الملفات

  كان ماهر اليماني، أثناء كلامِه، يضمّ حرفَ العين إذا ما وردتْ كلمةُ "علاقة." في هذا الضمّ، ابتنى له حياةً مديدةً على الرغم من رحيله المبكر؛ حياةً ضَمَّ فيها إلى قلبِه غاليتَه فلسطين، وقضايا التحرّر في أرجاء الأرض، ومئاتِ (بل آلافَ) الأصدقاء الذين...
  أنتَ هنا. لم ترحل. منذ ذلك اليوم الكئيب الذي ذرفْنا فيه ذكرياتِنا وإيمانَنا وقيمَنا ونضالَنا دموعًا، وأنا مُتعَبة، خائفةٌ على ماضٍ تَرْحل رموزُه من دون أنْ يأتيَ من يملأ فراغَ الغياب. ربّما هذا الخوفُ أرجعَكَ، فأحَطْتَنا، كما كنتَ تفعلُ دائمًا،...
  صامتٌ هادر، غائبٌ حاضر، عنيدٌ ليّن، مزاجيٌّ "هَنيّ،"* غاضبٌ مرح، شامخٌ متواضع، صلبٌ مرِن، قاسٍ حنون، غنيٌّ فقير: أضدادٌ متى اجتمعتْ في واحدٍ، أظهر للضدِّ حسنَه الضدُّ. هو ماهر، أو "هادا ماهر" كما يسلّم كلُّ مَن يعرفه. وهكذا أحببتُ ماهرًا، وهكذا...
  على مرِّ الأعوام التي عرفتُ فيها ماهر اليماني، بدا لي دائمًا أشبهَ بالدمى الروسيّة الشهيرة (ماتريوشكا)، التي تحتوي كلُّ واحدة في داخلها دميةً أخرى مختلفة، لكنّها في الوقت ذاته تشبهها. لذا، كان القرب من ماهر لا يُمَلّ. ما إنْ تظنّ أنّك أمسكتَ...
  اعتدتُ منذ سنوات أن أكتبَ وأنشرَ رسالةً سنويّةً بعنوان: "إلى غسّان كنفاني." ثمّ أضفتُ إليها رسالةً سنويّةً أخرى إلى الحكيم جورج حبش. وتوقّفتُ عن الكتابة بعد رحيل والدي، أبي ماهر اليماني. لم أجد تفسيرًا لتوقّفي عن الكتابة. إلّا أنّني أجدُ نفسي، بعد...
  في الخامسة من عمري، وفي منزل ضمير ثورتنا أحمد اليماني في بيروت، أذكرُني محمولًا بين ذراعيْ فدائيٍّ خرج لتوّه من السجن اليونانيّ سنة 1970، بعد عمليّةٍ بطوليّةٍ نفّذها ضدّ طائرة صهيونيّة، تطبيقًا لشعار وديع حدّاد: "وراء العدوّ في كلّ مكان." كان ذلك...
  لا أذْكر تمامًا تاريخَ لقائنا الأول، لكنّه كان في العام 1978، في تظاهرةٍ ضخمةٍ في بيروت، وكان الطقسُ عاصفًا وماطرًا. كنتُ يافعةً، ومتحمّسةً، ومعتدّةً بنفسي. كان علينا توزيعُ بيان في التظاهرة، وكنتُ أركض بين المتظاهرين، ثمّ أشقُّ طريقي بينهم كي أصل...
  "أنا لا أثق بعرفات، أثق بجورج حبش،" قال لي الرئيس أحمد بن بللا. "أبلغْ جورج حبش، باسمي، أن لا يرتكبوا غلطةَ الخروج من بيروت. لن تتمكّن إسرائيل من دخول بيروت إذا بقيت المقاومة هناك. سوف تفشل، فلا تمنحوها انتصارًا مجّانيًّا. عرفات لا يمكنه الخروج من...
  "بعرفِكْ مِن لمّا كُنتِ بعمره": هذا ما يقولُه لي "عمّو ماهر،" وأنا آخذُ منه طفلي، بعد أن حملَه وقبّله بمحبّةِ جدٍّ لن يحظى به قطّ. لم يكن "آزاد" قد تجاوز الأسابيعَ القليلةَ في حينه. والحقيقة أنّ ماهرًا يعرفني منذ كنتُ أصغرَ من آزاد، منذ أن كنتُ في...
  في العام 1996 كنتُ أعمل طبيبَ طوارئ في مستشفى صغير في بلدة عيتيت الجنوبيّة. هناك، التقيتُ طبيبَ أسنانٍ من بلدة عيناتا، حيث كان للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين مكتبٌ وقاعدةٌ عسكريّة. بعد الحديث مع الطبيب، الذي لم أعد أذكر اسمَه، سألني إذا كنتُ أعرف...
  ملخّص حوار أجراه بشار اللقيس   لا يمكن عزلُ ماهر اليماني عن ظروف تكوينه ونشأته. وُلد ماهر في عائلة مناضلة، كان منها أحمد اليماني: القائدُ المناضل الذي أسهم في تأسيس لجان الدفاع الشعبيّ في الأحياء الفلسطينيّة عام 1948، والقائدُ الذي نقل تجربةَ...
  شهدتْ سبعينيّاتُ القرن الماضي تململًا في أوساط الشباب على مستوى الوطن العربيّ بعامّةٍ، ولبنان بخاصّة. وعَرفت المواقعُ نقاشًا حادًّا حول العمل المقاوم، واتُّخذت الخياراتُ في دعم العمل الفدائيّ، مع ميْلٍ إلى تشكيلات كانت تنعطف باتجاه اليسار، ومنها...
  سأكتبُ عنك يا ماهر بكلّ معاني الحضور ولغاتِه؛ ذلك لأنّ الغياب لا يقوى على مَن هو مثلك، ولأنّني ما زلتُ أرفضُ التسليمَ بأنّ لقاءك بات محالًا. كانت الدهشةُ هي الأثرَ الذي حفرتَه في داخلي عميقًا مذ تعرّفتُ إليكَ. وقد امتزجتْ دهشةُ التعارف الأوّل...
  من المستحيل أنْ أحدِّدَ متى بدأتْ توأمةُ روحي مع ماهر اليماني. كلُّ ما أعرفُه هو أنّنا بدأنا المدرسةَ الابتدائيّةَ معًا. وعلى الرغم من العدد الكبير من زملائنا الطلّاب آنذاك، فقد كنّا صديقيْن ورفيقيْن دائمًا. وكنّا، في غالب السنين، نتقاسم مقعدَ...
  التقيتُه أوّلَ مرّة في منزل إحدى الصديقات، برفقة الغالية زينب. أنارت بعضُ الشموع سهرتَنا اللطيفة؛ فنحن في لبنان لا نعرف انتظامًا للكهرباء. لفتني حديثُه عن علّة لبنان وابتلائه بالطائفيّة، وعن أزمة المواطَنة. وكان يقدِّم لنا النصحَ حتّى نغيِّرَ...