أقرأُ حتى ألتمسَ الخفاء
24-04-2018

 

 

بمناسبة الشهر العالمي للمطالعة، تُقدم الآداب شهادتين لكاتب شاب وكاتبة شابة يسردان فيهما تجربتهما مع القراءة والكتاب.هنا شهادة غفران مصطفى :

القراءة لذّةٌ صامتة. نسكُن إليها، فيأخذُنا صمتُها المطبقُ إلى مسارات الحكايات الجوّانيّة. في داخل كلّ واحدٍ فينا أصواتٌ "توشوشه،" تُعينه على فهم ميولِه وهواجسه، في عالمٍ مليءٍ بالتناقضات، ولكنّه شبهُ خالٍ بمن يُنصتون إلينا.

أقرأ لأخلق زواريبَ، موازيةً للطرق المزدحمة، إلى الناس وإلى قلبي وإلى الله. وهناك ثلاثة أنواع من القراءات تصنع حياتي: الرواية، وعلم الاجتماع، والقرآن.

أمّا الرواية فهي سردٌ يُحادث فرادتي، وفرادةَ كلّ شخص. كأن أجدَ في حكايةٍ كتبها غيري كلمةً  أحشرها سرًّا في نصوصي، فيكتمل المعنى الذي أريده. أو كأن أجدَ حكايةً أخرى تعينُني على فهم أمّي؛ أمّي التي تعيش في خاطري رفيقةً ملهِمةً دومًا.  

ومُتعة الرواية أحسُّها أيضًا في حكايات الشعوب التي تصنع عاداتِها، ويُترجمُها علمُ الاجتماع من خلال توصيفاتٍ دقيقةٍ لماهيّاتها ولبداياتها. فهذا العلم يرتكز في شروحه على أبعاد كثيرة تصنع قصصًا لا تنتهي لكلّ كاتب. فمن دراسة اختلاف الأمكنة بين شعبٍ وآخر، ومن اختلاف اللهجات والثياب والطعام والثقافة والموسيقى والعمارة، ومن تأثير ذلك كلِّه على بناء مجتمعات متناقضة، يصير الشرحُ العلميّ مشروعًا لرواية جديدة.

***

ومع ذلك يظلّ هناك سؤالٌ واحدٌ يرافِق توقي إلى البحث عن الأسرار التي تَسكن خلف دوافع الأشياء والأفعال. وهذا السؤال هو: كيف يسير العالمُ في خفاءٍ جميل؟ والخفاءُ الذي أراه هو الله. الله الذي في قلبي، وفي قلوب سواي. الله القوّة التي لا أفهمُها حين يُكَدّرني السعيُ ويثقلني الحزن. الله الذي في حكايات القرآن. الله الذي هو سرُّ الجمال؛ الجمال الذي يأخذني عجزي عن وصفه إلى قراءاتٍ لا تنتهي، وإلى كتاباتٍ لا تنفصل عن سعيي إليه.
 

بيروت

غفران مصطفى

معدّة برامج في قناة الميادين. لها مقالات أدبية واجتماعية منشورة في جريدتي السفير والأخبار. حائزة شهادة ماجستير في علوم الإعلام والتواصل من الجامعة اللبنانيّة.