مُسعِفان مُراهقان قَرَعا بابي في الجعيتاوي، يُحْصِيان الخسائرَ الناجمةَ عن التفجير، يَسألان عن حجمِ الأضرار في بيتي، وكيف أتدبّرُ أموري المعيشيّة، وماذا آكلُ، وهل أحتاجُ إلى دواء أو وَحَدات غذائيّة،...؟
وَددْتُ لو أضعُ رأسي حجَرًا ثقيلًا بينَ كَفَّيَّ وأبكي.
وَددْتُ لو أنّي، وسطَ هولِ الفاجعة وتَعدادِ أَسماء القتلى والضَّحايا، تجرّأتُ فشكوتُ إليهما أنّني - ومجموعةً من رفاقِ المسرح - كنّا نستعدُّ لتقديم أعمالٍ مسرحيّةٍ بعد أسبوع، مع يقيننا بأنّ المسرح سيكون شبهَ خالٍ من الجمهور.
أو أخبرُهما أنّني، منذُ أزمة الدولار، أشعرُ بالذّنْبِ كلّما رغبتُ في شراء الألوان وألواحِ الرّسم، والناسُ من حولي تَتَضَوَّرُ جوعًا.
وكيفَ يتسلّلُ الاكتئابُ يوميًّا من شقوقِ ذاكرتي، يملأ جسدي السّمينَ فجَعًا وجوعًا ونهَمًا وهربًا وهبوطًا واستسلامًا.
وكيف يصبحُ العالمُ سريرًا ونومًا بليدًا.
وكيف أنّي، حين أفتحُ عينيَّ، أشعرُ بأنّ كلَّ لوحاتي المعلَّقةِ على حائط بيتي أصغرُ من بعوضةٍ نافقةٍ، وبأنّ جسدي الخاملَ المُتعرِّقَ أثقلُ من دابّةٍ لا تصْلح حتّى للذبح.
(الصورة: إِدِي شويري)
عبثًا، وسط هذا الفراغِ العاطفيّ والفنّيّ والروحيّ، أقاومُ الاستسلامَ بالشراهة، وأُنفقُ ما تبقّى من مُرتّبي على السكاكرِ والوجباتِ وكلِّ ما يُحقّق المتعةَ السريعة.
عبثًا تُفْلحُ كلُّ أكياسِ الأَرُزّ والعدسِ والمعلَّباتِ في إشباعِ فقري وحزني على ما خزّنته الثلاثون الضّائعةُ من عمري في هذا الوطن من خيباتٍ وطعناتٍ وهرولةٍ ولحمٍ مُترهِّلٍ فوق خاصرتيَّ.
***
ما أحتاجُ إليه اليومَ هو أن أُعطي، ولا حاجةَ لِمِثلِي في الكوارث والفواجع!
أَعلَمُ،
أنّني أزرعُ في الصّحراءِ وردة،
أُضيفُ إلى البحرِ قطعةَ سُكَّر،
وأحضنُ هذا الوطنَ بِذراعيْن مَبتورَتيْن.
بيروت