1
يغفو النهرُ قليلًا خلف الطريق القديمة
يغفو فتتّسعُ الرؤيا.
في الكون عينٌ "ثالثة"
غصنُ الصفصافِ يداعب النهر؛
يبتلّ فيجري معهُ
وتبقى المسافات بين الشجر وبيني
كونيّة.
***
اغمسي قدمَكِ العطريّةَ في الطين!
البردُ
رحلَ شمالًا،
وتركَ في عينيكِ البنفسجيّتين
طفلًا.
لا تخافي؛
دربُ دمشقَ بعدُ طويلة،
والمطرُ الذي بلّل شجرَ النارنج
بلّلني
كمنديل عروسٍ مسبيّة.
لا تخافي؛
المشمش في الغوطة مازال برتقاليَّ اللون،
والشوارعُ سوداءَ،
ومازال رغيفُ الخبز يُطعم جائعًا
ويقتلُ جائعًا.
لا تخافي؛
الموتُ ليس مرعبًا،
وخطيّةُ الزمن كذبةٌ كبرى
كحلم طفلٍ رضيعٍ
في خيمة.
2
تعبَثُ الريحُ بزهر الأقحوان؛
تتساقط
فوق صفيح الماء
جُثثًا صغيرة.
تصطفُّ في رتل كجُند،
تتمايلُ كراقصاتٍ بابليّاتٍ في بهو معبد؛
تغرقُ إحداهنّ،
فيُعيدها التيّارُ إلى السطحِ مُبتلّةً
خَجِلةً من عُريها الأبيض،
خَجِلةٌ من انفصالها القسريّ،
من موتها العِطريّ.
***
أزهارُ الأقحوان
تستشعرُ الشتاء؛
تراهُ في الظّل الشجريّ للغابة؛
في قدمٍ صغيرةٍ
فقَدَتْ ــــ في غمرة الصيفِ ــــ حياة.
زهرُ الأقحوان حيٌّ،
يرى ويسمع،
وفي أيّامٍ تغيب عنها الأقمارُ
يختبئ في نفسهِ،
ويبكي.
***
يا زهرَ الأقحوان
ستَفنى البشريّةُ يوما
ويعودُ الكوكبُ بكْرًا
علّكَ ـــ
في ذيّاك الزمن ـــ
تغدو إلهًا،
يا زهر الأقحوان!
3
يمرُّ قطيعٌ من الطير
يمرُّ قربي
لم أكن ــــ حينها ــــ غائبًا
ولا السماءُ كانت ـــ كعادتها ـــ زرقاء.
***
الطيرُ بريشٍ أسود
الطيرُ بأجسادٍ سوداء.
***
يا طيرُ
أنتَ لست هنا
أنت تحلم بالأرض "الموعودة"
بالأرض التي مُتنا فيها
وللسُخرية
بُعِثنا أحياء.
***
يا طيرُ
اذهبْ للجهة الأخرى،.
خالف قدرًا بلون زجاج الكنائس،
بلون دموعِ الأمّ الحزينة،
بلون قصص الأنبياء.
***
وإنْ فاجأتكَ عينُ التنين" هناك
تَعال؛
فالدمُ المسكوبُ في الزجاج المعشّق
مازال يسخُنُ،
يسخُنُ،
يغلي؛
واللحم الممنوح لربِّ الجليد
شرابٌ لا سكر فيه.
4
طرقاتٌ ضيّقة
يأتي الليلكُ الجبليُّ نحوي زاحفًا،
تأتي الحصى
وانكساراتُ الشمس فوق وجه المياه.
يقترب الكونُ حتّى ينتهي في وردةٍ بيضاء!
هذا المساءَ،
إنّي أمتلكُ العالم.
***
تسافرُ المياهُ في المياه عميقًا
تدفع غصنًا في دوّامةٍ صغيرة؛
يقاومها ويطفو.
يخرجُ نحو الضفّة لاهثًا،
عاريًا،
والجرحُ النديُّ فيه مازال ينبض،
يرفضُ الموتَ في الأعماق
ليموتَ وحيدًا
هنا.
يا غُصن
أنت تستحقُّ الحياة.
***
تكرّرُ المياهُ دورتَها آلافًا
لا تملُّ العودة
لا تملُ كينونتَها الأزليّة
تعودُ كلّ عامٍ في عين المكان
مياهًا جديدة.
موتٌ
وحياة جيدة.
5
مساءاتٌ مطيرة
تحت سحابٍ يغفو فيه الماءُ كطفل؛
وطريقٌ بين الشجر المائلِ
المائلِ
حتّى يلامسَ جسدَ الماء؛
وطريقٌ
تمرُّ فيه الخيباتُ سريعًا
بينَ الغوطة ودمشق.
***
ما أصعبَ أن تعترفَ
ما أصعب أن تكشف وجهَ الحيّ الآخر
وتقولَ:
هذا كانَ
في الزمن الذي ما كانَ زمني؛
هذا سرابٌ شتويٌّ فوقَ مقاعد الخَشَب في أُميّة
وحُلمٌ على الجدار؛
هذا انحسَر
حينَ انحسَر المطرُ عن الجنوبِ
وباتت سواقي الماء
ـــ كالحجَر الأسود ـــ
سوداء؛
هذا انحسَر
حين عرائِشُ العِنَب ـــ حيّةً ـــ دُفِنَتْ
والأطفالُ تحتَ عين الشمس
دُفِنوا أحياء.
كندا