من أجل إنهاء العنف ضد السود وسائر المستعمَرين
21-06-2020

 

نقله إلى العربيّة: سماح إدريس

 

تقديم

المقال الذي تترجمه الآداب أدناه كُتب في سياق الأحداث البارزة المتمثِّلة في العنف الذي يمارسه ضدَّ السود في الولايات المتحدة رجالُ شرطةٍ ومستوطنون استعلائيّون بِيض. وهذه الأحداث تشمل:

- قتلَ الشرطة برِيونا تيْلور (Breonna Taylor)، وهي عاملة في طبّ الطوارئ، في السادسة والعشرين من عمرها، أثناء غارة شرطةٍ فاشلة أودتْ بها حين كانت في سريرها؛

- صدورَ شريط فيديو لثلاثة مستوطنين أعضاء في لجنة أمنيّة [محلّيّة غير رسميّة] وهم يُطْلقون النارَ ويقتلون آماد ماركيز آربري (Ahmaud Marquez Arbery)، البالغ 25 عامًا، بعد أن طاردوه في سيّارتهم وهو يهرول؛

- قتْلَ جورج فلويد، 46 سنة، على يد الشرطة في مِنيابولِس في 25 أيّار، قبل يوميْن فقط من تخطّي عدد الوفَيات في الولايات المتحدة جرّاء فايروس كورونا 100 ألف. وقد قُتل فلويد، كما بات معلومًا، بعد أن جثا شرطيٌّ بركبته على عنقه حوالى 10 دقائق، على الرغم من توسّلات فلويْد المتكرِِّرة قائلًا: "لا أستطيع أن أتنفّس." الحادثة سجّلها، بكاميرا فيديو، أحدُ المتفرّجين، في حين وقف ثلاثةُ رجال شرطة آخرين ساكنين، متواطئين على جريمة القتل.

في اليوم الذي قُتل فيه فلويْد، تصدَّر خبرُ امرأةٍ بيضاءَ في مدينة نيويورك عناوينَ الصحف الأميركيّة، بعد أن انتشر فيديو يُظْهِرها وهي تتّصل بالشرطة (رقم 911)، مدّعيةً بفظاظةٍ أنّ أمنَها مهدَّدٌ من طرف رجلٍ أسودَ صادفتْه في سنترال بارك. هذه الحادثة أصابت وترًا عميقًا لدى الأميركيّين السود بسبب حادثةٍ سبقتْها ضمن أبرز أحداث الإعدام الغوغائيّ (lynching) في البلاد، ألا وهي: قتلُ أمِتْ تِلّ (Emmett Till)، البالغ 14 عامًا، بشكلٍ وحشيٍّ في ولاية ميسيسيبّي سنة 1955. وكان أمِتْ تِلّ قد اتُّهم، زُورًا، بالتحرّش الجنسيّ بامرأةٍ بيضاءَ في أحد المخازن. وعقب هذا الاتهام، خُطف من مكان إقامتِه على يد عناصرَ بيضٍ في لجنة أمنيّة محلّيّة [غير شرعيّةّ]، فضُرِب بوحشيّةٍ، ثمّ أُطلق عليه النارُ، ورُمي في نهرٍ بعد ربط جسدِه بمروحةٍ زِِنَتُها 32 كيلوغرامًا. والدةُ أمِتْ، واسمُها مامِي تِلّ، قرّرتْ، في تصرّفٍ شهيرٍ، أن تقيمَ لابنها جنّازًا بنَعْشٍ مفتوحٍ - - عارضةً جثّةَ ابنها المشوَّه كي يراها العالمُ أجمع، محفِّزةً بذلك ميْلًا ثقافيًّا وسياسيًّا دَفَعَ بـ"أميركا السوداءِ" قُدُمًا في اتجاه "حركة الحقوق المدنيّة."

 

والدة أمِتْ تِلّ أقامت جنّازًا بنَعْشٍ مفتوح كي يرى العالمُ جثّةَ ابنها المشوَّه

 

المستوطنون البِيض الذين قَتلوا "أمِتْ" بُرِّئوا من قِبل محكمةٍ مكوَّنةٍ من مستوطنين آخرين. سنة 2008، اعترفت المرأةُ، التي كانت قد ادّعت أنّ أمِتْ "صفَّر" لها، بأنّها اختلقتْ جزءًا من اتّهامِها ذاك.

علاوةً على ذلك، يذكّرنا إعدامُ الدولة لجورج فلويد، وهو إعدامٌ نُفِّذ من خارج إطار القضاء والقانون، بحادثة قتل أرِكْ غارنِر (Eric Garnerسنة 2014 على يد شرطة نيويورك. فغارنر قُتل هو أيضًا حين قبضت الشرطةُ على عنقه بطريقةٍ خانقةٍ (chokehold)، وسُمِع هو الآخر يتوسّل قائلًا: "لا أستطيعُ أن أتنفّس" أثناء لحظات نزْعه الأخيرة. حينها، تحوّلتْ هذه العبارة إلى هتافٍ تعبويٍّ في مظاهرات "حياة السود مهمّة" (BlackLivesMatter#).

أثار مقتلُ جورج فلويْد تظاهراتٍ وأعمالَ تمرّدٍ قام بها آلافُ الأشخاص في طول الولايات المتّحدة وعرضِها. لكنْ لا يبدو واضحًا حتى الآن إنْ كان ذلك سيؤدّي إلى تحدّياتٍ مهمّةٍ لعنف دولة الاستيطان الأميركيّة وعنصريّتها. وثمّة عنفٌ بوليسيٌّ هائلٌ اليوم ضدّ المحتجّين، بل هدّد ترمْب باستخدام الجيش لإسكاتهم.

المقالة أدناه نُشرتْ في 28 أيّار على موقع Hood Communist، وهو مشروعٌ جديدٌ يهدف إلى إشراك الفقراء والعمّال في نضالٍ ثوريّ بروليتاريّ معادٍ للإمبرياليّة يجمع السودَ وكلَّ ذوي الأصول الأفريقيّة. وقد كانت مداخلةً موجَّهةً إلى زملاء أميركيين سُود كي يُدْركوا أنّ الطبيعةَ الممنهجة للعنف الممارَسِ ضدّنا هي نتيجةٌ طبيعيّةٌ للكولونياليّة الاستيطانية الأميركيّة، التي تجد جذورَها في قمع السكّان الأصليين والأميركيين من أصل أفريقيّ. وهي، أي المقالة، تشجّع السودَ على أن يدركوا أنّ نضالَنا هو نضالٌ معادٍ للكولونياليّة، ومن ثمّ يضعنا في صفٍّ واحدٍ مع شعوبٍ أخرى تستعمرها الولاياتُ المتحدةُ أو يهيمن عليها رأسُ مالها وجنودُها. هدفٌ ثالثٌ للمقالة كان تشجيعَ مَن ليسوا سودًا أو سكّانًا أصليّين في الولايات المتحدة على الاعتراف بأنّهم مستوطِنون يساهمون في مشروع كولونياليّ فاعل، يضرب جذورَه في قمعنا؛ فالحال أنّه لا يكفي أن نكون مُعادين للعنصريّة في الولايات المتحدة، بل علينا أن ننزعَ الكولونياليّة عن هذه الدولة، التي هي أكثرُ الدول الاستيطانيّة في العالم عنفًا وخطرا.

أمّا في ما يخصّ هذه الترجمة في الآداب، فإنّني أطلبُ من رفاقنا في العالم الناطقِ باللغة العربيّة أن يدركوا أنّ الأفارقة في الولايات المتحدة، وعلى امتداد الغرب، هم من أقدم الشعوب المستعمَرة في العالم. 500 عام من الكولونياليّة اقتلعتْنا اقتلاعًا من أوطاننا، إلى حدِّ أنّنا بتنا لا نعرف من أيّ بقعةٍ جئنا من أفريقيا، ولا ما كانت عليه لغاتُنا الأمُّ، أو ثقافاتُنا الأصليّةُ وممارساتُنا الدينيّة. لقد استُعمِرنا الى حدِّ أنّ معظمَنا اليومَ لا يَفهم، ولو مجردَ فهمٍ، أنّنا شعبٌ مستعمَر!

 

10 أفكار لإنهاء العنف ضدّ السود

1 – تحرير السود من العنف العنصريّ يتطلّب تحويلَ الولايات المتحدة، كدولةٍ عنصريّةٍ كولونياليّةٍ، تحويلًا كاملًا - - لا الاكتفاءَ بالسخط "الانتقائيّ" على تجلّياتٍ عنصريّةٍ فرديّة، أو الاكتفاءَ بإجراء إصلاحاتٍ جزئيّةٍ لأقسام الشرطة.

2 – لا فعلَ من أفعال العنف العنصريّ يدعو إلى الاستغراب حين نعلم أنّ الولايات المتحدة هي ذاتُها فعلُ عنفٍ عنصريّ عمرُه 400 سنة. فهي، منذ نشأتها، قد بُنيتْ على أفرادٍ ومؤسّساتٍ وحكوماتٍ تؤذي السودَ بلا أيّ عواقبَ أو قصاصٍ عادل (تذكّروا: العبوديّة، الفصلَ العنصريّ، الشرطة، السجون، الإعدامَ الغوغائيّ lynching، الإفقارَ القسريّ، التمييزَ في التربية والرعاية الصحيّةّ والإسكان).

3 – الولايات المتحدة = موتَ السود وموتَ السكّان الأصليّين (وقمعَ شعوب الأرض). تأسّست الولاياتُ المتحدة على العبوديّة، والإبادة، والكولونياليّة، وتحديدًا الكولونياليّة الاستيطانيّة. المستوطنون سافروا من أوروبا "ليستوطنوا" أو ليسرقوا الأرضَ من سكّانها الأصليّين. في دول الاستيطان الكولونياليّ، يَخْلق المستوطِنون قوانينَهم ومؤسَّساتِهم العنصريّةَ، ويحصلون على الامتيازات نتيجةً لإسهامهم في العنف الممنهَج ضدّ السكّان الخاضعين للاستعمار - - وهؤلاء في حالة الولايات المتحدة هم: السودُ، والسكّانُ الأصليّون، وضحايا السياسة الخارجيّة الأميركيّة.

4 – السود قُتلوا وما يزالون يُقْتلون (مباشرةً أو بشكلٍ غير مباشر)[1]على يد هذه البلد العنصريّ، كلَّ عام، طوال الأعوام الـ 400 الأخيرة. ولكنّ هذه المعاناة لم تحرِّض المستوطنين البيض على تنظيم أنفسهم من أجل حريّتنا.

5 – العنصريّة ضدّ السود هي نتاجُ الكولونياليّة الغربيّة عمومًا، والكولونياليّة الاستيطانيّة الأميركيّة خصوصًا. ومحوُ العنصريّة يتطلّب التركيزَ على قضايا الكولونياليّة وإرثها.

6 – حريّتُنا تتطلّب نزعَ الكولونياليّة عن الولايات المتحدة: إنها تتطلّب تفكيكَ هذه المستعمَرة الاستيطانيّة الرأسماليّة تفكيكًا كاملًا، وإعادةَ هيكلتها لتكون شيئًا جديدًا قائمًا على تحقيق العدالة لضحاياها. حريّتُنا تتطلّب تعويضاتٍ من جرّاء 400 عام من الكولونياليّة الاستيطانيّة.

7 – مثلما أنّ المستعمِرين لن ينظّموا أنفسَهم من أجل حريّة المستعمَرين، فإنّهم لن يستسلمواإلّا حين تُجْبرهم على ذلك حركةٌ قويّةٌ مكوًّنةٌ من السود ومن المستعمَرين المنظَّمين الآخرين. القبائل والأممُ الأصليّة، وسكّانُ هاواي وبورتوريكو وجزرِ الباسيفيك، وضحايا العنف الأميركيّ في العالم، هم حلفاؤنا وشركاؤنا في عمليّة نزع الكولونياليّة وتقديمِ التعويضات تلك.

8 – لا فائدةَ من عرض الفيديوهات أو الصور التي تُظْهر قتلَ السود بهدف "تثقيف" المستوطِنين المتواطئين، الذين لا مصلحةَ ماديّةً لهم في تغيير الأوضاع العنصريّة لأنّهم يستفيدون منها. إنّ عرضَ هذه الفيديوهات والصور يعزِّز عنفَ الكولونياليّة بشكلٍ كبيرٍ ؛ ذلك لأنه (أي العرض) يهدِّد السودَ ويُلْحق بهم الرضوضَ النفسيّةَ، ويحوّل موتَهم إلى "فُرجةٍ" للاستهلاك والتسليةِ المَرَضِيّة.

9 – موت السود يجب ألّا يُستخدَم إلّا لإلهام المقاومة في صدورهم.

10 – الحركات المعادية للكولونياليّة في ستينيّات القرن الماضي كانت تملك مفتاحَ إنهاءِ قمعنا. والمفتاح هو الثورةُ الاشتراكيّة، ووحدةُ الشعوب المستعمَرة في أفريقيا والأميركتيْن وآسيا، إلى أن ننتصرَ انتصارًا عالميًّا على الرأسماليّة والكولونياليّة.

 

"ثورة سوداء" ناجحة داخل "الوحش الإمبرياليّ" ستُضْعف قدرتَه على تدمير الآخرين

 

خلاصة

التضامن مع نضال السود في الولايات المتحدة لا يعني دعمَنا ضدّ العنصريّة فحسب، بل يعني كذلك تحقيقَ العدالة للقارّة الأفريقيّة، والقطْع مع العبوديّة والكولونياليّة.

إنّ مطلبَ العدالة للأفارقة المهجَّرين يعني كلَّ قوّةٍ كولونياليّةٍ – لا بريطانيا وفرنسا وحدهما، بل بلجيكا وألمانيا والبرتغال وإسبانيا وهولندا أيضًا، والولايات المتحدة خصوصًا. فالولايات المتحدة لم تَنْمُ كمستوطنةٍ إلّا بسبب الأرباح الهائلة التي جنتْها من جهد الأفارقة المستعبَدين والمستعمَرين؛ وهذا ما سمح لها بأن تَكْبرَ لاحقًا لتصبح قوّةً إمبرياليّةً على امتداد العالم.

إنّ العدالةَ للشعب الأفريقيّ تُحتّم القطيعةَ مع النظام العالميّ الذي يسمح للغرب بالهيمنة على الشرق الأوسط وتمزيقِه. إنّ نضالَنا من أجل قارّةٍ موحَّدةٍ ومستقلّة، ومن أجل جالياتٍ مزدهرة، ينسجم بشكلٍ مباشرٍ مع أهداف النضال من أجل فلسطين والعالم العربي ضدّ الكولونياليّة وجرائم الصهيونيّة وتمزيقها للمنطقة.

إنّ "ثورةً سوداءَ" ناجحةً من داخل "الوحش الإمبرياليّ" ستُضْعف قدرةَ الولايات المتحدة على تدمير الآخرين، هنا وخارج الولايات المتحدة. ولهذا السبب هوجمتْ بضراوةٍ كبيرةٍ، ثم حُطِّمتْ، آخرُ لحظةٍ حقيقيّةٍ من ثورة السود، التي تركّزتْ حول مجموعات مثل "حزب الفهود السود" من غيرِ أن تقتصرَ عليها. ولهذا السبب أيضًا فإنّ بعضَ أقدم المعتقلين السياسيين في العالم هم مقاتلون سودٌ من أجل الحريّة، وهم موجودون في السجون منذ 40 أو 50 عامًا.

إلى رفاقنا الناطقين باللغة العربيّة: نحن نحتاج إلى دعمكم بطرقٍ عدّة مثل: 1) زيادة تبادل المعلومات والأفكار والتضامن بين نضالاتنا وعبر حدودنا (المزيد من ترجمة الأعمال السياسيّة والثقافيّة مهمٌّ في هذا المجال). 2) دعْم نضالات الأفارقة والسود في بلادكم ذاتها - - خصوصًا إخوتنا وأخواتنا الذين يعانون، كعمّالٍ مستغَلّين، نظامَ "الكفالة"؛ علاوةً على دعمِ مَن هم أفارقةٌ/سودٌ وعربٌ في الوقت نفسه. 3) نطلب إلى مَن يعيشون منكم في الولايات المتحدة الكولونياليّة، أو لديهم أفرادٌ من عائلتهم مقيمون هنا، أن يوقفوا التواطؤَ مع العنف ضدّ السود، وأن يستثمروا في "المقاومة السوداء."

كلُّ مَن يعيش في الولايات المتحدة ولكنّه ليس أسودَ، ولا من السكّانِ الأصليّين، إنّما هو مستوطِنٌ يعزِّز إخضاعَ الولايات المتّحدة لنا؛ مثلما أن كلَّ مَن يعيش في فلسطين ولكنّه ليس فلسطينيًّا، إنّما هو مستوطنٌ يعزِّز الإخضاعَ الصهيونيَّ للفلسطينيين. (السود لا يمكن اعتبارُهم مستوطِنين لأنّنا جُلِبنا إلى هذه الأرض خلافًا لإرادتنا، وليس لنا وطنٌ محدَّد [يمكن تمييزُه وتعيينُه] كي نعودَ إليه).

وفي حين أنّ المهاجرين غيرَ السود ذوي الخلفيّات الآسيويّة والعربيّة والمسلمة والأميركيّة اللاتينيّة، يعانون التمييزَ والعنفَ، فإنّ الولايات المتحدة تقدّم إليهم امتيازاتٍ معيّنةً ما لم يدعموا الأهدافَ الثوريّةَ للسكّان الأصليّين والسود ضدّ قمعنا. تاريخيًّا، يندرج الأميركيّون من أصولٍ إيرلنديّة وإيطاليّة ويهوديّة-أوروبيّة ضمن هذا النموذج أيضا.[2] بعضُ هذه الامتيازات يشمل تقديماتٍ اقتصاديّةً تسمح للطبقة الوسطى من هذه الجاليات المهاجرة بأن تستغلّ الفقراءَ السود.

أحد الأمثلة على ذلك تكاثرُ محلّات بيع الخمور ومحطّاتِ الوقود التي يملكها العربُ في مدنٍ كديترويت، التي تبلغ نسبةُ السود 80% من مجمل سكّانها. هذه المحلّاتُ والمحطّاتُ هي بمثابة مدخلٍ لارتقاء عائلات المهاجرين على السلّم الاقتصاديّ. ويترافق ذلك مع استنزاف جاليات السود من المصادر القليلة أصلًا، وتقديمِ القليل جدًّا إليها من المنتوجات المفيدة لصحّتها، والانخراطِ أيضًا في ممارساتٍعنصريّةٍ ضدّ الزبائن السود. ففي العام 2015 مثلًا، شهر موظّفٌ عربيٌّ في محطّة وقودٍ في ديترويت سلاحَه في وجه فِتْيةٍ اتّهمهم بسرقة بعض الحاجيّات من مخزنه؛ وهذا ما أثار احتجاجاتِ السود، الذين أغلقوا المحطّةَ موقّتًا. هذه الديناميّات، في الواقع، تخلق حواجزَ بين الطبقة العاملة العربيّة والسوداء، وشكّلتْ عوائقَ في طريق عملي في مجال التضامن الفلسطينيّ–الأسود.

في سيناريوهاتٍ أقلّ تطرّفًا، نجد أنّ الأميركيين من أصلٍ عربيّ يعيشون حياةً مريحةً نسبيًّا من دون تحدّي العنصريّة أو القمع اللذيْن يعانيهما جيرانُهم السود. هذه الديناميّات لا تقتصر على العرب-الأميركيين بل هي حالُ جالياتٍ مهاجرةٍ أخرى بحكم بُنْية "فرِّقْ تَسُدْ" في دولة الاستيطان [الأميركيّة]. وهي أدّت دورًا في كيفيّة نهاية حياة جورج فلويْد. فالمحلّ الذي أبلغ الشرطةَ عن جورج تمْلكه عائلةٌ فلسطينيّة؛ ويبدو أنّ المحلّ كان مطالَبًا من طرف سلطةِ فرضِ القوانين بإبلاغها بأيّ جريمةٍ مشتبهٍ فيها ضمن نطاق سلطتها القضائيّة. وفي 25 أيّار اشتبه موظّفٌ في المحلّ بأنّ جورج فلويْد استخدم ورقةَ 20 دولار مزيّفةً، فاتّصل بالشرطة. وفي المواجهة الناجمة عن ذلك، قتلت الشرطةُ جورج. صحيح أنّ الشرطة هي التي تتحمّل في النهاية مسؤوليّةَ موته، لكنْ ثمّة سجالٌ داخل الجالية العربيّة-الأميركيّة عمّا إذا كانت الحادثةُ مثالًا على "التواطؤ" العربيّ في العنف ضدّ السود.

هذا السجال ينبغي ألّا يكونَ محطَّ التركيز هذه اللحظة، مع أنّه يثير مسائلَ مهمّةً ينبغي على جالياتنا أن تطرحَها. بدلًا من ذلك، نريد من رفاقنا المنخرطين في نضالاتٍ أخرى أن يتصرّفوا وهم مدركون جيّدًا أنّ "الثورة السوداء" هي أكبرُ تهديدٍ داخليٍّ للأمبراطوريّة الأميركيّة، وأن يستثمروا وقتَهم ومصادرَهم في جالياتنا وفي عملها السياسيّ. من ديترويت إلى شيكاغو وجاكسون (ميسيسيبّي)، لا شحَّ في العمل الثوريّ للسود كي يُسهم فيه رفاقُنا أولئك.

علينا أن نمزّق العداءَ للسود، شأنَ تمزيقنا للإمبرياليّة والصهيونيّة، من أجل أن نحظى، كشعوب مستعمَرة، بأيّ أملٍ محتملٍ في الحياة .

الولايات المتحدة

 


[1] سألتُ المؤلّف عن قصده فقال: أعني أنّهم يُقتلون إعدامًا، أو بالإهمال العنصريّ (السكن السيّئ، العناية الصحّيّة الناقصة، الطعام الرديء،...). (المترجم)

[2] تراتبيّة الاستعلائيّة الأميركيّة البيضاء تعكس، كالمرآة، تراتبيّةَ الكولونياليّة الصهيونيّة: إذ يقع في الأعلى اليهودُ الأوروبيون، ويقع الفلسطينيون في القعر، وبين المجموعتين يقع اليهودُ العرب والأفارقة والعمّالُ المهاجرون والباحثون عن ملجأ.

كريستيان دايفيس بايلي

 كاتب ومنظِّم سياسيّ. يتركّز عملُه على التضامن مع فلسطين، وبناء روابط بين نضالات السود في الولايات المتحدة والأفارقة والفلسطينيين. سنة 2018 نظّم زيارةً لوفدٍ من الناشطين الأفارقة والسكّان الأصليين والعرب، من الولايات المتحدة وأفريقيا الجنوبيّة، إلى لبنان للقاء الفلسطينيين ورفاقهم.