مخرج طوارئ
15-10-2015

 

ثمّ اسمعي:

في الحرب، تصبح النساءُ أحلى.

 المهدَّداتُ بالفَقْد وموتِ الرجال،

 الحابساتُ الدمعِ والغنجِ والدلال،

 الناسياتُ الكحل،

 الكاتماتُ لرنّةِ الخلخال،

 والضحكةِ الخَجلى....

يَصرْنَ أَحلى.

 

 كيف أشرحُ يا حبيبتي؟

اسمعي:

إنّ الحليبَ من الأسى

 يكاد يتيبّسُ في صدورِهنّ.

 لهذا

 يمشينَ... تشمّين رائحتَهن

 كأنّها الدفلى.

 

 وماذا أُخبركِ عن الرجال؟

 انظري إليهم ما أحلاهم!

 إنّهم في السوقِ والبيدر

 والجنازاتِ والمَفازات،

 يضحكون.

 وهل أحلى

 من ابتسامةِ القتلى؟

*****

على ناصيةِ شارع الحمرا، 
تَقَاطُعَ أغنيةِ "أحبّ دمشق..هواها الأرقّ"

مع صوتِك المثقلِ بالنوارسِ البحريّة والأصداف.

على تلك الناصية التي 
منحتِ يدَكِ بعصافيرها
لهرِّ حَنيني الجائع،
عليها، 
وعلى مرأى من العَلَمِ المُنهَكِ الذي يخفق بلا رياح...
مررتُ مكسورًا
بلا بائعِ الوردِ الانتهازيّ
ولا صدًى لفيروز
أدعسُ على صداه
وأصلّي.

مررتُ دونك 
بكامل 
نَقْصي.

*****

كتبتُ آلافَ القصائدِ عن الليل
ولم تقعْ نجمةٌ واحدةٌ منها 
في قلبِ حبيبتي.

ضحكتُ، ضحكت حتّى 
بانَ إبطُ أحزاني
ولم يخرجْ مَسُّ القهر منّي. 

كلُّ الطرقِ التي مشيتُ... 
كان "بروتوس" ــــ قُبَيل "روما"ـــ
يقطعُها بخنجرِه. 

رسمتُ آلافَ العصافير
ونسيتُ السماء.

استسقيتُ كلَّ الأوطان
فأمطرَتْ دماء.

*****

وهكذا

 كلمّا عدتُ للحياة من جديد،

 أجمعُ "كراكيبَ" العمر كجبلٍ صغيرٍ

 في زاوية بيتي.

 

 ذكرياتي وأيّامي وأحزاني

 وصوتي

 

 أشعلُ عود ثُقاب

 وأعطيه امرأةً مجنونةً... وأهرب.

 

أراقب من زاويةٍ أخرى

ـــــــ من جديد ـــــــ

موتي.

*****

كان هنا هذا الجدار الذي قبّلتكِ وراءه للمرّة الأولى، والثانية، والخمسين بعد المئة...

كان خشنًا كَكفّ أبي وليد الطيّان الذي فرد "خشانته" السمراء ومات قبل إنهائه.

بلى!

يذكرُه ظهري بنعومةٍ فائقة...

كان بطول شهقتين، وارتفاعُه أوطأَ من ظلالنا حين يكون القمرُ تشرينيًّا، إلاّ أنّه أعلى من كلّ الذكريات هذه الساعة وأطولُ من جدار برلين في الروح.

 

 لا أعرف من أسقطه؟ هاونٌ، أمْ قذيفةٌ أمْ مقاولُ حربٍ جديد؟

ما أعرفه أنّ ظهري بارد..

باردٌ جدًّا

 وأنّني كلّما قلتُ: "يا وطني"

 غصصتُ بطعم قبلتِك الحلوة/ المرّة في حَلقي.

دمشق

هاني نديم

شاعر وإعلاميّ سوريّ، يعمل في الصحافة المكتوبة منذ أوائل التسعينيات.