعلّمين أن يبيِّنوا "بالأمثلة المحسوسة كيف يمكن لأنهار دجلة، والفرات، والنيل، أن تتحوّل من وسائل اتّصالٍ إلى مصادرِ نزاعاتٍ بين العرب وجيرانهم." (ص 132) ونؤكّد لهم في الدرس الثاني من المحور الخامس أنّ "مقاومةَ لبنان حربٌ مشروعةٌ ما دامت تهدف إلى الدفاع عن سيادة الدولة واستقلالها." (ص 148)

أمّا في الصف الثانويّ الثالث، فنُبرز لهم، ضمن الدرس الثاني في المستند رقم 2، دعمَ البرلمانيين المتحدّرين من أصلٍ لبنانيّ للقضيّة اللبنانيّة لجهة "تنفيذ قرار مجلس الأمن الدوليّ 425 نصًّا وروحًا، ودون قيدٍ أو شرط، خصوصًا لجهة تأكّد قوّات حفظ السلام الدوليّة المؤقّتة العاملة في جنوب لبنان من انسحاب القوات الإسرائيليّة ومساعدة الدولة اللبنانيّة على بسط سيادتِها حتى حدودِها الدوليّة الجنوبيّة." (ص 71) ونجد أنّ المفكّرَ والأديبَ اللبنانيّ أمين الريحاني في المستند رقم 11، ضمن الدرس الثاني من المحور السادس، يتوجّه بالكلام: "إنّكم تَعْلمون ما للصهيونيّة في هذه البلاد من القوّة والنفوذ، إلّا أنّ أكثرَ الأميركيّين لا يَعْرفون من القضيّة الفلسطينيّة غيرَ الوجهةِ الصهيونيّة. فهل يجوز أن تبقى وجهتُنا بعيدةً غريبةً مجهولة؟ أليس من واجبنا أن نسعى بكلّ ما لدينا من الوسائل لتبسيط قضيتنا للشعب الأميركيّ، فيرى إذ ذاك الحقَّ وينصره؟ فبرهِنوا الآن على وطنيّتكم في ما تبذلونه للإعانة في فلسطين وللدعاية في هذه البلاد..." (ص 74) وفي المحور السابع، يطالب أحدُ الأنشطة كلًّا من المتعلّمين بأن يقيمَ "حوارًا مع أحدِ الذين شاركوا في فكّ الحصار عن بلدة أرنون" كي يبيّنَ "الدوافعَ التي حملته على هذا العمل" (ص 185)، لكنْ من دون إظهار كيفيّة التواصل مع هؤلاء المشاركين.

أمام ما عرضناه من كتب التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة في صفوف حلقات التعليم العامّ الأربعة، يتبيّن أنّ تربيتَنا المواطنيّة آليّةُ دفاعٍ، لا آليّةُ مواجهةٍ أو تمكين. لقد كان المتوقَّعُ من لبنان الذي وقّع "قانونَ مقاطعة إسرائيل،" الصادرَ عن جامعة الدول العربيّة سنة 1955 والذي نادى في مادّته الأولى بحظر أيّ تعامل مع العدو "أيًّا كانت طبيعتُه،" أن يستثنيَ المحتلَّ بعبارةٍ صريحةٍ وواضحةٍ من "إخْوتنا في الإنسانيّة،" وأن لا يصوِّرَ النزاعَ مع "إسرائيل" وكأنه نزاعٌ إقليميّ-حدوديّ وليس صراعًا وجوديًّا، وأن يُطالب بتحرير فلسطين كاملةً.

 

2 - حيثيّات تعليم وتعلّم مادّة "التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة"

يتضمّن كتابُ التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة 30 درسًا في كلّ من صفوف حلقات التعليم العامّ الأربعة. ويحدّد المنهجُ اللبنانيّ (1997) حصّةً واحدةً لكلّ درس. 

يتألّف كلُّ درس في الحلقة الأولى من صفحتيْن تتوزّع عليهما سبعةُ أقسام. ويبلغ عددُ صفحات كلّ من الكتب الثلاثة لصفوف هذه الحلقة 80 صفحةً.

في الحلقة الثانية، تتوزّع الدروسُ بين صفحتين للصفّيْن الرابع والخامس الأساسييْن، وثلاثِ صفحاتٍ للصفّ السادس الأساسيّ. وتتوزّع على هذه الصفحات ثمانيةُ أقسام في الصفّ الرابع الأساسيّ، بينما تحمل صفحاتُ الصفّيْن الخامس (78 صفحة) والسادس الأساسييْن (116 صفحة) الأقسامَ ذاتَها ما خلا واحدًا.

وتتوزّع الدروسُ في كلٍّ من صفوف الحلقة الثالثة من التعليم الأساسي على أربع صفحات وسبعة أقسام. ويبلغ عددُ صفحات كتاب الصف الأساسيّ السابع 141 صفحةً، والصفّيْن الثامن والتاسع الأساسيّيْن 143 صفحةً.

أمّا في الصفوف الثلاثة من الحلقة الرابعة في التعليم العام فتتوزّع الدروسُ على ستّ صفحات وستّة أقسام. ويبلغ عددُ صفحات الثانويّ الأوّل 206 صفحات، والثانويّ الثاني 204 صفحات، والثانويّ الثالث 205 صفحات.

هذا بالإضافة إلى مدخلٍ لكلّ محور يتضمّن مستندات. وتتوزّع المستنداتُ العديدةُ على الدروس. ولا يَخفى الوقتُ الذي يتطلّبه العملُ على معالجة مجال "قراءة مستندات" في الصف الأساسيّ الأول (ص 12)، والثاني (ص 25)، وفي الرابع (ص 34)، والخامس (ص 41)، أو " استعمال مستندات" في السابع (ص 53)، والثامن (ص 62)، أو " تحليل مستندات" في الصف الثانويّ الأوّل (ص 76)، أو في الصف الثانويّ الثاني (ص 85).[8]

ولا يخفى أيضًا الوقتُ الذي يتطلّبه العملُ على مجال "استعمال مصطلحات مفردات وتعابير" في الصفّيْن الأوّل والثاني الأساسييْن (ص 12، 25) أو "استعمال مفاهيم ومصطلحات" في الصفّيْن الرابع والخامس الأساسيّيْن (ص 34، 41) والسابع والثامن الأساسييْن (ص 53، 62) والصفيْن الثانويّ الأول والثاني (ص 76، 85). ولا يُستهان بالوقت الذي يَشْغله العملُ على مجال "مراقبة المحيط واتخاذ موقفٍ إيجابيّ" في الصفّيْن الأوّل والثاني الأساسييْن (ص 12، 25) والصفيْن الرابع والخامس الأساسييْن (ص 34، 41) أو "اتّخاذ موقف إيجابيّ وكتابة نصّ" في الصفيْن السابع والثامن الأساسييْن (ص 53، 62) أو" معالجة موضوع واتخاذ موقف إيجابيّ" في الصفين الثانويّ الأول والثاني (ص 76، 85).[9] وقد شهد مجالُ "اتّخاذ موقف إيجابيّ وكتابة نصّ" تعديلًا في العام الدراسيّ 2016-2017 ليُضْحى "معالجةَ قضيّة أو مشكلة،" ما يحتاج إلى وقتٍ وجهدٍ أكبر في معالجته وإكسابه للمتعلّمين.

ولا نغفل دليل التقويم (1999) الذي يقدّم أسئلةَ تقويمٍ إضافيّةً، ومعظمُ المعلّمين يَجهل وجودَه. ناهيك بـدفتر التطبيقات الذي يَصْعب العملُ عليه، أو هو غير معمول به، باعتبار كثافة المطروح في الكتب وضيق الوقت. أضف الى ذلك الدليل التربويّ للمعلّم الذي يَطرح تعليماتٍ تتضمّن أفكارًا لأنشطة تعليميّة وتعلّميّة إضافيّة. ونشير في هذا الإطار أيضًا إلى أنّ لائحةَ الدروس التي عُلّق العملُ بها في العام 2000-2001، وعُدّلتْ في العام 2016-2017 (بتبديلٍ بين بعض الدروس المعلّق العمل بها وتلك المعمول بها)، وخَفّضتْ بالمجمل من عدد الدروس المعمول بها (التعميم رقم 21/م/ 2016 تاريخ 3/9/2016)، لا توفّر مساحةَ وقتٍ إضافيّةً لتنفيذ الدروس، بل للتغلّب على مشكلة العُطَل الرسميّة المحدّدة مسبقًا أو تلك التي تفرضها الظروف. كما أنّ المدارسَ الرسميّة التي تعلّم فترةَ بعد الظهر (وما زال بعضُها عاملًا) تمتدّ الحصّةُ الواحدة فيها لمدّة 40-45 دقيقةً.

أمام هذا الكمّ من الدروس والأقسام التي تتضمّنها المادّة، وعددِ الصفحاتِ والأنشطة التعليميّة والتعلّمية والأسئلة في الصفوف كافّة بشكلٍ عامّ، والصفّيْن التاسع الأساسيّ والثانويّ الثالث حيث يخضع المتعلّمون لامتحاناتٍ رسميّة، يغلب القولُ على عمليّة تعليم وتعلّم المادّة إنّها تعاكس المبدأ التربويَّ الذي يؤكّد أنّنا "نقوّم لنعلّم ولا نعلّم لنقوّم". فهل تسمح حيثيّاتُ التعليم والتعلّم هذه إكسابَ المتعلّمين في صفوف حلقات التعليم العامّ الأربعة تربيةً قيميّةً ووجدانيّةً لمناهضة التطبيع مع "إسرائيل" من خلال منهج 1997؟

وإذا تجاوزنا حشدَ المحتوى للكتب ودليل التقويم ودفتر التطبيقات والدليل التربويّ للمعلّم، فإنّنا نجد أنّ معظمَ الدروس تحمل أربعةَ أهدافٍ تعلّميّة لا يمكن تحقيقُ اكتساب المتعلّم لها خلال حصّةٍ تتراوح مدّتُها بين 40 و55 دقيقة. وقد بيّنت الدراساتُ التي قام بها باحثون في مركز كارنيغي للشرق الأوسط لبرامج التربية المواطنيّة في بعض الدول العربيّة، ومنها لبنان، وجودَ تفاوتٍ أنتج فجوةً واسعةً بين الغايات والأهداف المعلنة مقارنة بتنفيذها فعليًّا.[10] وهذه الأهداف التعلّمية معظمُها معرفيّ، وتَحضر فيها "التربيةُ الوجدانيّةُ" بخجل. ويعني فريحة[11]بـ"التربية الوجدانيّة" بناءَ القيم والمواقف والاتجاهات لدى المتعلّمين، ويعتبرها مكوّنًا أساسًا للتربية الوطنيّة والمدنيّة والأخلاقيّة، إذ يؤكّد أنّ المعارف والمهارات تمتلك أهمّيّةً كبرى في التربية المواطنيّة لكنّها لا تبني متعلّمًا يفتخر بانتمائه إلى الوطن ويبذل نفسَه للمساهمة في بنائه ويضحّي فيسبيله. فالمجال الوجدانيّ يهتمّ بالأهداف التعلّميّة التي تستهدف التعديلَ أو التغييرَ في الميول والاتجاهات والقيم. وتعني القيمُ حالةً داخليّةً يترجمها المرءُ بانفعالات متعلّمة ومفاهيمَ مجرّدة ومعاييرَ وأسسٍ تحكم المواقفَ والنشاطات، يضعها المجتمعُ للحُكم على سلوك الأفراد المنتمين إليه وتصرّفاتهم وأدائهم الفعليّ.[12]ويلفت الحيلة ووادسورث [13] إلى صعوبة صياغة أهداف هذا المجال وصعوبة تقويمها، وهو ما لا يُحقّقُ إلّا بملاحظة سلوك المتعلّم أو سؤاله مباشرةً؛ ما دفع بالمعلّمين إلى الابتعاد عنها والتركيز على الأهداف التي تنتمي إلى المجال المعرفيّ. لكنّ خبرتنا في هذا الإطار تؤكّد أنّ السؤال غير المباشر يُخرج أيضًا من المتعلّم مواقفَه بشفافيّةٍ أكبر، ويحكم للقيم التي يحملها بصورةٍ أوضح، ويكشف عن اتجاهاته بشكل أدقّ.

يرى فريحة[14]أنّ التربية المواطنيّة هي كلُّ عملٍ مقصودٍ تقوم به المدرسةُ، انطلاقًا من المناهج التعليميّة، المنفَّذةِ على شكل نشاطاتٍ صفّيّةٍ ولاصفّيّةٍ تستهدف إكسابَ المتعلّم معارفَ ومهاراتٍ وقيمًا ومواقف. وفي كتب منهج 1997 يطلب أحدُ الأنشطة في الدرس الثاني من المحور الرابع في الصف السابع الأساسيّ من المتعلّم أن ينظّمَ مع رفاق صفّه حملةَ توعيةٍ للمحافظة على البيئة، وأن يقوِّمَ ذلك (ص 85) بما يساوي كفايةً من الكفايتيْن اللتيْن تضمّنهما صفٌّ من صفوف الحلقة الثالثة في وثيقة تطوير المنهج 2015. ويُطلب في الدرس الثالث من المحور ذاته نشاطٌ آخر، هو الحفاظُ على نظافة البيئة وفرزُ النفايات في الأماكن المخصَّصة لها. (ص 89) ومن المعروف أنّ المدارس الرسميّة لا تقدِّم في برنامجها حصصًا إضافيّةً للدعم أو المعالجة التربويّة أو لأيّ غاياتٍ أخرى ترتبط بـ"مادّة التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة." وهذان النشاطان، على سبيل المثال، نشاطان لاصفّيّان، والأنشطةُ اللاصفّيّة في معظم المدارس الرسميّة غائبة أو شبه غائبة. و"خدمة المجتمع" المنفّذة في المرحلة الثانويّة لا تطول مواضيعَ ذاتَ ارتباطٍ بمناهضة التطبيع.

 

خاتمة

إنّ كتب التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة بحسب منهج 1997 تتضمّن محتوًى مثقلًا يَضِيق عن الوقت المخصَّص للمادّة. والأهداف التعلّميّة يطغى عليها المجالُ المعرفيُّ الذي يصعب تحقّقُها مع ضيق الوقت، ولا يَحْضر فيها المجالُ الوجدانيُّ إلّا خجولًا، مع الحاجة إلى وقتٍ أكبر غيرِ متوفّرٍ لتحقّقها لدى المتعلّمين. وظروفُ التعليم والتعلّم في المدرسة الرسميّة تفتقر إلى تنفيذ الأنشطة التعليميّة والتعلّمية العديدة المطروحة في الكتب ودفتر التطبيقات والدليل التربويّ للمعلّم.

لا يبدو انطلاقًا ممّا طُرح في مقاربة التطبيع في كتب التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة بحسب منهج 1997 في صفوف التعليم العام الإثنيْ عشر، والحيثيّات التي تحيط بتعليم هذه المادّة وتعلّمها، أنّها تسمح بالمستوى المؤمَّل بتربية قيميّةٍ ووجدانيّةٍ لمناهضة التطبيع مع "إسرائيل."

بيروت

 

[1]المركز التربويّ للبحوث والإنماء، مناهج التعليم العامّ، 1997

[4]Barry J Wadsworth, Piaget´s Theory of Cognitive and Affective Development, Fourth Edition, New York & London: Longman, 1989

[5] فخر الدين القلا، وناصر يونس، ومحمد جهاد جمل، طرائق التدريس العامّة في عصر المعلومات (العين: دار الكتاب الجامعيّ، ط 1، 2006).

[7] Wadsworth, Op. Cit.

[8] دليل التقويم، 1999

[9] المصدر السابق.

[10] سيف بن ناصر المعمري، "المواطنة والتربية: مقاربة منهجيّة،" مجلة تنمية الموارد البشريّة، العدد الحادي عشر، ديسمبر 2015، ص 165-201.

[11] نمر فريحة، التربية الوطنيّة: منهاجها وطرائق تدريسها، الكتاب الأول (مسقط - عُمان: لا ناشر، 2006).

[12] هاشم عواضة، الجديد في تقويم التعلّم: من التقويم التقليديّ الى التعلّم بالتقويم (بيروت: مركز التأليف والنشر، ط 1، 2018)؛

J. Jarolimek, and W. Parker, Social Studies in Elementary, New York: Macmillan,1993

[13] مصدران مذكوران سابقًا.

[14] نمر منصور فريحة، المواطنة العالميّة والمواطنة الرقميّة وما بينهما (بيروت ومسقط: دار سائر المشرق ودار الورّاق، ط 1، 2017).

 

ندى حسن أبو علي

أستاذة متفرّغة في كليّة التربية  ــــ  الجامعة اللبنانيّة. مختصّة في العلوم التربويّة، وحاصلة على جدارة في علم اجتماع التربية، وإجازة في الإعلام (صحافة). تتركّز اهتماماتُها البحثيّة على العلوم التربويّة والتربية المواطنيّة.