فاطمة المرنيسي والحياة بعد الرحيل (ملفّ)
28-02-2016

 

قد لا نملك الجرأة على استفسار الموت، وكيف يسحب الحياة من دون إنذار. لكننا نستطيع أن نتساءل عن معنى الحياة بعد الرحيل، وكيف يمكن ترتيبُ أولويّاتها بعده. إنه شعورٌ يعترينا كلّما فقدنا صوتًا مُبدعًا. فإذا كان في مقدور الأمم أن تلد كلَّ يوم كتّابًا وأدباء، فإنّها لا تحظى دائمًا بميلاد كتّابٍ يتمكّنون من إنتاج الرؤى، وتُصبح كتاباتُهم مدرسةً للتفكير. كيف، إذن، نعيد ترتيب حياة فاطمة المرنيسي بعد رحيلها من أجل عقد تواصلٍ بين رؤيتها العقلانيّة وبين الأجيال الشابّة التي لم تحظَ بمرافقتها في مدرّجات جامعة محمد الخامس، أو في ورشات التفكير، أو في جلسات النقاش؟

لعلّ من أهمّ النقط في هذا الصدد قدرةَ المرنيسي على تطويع الشرط التاريخيّ ـــــ المعرفيّ من أجل الانتصار للفكرة. فالراحلة استطاعت أن تُدافع عن أحقيّة المرأة في موقعٍ كريمٍ في الوجود، وذلك بتفكيك الذاكرة الجماعيّة التي تشكّل في النسق الثقافيّ العربيّ مسكوتًا عنه. كما تمكّنت، بفضل منهجها العلميّ، من تحليل الصور الذهنيّة في المجتمع والتراث والخطاب الدينيّ، وأسمعتْ أصواتَ النساء من كلّ الفئات الاجتماعيّة عندما منحتهنّ فرصة الحكي عن أوضاعهنّ (في المغرب عبر نسائه). كما ناقشتْ قضايا حسّاسة، مثل الحجاب والجنس والدين، برؤية الباحث الذي يُرافق أسئلته بدون ملل ومهادنة ورعب من الذاكرة الجماعية. وكانت تُنجز ذلك كلَّه في شرطٍ لا يسمح بالحديث عن هذه القضايا، فكيف بصوت المرأة؟

العنصر الثاني يتمثّل في أجرأة منهجيّة البحث العلميّ في القضايا المعرفيّة. فقد استطاعت المرنيسي أن تخرج بالبحث العلميّ من قاعات الدرس الأكاديميّ، وتجعله أسلوبَ حياة وتفكير.

العنصر الثالث هو الوفاء للفكر، بمرافقته، وعدم التنازل عنه.

إذن، بالاشتغال بحياة المرنيسي بعد الرحيل، عبر تفكيك منطق مدرستها الفكريّة، نستطيع أن نضمن استمرارًا ليس فقط لفكرها، وإنما أيضًا لشروط بناء نخبة مغربية حقيقيّة.

المغرب

 

زهور كرام

 ناقدة وروائية مغربيّة