أكبرُ الصغار يقرأ متضجّرًا، استعدادًا للفحص المدرسيّ القريب.
وُسطى الصغار أمام التلفاز، تتابع مشدودةً أحداثَ الحلقة التسعين من مسلسلٍ ما زال في بداياته.
أصغرُ الصغار متسمّرٌ أمام الحاسوب، ينتقل من موقعِ تواصلٍ اجتماعيّ إلى آخر غير اجتماعيّ، إلى لعبة مُلْهِية.
كبيرَا المنزل يتابعان أعمالَهما ــــــ وبعضَ لَهوٍـــــ على الحاسوب، كتابةً وطباعةً ومراجعةً. وأحيانًا تشغلهما أعمالٌ منزليّةٌ لا تنتهي.
الحركة خارج المنزل مشلولة. العاصفة والبرْد والبَرَد والمطر كلّها جعلت الخروجَ شبيهَ مغامرة. على مضض واضطرار مكثوا بين الجدران. هم قلّما يجتمعون.
فجأةً حلّ الظلام، فتعطّلت الحواسيب والتلفازُ وكلّ ما اتّصل بالكهرباء. بطّاريّات المحمولات تكاد تلفظ أنفاسها. طَوال ساعتين لا كهرباء في المنزل وفي كلّ أحياء البلدة. المشغول والمنشغل والمتشاغل، اللاهي والمتلهّي والمتضجّر، كلّهم في لحظةٍ تجمّعوا.
أتت كبيرةُ المنزل بشمعة كبيرة بدّدت بعض العتمة في غرفة الجلوس. وأخذ التذمّر والشكوى يملأان المكان.
يتساءل أكبرُ الصغار: "كيف سأدرس الآن؟!" فيجد مَن يجيبه: "أتتك فرصةٌ لارتياحٍ لم تكن في الحسبان!"
يتساءل أصغرُ الصغار: "يا الله! كيف سأُمضي الوقتَ بلا حاسوب إن طال الانقطاع؟!" فيُجاب: "الكثيرون في دنيانا لا حاسوب لديهم إطلاقًا!"
وتتساءل شقيقتُهما: "يا الله! ماذا عن المسلسل؟!" فتُجيبها الكبيرة: "لا عليكِ! ما تبقّى أكثرُ ممّا مضى. حلقاتُ المسلسل المتبقّية أكثرُ من الحلقات التسعين الماضية!" ويضيف الكبير: "في الغد ستعاد هذه الحلقة ذاتُها مرّتين أو ثلاثًا!" ويذكّرها كبيرُ الصغار: "والإنترنت كذلك سيزوّدكِ بها. لا عليك! الخسارة ليست فادحة!"
وضحك الجميع. من القلوب ضحكوا. وتتابعت الأحاديث والمداعبات دقائق ودقائق تجمّعتْ في ساعتين، هناك في غرفة الجلوس حيث تجمّعوا. في لحظةٍ تَحوَّلَ المنزلُ إلى بيت! اشتدّ البردُ والعاصفةُ والزمهرير في الخارج، وتسرّب الدفء إلى الداخل، وأنارت العتمةُ المكان.
وتَساءَلَ مَن تَساءَل: أكان لا بدّ للضوء من أن يختفي كي يبزغَ بعضُ نور؟
بعد ساعةٍ، عاد التيّارُ الكهربائيّ. انفضّ الخمسة. بسرعة، غدت تلك الساعةُ ذكرى لأزمنةٍ قادمة.
عبلّين- فلسطين