ــــ 1 ــــ
كلّ التواريخ التي حفظتُها تثبتُ أنّني وُلدتُ قبل الحرب بكثير.
وُلدتُ عندما كانت الأرض يتيمةً، والسماءُ لم تُغتصَب بعد.
"لو أنّ الغيومَ تصغي لأزيز الرصاص الآن، لأمطرَتْ موتًا على رؤوس الحاقدين":
هذا ما يردّده الأملُ كي لا يبقى مكتوفَ اللسان.
بعد أن دخلْنا الحربَ عاقدِي العزم، نسيتُ التواريخ؛
كلُّ ما أعرفه أنّني ـــ ابن البندقيّةِ العمياء ـــ
وُلدتُ من فوّهة
قُذفتُ في صدرِ وطن
مرّةً... ومرّتين... ومازلتُ.
أنا القاتلُ والمقتول،
وكلانا في النار.
أنا الشاهدُ الوحيدُ على المجزرة.
أنا الجثّة المتفسّخة على الطريق.
أنا البحر أكَلَ اللاجئين...
والزنزانةُ أَضِيقُ على صدور العاجزين.
أنا الوطن... والوطن أنا...
وكلانا قُتلنا معًا!
ــــ 2 ــــ
إذا ما عَرِيَت المدينةُ من جدرانها،
فكم روحًا ستُقلع نحو السماء؟
معادلةٌ معقّدةٌ نتحاشى مناقشتَها؛
فالأعداد مَتاهةُ البسطاء.
كم تحتاجُ من البارود لطحن البلاد قهوةً للنبلاء؟
معادلةٌ بسيطة تتماشى مع حقدنا على المدن.
هي المدينة التي لا يفضّلُها الغرباء؛
تنام واقفةً على ضجيج أحبابِها،
لتصحوَ على صمتٍ يتلوّن برائحةِ الدماء.
نحن دائمًا غرباء في أزقّتها الضيّقة،
تُميّزُنا من لهجاتِنا الريفيّة
تداعبُنا لساعاتٍ،
تقضي حوائجنا بلطفٍ،
تقطع لنا تذكرةً بحجمِ قبلة...
وتطردنا.
هي المدينة التي لا تمنحُ تذكارًا للغرباء؛
تحتفظُ بعذريّتها للحبيب الأوّل...
لا يفضّ بكارةَ المدن إلّا الغرباء!
سوريا