1) اللاأحد
ليس أمرًا سيّئًا أن تكون مجرّدَ لاأحد.
لوهلةٍ، يبدو العالمُ مكتظًّا بالنوابغ والاستثنائيّين،
حتّى لتشعرَ أنّ عليكَ أن تدافعَ عن حقّ الـ"لاأحد" في الوجود.
اللّاأحد كيانٌ حقيقيٌّ ومكتمل،
له الحقُّ في أن يتشاركَ هذا الكوكبَ مع معشرِ الاستثنائيّين.
إنّه ليس حزينًا لكونه مجرّدَ لاأحد،
ولا تستحوذُ عليه فكرةُ إثبات أنّه الأفضلُ والأوّلُ والأجمل،
ولا يشعر أنّ من واجباته اليوميّة أن يتباهى بأصالةِ جيناته أو عظمةِ إنجازاته.
إنّه منسجمٌ مع وجوده البسيط؛
وهذا ما يتيح له الوقتَ الكافي للفهم والتعاطفِ والدهشة.
يستيقظ كلَّ صباح،
يسقي نباتاتِه (العاديّةَ جدًّا) على شرفةِ منزله (العاديِّ جدًّا).
يذهب إلى عمله،
يبتسمُ للجميع (اتّساعُ ابتسامته لا يرتبط براتب الشخص المقابل).
يسمعُ موسيقاه (غيرَ النخبويّة) من دون أن يخشى شرطةَ الرأي العامّ، المنتشرةَ في كلّ مكان.
يضحك،
يتّسع المدى.
يبكي،
يبلّل (بالدموع) خوفَه وحيرتَه وضعفَه ووحدتَه وهشاشتَه،
ثمَّ ينشرها على حبلِ الغسيل كيْ لا تتعفّنَ في داخله وتفوحَ منه رائحةُ الوهمِ الواخزة.
يتحسّس قلبَه.
تتوهّج رؤوسُ أصابعه.
في النهاية،
لا يبدو سيّئًا أن تكون مجرّدَ لاأحد.
***
2) آلهة الخصب
في قديم الزمان،
وأثناءَ انشغالي بأن أكونَ مجرَّدَ لاأحد،
وجدتُ حبَّكَ على قارعة الطريق:
طفلًا جميلًا، بعينيْن متوقّدتيْن، يرمي الحنطةَ إلى الحَمام.
اقتربتُ منه وضممتُه.
بدت لي رائحتُه كرائحةِ رحِمي.
عرفتُ أنّني أنجبتُه في حياةٍ ما،
وأنّه يقفُ ههنا في انتظاري،
يرمي الحنطةَ إلى الحمام ريثما آتي.
حملتُه على ظهري،
وتابعتُ انشغالي بأن أكونَ مجرّد لاأحد، لديها ابنٌ على شكل حُبٍّ يرمي الحنطةَ إلى الحمام.
***
كلَّ مَغيبٍ، أخبّئ ابني في داخلي،
كي لا يخافَ من قهقهاتِ قساةِ القلوب
وأحكي له حكاياتٍ خياليّةً،
عن بلادٍ جميلةٍ ورحبة،
إلى أن يغفوَ
واضعًا رجْلًا فوق رجْل،
مسندًا ظهرَه إلى الحكايات.
وفي الصباح،
قبل أن أفتحَ عينيَّ،
أُنجبُه من جديد؛
أشمُّ رائحةَ وجهه؛
أدركُ أنّه ــــ اليومَ أيضًا ــــ
سيكونُ الحكايةَ التي أُسندُ إليها ظهري.
أحملُه، وأمضي في انشغالي:
بأن أكونَ مجرّدَ لاأحد،
لديها ابنٌ على شكلِ حُبٍّ يرمي الحنطةَ إلى الحمام.
سوريا