ما زالت بلادُنا في لعنة ما اخترعتْه: كالوثنيّ الذي صنع إلهَه من خزف، ثمّ خاف منه.
في مهبط الحروف لم تكن سلطاتُنا إلاّ خوّافةً من هذه الحروف. فعملتْ منذ البداية على احتكارها، تطويعها، تدجينها، محوها، سجنها، سحلها.
تعاقبتِ السلطُ، لكنّ علاقتها بالحروف بقيتْ كما هي. تريدها حروفًا تعكس صورتها بذهبٍ أمام الناس، تنسجها أكياسًا لأموالها. وإنْ تمرّد حرفٌ وخرج عن طاعتها، لاحقتْه بلا كلل.
الحرف ممنوع إلا حين ننبش أحشاءه وندبّ فيها موادّ التحنيط. الحياة ممنوعة ولو في الحروف. التكرار خبب على رمال الصحارى، يجب أن يستمرّ مهما صار. وليقعِ وليُزجَّ بالشعراء في السجون، ولتقطعْ الرؤوس، وليذوّب المثقفون بالأسيد، أو ليشنقوا. وإنْ كانوا محظوظين فليرموا في غياهب النفي الأبديّ .
في بلادنا ، تطير الطائراتُ الصارخة، وتُصنّع الصواريخُ العملاقة، ونحمل أذكى الهواتف. لكنّ الكتب ما زالت تُمنع، والفكر ما زال يُقمع، و والكتّابُ ما زالوا يُحاكمون ويُسجنون ويُحكم عليهم بـ "الردّة" و"إثارة النعرات" و"إهانة الذات" الإلهيّة أو الملكيّة أو الرئاسيّة.
حزينة أنت يا بلادنا!
قاتلٌ تلازمُ دماء حروفك السوداء مع دماء بَنِيك!
يسري الأمير
كاتب من لبنان. ومدير سابق لموقع الآداب الإلكتروني.